د.سعد العبيدي
المشهد الانتخابي العراقي، مشهد يختلف عن مشاهد الانتخاب الحاصلة في المجتمعات الديمقراطية في عموم الكرة الارضية.
هنا في العراق يشمر غالبية المرشحين عن سواعدهم ليعرض الواحد منه نفسه، يتكلم عنها، يقارنها بالآخرين، يضيف اليها من التزويق غير الموجود في الأصل، ينتقد غيره من المنافسين بطريقة تعلي شأنه وتقلل من شأن الآخرين، يركب موج المطالب، يدعي القدرة على تلبيتها وحيدا، يطالب بالتغيير دون أن يضع نفسه في السلة التي طالب الجمهور بتغييرها، يركض الى الامام يتلفت الى جميع الجهات، لا يتنبه الى الجهة التي يقع عندها الوطن أو لا يضع الوطن في الطريق الذي يجري اليه:
اذ يعرض دعايته الانتخابية بطريقة مشوهة، تشوه من سمعة الوطن.
يتجادل مع المرشحين من غير جماعته بطريقة تخل بقيم الوطن.
يستغل المنصب الحكومي أيا كان المنصب وان كان رئيس قسم يستنفر جل جهده وما يأتي منه في خدمة الدعاية الانتخابية، يستغله الى العظم، لا يكترث الى الخسارة التي يتكبدها الوطن.
يكثر العطاء خلال حملته، يكرم، يبادر، لا يعير اهتماما الى القيم الوطنية.
وهنا يتجه الناخب (البعض غير القليل) صوب المعتقدات الراسخة في العقل، يهرول خلف أولئك الذين تمثل اسمائهم وأفكارهم وانتماءاتهم تلك المعتقدات، لا يجهد نفسه للتميز بين المعتقد بتطبيقاته التقليدية التاريخية وبين حاجة الوطن في وقته الحاضر الى من يطور بالفكر والمعتقد ليكون منسجما وحاجات الحياة العصرية لوطن بات جزءا من عالم يتطور في كل دقيقة.
هنا الناخب (في الغالب) قلق خائف من غده، ليست لديه الرغبة في خوض امكانية التجريب والمراهنة على الجديد، فيعمل على وفق آلية اجتماعية تقييدية (شين التعرفة أحسن من زين المتعرفة) لا علاقة له بحقيقة ان الاوطان تبنى فقط على أكتاف الجيدين أي (الزينين).
وهنا أيضا يكون الناخب (الأعم) قابع تحت عباءة العشيرة والطائفة والمذهب، يماشي في خيارته من يأتي من هذه الجهات، ليس له الاستعداد أن يختار من يأتي من غيرها دون تذكر أن البقاء تحت العباءة الواحدة خطر يدفع باتجاه التناحر وربما تقسيم الوطن.
هنا يخف نشاط المرشحين (جميعهم) بل يتعطل على وجه التقريب لمجرد الانتهاء من التصويت، لا يلتزمون للشروط ولا يلتفتون للضوابط والتعهدات التي كان أبسطها رفع الدعاية الانتخابية التي شوهت الشوارع والأبنية والحارات وكأنهم لا يعيرون اهتماما لروح الوطن.
وهنا أيضا لا يلتزم البعض من المسؤولين عن العملية الانتخابية، العاملين في المراكز ضمن جهد المفوضية بالسياقات الصحيحة، فأصبح قسم منهم يتصيد الفرص المناسبة لدس ورقة أنتخاب غير مكتملة الشروط أو تعبير ناخب خلافا للشروط اذا ما كان صوته مضمونا للحزب أو الكتلة التي يمثلها، ويتصيد فرص مماثلة لتعطيل ورقة انتخابية جاءت لصالح الكتلة المنافسة ولو بتأشير على أكثر من جهة دون الاكتراث لدوره المهني في انتاج سلوك أنتخابي كفيل ببناء الوطن.
هنا الكثير من الامور الايجابية والسلبية التي حدثت في هذه الانتخابات الاخيرة، وما دام العراق في طور البناء في كل المجالات بينها الديمقراطية، فعلى العراقيين أن يقفوا ويتمعنوا في سلوك انتخابي أبقيَّ في مجاله الوطن في أحيان ليست قليلة خلف الستارة بعيدا عن تفكير المرشح والناخب في آن معا.
منه نستنتج أن العراق بحاجة الى جهد لاعادة المشاعر الوطنية، وان على الحكومة المقبلة واجب لابد أن تضعه في أعلى أولوياتها قوامه اعادة تنشيط الوطنية العراقية لمستوى يكون فيه العراقي يشعر أنه جزء من هذا الوطن، غير مستثنى من هذا الوطن، يندفع للمساهمة في بناءه سليما لجميع الأبناء، دون أن يعاديه أحد لأبسط الأسباب.
1523 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع