البناية الخلفية تحولت الى اول مكتبة حكومية والصورة تعود للعام 1956
مكتبات السماوة .. منابت النور في وهدة الظلام
تشكل المعرفة وسيلة مثلى من وسائل تنوير الإنسان ونقله من مصافي الجهل والتخلف إلى تخوم النور والضوء .. ولقد ظلت الأمم تتباهى تاريخياً بما لديها من بؤر مضيئة تفتح مغاليق الحواس بغية إدراك فحوى الحياة .. وكانت أن نشأت المكتبات على هدي رغبة الأقوام في تنوير أبنائها ، فعم الضوء وتكشفت ديدنية الحركة البشرية على مسار نوراني ..
والسماوة كمدينة قدمت إليها الحضارة شأنها شأن أغلب مدن العراق التي حُرمت من نور المعرفة بسبب الهيمنة العثمانية التي جثمت على صدور العراقيين خمسة قرون وجدت مع بدايات القرن العشرين نفسها بحاجة إلى القراءة ، فتحرك أبناؤها يمنون الذات برغبة ومطلبٍ إنسانيين مشروعين فكانت هناك المكتبات التي توالدت وانشطرت .. وسعياً لإلقاء الضوء على مكتباتها ووسائل معرفتها ارتأينا تأرختها حفاظاً على الحقيقة وتوخياً للصدق .
المكتبة .. تاريخ الانطلاق
بنيت أول مكتبة عامة وكانت حكومية يؤمها القراء ويستطيعون استعارة كتاب منه في العام 1961 وتقع في محلة الغربي ، في طريق فرعي ينفتح على الشارع المطل على النهر .
وكان أول أمين لها اسمه قدّوري جميل آلقدوري ولقد حوت المكتبة آلاف الكتب المهمة والمصادر التاريخية . الداخل إلى مبناها يجتاز باب حديدي مشبك يؤدي إلى ممر يقع على جانبيه شريطان من حديقة محدودة المساحة تحتلها شجيرات دفلى وصف واطيء من شجيرات ألآس . الممر يؤدي إلى صالة معتمة وهادئة . على يمينها غرفة أمين المكتبة ،وعلى يسارها قاعة مطالعة الكتب وهي مستطيلة تتوسطها مناضد طويلة من الخشب الصاج اللامع . أما فناء الصالة فقد توسطته منضدة صاجية أيضاً . والفناء بمنضدته هذه مخصص لقراءة الصحف اليومية والمجلات الدورية العراقية والعربية فيما تمتد على الجانب الأيمن جوارير تحوي كارتات لأسماء الكتب والمصادر التي تحتويها المكتبة ، وبجوارها نافذة مربعة يتم من خلالها تقديم القارىء ورقة سحب الكتاب إلى الموظف الجالس في غرفةٍ مليئة بالرفوف ، المليئة هي الأخرى بالكتب والمجلدات حيث يغيب للحظات ويعود حاملاً الكتاب ليتسلمه القارىء ويتجه به إلى قاعة المطالعة حيث ينتظره الكرسي ، والمنضدة ، والهدوء .. الورقة تضم معلومات يدوَّن عليها اسم الكتاب ومؤلفه وتصنيفه - فيما إذا كان في موضوع الجغرافية أو التاريخ أو الأدب أو تصنيفاً علميا - .
ولقد اعتدنا ونحن عائدين من السباحة في نهر الفرات وقت ما بعد الضحى الدخول إلى المكتبة حيث نتجه إلى مجلات القادمة من لبنان مثل ( ميكي ) و( وسوبرمان )، ثم نستدير إلى مجلة ( الرياضي ) ورئيس تحريرها مليح عليوان لنطالع الأجسام الممتلئة والعضلات البارزة لرياضة كمال الأجسام متمنين أن نكون مثل ( آرنولد شوازرنيغر ) الأشقر و ( سيرجيو أوليفيه ) الأسمر .. ثم ندخل عالم الفن والفنانين والكتاب تعرضه مجلة ( الشبكة ) ، تسحبنا بعدها مجلة المصور المصرية وصورة عبد الناصر الذي خرجت جماهير السماوة في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 تحييه وتطالب الحكومة بدعم الشعب المصري في معركته المصيرية وأنفار الشرطة المساكين لا يفهمون ما هو عبد الناصر ولا ما معنى العدوان الثلاثي فقد كانوا من جذور ريفية دخلوا سلك الشرطة من اجل لقمة العيش .
ومن مجلاتنا العراقية كنا نتسابق نحن الفتية من أجل قراءة مجلتين فكاهيتين هما ( المتفرج ) و( الفكاهة ) في النصف الثاني من ستينات القرن العشرين لما تضمانه من نوادر ونكات وصور كاريكاتيرية . أذكر أن ابولو 11 عندما نزلت على سطح القمر في العام 1969 وأعلن ( آرمسترونك ) أول إنسان يضع قدمه على سطحه أن هذا القمر الذي نراه جميلاً من الأرض ما هو إلا حفر واسعة وأحجار جرداء نشرت جريدة المتفرج قصيدة شعر ( ما بقي منها في الذاكرة هذه الأبيات الثلاثة ) يقول فيها ناظمها على لسان حبيبة تعاتب حبيبها لوماً وتقريعاً :
جاءت تبخترُ في كِبَر قالت لقد صعدوا القمر
فيه البراكينُ العِظامُ وفيهِ آلافُ الحُـــفر
كنتَ تخدعني بقولِكَ في التغزُّلِ : يا قمر
وفي العام 1974 بنيت مكتبة واسعة وكبيرة في الصوب الصغير بديلة للمكتبة العامة التي في الصوب الكبير والتي شعرت الحكومة أنها لم تعد كافية للقراء ، ولسوء حظ المدينة فقد نهبت محتوياتها من الكتب والمخطوطات والبحوث في العام 1991.
ومن أجل الحصول على معلومات كافية عن تلك المكتبة قال السيد قدوري جميل أول أمين للمكتبة أنه تم افتتاح المكتبة العامة المركزية في قضاء السماوة الذي كان تابعاً إلى محافظة الديوانية (القادسية حالياً) والتابع إلى المحافظة المذكورة إداريا في أوائل عام 1961 حيث افتتحها السيد محافظ الديوانية (المتصرف حينذاك) ومعاونوه وقائمقام السماوة المرحوم عباس عليوي وكان ملاكها بادىء الأمر يتشكل من أمين المكتبة العامة وهو رئيس للدائرة المذكورة السيد قدوري جميل قدوري وقد ادخل في السنة الأولى من خدمته الدورة التدريبية المقامة في المكتبة المركزية العامة في بغداد ولمدة ستة أشهر (باللغة الانكليزية ) ثم أثناء الخدمة حصل الموما إليه على شهادة البكلوريوس في القانون من جامعة بغداد .. وكذلك موظفة متخصصة خريجة جامعة بغداد فرع المكتبات وهي هناء فالح الزعيري وتم تنسيب موظفتين هما أمل حسين وسهام جابر للعمل المكتبي وكذلك تم تنسيب السيد فاروق محمد حسن معاون لامين المكتبة الذي جاء مُبعداً من شمال الوطن .
أما موقعها فهو متميز تقع في الجهة الشرقية من المدينة في الصوب الكبير حيث الكثافة السكانية للمدينة العامل الرئيسي في إنجاحها وتقديم الخدمات لروادها حيث تقع بنايتها على الشارع المطل على نهر الفرات وكانت بنايتها تتكون من إدارة للمكتبة وقاعتان كبيرتان احدهما متخصصة للرجال والأخرى للنساء ومخزن للكتب وغرفة خارجية للحراس وكذلك يتكون ملاكها من حارسين وعامل وفلاح وقد تم تشجير حديقتها الواسعة من قبل أمين المكتبة وعلى نفقته الخاصة من شتلات الرمان والياس وأشجار النومي وفرش ارض الحديقة بالثيل .
أما كتبها فكان عددها بحدود (مئتين وعشرين ألف) كتاب من نوادر ونفائس الكتب والمراجع والدواوين والمخطوطات النادرة واتبعنا في تنظيمها وفهرستها طريقة (ملفل دُوي العشرية) أي تقسم الكتب حسب هذه الطريقة إلى عشرة أقسام 1- الدوريات 2- العلوم الفلسفية 3- العلوم الدينية 4- العلوم التحية 5- العلوم اللغوية 6- العلوم التطبيقية 7- العلوم الخاصة بالفنون الجميلة 8- العلوم الاجتماعية 9- التاريخ والجغرافية 10- الآداب والتراجم والسير .
وكل فرع ينقسم إلى عشرة فروع والعشرة فروع إلى مائة فرع وهكذا لتستوعب الإضافات من الكتب مستقبلا حتى لو تصل إلى الملايين وأعددت لها بالنسبة للفهرست نظام الكارتات ، لكل كتاب كارت فيه معلومات قيمة عن الكتاب ووصفه بشكل مبسط ولكل مجر متخصص بفرع عام وكان نظام الإعارة نوعين الداخلية والاستعارة الخارجية مُقيّد كل منهما بتعليمات . أما الاستعارة الخارجية للكتب فكانت نوعين : استعارة (حرة) بدون تأمينات نقدية على أن يتحمل مسؤوليتها أمين المكتبة ، والثانية(مقيدة) أي بتأمينات نقدية قيمتها ضعف قيمة الكتاب بموجب وصل يعطى للمستعير بالمبلغ تعاد تأميناته عند إرجاع الكتاب ولمدة (15) يوم يجوز تجديده بموافقة المكتبة .
وبعدها اقترحت أن تُبنى مكتبة نموذجية عصرية وتمت الموافقة على بنائها من قبل مجلس المكتبات برئاسة المحافظ آنذاك أي محافظ المثنى السيد (عياده صديد ) وطلبنا أن تُعد خارطة فيها جميع الأقسام مثل قاعة البحث وقاعة النساء وقاعة الرجال وقاعة الدوريات (المجلات والجرائد) وقاعة للاجتماعات الخاصة بالمحافظة ومخزن للكتب واسع جداً وقاعة للمرئيات والمسموعات وإدارة كبيرة وتم تأثيث المكتبة بكل ما هو حديث وفاخر وحتى نظام التبريد (غرفة واسعة لمكائن التبريد والتدفئة) ولكن خلافي ومعارضتي بالكتب الرسمية للسيد المحافظ والمقابلات كلها لم تجدِ نفعاً حيث طلبت أن تكون بناية المكتبة الجديدة في الصوب الكبير من المدينة لان إنجاح المكتبة يتوقف على الكثافة " إلا أنها بنيت في الصوب الصغير . وقد نهبت في العام 1991 .
في العام 1965 افتتحت مكتبة عامة أهلية للقراء في الطابق الثاني من حسينية آلبوشكاك في شارع باتا . وكانت محتوياتها تعود للشيخ مهدي محمد رضا الملقب ( السماوي ) ، وتضم كتباً دينية وفلسفية وأدبية. وكثيراً ما دخلتها في فتوتي وقرأت فيها الكتب الأدبية وخصوصاً روايات ( جرجي زيدان ) التاريخية والتي يوظف فيها أحداث تاريخية ليمزجها بخياله ولغته السردية المؤثرة والمثيرة . ولقد أغلقت في العام 1971 حين شعر النظام الحاكم أنها تشكل خطراً عليه عندما تهجَّس أن دوافع وجودها دينية تنظيمية .
مكتبات بيع الكتب والمجلات والصحف
أما المكتبات الأهلية التي تبيع الصحف والمجلات - غير المخصصة للقراءة والاستعارة - فتشير الوقائع بناء على ذاكرة الكبار أن أول مَن افتتح مكتبة أهلية هو:
(1) مكتبة كان صاحبها الشاعر طارق الدهان . كان ذلك في العام 1946ومكانها في الدكان الذي شغله حسون عبود آلسعودي في السبعينات ، وحالياً مدخل خلفي للعمارات السكنية التي تبدأ من فم السوق الكبير المسقف ويقع في الجانب الأيمن . وكانت تبيع المجلات والصحف .
مجموعة من القراء ويقف خلفهم صاحب مكتبة مطشر جبر حاملاً جريدة البلاد 1959
(2) مكتبة مطشر جبر وتقع في السوق الكبير مقابل دائرة بريد السماوة الذي هو جزء من المجمع الحكومي في مبنى السراي . وسميت بمكتبة الجمهورية بعد ثورة 14 تموز 1958 ، كانت تبيع الصحف اليومية المحلية والمجلات العراقية والعربية ، ويزدحم في مدخل المكتبة القراء منتظرين الصحف التي يجلبها القادم من العاصمة والذي عادة ما يصل بعد الساعة الواحدة .
(3) مكتبة عبد علي الحاج حمود وكانت تبيع الكتب والصحف والمجلات اضافة إلى القرطاسية .
(4) مكتبة حسن الزعيري وتقع في شارع مصيوي ( شارع الفنادق حالياً ) وصاحبها حسن فالح الزعيري . افتتحت في عام 1974وكانت تضم مختلف الكتب وتباع فيها الصحف والمجلات . كان صاحبها مثقفاً مولعاً في القراءة ويمتاز بذاكرة قوية في مضمار معرفة أسماء الكتب ومؤلفيها وفحواها . ويدخل معك في حالة من العرض وسكب المعلومات حالما تسأله عن جئت تبغي شراءه .
(5) مكتبة عبد الرحمن محمد أبو تنك . وتقع في السوق ( راس ركن ) مدخل سوق القصابين ، مقابل دكان غني الشيخ كاظم ، ليس بعيداً عن مكتبة مطشر جبر .
(6) مكتبة حاج عبد العزيز الحاج حمود وتقع بجوار مكتبة أخيه عبد علي . لم تكن مكتبة أساسية لكنها كانت تبيع الكتب ومتخصصة في بيع القرطاسية .
(7) مكتبة لطفي جبر .وكان أول افتتاحها في شارع الجسر في الطرف الشرقي في العام 1972 في محل عبد الأمير جياد الذي كان يبيع البيبسي كولا ، ثم بعد ذلك انتقلت إلى شارع مصيوي مقابل مدرسة سومر الابتدائية ، ولم تدم طويلاً فأغلِقت في العام 1975.
(8) مكتبة ( الآمال ) وتقع في الطرف الغربي في شارع الاستقلال مقابل حمام الحسيني في العام 1973 وصاحبها هاشم سيد حسين . وتبيع الكتب والمجلات والقرطاسية .
(9) مكتبة ( الجمهورية ) وتقع في مصيوي ( شارع الفنادق ) جوار مكتبة حسن الزعيري . افتتحت في العام 1972 وصاحبها محمد مطشر . أغلقت في العام 1978 بعد بدء حملة رجال أمن النظام البعثي على الشيوعيين .
(10) مكتبة ( الطليعة ) افتتحت في العام 1974 وصاحبها رزاق محمد عبد وتبيع الصحف والمجلات واستطاعت الصمود بعدما أقفلت المكتبات ولم تبق غيرها .
(11) مكتبة ( الدار الوطنية ) وهي مكتبة حكومية تابعة لوزارة الإعلام وتأسست في العام 1982وكان يديرها إسماعيل محمد علي . ثم تحولت في العام 1987إلى شركة مساهمة . كان فيها 51% من رأسمال الدولة و 49% من المساهمين من القطاع الخاص . رست المناقصة فيها على جاسم شفيج ، وهو شخص مثقف وباحث ، كتب الكثير من البحوث ويمتاز بذاكرة قوية ومقدرة متميزة في الحفظ . وقد ألغيت الدار في العام 1988
مكتبة كنوز التراث حاليا .. وصاحبها علاء الغرّه
(12) مكتبة ( كنوز التراث العربي ) افتتحت في الشهر الأول من عام 1998وصاحبها علاء حسين الغرّه وهو شاب مثقف وله باع واسع في المعرفة .
مكتبة كنوز التراث من الداخل حاليا
وهي أضخم مكتبة تضم مختلف الكتب العلمية والطبية والأدبية والتاريخية إضافة لبيع المجلات المحلية والقادمة من الدول العربية كما تبيع أشرطة التسجيل والأقراص الليزرية والبرامجيات العلمية. ويتواصل معها طلاب العلم إذا تحتوي كتب الدراسات الجامعية في الطب والصيدلة والعلوم الأخرى .
وهناك مكتبات صغيرة في الحي الشرقي ومحدودة البيع منها
(13) مكتبة ( الأنوار ) افتتحت في العام 2004 وصاحبها حسن حرجان حميد وكان صانعاً منذ صغره في فترة فتوته زمن السبعينات وبداية الثمانينات في مكتبة حسن الزعيري . واكتسب من عمله خبرةً وبما نما لديه من حب الكتاب أهَّلاه إلى افتتاح مكتبة هو صاحبها حملت اسم ( الأنوار ) . وكان يُشاهد وهو يبيع الكتب على الرصيف زمن الحصار .
(14) مكتبة ( النهرين ) وصاحبها نعيم غريب عواد . افتتحت في العام 2004 وهي تبيع الكتب والمجلات إضافة إلى القرطاسية وتقع بجوار مكتبة الأنوار .
ويلاحظ المراقب أن عقد الثمانينات والتسعينات خلت من وجود مكتبات أو افتتاح مكتبات جديدة . ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت في العام 1980 واستمرت حتى العام 1988 لتتواصل مع فترة احتلال الكويت في العام 1990 وما تلاه من حرب إعادة الكويت ، ثم الحصار الذي فرض على العراق واستمر حتى سقوط النظام في العام 2003 .
722 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع