محطات في تاريخ شرطة العراق:نشوء وتطور قوة شرطة بغداد في العهد العثماني منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حتى عام (1917م)
مُقدِّمة
تعد دراسة موضوع نشوء وتطور قوة شرطة بغداد خلال المدة الممتدة منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وحتى الاحتلال البريطاني لبغداد عام (1917م) من المواضيع المهمة التي تستحق أن نسلط الضوء عليها، ومن الملاحظ أن الدولة العثمانية شرعت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي بتنفيذ إصلاحات عدة في بعض الولايات العثمانية لأجل المحافظة على الأمن الداخلي، على الرغم من التحديات السياسية والأزمات الاقتصادية التي كانت تعاني منها، والتي تركت آثارها على الأوضاع العامة فيها بشكل واضح، ومع أن تلك الإصلاحات بدأت أولاً في إسطنبول ومناطق أخرى من الدولة العثمانية، ومن بينها إنشاء قوة لحفظ الأمن في العاصمة، وقد تمثل ذلك بتأسيس قوة الشرطة التي أخذت تمارس دوراً في السيطرة على الأوضاع الأمنية فيها.
لذلك شجع الحكومة العثمانية على تأسيس قوة للشرطة في مختلف ولايات الدولة العثمانية، ومنها ولاية بغداد، والتي تأسست فيها تلك القوة في أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر الميلادي، وعلى الرغم من أن بداية تأسيس دائرة الشرطة في مركز ولاية بغداد كانت متواضعة إلا أنها توسعت فيما بعد لتشمل باقي السناجق والألوية والأقضية، ومن ثم تأسيس مجلس - هيئة- للشرطة، وقد ساهم تأسيس تلك القوة بتحسن الأوضاع الأمنية في ولاية بغداد وانخفض معدل حدوث الجرائم فيها حتى أن بعض الصحف العراقية في ذلك الوقت، مثل صحيفة "زوراء" وصحيفة "صدى بابل" أخذت تثني في صفحاتها على الدور الذي كانت تقوم به دائرة الشرطة من أجل حفظ الأمن، بل طالبت تلك الصحف بدفع مكافئات لمنتسبي الشرطة لدورهم في توفير الأمن للمجتمع.
وانطلاقاً من المبررات السالفة الذكر، فقد وقع اختياري على موضوع البحث، وقد تم تقسيمه إلى مقدمة ومجموعة فقرات تتناول دراسة الجوانب المهمة من الموضوع، فضلاً عن الملاحق التي تطلبت طبيعة الدراسة ارفاقها بالبحث وخاتمة عن أهم الاستنتاجات التي توصل إليها الباحث.
التشكيلات الأمنية السابقة:
كانت القوات الأمنية العثمانية تتكون من تشكيلات عديدة، ومن مهماتها حفظ الأمن والنظام الداخلي للولايات العثمانية، ولها مسميات عدة (الضابطة أو الضبطية، والدرك، والجندرمة، والبوليس)، إضافة إلى قوات الجيش النظامي التي تستخدم عند الضرورة للأغراض الامنية ، وكانت ولاية بغداد مقراً للجيش السادس العثماني.
ونصت المادة الخامسة عشر من نظام الولايات (1864م)، على تشكيل قوة (ضابطة) في مركز كل ولاية من ولايات الدولة العثمانية، بقيادة ضابط كبير برتبة (ميرالآي) يسمى (ألآي بكي)، وتكون لهذه القوة وحدات في مراكز سناجق الولاية وأقضيتها، ولكن لم تشكل هذه القوة في بغداد إلا بعد مجيء الوالي مدحت باشا، الذي اصبح واليا على بغداد خلال المدة(1869-1872م)، والذي قام قام بإلغاء قوات (الهايته أو الباشبوزق) غير النظامية، التي كانت تربو أعدادها على الثمانية آلاف فرد، وشكل بدلاً منها (الآيا) من (الضبطية) وفقاً لما نص عليه نظام الولايات، وكانت قوات (الألآي) تتألف من أفواج للمشاة والخيالة بلغ عدد أفرادها حوالي سبعة آلاف رجل في عام (1870م)، وكانت قوات (الآي عساكر الضبطية) تتألف من مجلس (الألآي) التي يرأسها قائد (الألآي بكي)، ويضم في عضويته عدداً من ضباط الجندرمة، ومن ثلاثة عشر فوجاً موزعة على سناجق الولاية.
تبدل اسم قوات (الآي عساكر الضبطية) في ولاية بغداد في عام (1907م) إلى (دائرة الجندرمة)، وكان كل فوج من هذه الأفواج بأمرة ضابط برتبة مقدم (بكباشي)، وكل سرية من سرايا المشاة والخيالة كانت بأمرة نقيب (يوز باشي).
أما المهام التي أدتها قوات الجندرمة في ولاية بغداد، فكان في مقدمتها جمع الضرائب الحكومية من بعض عشائر الولاية، ونشر الأمن وتطبيق القوانين في ربوعها، وتعقب الأشقياء والخارجين على القانون وإلقاء القبض عليهم، والمساهمة في اطفاء الحرائق ، والقيام بأعمال الحراسة التي تحتاج إليها مصالح الدولة وإدارتها وغيرها من الأعمال، وكانت قوات (الجندرمة أو الضابطية) موزعة في مراكز صغيرة، ولكن لم يكن بوسع أفراد الجندرمة أن يقوموا بواجبات الشرطة على الوجه المطلوب في الطرق العامة ولا في الأسواق، إذ لم تتوفر الوسائل التي تمنحهم القدرة على مطاردة اللصوص، على أنه كان بينهم كثير من الرجال المقتدرين الأجلاد.
لقد جرت محاولات الإصلاح هذه القوات ورفع كفاءتها بعد انقلاب عام (1908م)، وذلك حينما فتحت مدرسة لقوات (الجندرمة) في مدينة بغداد سنة (1910م)، وكانت هذه المدرسة تقوم بتدريب وإعداد أفراد (الجندرمة)، وتستعين بعدد من ضباط الجيش، الذين تعار خدماتهم إليها للقيام بهذه المهمة.
خصصت الحكومة العثمانية زيادة سنوية مقدارها ( 40 ألف ليرة) سنوياً في عهد الوالي ناظم باشا، وذلك للقيام ببعض الاصلاحات في الولايات الثلاث (بغداد والبصرة والموصل) ومنها افتتاح مكتب (للجندرمة).
ويبدو أن الحكومة العثمانية كانت تعلم جيداً بضعف قوات (الجندرمة) وتعثرها في أداء واجباتها على الوجه المطلوب في الطرق العامة والأسواق ، ومطاردة اللصوص وقطاع الطرق والقتلة وتأمين سلامة المواطنين، لذلك قامت بتشكيل قوة الشرطة على أسس حديثة ومتطورة لإستباب الأمن في ولاية بغداد، وباقي المناطق التابع لها بعد تزايد حالات القتل والسرقة وغيرها من الحوادث.
تأسيس قوة الشرطة في بغداد:
تشكلت قوة الشرطة (البوليس) في ولاية بغداد في أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر الميلادي، وهي قوة شرطة خاصة بالمدن، ويبدو أن قوة الشرطة عند التأسيس كانت مفوضية (قومسيرية) وكانت إدارتها صغيرة وتعتمد على باقي تشكيلات القوات الأمنية الموجودة في داخل ولاية بغداد، ولهذا نجد إدارتها في بغداد لعام (1309هــ/1891م) إدارة صغيرة تقتصر على مركز الولاية، وتتألف من مفوض شرطة من الدرجة الثانية(قوميسير ثان) هو كاظم حلمي أفندي، ومفوض شرطة من الدرجة الثالثة (قوميسير ثالث) هو محرم أفندي، وسبعة أفراد من الشرطة.
وفي عام (1310هــ/1892م) كانت دائرة الشرطة في ولاية بغداد تتألف من مفوض ثاني أحمد عزيز أفندي، وثمانية أفراد من الشرطة
وكانت دائرة الشرطة في مركز ولاية بغداد عام (1314هـ) (1896م) تتألف من مفوض ثاني أحمد عزيز أفندي، وثمانية أفراد من الشرطة، وتألفت في عام (1316هــ/1898م) من مفوض هو ثاني محمد وفيق أفندي، وثمانية أفراد من الشرطة، وفي عام 1318 هـ 1899م، كانت دائرة الشرطة في مركز الولاية تتألف من مفوض ثاني هو محمد وفيق أفندي، وثمانية أفراد من الشرطة، وفي عام (1318هــ/1900م)، تألفت من مفوض درجة ثانية، وثمانية أفراد من الشرطة. وقد حصل تغيّر بسيط في ملاك دائرة الشرطة عام (1319هــ/1901م)، إذ تألفت دائرة الشرطة في مركز الولاية من مفوض ثاني هو محمد وفيق أفندي، وسبعة أفراد من الشرطة.
ولقد تضمنت (سالنامة) ولاية بغداد لعام 1323÷ـ 1905م معلومات عن ملاك دائرة الشرطة في مركز الولاية والذي تألف من رئيس مفوضين (سر قوميسير) وهو يشغل مدير دائرة الشرطة محمد وفيق أفندي، ومفوض ثاني محمد شكري بك، ومفوض ثاني الحاج محمود أفندي، ومفوض ثالث الحاج صالح أفندي، ومفوض ثالث صالح شوقي أفندي، ومفوض ثالث نعمان وصفي أفندي، ومفوض ثالث إبراهيم آغا، ومفوض ثالث عزت أفندي، ومفوض ثالث عبد العزيز أفندي .
وفي عام (1324هــ/ 1906م) كانت دائرة الشرطة في ولاية بغداد في مركز الولاية تتألف من رئيس مفوضين الحاج كاظم حلمي أفندي وهو يشغل مدير الشرطة في الولاية، ومفوض ثالث نعمان وصفي أفندي، ومفوض ثالث حسن أفندي، ومفوض ثالث الحاج صالح أفندي.
وفي عام (1325هــ/1907م) كانت دائرة الشرطة في بغداد في مركز الولاية تتألف من رئيس مفوضين الحاج عطا أفندي وهو يشغل مدير الشرطة في الولاية، ومفوض ثاني رفعت أفندي، ومفوض ثالث إسماعيل حقي أفندي، ومفوض ثالث عبد العزيز أفندي، والمفوض نعمان أفندي، وأربعة أفراد من الشرطة.
وقد شغل الرائد (قول اغاسي) رضا أفندي مدير دائرة الشرطة في عهد ناظم باشا والي بغداد (1910-1911م)، وفي عهد جمال بك والي بغداد(1911-1912م)، كان يشغل مدير الشرطة في ولاية بغداد أمين بك (8 تموز1911- 9 كانون الثاني 1912م).
كما شغل محمد توفيق أفندي منصب مدير الشرطة في ولاية بغداد خلال المدة (10 كانون الثاني 1912- 10 مايس 1912م)، وتبعه في المنصب نفسه محرم أفندي (14 مايس1912- 15 مايس 1915م)، وبعد ذلك انتهت مأمورية مدير الشرطة في الولاية محرم أفندي، وكلف قائمقام الكاظمية أمين بك (17 مايس 1915-24 مايس 1915م) بتولي المنصب وكالة .
ثم عين إبراهيم فوزي أفندي (25 مايس 1915- 1 حزيران 1915م) العضو الملازم في محكمة استئناف بغداد مديراً للشرطة وقد باشر في وظيفته في أواخر شهر مايس 1915، ثم جرى بعد ذلك نقل مدير شرطة الموصل محمد خالد أفندي (3 حزيران 1915- 15 تموز1915م) إلى بغداد ليتولى مدير الشرطة فيها، وقد وصل محمد خالد أفندي إلى بغداد وباشر في وظيفته في بداية شهر (حزيران 1915م)، وفي (23 تموز 1915م) تولى مديرية الشرطة وكالةً في الولاية مديرها السابق محرم أفندي.
الأنظمة والتعليمات الخاصة بالشرطة.
شروط العمل في الشرطة.
تعيين الأفراد.
حددت مديرية الشرطة في ولاية بغداد الشروط الواجب توفرها لمن يريد الترشح للدخول إلى الخدمة في سلك الشرطة بمايلي :
أولاً: أن لا يقل عمره عن الثالثة والعشرين ولا يزيد عن الثلاثين سنة.
ثانياً: أن يجيد القراءة والكتابة وأن يكون خطه واضحاً وإملاءه صحيح وأن يكون ذو قابلية لفهم الدروس التي تقرأ في مدرسة الشرطة.
ثالثاً: أن لا يقل طول قامته عن متر وأربع وستين سنتيمتراً.
رابعاً: أن لا يكون محكوماً عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف، وأن يكون حسن السيرة والسلوك ولا يتعاطى المسكرات أو يلعب القمار.
خامساً: أن لا يكون سبق اشتغاله بالخدمات الخسيسة أو السفلية.
سادساً: أن تشهد له دائرة الشرطة بأنه من أصحاب السيرة الجيدة بعد التحقيق والفحص عن أحواله.
سابعاً: يشترط فيه أن يكون سالماً من العلل والأمراض ويصلح للخدمة في سلك الشرطة.
كما عزمت الحكومة زيادة معاشات رجال الشرطة، وتم تحديد رواتب الشرطة في ولاية بغداد وباقي الأقضية والنواحي، إذ بلغ راتب الشرطي المتعين الجديد خمسون قرشاً، ومأمور الشرطة مائة قرشاً، ومفوض ثالث مائة وخمسون قرشاً.
حماية رجل الشرطة من الاعتداء:
من جهة أخرى كان في قانون الجزاء (الهمايوني) أكثر من مادة بخصوص أفراد الشرطة، إذ نصت المادة المائة وأربعة عشر من قانون الجزاء (الهمايوني): «إن كل من جَسَر أو ضرب أو عامل بالجبر والشدة أحد المأمورين أو أحد من أفراد الشرطة وهو في أثناء واجبه يحبس من ستة أشهر إلى سنتين، ويقصد هنا المعاملة بالجبر والشدة كل فعل مؤثر دون ضرب، كما لو أمسك بالرجل واستهزى به أو دفعه بيده».
وأشارت المادة المائة وستة عشر من قانون الجزاء (الهمايوني): «أن من ضرب أو جرح أحد عامة المأمورين المكلفين بالحكومة ومن ضمنهم رجال الشرطة وهم مباشرون بواجبات مأموريتهم يحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنين» .
ونشرت جريدة زوراء في عددها المرقم (2409) الصادر في (3 جمادي الآخر 1331هـ)، (10/مايس/1913م) القانون المؤقت للإدارة العمومية للولايات لعام (1913م)، وقد جاء في الفقرة الخامسة عشر من القانون المذكور سالفاً: «أن الوالي يعين المفوض ونفرات الشرطة و(نظارة) مديرية الشرطة وحدها تعين مدير الشرطة في مركز الولاية وعلى الوالي مراعاة الشروط المتبعة في ذلك»، وبموجب التعديلات التي تضمنها القانون المذكور سالفاً، أصبح بموجبه قائد (الجندرمة) ومفوض الشرطة من موظفي الدرجة الأولى في الألوية والأقضية والنواحي، واقترن تعينهم من قبل نظارة الداخلية .
كما أكدت المادة الأربعين من القانون المذكور سالفاً: «بأن الوظائف المتعلقة بانضباط اللواء والعائدة تنفيذها إلى هيئة (الجندرمة) والشرطة في داخل اللواء مرتبطة بالمتصرف والهيئتان مكلفان بتنفيذ أوامر المتصرف».
وقد نصت المادة الثانية والخمسون من القانون المذكور سالفاً: «أن كافة وظائف مأموري الشرطة و(الجندرمة) المتعلقة بالضبط مرتبطة بالقائمقامين المأمورين المذكورين مكلفين بإجراء أوامره» .
أما بخصوص العقوبات فقد كانت هنالك أنظمة وقوانين خاصة بعقوبات أفراد الشرطة في حالة اهمال الواجب أو ارتكاب أي فعل غير مناسب فعلى سبيل المثال: نصت المادة الثالثة والتسعون من قانون الجزاء (الهمايوني): «كل شرطي (مأمور شرطي) يبيع ما يعود إليه من سلاح (المسدس) وغيره من الأشياء الأميرية، أو يتلفه عمداً، أو يضيعه أو يعطيه إلى آخر لأي سبب كان من الأسباب، فإنه يحبس سنة، ويطرد من سلك الشرطة، والأشياء التي باعها أو عمداً أتلفها أو أضاعها إذ كانت موجودة تأخذ منه بإعادته من المحل الذي باعه له وإذا كانت مستهلكة، فيؤخذ منهم أثمانها ضمانة، والذين يبتاعون الأشياء التي تقدم ذكرها، أو يخفون مبيعها على علم، فإنهم يجازون بالحبس مدة شهرين إلى ستة أشهر، وكل من يتحقق فيه التكاسل أو الإهمال في استخلاص السلاح أو المسدس أو أي نوع من الأشياء الأميرية لدى سقوطها في البحر أو النهر أو عدم انقاذها من الحريق أو فقدانها في أثناء حادثة فينظر حينئذ إلى ما اقترفه من الذنب ويجازى بالحبس من (24) ساعة إلى ثلاثة أشهر مع طرد من مأموريته موقتاً بشرط أن لا يكون ذلك طرد أكثر من ستة أشهر».
مكافحة الفساد في الشرطة:
كما كانت هنالك قوانين رادعة من قبل الحكومة كل من يخالف أوامره وهي تضمن حقوق المواطنين وتمنع تجاوزات المأمورين وأخذهم ما ليس لهم حق، فقد نصت المادة المائة وتسع من قانون الجزاء (الهمايوني): «أن جميع المأمورين كبيرهم وصغيرهم أذا أخذ أحدهم على سبيل المصادر نقوداً أو غيرها من الأشياء كلية كانت أو جزئية عدا الجزاء النقدي المعين قانوناً أو استوفى شيئاً زائداً على الجزاء النقدي الذي أمر بتحصيله قانوناً كلياً أو جزئياً أو استوفى ما يمكن أن يضر الجزاء النقدي قبل المحاكمة فيسترد منه ما أخذه ضعفين يعطى أحدهما لصاحب النقود المأخوذة ويجزى المأمور المجتري على ذلك بجزاء الرشوة».
منع التجاوز على المواطنين:
كما منعت الحكومة العثمانية المأمورين من أفراد (الجندرمة) أو الشرطة أو من أفراد الجيش العثماني مهما كانت رتبهم من أي تجاوز على المواطنين ولا سيما فيما يتعلق بطعامهم، وتوعدتهم بأشد العقوبات وتغريمهم بالمال ومن ثم يطردون من الخدمة فقد نصت المادة المائة واحد عشر من قانون الجزاء (الهمايوني): «إن جميع المأمورين كباراً وصغاراً واتباعهم ومباشري المصالح والاحضار وأفراد الجنود والضابطة وضباطهم إذا نزلوا على بيوت الناس في المحال التي يردونها فأخذوا منهم الطعام جبراً أو مجاناً فيلزمون باداء ثمن ما أخذوه لأصحابه بالغاً ما بلغ ويطردون من المأمورية والخدمة ثم يؤدبون بالحبس من أسبوع إلى شهر، وأن جسر على مثل ذلك العساكر الموظفة وهم مباشرون حركة مشتركة - هو ما تجربه طائفة من الجند بأمرة رؤسائها- فيغرم ضباطهم ثمن ما أخذوه ويرد لأصحابه ويفصلون من الخدمة ويجزون بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنين».
صناديق إعانة الشرطة.
فيما يخص إعانة أفراد الشرطة صدر قانون ينص على تشكيل صندوق لإعانة أفراد الشرطة وسد احتياجتهم أثناء أداء واجباتهم أو عند خروجهم من ذلك المسلك بأي صورة من الصور سواء كان لهم أو لعائلاتهم حين وفاتهم، والجدير بالذكر أن الحكومة العثمانية أولت اهتماماً بشريحة الشرطة ولهذا أصدرت في الثالث عشر من شهر مايس ( 1915)، قانون لصندوق التصرف للشرطة ولمأموري إدارتها، يسهل إجراء التقاعد لمأموري الشرطة، إذ نصت المادة الأولى من القانون المذكور سالفاً: «كل من تبلغ مدة خدمته الخمس والعشرين سنة مع الإحالة إلى التقاعد الذي يجوز قبوله من منصوبي الولاة والمتصرفين والقائمقامية ومديري النواحي وكل مأمور من صنف الشرطة إذ تحقق لدى النظارة أن لا تحتاج إلى خدماتهم فإنه يجري تقاعدهم كم تبلغ خدمتهم الثلاثين سنة».
تأسيس هيئة مجلس الشرطة في ولاية بغداد وواجباتها.
تأسست هيئة مجلس الشرطة في ولاية بغداد عام (1323هــ/1905م) وضمت الأعضاء التالية أسمائهم:مفوض أول محمد وفيق أفندي، وهو يشغل مدير الشرطة في ولاية بغداد، ومفوض ثاني محمد شكري بك، ومفوض ثاني الحاج محمود أفندي، ومفوض ثالث نعمان وصفي أفندي، وكاتب الشرطة محمد فيضي أفندي.
وفي عام (1324هــ/ 1906م) ضمت هيئة مجلس الشرطة في مركز ولاية مدينة بغداد من مفوض أول الحاج كاظم حلمي أفندي، وهو يشغل مدير الشرطة في ولاية بغداد، ومفوض ثالث نعمان وصفي أفندي، ومفوض ثالث حسن أفندي، ومفوض ثالث الحاج صالح أفندي، وكاتب الضبط الشرطي سيد سليمان أفندي، ومن الجدير بالذكر كان من ضمن أعمال هذا المجلس النظر في الكثير من القضايا منها التي تخص مراقبة عمل وإدارة المخافر ودوريات الشرطة ومكافحة الجرائم التي تحدث في ولاية بغداد، ولم نقف على معلومات تفصيلية لهذه الهيئة.
مخافر الشرطة وتوزيعها الجغرافي في ولاية بغداد.
كانت مخافر الشرطة ( قوللوغات) منتشرة في محلات بغداد ومنها في الرصافة: مخفر محلة الفضل، ومخفر محلة السور، ومخفر محلة حمام المالح، ومخفر محلة أبو سيفين، ومخفر محلة رأس القرية، ومخفر محلة الحيدر خانة، ومخفر محلة السنك، ومخفر محلة باب الشيخ، ومخفر باب الشرقي، ومخفر الشيخ عمر، مقابل جامع الشيخ عمر، وقد تهدم في غرق بغداد عام (1333هـ/1914م) وصرف النظر عن تعميره.
أما في الكرخ فكان مخفر محلة الشيخ بشار، ومخفر محلة الجعيفر، ومخفر محلة علاوي الحلة، ومخفر المنطكة وسط الطريق بين بغداد والكاظمية (كانت تسمى الباغات)، وهذه المخافر لم يبق لها أثر، وكان يشغلها رجال الشرطة و(الجندرمة).
وورد في سالنامة ولاية بغداد لعام (1310ه/1892م) ذكر أربعة عشر مخفراً للشرطة، وازدادت المخافر إلى سبعة عشر مخفراً في عام (1318هــ/1900م) وسجل العدد نفسه في عام( 1323هـ/ 1905م) ، وازداد إلى عشرين مخفراً في عام (1325هــ/1907م).
مفوضو وأفراد الشرطة في مخافر بغداد الرصافة:
ومن ضمن أفراد ومفوضو الشرطة المستخدمون في مخافر الشرطة في مركز الولاية في بغداد/ الرصافة في عام (1324هـ/ 1906م) بما يلي:
مخفر شرطة الشورجة؛ مفوض ثالث حسن أفندي، والشرطي نجيب أفندي، والشرطي سعيد أفندي، والشرطي حسن بك.
مخفر شرطة المربعة؛ مفوض ثالث الحاج صالح أفندي، والشرطي جمعة أفندي.
مخفر شرطة أبو سيفين؛ الشرطي محمود أفندي.
مخفر شرطة حضرة الشيخ عمر، الشرطي خيراللهأفندي.
مخفر شرطة البو شبل؛ الشرطي عارف أفندي.
مخفر شرطة قنبر علي؛ الشرطي مراد بك.
مخفر شرطة السور؛ الشرطي عبد الوهاب أفندي.
مخفر شرطة الفضل؛ الشرطي عباس أفندي.
مخفر شرطة دكان شناوة؛ الشرطي توفيق أفندي.
مخفر شرطة الحيدر خانة، الشرطي محمد أفندي.
مخفر شرطة السنك، الشرطي رشيد أفندي.
مخفر شرطة رأس القرية؛ الشرطي محمد نوري أفندي.
مفوضو وأفراد الشرطة في مخافر بغداد الكرخ:
أما العاملون في مخفر شرطة الجانب الآخر(الكرخ) من ولاية بغداد في عام (1324هـ/1906م) بما يلي:
مركز شرطة الكرخ: مفوض ثالث حسون أفندي، ومفوض ثاني محمد فيض الله أفندي، والشرطي علي غالب أفندي.
مخفر شرطة الجعيفر: المفوض ثالث حلمي أفندي.
مفوضو وأفراد الشرطة في مخافر أطراف بغداد:
وأماالعاملون في مخافر الشرطة خارج مركز ولاية بغداد في عام (1324هـ/ 1906م) بما يلي:
قضاء الكاظمية؛ مفوض ثالث صالح شوقي أفندي، الشرطي سليمان أفندي.
قضاء سامراء؛ الشرطي محمد توفيق أفندي.
قضاء مندلي؛ الشرطي فائق أفندي.
قضاء خانقين؛ وكيل مفوض محمد اديب أفندي، الشرطي توفيق أفندي.
قضاء خراسان؛ مفوض ثالث إسماعيل حقي أفندي، الشرطي قاسم أفندي.
كوت الامارة ؛ مفوض ثالث عزت أفندي، الشرطي محمد شوكت أفندي.
قضاء بدرة ؛ الشرطي عبد الغني أفندي.
قضاء الدليم؛ مفوض ثالث الحاج أحمد أفندي، الشرطي علي غالب أفندي.
قضاء عنه؛ الشرطي سليمان فاضل أفندي.
سنجق كربلاء: مفوض ثاني رفعت أفندي، والشرطي صادق أفندي، والشرطي حسين أفندي، والشرطة محيي الدين أفندي.
قضاء الهندية؛ الشرطي علي أفندي.
قضاء النجف؛ مفوض ثالث صادق أفندي، والشرطي صادق أفندي.
سنجق الديوانية؛ مفوض ثاني شكري بك.
قضاء الحلة؛ مفوض أول محمد سامي أفندي، والشرطي محمد نائل أفندي، والشرطي كامل أفندي.
نلاحظ مما ورد سالفاً أن بعض الأقضية والسناجق كان فيها شرطي واحد حسبما تذكر سالنامة ولاية بغداد ويبدو أن مهام حفظ الأمن الأساسية في مثل هذه المناطق كانت على عاتق قوات (الجندرمة) في هذه المناطق، والإحتمال الأخر أن المعلومات الواردة في السالنامات معلومات ناقصة لا تتضمن جميع أفراد الشرطة العاملين في تلك المناطق.
مفوضو وأفراد الشرطة في مقر الحكومة في عام (1324هـ/ 1906م) بما يلي:
مفوض أول حسين بك، ومفوض ثالث رفعت أفندي، ومفوض ثالث إسماعيل حقي أفندي مأمور الكتابة والأمانة، ومفوض ثالث عبد العزيز أفندي، ومفوض نعمان أفندي، والشرطي صالح زكي أفندي، والشرطي محمد مخلص أفندي، والشرطي حمدي أفندي.
مأموري الإحتياط والشرطة والدورية في مخافر الشرطة في عام (1324هـ/1906م) بما يلي:
الشرطي مصطفى أفندي، والشرطي إبراهيم فوزي أفندي، والشرطي أحمد عزت أفندي، والشرطي محمود نديم أفندي، والشرطي رفعت أفندي، والشرطي محمد آزاد أفندي، والشرطي أحمد شكري أفندي.
مأمور السجن والترصد في عام (1324هـ/ 1906م): مفوض ثالث سليمان فائق أفندي، والشرطي عبد الله أفندي، والشرطي جميل أفندي.
وفي عام (1325هـ/ 1907م) كان أفراد ومفوضو الشرطة المستخدمون في مخافر الشرطة في مركز ولاية في بغداد وفي جانب الرصافة قد تكرر سجل أعداد المخافر في عام (1324هـ/ 1906م) ، ولم تكن هنالك زيادة جديدة في افتتاح مخافر جديدة في بغداد وإنما كان هنالك تغير بسيط في مراتب ومنتسبي الشرطة، فقد تم نقل البعض منهم إلى مخافر أخرى، كما أن بعض المخافر في بعض الأقضية كانت شاغرة من رتبة المفوض ولدينا مثال على ذلك، إذ كان قضاء سامراء في عام (1324هـ/1906م) كان رتبة المفوض ثالث شاغراً، فضلاً عن ذلك كان رجال الشرطة في بعض الأقضية يعملون مع مأموري (الضابطة)، وعلاوة على ذلك قام رجال (الجندرمة) بأعمال الشرطة في الأقضية البعيدة عن بغداد ولدينا مثال على ذلك في (سنجق) الديوانية في عام (1325هـ/1907م) التي أشارت سالنامة ولاية بغداد إلى وجود شرطي واحد فيها فقط، ومن الجدير بالذكر أن نشير بأن السلطات العثمانية بعد عام (1912م) استعانت بضباط عسكريين لعموم مخافر الشرطة بدل مأموري الشرطة لنقص أعدادهم.
مهام الشرطة وواجباتها.
أخذت الإدارة العثمانية بتوزيع قوة الشرطة المشكلة حديثاً أنذاك على المدن الكبرى المكتظة بالسكان، يقودهم مفوضون من الدرجات الأولى والثانية والثالثة، وكان من مهامهم الأساسية مراقبة الأشخاص المسافرين من ولاية إلى أخرى، والتعرف على هوياتهم الشخصية، وحماية الطرق والقاء القبض على اللصوص وقطاعي الطرق، كما يقوم بعضهم بتقديم بعض الخدمات الرسمية لكبار الموظفين، وكان إحضار المتهمين المطلوبين للعدالة من بين أولى مهام أفراد الشرطة كما هو متعارف عليه.
وقد نشرت الصحف البغدادية في تلك المدة أخبار عن بعض أنشطة الشرطة في هذا المجال، فقد نشرت جريدة صدى بابل في عددها المرقم (87) الصادر في (1/جمادى الأولى/ 1329هـ)، ( 30 / نيسان/ 1911م) تحت عنوان أخبار الشرطة ما نصه: «إذ قبض الشرطي عبد القادر أفندي من مخفر الحيدر خانة على عزاوي بن سلمان من أهالي سامراء قاتل (جاويش الجندرمة)، كما قبض محمود بك مأمور الشرطة على عباس عوفية الفار الشقي المشهور المحكوم خمس سنوات أشغال شاقة (بالكورك) ، وسلم إلى الحبس فنشكر همة الشرطيين الموما إليهما لا سيما همة محمود بك».
أخبار نشاطات الشرطة في الجرائد اليومية:
وعلى مستوى مكافحة الجريمة تزخر الصحافة البغدادية بأخبار عديدة عن ذلك فقد نشرت جريدة زوراء في ( 23 /أيلول/ 1914م) خبراً جاء فيه: «لما مرت دورية الشرطة للشورجة خلال الساعة التاسعة من الليل في زقاق المسيحيين صادفوا ثلاثة أشخاص ولما استفسر منهم أجابوهم باستعمال السلاح على مأمور الشرطة، فأخذوا بمتابعتهم، فعرف أن المذكورين هم حمدان بن علي من محلة راس الساقية، وحسين بن محمد من محلة العوينة، ومعهم رفيق آخر حتى الآن لم تعرف هويته، وهم إن كانوا فروا في الليل لكنه قد قبض على حمدان وحسين، ولم يزل التحري والتحقيق جار على الشخص الثالث».
ونشرت جريدة زوراء في عددها الصادر في ( 29 /مايس/ 1914م) خبراً عن «القبض على مجيد بن عزيز البالغ من العمر خمسة عشر عاماً من محلة بنات الحسن في رأس القرية، وهو يسرق بعض الأشياء من دكان الحلاق الواقع في سوق القزازين، وذلك لإنسداد السوق من نهار السبت، وقد شد شصاً بالحبل الذي معه، وفي نتيجة التحقيقات معه تبين أنه سرق سجادة وأربع بسط من (الفيلي ملا علي) الواقع (خانه) في سوق الكبير، ومن البصرة سرق ثلاث مسدسات، وذلك باعترافه وهذه الأشياء المسروقة قد جمعها عند شريكه في الجرم حسين، والحاج عبود، فاودعوا مع أوراقهم إلى جهة العدلية».
كما نشرت جريدة زوراء في ( 10 /تموز/ 1914م): «إن عبد الحسين بن محمد الذي كان قد صدر بحقه مذكرة قبض والأخذ عليه المظنون بدخوله قبل هذا بقصد السرقة إلى قصر (ساسون أفندي الموسوي) وجرحه مع صهره (شاؤول) قد قبض عليه مأمور الشرطة وسلمه إلى دار الحبس».
وكان من رجال الشرطة المعروفين في بغداد صالح أفندي الذي اشتغل قبل ذلك مفتشاً في دائرة بلدية بغداد ولما شوهد فيه الجدارة التي تؤهله أن يكون شرطياً نقل من دائرة البلدية إلى دائرة الشرطة برتبة مفوض ثم رفع إلى رتبة مفوض أول وقد أشتهر صالح أفندي بقوة بأسه وهمته في تعقب الجناة ومطاردة الأشقياء, وتوفي عام(1336هـ/1917م) بعد احتلال بغداد من قبل البريطانيين،ويأتي بعد صالح أفندي، رفعت أفندي المشهور( برفعت الشرطي) وهو برتبة مفوض أول ومن صفات هذا الرجل أنه كان ضخم الجثة بطيئاً، والذي يشاهده لأول مرة يعتقد أنه لا يتمكن من السعي على قدميه إلا بتكلف وإنما هو خلاف ذلك فإذا ما تعقب الجناة والأشقياء تابعهم بخفة الغزال وقد لعب دوراً كبيراً ما لعبه أحد من قبله, وتوفي عام(1919م).
وكانت الصحف تقدم الشكر لرجال الشرطة إذ شكرت جريدة صدى بابل همة مدير الشرطة أمين أفندي بسبب أمانته وصدقه وحرصه على الأمن والنظام في الولاية، كما شكرت جريدة صدى بابل في ( 16 /تموز/ 1911م)، ما يلي: «همة مدير الشرطة محمد توفيق أفندي لما بذله من اعرض الأمر على الوالي جمال بك وطلبه إلقاء الحجر على المحتكرين ومنعهم من مسواق الحبوب والسمن وغيرها»، ونلاحظ من جانب آخر أن بعض رجال الشرطة على النقيض من ذلك ومنهم أحد ضباط الشرطة في بغداد الذي جعل من نفسه زعيماً لكل اللصوص وقطاع الطرق في الولاية، وكان عادة يحصل على حصة من كل السرقات.
وكان من ضمن مهام الشرطة إسداء النصح للمواطنين بعدم استخدام الأسلحة النارية في المناسبات، فقد نشرت جريدة زوراء في (15 مايس 1914م) إعلاناً عن مديرية الشرطة جاء فيه: «تمنع الأهالي في المناسبات من إطلاق العيارات النارية من سطوح المنازل ومن البساتين أثناء الأحتفالات وذلك لما يسلب الراحة العمومية ودوام ذلك لا يجوز وصار هذا الحال تحت الممنوعية القطيعة، فمن يتحرك خلاف ذلك فإنه يقبض عليه ويجري في حقه المعاملة القانونية وتصادر منهم الأسلحة ويسلمون إلى جهة العدلية».
ومن ضمن مهام الشرطة أيضاً مساهمتهم في صد الفيضانات فقد ورد في جريدة زوراء في (3 /كانون الأول/ 1914م) خبراً جاء فيه تقديم الثناء على « مأمورو الشرطة أثناء فيضان نهر دجلة في شهر تشرين الثاني (1914م)، والمساهمة مع الأهالي في منع غرق مدينة بغداد ولا سيما في منطقة الرصافة على ما بدوه من الهمة والغيرة ويستحقوا لهم الشكر والتقدير على ذلك».
كما كانت شرطة بغداد تقوم بأعادة المفقودات إلى أصحابها بعد العثور عليها، فقد نشرت جريدة زوراء في ( 17 /آذار/ 1914م) إعلاناً عن دائرة الشرطة في بغداد،«أن لديها حجل فضة وذهب غازي، فمن كان صاحب ذلك فليراجع دائرة الشرطة لأجل الأثبات».
وفي ( 20 /تموز/ 1913 م) نشرت زوراء خبراً جاء فيه: «وجد بيد شخص يدعى مراد علي حسين، الكثير من المصوغات الذهبية والفضية، إذ قدرت وزنها (36) مثقال من الذهب و(16) مثقال من الفضة، فمن كان صاحبها،فليراجع دائرة الشرطة».
كما نشرت جريدة زوراء في ( 19 /تشرين الأول/ 1913م) إعلاناً صادر من دائرة الشرطة جاء فيه: «إن الشخص الذي يزعم أنه من أهالي العربان، ومن عشيرة البو فهد من صنف البقالين، ويتسمى باسم محمد بن ذياب لما جرى التحقيق عنه، وجد أنه كتم هويته وقد بقى مجهول المحل، وقد قبض عليه مأمور الشرطة في الكاظمية وبيده ثلاث ظفائر من الذهب الخاصة بحلي النساء وهي الآن محفوظة لدى دائرة الشرطة، فمن كانت مسروقة منه أو مفقودة من عنده فليراجع دائرة الشرطة».
كما اشادت جريدة زوراء في (11 /أيلول/ 1914م):«بهمة مأموري الشرطة وهم رشيد أفندي وصالح أفندي من مخفر رأس القرية الذين استجابوا لنداء المرأة المسيحية (ليلو) إذ دخل عليها بعض الأشقياء وسرقوا بعض النقود وبعض الأشياء من بيتها واثنت بذلك جريدة زوراء على عملهم البطولي وطالبت بلزوم المكافاة لهم» .
كما نشرت جريدة زوراء في (20 تشرين الأول 1915م) خبراً جاء فيه: «تم التقاط كيس من النقود في يوم التاسع والعشرين من شهر ايلول وقد حفظ في دائرة الشرطة فمن كان صاحبه فليرجع دائرة الشرطة في بغداد».
وكذلك خبراً آخر عن عثور الشرطة في بغداد في سوق الشورجة على «حجل من الفضة مكسور ملفوف بمنديل أحمر يخص العربان، وقد سلم إلى مخفر شرطة الشورجة، وأخيراً أرسل إلى المركز فمن كان صاحبه فليراجع دائرة الشرطة».
كما نشرت جريدة زوراء في ( 3 /كانون الأول/ 1914م) إعلان عن دائرة الشرطة جاء فيه: «وجد كيس فيه خاتم ومقدار من الدراهم، فمن كان صاحبه فليراجع دائرة الشرطة».
وكان من ضمن مهام الشرطة إلقاء القبض على الفارين من الخدمة العسكرية فعلى سبيل المثال نشرت جريدة الزوراء في عددها الصادر في (12/جمادى الآخرة/1332هــ)، (8/ آيار/1914م) الخبر التالي: «حين رأى مأمور الشرطة في الفضل جاسم أفندي، جنديا فاراً من الخدمة العسكرية من أفراد (النظامية) إسماعيل بن عبدالله اطلق على المؤمى إليه رصاصة من مسدسه وفي المقابلة فر ولكن التحريات الجدية اعقبته حتى قبض عليه وسلم إلى قائد المخفر والأوراق التي نظمت بحقه في هذا الباب اودعت إلى العدلية».
إعلانات مديرية الشرطة في بغداد.
ذكرت جريدة زوراء في ( 30 تشرين الأول 1913م) إعلاناً صادر من مديرية الشرطة في بغداد «لما اقتضى وضع التلفون في خمسة مواقع في المملكة ولزم تمديد سلكها وشراء ماكنة أيضاً، ولمقابل هذا المصرف جمع مبلغ مقداره اثنان وعشرون الفاً وأربعمائة وثلاث وتسعون قرشاً، بأجراء مسامرة والهمة التي صرفها عبد القادر باشا أل خضيري من أشراف المملكة ومتحيزيها في بذله الحمية والعناية والغيرة لا زالت مساعيه مصروفة في الأمور الخيرية»
ونشرت جريدة زوراء في ( 15 أيلول 1913م) إعلاناً من مديرية الشرطة «سيتعين بهذه الدفعة مأمور للحساب براتب (600) قرش ذو كفيل لمرتبات الشرطة في ولاية بغداد، فالذين لهم علم ومعرفة بالحساب والكتابة فليراجعوا دائرة الشرطة».
وأشار الوالي جمال بك أن في يوم قدومه إلى حدود الولاية رأى في أثناء الطريق جانباً من «العشائر والعربان مدججين بالأسلحة الممنوعة وغير الممنوعة، ولما كان حمل الأسلحة الأميرية الممنوعة غير جائزة إلينا وأن حاملي بندقية الصيد يقتضى أن يحملوا تذكرة الرخصة، كما هو الأصول، فيوجه العموم يجب التوصيل والإعلان بهذه الأمور وتحذير الأهالي بوسائط مناسبة ويعطى لهم مهلة من تاريخ الآن إلى مدة خمس وعشرين يوم، ولدى نهاية الأجل المذكور فكل من يوجد مسلحاً كالسابق يؤخذ منه سلاحه ولا يعاد إليه».
كما نبه الوالي جمال بك «أوامره إلى جميع الدوائر كافة على أن لا تقبل زائراً في الدائرة ما لم يكن له داع وباعث أوجب حضوره إليها، وانفذ أمره إلى الشرطة على أن يعقبوا الدوائر باعتناء ويكفوا الواقفين على أبوابها والمترددين إلى دار الحكومة دون عمل رسمي لهم».
وتلقى بعض رجال الشرطة من المخلصين بعملهم الشكر والثناء من الأهالي والصحف فعلى سبيل المثال أن الهمة والإخلاص بالعمل التي ابداها مدير شرطة بغداد محمد توفيق أفندي خلال تراسه مدير شرطة الولاية، قد تركت أثراً كبيراً على أهالي بغداد، ولذلك لاستتباب الأمن فيها، وشكرته صدى بابل وهنئته بمنصبه الجديد إذ أصبح مدير مكتب (الجندرمة)، وقد تعين محله محرم أفندي وباشر في عمله، فباركت له صدى بابل بالوظيفة.
الشرطة تكافح الاشاعات:
وكان من ضمن مهام الشرطة تتبع مثيري الفتنة والاشاعات في الولاية، فقد نبهت دائرة الشرطة إلى كذب المعلومات المنتشرة في الولاية وأنها سوف تعاقب كل من ينشر هذه الأكاذيب بأن «الحكومة ستشتغل أيام الجمعة، وتعطل الأشغال يوم الأحد وستترك التاريخ الهجري، وتستعمل الميلادي، لا يخفى أن الخلافة الإسلامية والدولة العلية العثمانية دينها الإسلام وأن يوم الجمعة هو عيد المسلمين، وله صراحة مخصوصة في الدين، وقد اتخذته الحكومة العثمانية منذ أمد بعيد يوم تعطيل الجمعة، فعلى هذا لا يمكن استبداله بيوم الأحد».
تثبيت تسجيل إقامة الأجانب في الولاية:
كانت سياحة الأجانب في الممالك العثمانية واقامتهم تخضع للقوانين، فقد جاء في المادة الثانية من قانون الولايات العمومية الصادر عام (1913م)، «أن الأجانب مجبرين على الذهاب إلى مركز الشرطة للمحل الذي يتواجدون فيه لتسجيل بياناتهم خلال خمسة عشر يوم اعتباراً من تاريخ وصولهم وتحتوي اسمائهم ومحل ولادتهم وتأريخهاوسفنهم وصنعتهم وأسباب تواجدهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم وكل من رافقهم من أولادهم الصغار وأسمائهم وأسماء زوجاتهم وتابعيهم، والمحال التي يريدون أن يسيحوا فيها أو يقيموا بها في الممالك العثمانية، ويأخذون مقابل ذلك تذكرة الإقامة أو السياحة من ذلك المركز، وفي المادة الرابعة من هذا القانون: أن الذي لا يراعي هذه التعليمات يأخذ الجزاء النقدي من الثماني إلى خمس وعشرين ليرة ذهبية عثمانية، فالأجانب في بغداد يجب أن يراجعوا مخافر الشرطة ويعطوا البيانات وفق النموذج ويأخذون في المقابل تذكرة الإقامة أو السياحة».
رفع تقارير إلى نظارة الداخلية حول الوضع الأمني:
إن قرار عزل الوالي ناظم باشا في عام (1911م) عن بغداد ترك أثراً كبيراً لدى المجتمع البغدادي لما حققه هذا الوالي من إصلاحات عديدة في الولاية إذ تمدنا الوثائق العثمانية بمعلومات مهمة رفعتها مديرية الشرطة في بغداد إلى وزارة الداخلية بعدة برقيات، وكانت في غاية الاستعجال، إذ اشارت بأن الهياج ازداد في ولاية بغداد، وتم إغلاق الدكاكين وتم تخريب اثنين من مقرات الصحف من قبل الأهالي لنشرها مقالات تستهزئ بالوالي ناظم باشا، وبدات العشائر تأتي إلى الولاية أفواجاً مطالبين بعدم عزل الوالي ناظم باشا.
انعكاس تأسيس الشرطة على الوضع الامني في بغداد:
عملت شرطة بغداد على فرض الأمن والنظام في ولاية بغداد بقدر ما تستطيع في ذلك الوقت ومع ذلك حققت نسبياً بعض التحسن ولهذ نجد تنشر تقارير عن الحوادث التي استطاعت أن تقبض على الفاعلين ولدينا مثل على ذلك فقد نشرت جريدة زوراء في ( 2 /شباط/ 1914م) نقلاً عن دائرة الشرطة في بغداد «أنه ظهر في الأسبوع الماضي في مدينة بغداد نفسها، وقوع ثلاث حوادث من السرقة وأخرى لطر الجيوب وقد قبض على الفاعلين وسلموا إلى الدائرة العائدين لها واستردت السرقات منهم هذا ما اقتضى بيانه».
علاوة على ذلك ذكرت جريدة زوراء في ( 9 شباط 1914م) نقلاً عن دائرة الشرطة في بغداد «أنه لم يقع بحمد الله في الأسبوع الماضي من الحوادث التي تستحق ومن أجل هذا يليق بالذكر الجميل ما (الضابطة) عليه من إبقاء وظائفهم المودوعة إلى عهدتهم بالبصيرة والدقة في ذلك الباب».
كما قدمت دائرة شرطة بغداد تقريراً عن نشاطه في العام (1911-1912م) وقد احصيت الجرائم التي وقعت خلال تلك المدة وتم إعلانها ليعلم به المواطنين ويظهر الفرق لديهم:
نلاحظ من الجدول اعلاه بأن عدد الحوادث قد هبط بمقدار كبير عن عام (1911م) إذ هبط بمقدار الثلث عن الجرائم التي حدثت ولا سيما فيما يخص جرائم الضرب والجرح وباقي الجرائم المتنوعة علاوة على ذلك فقط هبطت جرائم المهمة أو السرقة في ولاية بغداد، ويستثنى من ذلك جرائم القتل قد زادت بنسبة بسيطة عن العام المنصرم، ولعل هذا ما دفع جريدة صدى بابل في شهر أيلول من عام (1911م) إلى دعوة مدير شرطة بغداد إلى بذل المزيد من الهمة لفرض الأمن في الولاية.
لذلك كتبت جريدة صدى بابل «فعلى أولياء الأمر عموماً وعلى حضرة صاحب العزة مدير الشرطة خصوصاً أن يعطي جانباً عظيماً من السهر على راحة الأمة ويتخذ الوسائل الكافية لقمع جرأة أولئك الأشقياء الذين لم يفتأ منذ شهر من العبث في داخل المدينة وخارجها من نهب وسلب وسرقة وجرح... الخ، على اننا كنا نسينا هذا كله في زمان الوالي ناظم باشا، ولم نسمع أسم المسدس لعدم رؤيتنا إياه محمولاً على أواسط القوم نهاراً أو ليلاً».
الخاتمة
تعد قوة الشرطة من التشكيلات الحديثة نسبياً في ولاية بغداد إذ أنها تأسست في أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر الميلادي، وقبل ذلك كانت قوات (الضبطية أو الضابطة) - أي الجندرمة - هي التي تقوم بمعظم مهام حفظ الأمن وتعقب الخارجين على القانون وغيرها من المهام المألوفة للشرطة فيما بعد، وعندما تأسست شرطة بغداد عُهدت اليها مهام ضبط الأمن والنظام داخل المدن، في حين أختصت (الجندرمة) بتلك المهام خارج المدن.
واستمر جهاز الشرطة العُثماني في بغداد حوالي أربعة عقود من الزمن، أي لغاية الاحتلال البريطاني لبغداد في آذار (1917م)، وقد شهد جهاز الشرطة في تلك العقود توسعاً مطرداً.
كما تبين لنا من الكتب السنوية العثمانية (السالنامات) الخاصة بولاية بغداد، التي ذكرت معلومات مفصلة عن تشكيلات الشرطة ومخافرها في بغداد وخارجها، ويبدو من خلال ما نشرته صحف تلك الفترة مثل صحيفتي (زوراء) و (صدى بابل) أن تأسيس الشرطة انعكس بشكل إيجابي إلى حد ما على الوضع الأمني عموماً في بغداد، وإن كان هذا لا ينفي وجود بعض المآخذ على عدد من العاملين في شرطة بغداد.
كان الانتساب إلى الشرطة يقتضي توفر شروط حددتها الأنظمة العُثمانية لمن يرغب في الانتساب إلى هذا المسلك، كما كانت هنالك عقوبات حددها القانون بحق من يتهاون في عمله أو يبدي تقصيراً فيه.
لم تكن مهام شرطة بغداد تقتصر على مهام حفظ الأمن ومكافحة الجريمة، بل كانت هنالك مهام أخرى مثل تبليغ المكلفين بالخدمة العسكرية والقاء القبض على الفارين من الخدمة العسكرية، وإعادة المفقودات إلى أصحابها، وتسجيل إقامة الاجانب في الولاية مع معلومات كافية عنهم وغير ذلك.
ملحق رقم (2)
صورة صفحة من سالنامة ولاية بغداد لعام (1323ه/1905م) توضح أسماء مفوضي الشرطة في مركز الولاية إضافة إلى أعضاء هيئة مجلس الشرطة.
ملحق رقم (3)
صورة صفحة من سالنامة ولاية بغداد لعام (1324ه/1906م) تبين مخافر الشرطة في جانبي الرصافة والكرخ.
الملخص:
يتتبع هذا البحث تاريخ شرطة بغداد منذ تأسيسها في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ولغاية الاحتلال البريطاني لبغداد.
في شهر آذار عام(1917م)، وتشكل الكتب السنوية العثمانية (السالنامات) الخاصة بولاية بغداد، وبعض الوثائق العثمانية، والصحف البغدادية في تلك الحقبة مثل جريدة (زوراء) وجريدة (صدى بابل) وهي المصادر الرئيسية للبحث، وأما الموضوعات الأساسية التي تناولها البحث فهي؛ تأسيس وتنظيم قوة الشرطة في بغداد، ومخافر الشرطة، ومهام وواجبات الشرطة، ودورهم في حفظ الأمن ومكافحة الجريمة، مع الإشارة إلى بعض نقائص وسلبيات هذه القوة إستناداً إلى المعلومات المستقاة من المصادر المذكورة سالفاً، ولا سيما ما نشرته الصحف البغدادية المذكورة سالفاً عنها.
Abstract:
The emergence and development of the Baghdad police force since the late nineteenth century until 1917
This research tackles the history of Baghdad police since it's foundation in late 19th century until the British occupation of Baghdad in March 1917.The main sources of the research are the ottoman year books “salnameh” of Baghdad wilayet , some Ottoman documents, baghdad newspaper and other sources.
The main topics of the recent research are;the foundation and organization of Baghdad police force, police stations, police duties,their role in maintaining security and fighting crime, with reference to some shourtcomings of this force and its personnel according to the information supplied by the above mentioned Baghdadi newspapers.
من رسالة: نشوء وتطور قوة شرطة بغداد منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حتى عام (1917م)
717 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع