نزار ملاخا
الرِّجال معادن .... ألقوش مثالاً
( 1 )
خاهه عَمّا كَلذايا
في المحنة التي ألمَّت بألقوش، وعصفت بأجوائها الآمنة عاصفة الدواعش الهوجاء الصفراء، كما عصفت ببقية إخوتها قرى سهل نينوى مثل تلكيف وبطانيا وباقوفا وتللسقف وكرمليس وقره قوش والحمدانية وغيرها من قرى ومدن العراق الآمنة، اقول في مثل هذه الحالات تُختبر معادن الرجال، وتصبح الممارسات اليومية مثل المختبر، فكما المختبر يفحص المعادن، هكذا هي الحياة تفحص الرجال، تنتقي الجيد وترمي السئ إلى سلة المهملات، ولكن لا ننسى بأن التأريخ يسجّل كل شاردة وواردة، يكتب مواصفات الذهب ويضعه في درجته كما يكتب ويسجل مواصفات المعدن الردئ، وذلك لكي تكون الصورة واضحة، هكذا هو الحال بالنسبة للرجال ومواقفهم، يسجل موقف كل واحد في الأفراح والأتراح، في الأحزان والملمات، المواقف البطولية الشجاعة، ومواقف الخسة والنذالة والجبن والتخاذل، مواقف الصمود البطولي ومواقف الهروب والخيانة، وغيرها الكثير.
في مثل هذه الظروف العصيبة تجلّى في ألقوش مَثَلَين من الرجال، ونموذجين، هما الصالح والطالح، وفيهم مَن تجلَّت فيه قيَم الرجولة والبطولة والوفاء والإخلاص لأبناء بلدته ولتراب ألقوش الحبيبة، وفيهم مَن استغل الظرف من أجل إشباع لذّاته ومطامعه الخاصة حتى وإن تطلب الأمر سرقة قوت الفقراء والمعوَزين، أو تبرز دناءته في سرقة ما تجود به بعض المنظمات الإنسانية من مساعدات من أجل التخفيف عن ما لحق المهجرّين والهاربين من جحيم النار إلى الوديان والجبال بلا مأوى, وقد ينطبق المثل العراقي على مثل هؤلاء " مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد " .
اليوم ونحن نستمع ونرى عودة أكثر من مائتي عائلة ألقوشية إلى قريتهم ألقوش وعادوا إلى دورهم وتفاجأوا بما وجدوه، حيث رأوا دورهم كما هي، مثلما تركوها عند هبوب الرياح الصفراء، لم يطل أستغرابهم عندما عرفوا أن شباب ألقوش ورجالها أبوا على أنفسهم، ولم تتحمل غيرتهم أن يتركوا دور أبناء شعبهم وقريتهم تهب عليها الرياح كيفما تشاء، فأصبحت صدورهم أبواباً للقرية كلها، وجادوا بأغلى ما لديهم " والجودُ بالنفسِ أقصى غاية الجوُدِ " فحملوا سلاحهم وسهروا الليالي ولم يفارقوا ألقوش ولا محلاتها للحظة واحدة، والأمثلة كثيرة ومتعددة وأسماء تلك الهامات وهؤلاء الرجال يجب أن تُكتب بأحرف من ذهب، لقد كانوا من مختلف الأعمار والمواقع، شباب ورجال متوسطوا العمر وكهول، يتقدمهم السيد مدير الناحية الأستاذ فائز عبد جهوري وبعض المنظمات الحزبية والقومية في ألقوش، سجّلوا هؤلاء جميعاً مواقف بطولية ورجولية قلَّ نظيرها، وهكذا هي ألقوش دائماً، رغم النكبات العديدة التي أصابتها تقف صامدة بقوة رجالها، أود هنا وبشكل سريع جداً أن أعدد فقط النكبات التي مرّت بها ألقوش، ففي عام 1235م وقعت القوش تحت سيف التتر والمغول ففعل فعله بين أهلها وحتى المكتبات لم تسلم من تلك الفاجعة، بعدها بخمسين عاماً وفي عام 1285م تعرضت ألقوش كما تعرض غيرها من القرى إلى هجمات العشائر الظالمة، وذبحوا ما وقع تحت أيديهم منم أهلها، وفي عام 1289م أضطهد الأمير بيتميش ألقوش، وفي عام 1368م حل الدمار والخراب في ألقوش من خلال حملة تيمورلنك، وفي عام 1400م صبغ جلال الدين أبن تيمورلنك أرض ألقوش وسائر القرى المسيحية بدماء أهلها الأبرياء، وفي عام 1572م كان عقاب إلهي لها حيث أنقطع المطر ( في نفس السنة وقع زلزال في مدينة الموصل ) وعم ألقوش الجفاف وأنتشرت الأمراض والأوبئة،وكَثُرت الوفيّات فيها، وفي عام 1596م أنتشر وباء الكوليرا في ألقوش حيث قضى على أكثر من سبعمائة نسمة من أهلها، وفي عام 1757م واصل سيف طهماسب ( نادر شاه ) فعله فقتل وسبى الكثير من أهلها ولم تسلم بيوت الله من ذلك السيف الظالم، حيث يُذكر بأن مياه نهر دجلة تجمدت في تلك السنة ،وبعدها بسنة واحدة أي في عام 1758هاجمت أسراب الجراد حقول المزروعات في موسم الحصاد فابادتها كلها، وبدأت الجموع الغفيرة تتساقط أمواتاً من شدة الجوعوفي عام 1778م أنتشر مرض الطاعون في تلك المناطق وفتك بأهل ألقوش، حيث مات عدداً كبيراً منهم، وفي سنة 1832م تعرضت ألقوش إلى ما يُعرف بنكبة محمد باشا الراوندوزي، وفي سنة 1840م حاصر إسماعيل باشا حاكم العمادية ألقوش ونهب الأموال وأحرق المكاتب التاريخية، وفي سنة 1842م تعرضت ألقوش إلى مرض مما أجبرهم على الهرب إلى الجبال والإختباء في مغاراته تخلصاً من المرض, وفي سنة 1899 حدث قتال كبير بين العشائر الكردية كات ألقوش مسرحاً لها وتوالت السنين ومعها توالت النكبات وفي كل سنة نكبة جديدة، 1903م، 1905/ 1906، 1907 و 1908، 1909و 1911، 1914 بداية الحرب العالمية الأولى، وممن ثم 117و 1918 و 1919، 1924 ومن ثم حادثة الأثوريين 1933، ( المطران يوسف بابانا )
نكتفي بهذا السرد على أن نسرد في الحلقة الثانية شواهد بالأسماء مع أفعالها.
31/08/2014
952 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع