حكمت سليما ن الذي اختاره الفريق بكر صدقي عقب نجاح اول انقلاب عسكري في العراق والوطن العربي في التاسع والعشرين من شهر تشرين الاول ١٩٣٦
حكمت سليمان
هو عارف حكمت بن سليمان بك بن الحاج طالب كهية القفقاسي الاصل ،ينحدر من اسرة تركمانية.
يتحدث مير بصري فيقول" اخبرني محمود صبحي الدفتري نقلا عن خالد سليمان ان اصل الاسرة من عشيرة آجق باش القفقاسية المسيحية وقد اختطف جدها – الذي عرف فيما بعد باسم الحاج طالب – طفلا فيمن كان يختطف من صبيان القفقاس وبيع في سوق الرقيق في استنبول ونشأ مسلما وجيء به الى بغداد فتقدم في المراتب واصبح معاونا للوالي داود باشا وتوفي في الوباء سنة 1831 ويقال ان سليمان فائق كان يؤدي الشهادة امام القاضي فسأله عن اسمه واسم ابيه ثم سأله عن جده فقال: وما ادراني لقد كان كافرا ( گارو)..
وحكمت بك اصغر ابناء سليمان بك واخو محمود شوكت الذي قادر قوة عسكرية لاعتقال السلطان عبد الحميد الثاني من قصره يلدز.
وقد ولد حكمت سليمان في بغداد سنة 1889 تقلد ابوه سليمان فائق بك( 1814- 1896 ) مناصب مختلفة وكان متصرفا للواء البصرة سنة 1865 – 1866 ووضع كتبا تاريخية باللغة التركية منها ( تاريخ المماليك الكولة مند في بغداد) و( تاريخ نجد) و( تاريخ المنتفق) و( مرآة الزوراء) و( حروب الايرانيين في العراق) تلقى دراسته في بغداد وتخرج في الاعدادية الملكية عام 1907 أولا ثم اكمل القسم الأهم منها في استنبول حيث درس الحقوق هناك ثم انتمى الى المدرسة الملكية الشاهنشاهية ونال شهاداتها في شباط 1911 ودخل بعد ذلك مدرسة المشاة وتخرج ضابطا احتياطيا في تشرين الاول 1911 والحق بحاشية آمر اللواء المرابط في بك اوغلي بالعاصمة التركية ثم نقل الى حاشية والى استنبول من نيسان 1912 الى تشرين الاول 1913. وكان عضوا في جمعية الاتحاد والترقي التركية ومن المعجبين بكمال أتاتورك . وكان خلال الحرب العالمية الأولى في بغداد حيث عين نائبا للوالي العثماني وظل في برلين خلال السنوات الأخيرة من الحرب ومنذ ذلك الوقت وهو يتحدث بشيء من الألمانية.
قدم الى بغداد في حاشية الوالي جاويد باشا فعين قائمقاما لمركز بغداد في 25 شباط 1914 فمديرا لمدرسة الحقوق في 16 آذار 1914 ثم مديرا لمعارف بغداد في 19تشرين الاول 1915 . ودعي الى الخدمة العسكرية ضابطا احتياطيا في الجيش التركي واوفد الى المانيا فمكث فيها الى ما بعد الهدنة.
عاد بعدها الى بغداد عام 1920 وعين مديرا عاما للبريد فمديرا عاما للبريد في 9 نيسان 1922 ثم مديرا عاما للبريد والبرق في اول نيسان 1923 وتولى القاء المحاضرات في الوقت نفسه بمدرسة الحقوق وجمعت محاضراته في كتاب( علم المال) عام 1922 . واشترك في وزارات عديدة وكان يحرص أن يشغل وزارة الداخلية كما اصبح عضوا في مجلس النواب ورئيسا له لفترة طويلة من الزمن كما عين وزيرا للمعارف في وزارة عبد المحسن السعدون الثانية ثم وزيرا للداخلية بالوكالة على اثر انتخاب وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني رئيسا لمجلس النواب ثم اصبح وزيرا للداخلية ولما استقال الكيلاني من رئاسة المجلس انتخب حكمت سليمان خلفا له وبقي في الرئاسة حتى افتتاح دورة المجلس التالية.
وفي أول تشرين الثاني 1926 حيث رشحته الوزارة لرئاسة المجلس ثانية ولكن الأكثرية انتخبت رشيد عالي الكيلاني واعتبر السعدون هذه النتيجة خذلانا لوزارته وقدم استقالته..
ثم اشترك حكمت سليمان في وزارة السعدون الثالثة وكان وزيرا للعدلية وبقي فيها الى حين استقالته في حزيران 1928 وعندما ألف السعدون وزارته الرابعة عرض على حكمت سليمان وزارة الري والزراعة فطلب حكمت وزارة الداخلية ولذلك رفض الاشتراك في الوزارة وبقي خارج الحكم حتى ألف رشيد عالي الكيلاني وزارته الأولى في آذار 1933 فاشترك فيها وزيرا للداخلية وكذلك في وزارة الكيلاني الثانية في السنة نفسها.
بعد توقيع المعاهدة العراقية البريطانية سنة 1930 انشأ السياسيون العراقيون الذين كانوا يجدون في المعاهدة انها لاتلبي مطامح وحقوق الشعب العراقي الوطنية حزبا للمعارضة باسم( حزب الاخاء الوطني) حيث كان حكمت سليمان أحد قيادييه واصبح عضوا في لجنته التنفيذية..
وكان زعيم الحزب ياسين الهاشمي ومن أعضائه رشيد عالي الكيلاني ومحمد زكي وكان الحزب على صلة وثيقة بحزب جعفر أبو التمن ( الحزب الوطني) الذي كان يحمل نفس أفكار حزب الأخاء الوطني حيث يدعو الى انهاء الانتداب وتحقيق الاستقلال.
وقد تمكن حزب الاخاء الوطني من الوصول الى السلطة في 20 آذار 1933 عندما اختار الملك فيصل الأول رشيد عالي الكيلاني رئيسا للوزراء. أما الأعضاء الأخرون في الحكومة فكانوا ياسين الهاشمي وزيرا للمالية وحكمت سليمان للداخلية .
وأثناء وجود حكمت سليمان وزيرا للداخلية في وزارة الكيلاني الأولى عام 1933 حدث عصيان الآثوريين في تموز وآب من ذلك العام ورفضت الحكومة الاعتراف للمار شمعون بالسلطة الزمنية التي دعا اليها خلافا لمقترحات الملك فيصل الأول الذي كان خارج العراق آنذاك التي تدعوا الى انهاء الأزمة باللين والتفاهم .
الا أن الحكومة تمكنت من القضاء على حركة الآثوريين بصورة دموية وكان حكمت سليمان موافقا على الاتجاه العام للسياسة التي اتبعها أمير اللواء بكر صدقي الذي قاد الحملة ضد الاثوريين.
كان حكمت سليمان يتمتع بمزايا كبيرة ومواقف حازمة.
تعرض رشيد عالي الكيلاني لسخط ومعارضة بعض رجال حزبه الذين لاموه على تهاونه في تعديل المعاهدة العراقية البريطانية التي كان الكيلاني وحزبه من المعترضين عليها قبل استلامه رئاسة الوزارة وبغية تقوية موقف وزارته ازاء هذا الوضع المتأزم طلب الكيلاني من الملك حل المجلس الا أن الملك رفض الطلب مما دفع حكمت سليمان وزير الداخلية الى تقديم استقالته تبعه وزير العدل محمد زكي ثم أعقبهما رئيس الوزراء الكيلاني نفسه في 28 تشرين الأول سنة 1933 .
لم يتمكن جميل المدفعي وعلي جودت الأيوبي اللذان خلفا رشيد عالي في الحكم من الاحتفاظ بالسلطة الا لمدة قصيرة لان الوزارة في عهديهما كانت تعاني من ضعف داخلي وهزمت أمام ضغط عشائر الفرات الأوسط التي كان يحرضها حزب الاخاء الوطني ولما فكر علي جودت في قمع ثورات الشمال بالقوة رفض أمير اللواء بكر صدقي الذي كان قائدا للقوات الشمالية بايعاز من حكمت سليمان أن يدعم الحكومة دعما فعالا فاضطر علي جودت الأيوبي الى الاستقالة في 23 آذار 1935 وعهد الملك غازي بتأليف الوزارة الى رئيس حزب الاخاء الوطني ياسين الهاشمي.
عرض ياسين الهاشمي وزارة المالية على حكمت سليمان فلم يقبلها وأراد وزارة الداخلية ذات النفوذ الأكبر ولكن الهاشمي بسبب بعض الشكوك التي ساورته لم يرغب في أن يعهد وزارة الداخلية التي تسيطر على الصحافة والشرطة الى حكمت سليمان بل عرضها على رشيد عالي فاصبح حكمت سليمان معارضا لزميله القديم في الحزب ياسين الهاشمي واخذ يلومه على عدم رعاية مصالح العراق تجاه الانكليز بدرجة كافية وانضم الى جماعة الأهالي التي كانت تتبع بزعامة كامل الجادرجي وجعفر أبو التمن منهاجا ديمقراطيا واشتراكيا .كما اصدر جريدة ( البيان) التي هاجمت ياسين الهاشمي ورشيد عالي لتساهلهما أمام الانكليز في مصالح العراق الاقتصادية المهمة .
وقد عطل ياسين الهاشمي الجريدة هذه وحاول وزير الخارجية نوري السعيد أن يتوصل الى تسوية بين الحكومة وجماعة الأهالي ولكن حكمت سليمان رفض وبدلا عن التسوية المقترحة أسس حكمت سليمان علاقات مع القائدين المتنفذين في الجيش اللواءين بكر صدقي وعبد اللطيف نوري.
لا شك أن حكمت سليمان كان في ذلك الوقت يفكر في الاستعانة بالجيش لاسقاط الحكومة لان الحكومة كانت تتمتع بتأييد أغلبية قوية في البرلمان ولا يمكن بموجب الدستور اسقاطها الا بالتصويت وحجب الثقة عنها ولذلك لم يكن من الممكن تغيير حكومة الهاشمي الا بالانقلاب وقد حقق حكمت سليمان هذا الهدف بواسطة علاقته بالجيش.
وكان بكر صدقي رجلا فعالا وطموحا وقد اخمد في سنة 1933 ثورة الاشوريين وثورات عديدة في منطقة الفرات الأوسط وكان يعتقد انه لم يكافأ على خدماته بما يستحق وقد تعاون خلال ثورة الاثوريين مع حكمت سليمان الذي كان قد حال دون ما طلبه الانكليز من تنزيل درجة بكر صدقي واحالته على المجلس العرفي العسكري واتفق الاثنان على القيام بانقلاب عسكري منذ ذلك الوقت.
لعب حكمت سليمان دورا بارزا وحيويا في اشتراك الجيش بالنشاطات السياسية فهو الذي اخبر جماعة الأهالي بان بعض الضباط أرادوا الانضمام الى الأهالي وان آخرين قد أدوا اليمين بالاخلاص لمباديء الأهالي المتمثلة في – الشعبية - حيث اتصل بالفريق بكر صدقي قائد الفرقة الثانية وأقنعه بالقيام بانقلاب عسكري يطيح بوزارة ياسين الهاشمي القائمة وتؤيده بذلك جماعة الأهالي وفئات الشعب المتبرم من حكومة الهاشمي .
وقد لاقت الفكرة ترحيبا من الفريق بكر صدقي الذي كان هو أيضا متبرما وبقية ضباط الجيش بسياسة الحكومة التي استعملت الجيش آلة بيدها لضرب خصومها من رؤساء العشائر الثائرين ناهيك عن الدوافع الشخصية ورغبة الضباط في اقامة حكم عسكري قوي على غرار الأنظمة السياسية التي استندت الى الجيش ونجحت في فرض الاصلاح الاجتماعي في كل من ايران بقيادة رضا شاه وتركيا بقيادة كمال أتاتورك.
لقد تعرف بكر صدقي بجماعة الأهالي في حزيران 1936 بواسطة حكمت سليمان في دار كامل الجادرجي فقد كان بكر صدقي طموحا وكان قد وضع نصب عينيه منصب رئيس أركان الجيش الذي كان يشغله طه الهاشمي.كما كان مدركا بان الجيش كان في مكانة تسمح له بان يلعب دورا هاما سواء عن طريق تأييد الحكومة أو باسناده للفئات السياسية الاخرى .
وكان بكر صدقي قد ولد من أبوين كرديين وكان قد أبدى أحيانا عواطفه نحو الأتراك ونحو الأكراد وحكمت سليمان – تركي – من اتباع مدرسة كمال اتاتورك الذي كان بكر صدقي قد خدم تحت امرته في الحرب العالمية الاولى وحبذ حكمت سليمان فكرة الانقلاب بسبب طموحه السياسي وأراد ان يكون الانقلاب العسكري فرصة تتاح أمامه كما كان حكمت وبكر صدقي كلاهما يحبذان قيام دولة موحدة وطنية تحت حكم فردي على غرار النظامين السياسيين التركي والايراني أو الأنظمة القائمة آنذاك في كل من ايطاليا واسبانيا وكانا قليلي الاكتراث بالتطلعات سواء على النطاق العربي أو النطاق الاسلامي اذ انهما لم يكونا متعاطفين مع أفكار القومية العربية بصورتها السائدة آنذاك.
كما أن بكر صدقي كان يعتقد أن أي انقلاب لا يمكن أن ينجح دون تأييد أو غطاء سياسي مدني واقتنع أيضا انه لايستطيع تنفيذ مآربه دون تأكيد حكمت سليمان بمساندة جماعة الأهالي له وذلك لقدرتهم على التعبئة وخلق تيار جماهيري كبير داعم له .
لقد عرض حكمت سليمان الأمر على جماعة الأهالي التي تضم كلا من حسين جميل وكامل الجادرجي ومحمد حديد وجعفر أبو التمن وعبد الفتاح ابراهيم وعبد القادر اسماعيل وذلك قبيل الانقلاب بفترة قصيرة وقد اعترض كل من جعفر أبو التمن وعبد الفتاح ابراهيم على فكرة الانقلاب العسكري وقال عبد الفتاح ابراهيم انه بتواجد الجيش في السلطة فقد لايكون من الممكن تنفيذ الحزب لبرنامجه الليبرالي لكن حكمت سليمان ذكر بان الجيش سيقوم بالانقلاب على أية حال وانه وافق على اشتراك الأهالي في الحكومة القادمة واخبرهم أن الجيش سينسحب من المسرح السياسي بعد الاطاحة بحكومة ياسين الهاشمي وطرح عليهم عدم تضييع تلك الفرصة النادرة للخلاص من دكتاتورية ياسين الهاشمي والقيام بالاصلاحات.
ومن اجل ضمان نجاح الانقلاب فقد طلب بكر صدقي من جماعة الاهالي كتابة البيان الأول الذي سيعلنه على الشعب اضافة الى كتابة الرسالة التي تقدم الى الملك غازي والتي كتبها بالفعل كل من جعفر أبو التمن وكامل الجادرجي ومحمد حديد.
وهكذا نفذ بكر صدقي انقلابه يوم 29/10/1936 حينما زحف بقواته على بغداد واجبر الملك غازي على اقالة حكومة الهاشمي وتكليف حكمت سليمان بتشكيل وزارة جديدة وهذا ما حصل بالفعل .
وصدرت الارادة الملكية الى حكمة سليمان بان يؤلف الوزارة الجديدة فلما أصر حكمة سليمان أن يكون هذا التكليف خطيا ووقع الملك غازي على خطاب التكليف الذي جاء فيه:
وزيري الأفخم حكمة سليمان
بناءا على استقالة فخامة ياسين الهاشمي من منصب رياسة الوزارة ونظرا الى اعتمادنا على درايتكم واخلاصكم فقد عهدنا اليكم برئاسة الوزارة الجديدة على أن تنتخبوا زملاءكم وتعرضوا اسماءهم علينا والله ولي التوفيق.
صدر عن قصرنا الملكي ببغداد في اليوم الرابع عشر من شهر شعبان لسنة ألف وثلثمائة وخمس وخمسين هجرية الموافق لليوم التاسع والعشرين من شهر تشرين الأول سنة ألف وتسعمائة وثلاثين ميلادية
التوقيع غازي
ويقول عبد الرزاق الحسني في كتابه تاريخ الوزارات الجزء الرابع ( سألنا السيد حكمة سليمان عن سبب الحاحه على ان يكون هذا التكليف خطيا فأجاب انه كان يخشى أن يعتبر الهاشمي اقدامه على تأليف الوزارة الجديدة بدون اذن ملكي مدون تآمرا على سلامة الدولة.
ويضيف الحسني في الجزء نفسه انه في 29 تشرين الأول 1936 باشر حكمة سليمان بتشكيل وزارته وقرر أن يشترك معه في المسؤولية من نوري السعيد وجعفر العسكري وجميل المدفعي علاوة على عبد اللطيف نوري وجعفر أبو التمن وكامل الجادرجي . لكن حينما قتل جعفر العسكري تبدل الموقف وتغير اتجاه حكمة فاضطر الى أن يستعين برجال آخرين لم ترد أسماؤهم على باله ولا على بال الفريق بكر صدقي ومن هنا نشأت الفكرة التي راجت عن( شعوبية) الوزارة وراحوا يقولون ان الانقلاب ( كردي تركي) موجه ضد سياسة العراق العربية. ورشح يوسف عز الدين لوزارة المعارف وهو موظف دولة لم يسبق له أن زج نفسه في السياسة وعين ناجي الأصيل لوزارة الخارجية وهو مكره وبقي سليمان يفكر في اختيار وزير للعدلية فلم يجد غير متصرف لواء كربلاء صالح جبر جديرا بثقته .
ويقول الحسني نقلا عن صالح جبر انه تلقى اشارة تلفونية من بغداد بعد ظهر الخميس 29 تشرين الأول 1936 تنبىء عن رغبة حكمة سليمان في التحدث اليه فظن أن حكمة التماسا يريد ولم يكن جبر قد علم بشيء مما جرى في العاصمة واذا به يكلفه بالدخول في الوزارة التي هو سائر بتأليفها فاعتذر عن ذلك فلم يقبل له عذرا فأصر على الاعتذار فلم يكن من حكمة الا أن اغلق السماعة من يده بعد أن أصر عليه بوجوب التوجه الى بغداد حالا .
ويستطرد الحسني وحينما كان حكمت في بناية وزارة الداخلية يتحدث الى بقية الزملاء الذين سيشتركون في تحمل أعباء المسؤولية ودخل عليه أربعة ضباط يحملون بنادقهم على أكتافهم وبعد أن أدوا التحية العسكرية اخبروه بان قطعات الجيش على أبواب العاصمة فصدر الأمر بوجوب دخول المدينة رغم المحاولات التي بذلت لتحول دون ذلك.
وفي مساء ذلك اليوم صدرت الارادة الملكية بتشكيل الوزارة التي جاءت على الشكل التالي.
حكمة سليمان رئيسا لمجلس الوزراء ووزيرا للداخلية ومحمد جعفر أبو التمن وزيرا للمالية ومحمد صالح جبر وزيرا للعدلية والدكتور ناجي الأصيل وزيرا للخارجية وكامل الجادرجي وزيرا للاشغال والفريق عبد اللطيف نوري للدفاع ويوسف عز الدين للمعارف.
وكان لبكر صدقي الهيمنة المطلقة على أعمال جميع الوزارات بعد أن اسند الى نفسه رئاسة أركان الجيش العراقي وأحال العميد طه الهاشمي على التقاعد فلا يقر قانون الا بعد موافقة بكر صدقي ولا يعين رئيس دائرة الا بترشيحه ولا ينقل موظف كبير الا بأمره
وقد دعي ناجي شوكت وزير العراق المفوض في أنقرة الى بغداد في 24/11/1936 للاشتراك في الوزارة الجديدة على أساس القرابة التي تربطه من جانب الأم بحكمة سليمان الا أن ناجي شوكت لم يوافق على ذلك .
وما كادت الوزارة تنتهي من حفلة الاستيزار حتى أبرقت الى متصرفي الألوية تقول:
بعناية الله وجهود الشعب الكريم وعلى رئاسة الجيش الباسل حصلت على عطف جلالة الملك المعظم بتأليف الوزارة بعد أن استقالت وزارة الهاشمي فأملي وطيد بجميع أبناء الشعب الكريم على اختلاف طبقاتهم أن يتعاضدوا ويتكاتفوا على كل ما يستوجب طمأنينة المجموع وسلامته وان يعمدوا الى الراحة بعد الذي تجشموه من متاعب في سبيل مظاهر الأفراح ورغبتي الأكيدة في أن يركن كل فرد الى مصالحه وأعماله وزراعته والله أسال أن يسدد خطواتنا ويوفقنا الى ما فيه خدمة المجموع ورفاهه واطمئنانه.
وهكذا تؤكد برقية حكمة سليمان لى المتصرفين بان وزارة حكمة سليمان جاءت الى الحكم عن طريق الجيش خلافا للفقرة الخامسة من المادة 26 من القانون الاساسي العراقي التي تنص على أن( الملك يختار رئيس الوزراء وعلى ترشيح الرئيس ويعين الوزراء وقبل استقالتهم من مناصبهم).
وقد اشيع في شوارع بغداد أن حكومة سليمان قررت أن تفتح قائمة أعمالها بقتل نوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني وياسين الهاشمي وان تصفي الحساب مع خصومها كافة على هذا الأساس . ويقول الحسني حاولت التأكد من هذا الموضوع فاتصلت بجعفر حمندي الذي الذي شغل منصب وزارة المعارف في حكومة سليمان والذي حل محل يوسف عز الدين الذي استقال وسألته عن الموضوع فقال التقيت يوم 16 نيسان 1938 في دار حكمة سليمان في الصليخ وكلمته عن فكرة التدخل بالوزارة وتصفية الحسابات مع خصوم الوزارة فقال( جاءني بكر صدقي مع زمرة من الضباط المدججين بالسلاح في مساء يوم الانقلاب الى الوزارة تقلهم أو تخفرهم اربع سيارات بالرشاشات وأعلن انه يريد قتل ياسين الهاشمي ورشيد عالي لتصفية الحساب معهم فأجبته انني لا أرى ضرورة لهذا القتل لان كل شيء جلس في مكانه ولكن بكرا أصر على وجوب تنفيذ فكرته فلاطفته وتمكنت من اقناعه بصرف النظر عن رأيه)..
ويضيف الحسني قائلا هناك روايتان رواهما لي وزيران مسؤولان أحدهما معالي السيد صالح جبر وزير المالية في وزارة حكمة سليمان وثانيهما فخامة السيد رشيد عالي الكيلاني في وزارة الهاشمي المستقيلة . فقد قال لي جبر يوم 25 مايس 1939 في ديوانه الرسمي حيث كان وزيرا للمعارف في وزارة نوري السعيد الثالثة ( لما وصلت الى بغداد من كربلاء عصر الخميس 29 تشرين الاول 1936 وفهمت كل ما جرى زرت المرحوم ياسين الهاشمي في داره وسالته عن رأيه في اشتراكي في الوزارة الجديدة فأجابني من الضرورة أن تشترك معهم .فلما أخبرته من أعذار مشروعة تحول دون ذلك أجابني لا بد من اشتراكك معهم وستساعدنا مساعدة نذكرها لك في هذا الاشتراك اذ ستخفف من غلوائهم وتحول دون فتكهم بنا فان القوم مصممون على التعرض لحياتنا.)
ويضيف الحسني وقال لي فخامة السيد الكيلاني عصر الاحد 17 نيسان 1938 وكنت في داره بالصليخ( جاءني العقيد السيد احمد المرافق الاول لجلالة الملك في يوم الجمعة 30 تشرين الاول وقال لي ان جلالة الملك يرغب في مغادرتك العراق حالا فلم أتاخر عن فهم الغاية من هذا التكليف ولا سيما بعد أن علمت أن كلا من المرحوم ياسين الهاشمي ونوري السعيد قد بلغا عين الرسالة التي حملها اليّ العقيد احمد.
وقد غادر بغداد مساء ذلك اليوم كل من ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني تصحبهما سيارات الشرطة المسلحة حتى اوصلتهما الى الحدود السورية وقد أرسل معهم حكمة سليمان ابن اخيه جزمي مراد وبعض المحافظين من أفراد الشرطة . أما نوري السعيد فقد غادر العاصمة في صباح السبت هو وعائلته ونجله صباح تحملهم طائرة حربية من السلاح البريطاني بعد أن قضوا ليلتين في السفارة المصرية ولم تكتف وزارة حكمة سليمان بأبعاد هؤلاء بل انها حينما وجدت الكثير من الموظفين والمواطنين يتعاطفون مع وزارة الهاشمي قررت ترحيل كل شخص يمت الى هؤلاء بصلة بنسب أو أي سبب وأوعزت الى لفيف من الموظفين الذين لم تطمئن اليهم بوجوب استحصال أجازات لمغادرة العراق فكان ممن غادر العراق على هذا الاساس أمين العسكري شقيق القتيل جعفر العسكري واحمد المناصفي موضع أسرار نوري السعيد وعلي ممتاز نسيب الهاشمي وغيرهم الذين ترتبت على خروجهم عقب مصرع بكر صدقي وسقوط وزارة حكمة سليمان أن أقاموا دعاوى تعويض عما لحقهم من التسفير القسري. وصدر على اثر ذلك البيان التالي:
لما كان الواجب يقضي على الحكومة أن تعمل كل ما من شانه استتباب الأمن وتامين راحة أبناء البلاد وسكانها ولأجل أن يسود الاستقرار والسكون فقد فارق العراق كل من ياسين الهاشمي ونوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني وتوصي الحكومة بان يكون رائد الجميع المصلحة العامة وفي سبيلها تفني مصلحة الاشخاص.
يذكر أن المادة السابعة من القانون الأساس العراقي تنص على ( أن الحرية الشخصية مصونة لجميع سكان العراق من التعرض والتدخل ولا يجوز القبض على أحدهم أو توقيفه أو معاقبته أو أجباره على تبديل مسكنه أو تعريضه لقيود أو أجباره على الخدمة في القوات المسلحة الا بمقتضى القانون أما التعذيب ونفي العراقيين الى خارج العراق فممنوع بتاتا).
وبعد اغتيال بكر صدقي سقطت حكومة حكمت سليمان في 17 آب 1937 وقد اتهم بالتآمر على الحكم في آذار 1939 فحكم عليه بالاعدام ثم خفف الحكم الى السجن خمس سنوات واعتقل في السليمانية وافرج عنه في نيسان 1941 فسافر الى ايران في ايار من العام نفسه وعاد الى بغداد بعد شهرين لينصرف الى شؤونه الخاصة.
وحينما قامت ثورة 14 تموز 1958 كان حكمة سليمان يزور الزعيم عبد الكريم قاسم باستمرار لأمور تتعلق بأراضي جميلة العائدة له التي باعها الى جمعية المساكن وحصلت مشاكل بخصوصها حلها عبد الكريم قاسم بان دفعت الجمعية المبالغ التي طالب بها حكمة سليمان ويعتقد انها بنصف مليون دينار آنذاك أي ما يعادل مليون ونصف المليون دولار وقد حولها قاسم الى خزينة الدولة على أساس أن حكمة سليمان لم يدفع الضرائب المتراكمة عليه طوال حياته وكان حكمة سليمان خلال الزيارات يحذر قاسم من رشيد عالي الكيلاني .
اشرف في سنواته الاخيرة على ترجمة بعض اثار والده التاريخية الى العربية وطبعها وتوفي حكمت سليمان في ناحية الاعظمية ببغداد في 6 حزيران 1964
كان حكمت سليمان رجلا حازما نبيلا طيب السريرة ميالا الى التقدم والاخذ باسباب النهضة الغربية معجبا بكمال اتاتورك وخطته وفد عرف بشدته عندما اصبح وزيرا للداخلية فقام بتأديب الاثوريين في صيف سنة 1933 وتأييد بكر صدقي الذي نكل بهم في قراهم.
كان عنوان النزاهة والكياسة قيل ان احد الوجهاء عرض عليه مبلغ خمسمائة ليرة ذهبية مقابل أمر معين أي رشوة فقال له انا لا اقبل المبلغ لنفسي فهل ترضى بالتبرع به للمدارس فقال الوجيه اجل فما كان من حكمت سليمان الا ان اخذ المبلغ وصاحبه الى الوالي وقال له ان الرجل تبرع بخمسمائة ليرة ذهبية لدائرة المعارف فشكره الوالي واثنى على صنيعه .
تحدثت عنه المس بيل المستشارة الشرقية في السفارة البريطانية في بغداد عن حكمت سليمان فقالت في رسالة لها مؤرخة في 7 شباط 1921 " ان بعض المحافل اقترحت استقدام امير عثماني ليراس الدولة العراق الجديد لكن حكمت سليمان الذي كان تركيا في دراسته وخدمته وقف معارضا بشدة لان يعهد الحكم الى احد ابناء السلطان قائلا: ان الاتراك لا يستطيعون حكم انفسهم فكيف تريدون احدهم ان يحكمنا؟
قال عنه كامل الجادرجي " ان حكمت سليمان كان يتطلع من الصميم الى اصلاح جوهري في العراق نظيرا للاصلاح الذي تحقق في تركيا على ان تسنده قوة عسكرية مع المحافظة على الصداقة الانكليزية او بالاصح مع وجوب مداراة الانكليز بقدر الامكان.
يقول مير بصري في كتابه( أعلام السياسة في العراق الحديث) حدثني احد المتصلين بحكمت سليمان في اعوامه الاخيرة انه كان يصفق يدا بيد ويقول متألما: انا الجاني، انا المسؤول، لقد كنت اول من ادقحم الجيش في السياسة فسننت سنة عادت على البلاد بالويل والثبور"
522 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع