هارون محمد
لم يكن في ذهن المرحوم الدكتور جواد كاظم العبادي طبيب الأعصاب والأمراض النفسية أن ابنه (حيدر) سيتجه إلى العمل السياسي وينخرط في الأحزاب، وهو الذي سعى دائما- كما ينقل عنه معاصروه- إلى تشجيع أبنائه على تلقي العلم والاهتمام بالدروس والمدرسة، ولكنه رحل في منتصف عام 1983، والحسرة تأكل قلبه لأن أولاده الأربعة، ومن ضمنهم المكلف الحالي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، انشغلوا عنه وهو في شيخوخته، وانخرطوا في حزب الدعوة بنزعته الشيعية وتطرفه الطائفي، وهو أمر لم يحسب، أو يتحسب له، ذلك الطبيب الهادئ الذي عرف عنه أنه رجل مهني، وغير طائفي، وبعيد عن السياسة.
وليس صحيحا ما يتبجح به حيدر العبادي الآن، من أنه ارتبط بحزب الدعوة عقب نكسة يونيو 1967 كما يسرد ذلك في سيرته الشخصية المنشورة، لسبب بسيط جدا هو: أن حزب الدعوة لم يكن موجودا بهذا الاسم في ذلك الوقت. وحسب الوقائع السياسية والوثائق التاريخية فإن أول منشور صدر للحزب وهو يحمل اسم «الدعوة الإسلامية»، كان في نهاية (نوفمبر) 1971 وفيه يعلن وفاة رئيسه عبدالصاحب دخيل (أبو عصام) المعتقل في قصر النهاية يومئذ. هذا جانب، أما الجانب الآخر في هذا الأمر فإن الفتى حيدر الطالب في الصف الرابع العلمي بالإعدادية المركزية، كان منتظما في ذلك العام والأعوام التي أعقبته في تنظيمات الاتحاد الوطني، الذي يهيمن عليه البعث، ووالده مدير عام مستشفى حكومي قبل أن يختاره البعثيون عقب 17 يوليو 1968 مفتشا عاما لوزارة الصحة، التي تولاها القطب البعثي الكبير الدكتور عزة مصطفى.
وللمعلومات فقط فإن الدكتور جواد العبادي كان محسوبا على الرئيس الراحل أحمد حسن البكر، وقد تقررت إحالته على التقاعد بعد ثلاثة أشهر من استقالة البكر، أو إقالته عن الرئاسة مع مجموعة من الأطباء، أمثال خالد القصاب وسالم الدملوجي وفرحان باقر ومحمد صالح العاني وزهير البحراني وغازي السامرائي وغيرهم، وقد أعيد أغلبهم إلى الخدمة بعد عام، باستثناء فرحان باقر والعبادي اللذين غادرا إلى أميركا وبريطانيا.
وفي معهد التكنولوجيا قبل أن يتحول إلى الجامعة التكنولوجية كان طالب الهندسة حيدر جواد العبادي ضمن مسؤولي الاتحاد الوطني، وعُيّن بعد تخرجه عام 1975 معيدا، في وقت كانت سياسة «تبعيث» التعليم قد قطعت شوطا بعيدا.
وبالمناسبة فإن نوري كامل علي (المالكي) يكاد يكون الوحيد الذي استثنيَ من هذا القانون وظل على ملاك التعليم. وفي ذلك تتردد روايتان، أولاهما؛ أن ابن عمه المرحوم ضياء يحيى علي، عضو قيادة فرع الفرات الأوسط لحزب البعث، استغل موقعه القيادي ومنع نقله إلى خارج وزارة التربية.
والرواية الثانية تشير إلى أن ضابط أمن قضاء الهندية (طويريج) خلال أعوام 1975 - 1980، النقيب عدنان نبات توسط لبقاء نوري المالكي في ملاك التعليم، وسعى إلى إلغاء نقله إلى خارجه للاستفادة من “خدماته”، وهذا يعني أن المالكي كان «وكيل» أمن ومسؤوله النقيب عدنان. (لاحقا خُطف اللواء المتقاعد عدنان نبات مع نجله الأكبر من منزلهما في حي السيدية ببغداد في منتصف أغسطس 2003 وأُعدما في بلدة طويريج وعلقت جثتيهما على عامودي كهرباء وسط البلدة).
وعودة إلى حيدر العبادي، فإن المعلومات الموثقة التي كانت محفوظة في ملفه بدائرة البعثات التابعة لوزارة التعليم العالي، تؤكد أنه بعث إلى بريطانيا لنيل شهادة الماجستير في الهندسة عام 1977، وفق حصة الاتحاد الوطني لطلبة العراق، وقد نال الشهادة المذكورة في عام 1980 وسلم نسخة منها إلى دائرة المستشار الثقافي في السفارة العراقية بلندن، وكانت الحرب الإيرانية على العراق في بدايتها، وبعدها اختفت آثاره وانقطع ذكره، وتردد أنه غادر إلى إيران أو سوريا. ومن المفارقات الغرائبية أن دائرة البعثات قد هوجمت بعد عام من الاحتلال الأميركي، واغتيل مديرها مع عدد من موظفيه، وتم حرق جميع ملفات المبتعثين والموفدين دراسيا إلى الخارج منذ عام 1970 إلى عام 1990.
وفي التقييم الموضوعي لشخصية حيدر العبادي، فإن الملاحظة الأولى عنه أنه حذر ومتردد في إعلان رأيه وبيان موقفه من الأحداث مهما كان حجمها، وكان يحرص خلال السنوات التي سبقت احتلال العراق على الابتعاد عن ندوات واجتماعات المعارضة التي كانت تعقد في لندن وعدم المشاركة فيها، بينما كان يحضر جميع المناسبات الحسينية التي كانت تقام في مقر حزب الدعوة والمدرسة الخوئية ومكتبة مهدي الحكيم التي استولى عليها محمد بحر العلوم، وهو من النوع «الباطني» الذي لا تأخذ منه حقا أو باطلا، حيث تغلب على طبيعته المناورة واللجوء إلى «الزوغان» وخصوصا في المواقف الحرجة، وكثيرا ما جعل النائب الأسير أحمـد العلـواني أيـام كان مقررا للجنة الاقتصادية ورئيسها العبادي، يخرج عن طوره لأن حيدر يعمـد إلى «تمييع» القضايا ذات الأهمية، ويلجأ إلى التسويف وتجنب اتخاذ توصيات وقرارات حاسمة. ويسجل عليه أنه تواطأ عندما كان وزيرا للاتصالات خلال الفترة من يوليو 2003، إلى أبريل 2004 مع الحاكم الأميركي بول بريمر في منـح امتياز وتشغيـل خدمة الهاتف النقال في العراق عقب الاحتلال لثلاث شركات احتكارية، وثار لغط كبير عن حجم الفساد في تلك الامتيازات.
وبالمناسبة فإن وسائل الإعلام أخطأت عندما أوردت اسم حيدر كوزير للاتصالات في الحكومة المؤقتة برئاسة إياد علاوي، لأن وزير الاتصالات في حكومة علاوي هو المهندس محمد علي الحكيم.
وينقل عن النائبين؛ الكردية نجيبة نجيب، والصدرية ماجدة التميمي، وهما عضوان في اللجنة المالية النيابية التي رأسها العبادي خلال السنوات الأربع الماضية، أنه كان يتهرب من مناقشة الموضوعات التي تسبب إحراجا لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي، وكثيرا ما دعا أعضاء اللجنة إلى الامتناع عن الخوض في قضايا يتحسس منها أبو إسراء ولن يوافق عليها.
حيدر العبادي.. شخص لا يحب المواجهات مع الآخرين، وربما هذه الصفة هي التي أبعدته عن نجومية كانت تنتظره في ميدان كرة القدم، فقد كان لاعبا متميزا في منتخب منطقة الكرادة الشرقية خلال السنوات (1966 - 1970)، ولعبة كرة القدم مثل لعبة السياسة تتطلب روحا اقتحامية وعدم الخشية من الخصم، لذلك من الصعب عليه أن يجتاز المرحلة المقبلة بما تحمله من ملابسات وتعقيدات ومشاكل وأزمات، وجميعها تستلزم شجاعة لا يملكها، وجرأة يفتقر إليها.
لقد عاش العبادي خلال السنوات (1990 - 2003) تحت عباءة إبراهيم الجعفري، وتحملَّ مزاجيته المفرطة ومناكداته الدائمة، وعاش بعدها ثمـاني سنوات وهو يئن من وطأة تسلط نوري المالكي عليه ويداري عقده النفسية المزمنـة، لـذا فإن مثل هكذا شخصيـة، وبهذه الطبيعـة المستكينة لا يمكن أن تنجح في رئاسة حكومة يفترض فيها مواجهة التحديات وإيجاد حلول ومعـالجات سريعة لها، خصوصا وهي ترث تركة ثقـيلة من الخراب والـفساد والطائفيـة واللصـوصية خلفهّا لها المالكي علـى امتداد أكثر من ثمانية أعوام، كانت مليئة بالظلم والاضطهاد والتنكيل والتقتيل لملايين العراقيين، والخشية أن يكون الجعفري رئيس الوزراء الفعلي من خلف الستار، والعبادي مجرد رئيس حكومة “تصريف أعمال” علني.
1169 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع