ألامير عبدالإله يتحمل قيمة هدية مقدمة لرئيس الصين الوطنية
بقلم/مثنى محمد سعيد الجبوري
في شهر أيلول من عام 1974وقبل اندلاع الحرب اللبنانية بعام (1975)، جمعتني أحدى الكازينوهات في (مصيف بحمدون) في لبنان بعدد من المصطافين العراقيين ودارت (دردشة) بيننا كما هو معتاد في مثل هذه اللقاءات، تطرق فيها أحد الحضور الى موقف كان هو (بطله).
بحمدون .. لبنان
أذ كان موظفاً في وزارة المالية، يقول محدثي:
أحال إليّ المدير المباشر كتابا واردا الى الوزارة صادرا عن (البلاط الملكي) يطلب فيه قيد مبلغ (خمسون دينار) قيمة هدية مقدمة من قبل الوصي الامير عبدالاله الى رئيس جمهورية الصين الوطنية (كما كانت تسمى في حينه)، (الجنرال شان . كاي . شك) .
التوصية المثبتة على صدر الكتاب من قبل رئيس الدائرة هي (لإجراء اللازم) بمعنى علـّي اتخاذ الخطوات اللازمة للتنفيذ.
بعد قراءتي محتوى الكتاب (الكلام أيضاً للمتحدث) تناولت القلم وقمت بإعداد مذكرة، مخاطبا فيها المدير، مبيناً فيها أن طلب الامير عبدالاله لايمكن الاستجابة له لكون الهدية المقدمة منه الى رئيس جمهورية الصين (فرموزا) تعتبر هدية شخصية ويتعذر تحميلها للخزينة العامة.
استدعاني مدير الدائرة للمداولة حول ماجاء بالمذكرة، وبعد اقتناعه بمسوغات الرفض، طلب اجابة (الديوان الملكي) بما تضمنته المذكرة من اعذار ومبررات ذلك، وهذا ماحصل. بعد أيام قليلة ورد تعقيب من (البلاط الملكي) رداً على كتابنا الموجه اليه، مبيناً الآتي :
1- ان الزيارة التي قام بها الامير عبدالاله كانت بناء على دعوة من رئيس جمهورية الصين الجنرال (شان كاي شك) ووجهت للامير بصفته الوصي على (عرش العراق)، وهي بذلك لايمكن وصفها بالزيارة الشخصية، بل ذهب بصفته الرسمية التي يحملها.
2- أن الهدية المقدمة إليه كانت تحمل (شعار الدولة) (المعتمد في ذلك الوقت) وقدمت باسم الدولة العراقية لاباسمه الشخصي .
وطلب الديوان بكتابه إعادة النظر بموقف الوزارة، وقيد مبلغ (50) دينارا لصالح الديوان .
بعد الوقوف على ماجاء بالكتاب الذي أحيل ليّ أيضا للتنفيذ، أعددت مذكرة أخرى تعقيبا على الموضوع، بيـنـّت فيها بأنه برغم ماجاء من دفع وتوضيح بكتاب الديوان وهي مقنعة، غير أن ذلك لايمكن الاستجابة له أيضا، والسبب أنه كان عليهم مفاتحة الوزارة لاستحصال الموافقة المسبقة في ان نيّــة الزائر وهو (الوصي) تقديم هدية لرئيس جمهورية الدولة الزائرة باسم العراق لغرض اعتبارها هدية رسمية، وبالتالي تتحملها خزينة الدولة.
أستدعاني المدير مرة أخرى وناقشني بما جاء بالمذكرة. ومن خلال المناقشة، سألني:
هل أنت مقتنع بوجهة نظرك التي تدحض من خلالها المبررات التي طرحها (الديوان الملكي)بكتابه موضوع المناقشة؟.
أجبته: الحقيقة أن طلب الديوان سليم ومشروع ورّده يدحض ماذهبت إليه من ذريعة في رفض الطلب.
أجابني: ولماذا أذن موقفك هذا بالاصرار على الرفض؟
أجبته: لأنها تعود للأمير عبدالاله، وهو موقف (شخصي) يعكس عدم محبتي أكثر من كونه موقفا (موضوعيا)..
صلاح الدين الصباغ
وهي حالة كانت سائدة في ذلك الوقت بين أوساط المجتمع العراقي بسبب قيامه بإعدام قادة حركة مايس 1941 الشهداء (صلاح الدين الصباغ ، محمد فهمي سعيد ، محمود سلمان ،كامل شبيب، محمد يونس السبعاوي).
ابتسم المدير، وجاراني في موقفي، ووافق على توجيه كتاب بمضمون مذكرتي برغم عدم قناعته أيضا بذلك، وهكذا كان. وسكت الديوان عن استمرار مطالبته بالمبلغ، وعلمت فيما بعد أن الامير عبدالاله تحـّمل المبلغ ودفعّـه من جيبه الخاص.
يتابع محدثي:
وبرغم مرور أكثر من عقدين على الحادثة (والحديث كان عام 1974) كما بينـّت في المقدمة، إلا انني مازلت أشّعر بمدى (سخافتي) وبعقدة الذنب تجاه موقفي هذا. وتلازمني دوما تفاصيل الحادثة ولاتغادر تفكيري، والمصيبة (القول له أيضا) انني كنت موظفا صغيرا بدرجة (كاتب) فرضت رأيي، وهو غير سليم بسبب كره شخصي لا أكثر. وجاملني المسؤولون عنّي أيضا، وبغير وجه حق.
تأمل معي عزيزي القارئ الملابسات التي رافقت الحادثة، والى أين تداعت وكيف انتهت، وما يعكسه ذلك من وجود فسحة من الحرية في بيان الرأي واعتماده برغم أن الحالة التي نحن بصددها لاتمثل بمجملها الموقف الموضوعي والصحيح الذي نحن بصدد الاشارة اليه لكونه اختلط بموقف شخصي، ولوكان في حينه يمثل موقف الشارع بأغلبيتة، وندم المتحدث على موقفه بعد مرور أكثر من عقدين على حدوثه.
يذكـّرني ذلك بموقف العقيد عبدالستار العبوسي الذي أقدم على الانتحار بعد أن عانى على مدى عقدين من الزمن من عقدة الذنب بسبب اقدامه على قتل العائلة المالكة (الملك فيصل، وخاله الوصي عبدالاله، والملكة نفيسة جدة الملك، والاميرة عابدية خالة الملك وبعض العاملين الآخرين في قصر الرحاب).
رحم الله أيام زمان.
705 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع