قصة تأسيس مدرسة التفيض الأهلية

                 

قصة تأسيس مدرسة التفيض الأهلية

           

في يوم 9/ آب/  1919 حضر إلى دار السيد علي البزركان كل من السادة حسن رضا المحامي,  إبراهيم العثمان, عاصم الچلبي, إبراهيم الواعظ, خيري السنوي وعزيز السنوي,  وبعد أن جرى الحديث حول الأوضاع العامة في بغداد والمآسي التي جبلها  الاحتلال البريطاني على العراقيين, قال السيد إبراهيم الواعظ أن السيد منير القاضي قد حاول استحصال إجازة لفتح مدرسة أهلية إلا أن السلطة لم تجزه  بحجة وجود المدارس الحكومية.

وفي اليوم التالي اجتمع كل من السيد علي البزركان والسيد حسن رضا المحامي والسيد إبراهيم العثمان والسيد عاصم الچلبي وقرروا فتح مدرسة أهلية كي تكون محلاً لاجتماعاتهم, وحرر الطلب السيد علي البزركان ووقعه كل من حسن رضا وإبراهيم العثمان وقال عاصم الچلبي أن والدي موظف في نظارة المعارف سيساعدنا هناك.

                                
حمل الطلب السيد حسن رضا وسلمه إلى النائب عبد الوهاب أفندي, وكان الأخير تجمعه صداقة مع السير برسي كوكس, ومضت عدة ايام لكن النائب عبد الوهاب لم يذهب إلى السير برسي كوكس لكثرة مشاغله.
لم ينتظر علي البزركان طويلاً وحرر طلباً آخراً ووقعه بمفرده وذهب بالطلب إلى نظارة المعارف, فوجد هناك يوسف بك نجل إبراهيم باشا الذي ساعده بالدخول إلى ناظر المعارف الكابتن”بيز", وعندما جلس علي البزركان في مكتب ناظر المعارف وقدم الطلب, قال الناظر لماذا تطلب فتح مدرسة أهلية ومدارس الحكومة كثيرة؟ أجاب البزركان أن المدارس الحكومية هي مدارس ابتدائية ولا توجد بينها مدرسة ثانوية أو إعدادية, وأكثر الشباب العراقي انقطع عن الدراسة وأخذ يتسكع في الطرقات بعد أن أغلقت المدارس الثانوية التركية ابوابها, وهم الآن يترحمون على أيام العثمانيين ويودون عودتهم للبلاد, فإذا ما حصلت على إجازة بفتح مدرسة ثانوية أستطيع أن أنقذهم من مستقبل مظلم, هذا بالإضافة إلى أن لليهود والنصارى مدارس أهلية كثيرة تجمع شبابهم.
وحينما استفسر الناظر عن مصدر نفقات المدرسة, أجاب البزركان بأن أكثر المسلمين سيشتركون في دفع مصاريفها ونفقات تأسيسها.
وبعد اربعة أيام على تلك المقابلة أرسل السير بونام كارتر ناظر العدلية طلباً بحضور علي البزركان وبوجود المترجم يوسف أفندي وطرح السير كارتر نفس الأسئلة السابقة التي وجهها ناظر المعارف, وكرر البزركان نفس الإجابة.
بعد عدة أيام جاء الكتاب التالي:
إلى علي أفندي آل بزركان الساكن في محلة الحيدرخانة رقم الدار (5 – 91), إشارة إلى كتابكم المؤرخ في 20/ آب/ 1919 إن هذه النظارة لا تعارض تأسيسكم مدرسة على أن يوافق منهاجها منهاج المعارف ومحلها يوافق الصحة.
مؤرخ في 14/ أيلول/ 1919
وبعد فتح المدرسة أقبل عليها الشباب إقبالاً كبيراً, فصارت بحق منهلاً للعلم ومنبراً للوطنية, وكان يحضر إليها كل خميس واثنين عدة مئات من الشباب وغيرهم وتلقى عليهم الخطب الحماسية والقصائد الملتهبة ومنها:
جرد الحزم وامتطي العزمَ مهراً
        ما أرى اليوم في التقاعد عذرا

لست أرضى لك الخمول شعاراً
        ومنادى العلا يناديك جهراً

وأصبحت المدرسة الأهلية النادي الذي يرتاده الشباب للمداولة في أحداث البلد التي تستجد.

                              

وعندما حضر المستر”بيل”إلى بغداد أرادت ابنته مس بيل أن تستغل فرصة حضوره إلى بغداد فدعت فريقاً من الشباب البغدادي إلى حفلة شاي لتطلع على أفكارهم وآرائهم واتجاهاتهم وميولهم, ولما وصلت بطاقات الدعوة تجمع المدعوون في المدرسة الأهلية, وعندما علموا بأن الدعوة لا تشمل علي البزركان قرروا الاعتذار عن تلبية الدعوة,

                      

وحرر السيد سلمان الشيخ أحمد الداوود الاعتذار ووقعه جميع الحاضرين وأخذ السيد محمود صبحي الدفتري القلم الذي حرر به الاعتذار للذكرى, وبعد أن علمت مس بيل بذلك حضرت إلى المدرسة واعتذرت.
استمر التلاميذ في المدرسة الأهلية في ترديد الأناشيد الوطنية والحماسية.
وفي أحد الأيام أخذ علي البزركان الطلاب وذهب بهم إلى بستان الصرافية وعلى صدورهم إشارات العلم العربي, فأرسل الميجر بلفور”الحاكم العسكري والسياسي”في طلب علي البزركان وحكم عليه بالسجن لمدة أسبوع أو دفع غرامة مقدارها”50”ربية, ودفعت الغرامة, وعلى أثرها أغلقت المدرسة يوم الخميس 12/ آب/ 1920 وألغيت إجازتها, إلا أن النائب عبد الوهاب اتصل بالسير برسي كوكس في أيلول 1920واستحصل الإجازة ثانيةً على أن يغير اسمها إلى مدرسة التفيض الأهلية.
ونقلاً عن كتاب الوقائع الحقيقية يقول الشيخ علي البزركان أنه كان جالساً في مدرسة التفيض يوم 20/ 5/ 1920 وبالتحديد في مكتب السيد طه لطفي البدري محاسب المدرسة وعند الساعة الثانية بعد الظهر دخل إلينا موزع أوراق الحكومة ويحمل بيده عدة كتب من الحاكم العسكري والسياسي بلفور, الأول موجه إلى علي البزركان..

                

والثاني موجه إلى محمد جعفر أبو التمن والثالث إلى الشيخ أحمد الداوود والرابع إلى الشيخ مهدي البصير, يدعو هؤلاء الحضور إلى مكتبه الرسمي الساعة الرابعة عصراً من نفس اليوم.
وفي الزمان والمكان المحددين حضر هؤلاء إلى سراي الحكومة وكانت المظاهرات تعم شارع الرشيد والأسواق المؤدية إلى خان دلة وسراي الحكومة تهتف بسقوط الاحتلال على أثر دهس سيارة بلفور المدعو عبد الكريم النجار الأخرس والأطرش وأدت إلى مقتله.
يقول البزركان دخلنا إلى مكتب سكرتير الحاكم المدعو ميخائيل توتونجي وسألناه عن الحاكم فقال انتظروا... وبعد فترة أمر الحاكم بلفور بحضورنا, فدخلنا ووجدناه جالساً خلف منضدة طويلة وأمامه سوط من الجلد وأمامه كذلك صحن فيه باودر أبيض وعلى جنبه لفافة قطن وهو يمسك القطن ويلوثه بالباودر وينشف وجهه من الدم أثر الرضوض التي أصابته من جراء الحجارة التي رمي بها أثناء دهس الأخرس.
وعندما جلسنا أمامه”كما يروي البزركان", كان خلف الحاكم العسكري والسياسي بلفور كلاً من مجيد الشاوي رئيس البلدية ومستر طوت والمستر تامي, فنظر إلينا ثم التفت إلى الشيخ أحمد الداوود وقال له أنت يا شيخ أحمد الآن أصبحت وطني بعد أن كنت موظفاً عندنا في الأوقاف وسرقت أثمان الشموع وعلى أثرها طردناك.. والآن لسانك أصبح طويلاً علينا,إن لسانك يحتاج إلى قطع.
فأجاب الشيخ أحمد أنا لم أعمل شيئاً حتى تقطعوا لساني, فصاح به الحاكم اسكت.

                                        

ثم التفت إلى الشيخ البصير وقاله له وأنت أيها الأعمى.. من أين أتيت؟ فأجاب البصير جئت من الحلة, فقال له الحاكم لأي سبب جئت؟ أجاب البصير للاستشفاء, فقال له الحاكم إن هواء بغداد متعفن, الآن إرجع إلى الحلة هواؤها أنقى من هواء بغداد.

             

   ثم التفت إليَّ وقال يا علي البزركان نحن الآن قررنا نفيك وإبعادك إلى هنجام, ولكن السيد عبد الرحمن النقيب تكفلك وتعهد لي على أنك تترك هذه الأعمال المهيجة للأفكار والمقلقة لراحة الأهالي.
فقلت له تسمح لي يا مستر بلفور أن أتكلم: فقال لي بصوت عال: تكلم فقلت له أنا لا أقبل كفالة النقيب ومن جملة أقوالي أني على مبدأ أقوم به, بناءاً على وعودكم لنا وهذا القتيل ”الأخرس”لا يجوز لكم أن تدفنوه لأنه مسلم وليس مسيحي وعليه سنستمر في أعمالنا الوطنية حتى تبروا بوعودكم, فنهرني صائحاً وقال لي أسكت.
ثم اشار إلينا بيده اذهبوا ولم يتكلم مع محمد جعفر أبو التمن.
 الكاتب/أحمد الخالدي

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

690 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع