الزعيم عبد الكريم قاسم
هو عبد الكريم بن قاسم محمد البكر الذي ينحدر من عائلة عراقية فقيرة حيث كان والده قاسم يشتغل نجارا في محلة( المهدية) ببغداد حيث وضعت زوجته ( كيفية) ابنها عبد الكريم عام 1914 ليصبح الابن الثالث بعد حامد الكبير وعبد اللطيف الوسط . ففي الخطاب الذي القاه عبد الكريم قاسم في 6/1/1962 تطرق الى موضوع نشأته قائلا( انني ابن الفقراء، شخص فقير، وجدت وعشت في حي الفقراء وقاسيت زمنا طويلا من مرارة العيش ولكننا نملك الغنى، غنى النفس وكنا نملك الغنى غنى الاباء) دخل عبد الكريم المدرسة الابتدائية عام 1921 حين بلغ السابعة من العمر ،
احد صفوف طلاب الثانوية المركزية للبنين ،،،ويظهر الطالب عبد الكريم قاسم ( الله يرحمه ) وهو الخامس من اليمين في الصف الأخير.
وفي عام 1927 دخل عبد الكريم الثانوية المركزية التي كانت انذاك مدرسة متطورة ومتقدمة على مثيلاتها في العراق اذ كانت المدرسة البغدادية الوحيدة التي يطمح الاباء الى ادخال اولادهم فيها ، حيث قضى عبد الكريم فيها زهاء خمس سنوات( 1927- 1931) حيث تخرج فيها ثم انضم الى الاسرة التعليمية وعين معلما للغة الانكليزية بمدرسة الشامية احد اقضية لواء ( محافظة) الديوانية( القادسية حاليا) جنوب العراق .، وكان هديب الحاج حمود ( الذي اصبح وزيرا للزراعة في اول حكومة عقب ثورة 14 تموز 1958) احد تلاميذ عبد الكريم قاسم في الصف السادس . ويعتز قاسم بتلك الفترة التعليمية اذ قال في خطاب القاه في حفل افتتاح المؤتمر الاول للتربية والتعليم في العراق في 15/9/1960 جاء فيه( ما زلت ذلك الفرد البسيط من زمرتكم ، زمرة التعليم ، فقد سبق لي ان اشتغلت بمهنة التعليم مدة من الزمن وخبرت بنفسي الصعوبات والمصاعب التي يعانيها ويلاقيها اخواني المعلمون والمعلمات) ولم يمض عبد الكريم اكثر من سنة دراسية واحدة في الشامية عاد بعدها الى بغداد. وفي تلك السنة التي عاد فيها عبد الكريم من الشامية الى بغداد عام 1932 وزعت الكلية العسكرية اعلانا على التلاميذ من اصحاب الشهادة الثانوية تحثهم للانتساب الى الجيش برتبة ضابط.
وقدم عبد الكريم اوراقه وتم قبوله فيها في 15 ايلول /سبتمبر 1932دون اية وساطة كما يقول شقيقه حامد الا ان اخرين قالوا لولا وساطة ابن عمته محمد علي جواد قائد القوة الجوية انذاك لم يقبل عبد الكريم قاسم في الكلية العسكرية التي تخرج فيها في 15 نيسان/ابريل 1934 والتحق بالفوج الثالث بامرة العقيد كامل شبيب( احد قادة حركة مايس عام 1941).
حيث كان عبد الكريم خلال تلك الفترة تلميذا في كلية الاركان للفترة من( 24 كانون الثاني 1940 – 11 كانون الاول 1941 ).
وحينما دخل العرب في حرب فلسطين عام 1948 كان عبد الكريم ضمن التشكيلات العراقية المقاتلة التي خاضت المعارك في فلسطين وكان آمر الفوج الثاني في جحفل اللواء الاول وبرتبة مقدم ركن وكان آمر جحفله العقيد الركن محمد نجيب( رئيس مجلس السيادة بعد 14 تموز) ومعه في اللواء نفسه الرئيس( النقيب) رفعت الحاج سري آمر سرية الهندسة الثالثة ضمن مسؤولية وحدات الجحفل الاول – جبهة طول كرم – ذات الاهمية الاستراتيجية.
وقد ابلى عبد الكريم هناك بلاءا حسنا وخاصة حينما هاجمت القوات الصهيونية يوم 20 آب/اغسطس ( كفر قاسم) بالمشاة والمدرعات وباسناد نيران الهاون والرشاشات وتقدمت بعض قوات العدو واقتربت من مواضع الاحتياط، الا ان عبد الكريم لم يمهل الصهاينة الذين احتلوا (بيارة المختارة وابنية المعسكر البريطاني الشمالية) مزيدا من الوقت وقام بهجوم مقابل سريع استمر حتى الساعة الخامسة من صباح يوم 21 آب/اغسطس واستطاع طرد العدو والسيطرة على الموقف واسترجاع ابنية المعسكر البريطاني الشمالية وبيارة المختار والتلول الواقعة في جنوب كفر قاسم ولم يتكبد فوج عبد الكريم سوى اربعة جرحى من المراتب.
وفي اليوم التالي قام عبد الكريم بطرد قطاعات العدو التي حاولت ثانية التسلل الى بيارة المختار وكفر قاسم. حصل بعدها عبد الكريم على كتابيّ شكر من قائد القوة العراقية في الاردن لدوره البطولي في الهجوم على مواقع الصهاينة على ( رأس التل) يوم 13 حزيران 1948 ولاسترجاعه المواقع في كفر قاسم وبيارة المختار.
يتحدث العميد خليل ابراهيم حسين في موسوعته عن (ثورة تموز) عن دور عبد الكريم قاسم في فلسطين قائلا( ان المقدم عبد الكريم قاسم قد أمر حينئذ بطارية المدفعية الملحقة به ان تضرب المواقع الصهيونية لمعاونة الجيش المصري الذي يضرب بالنقب او بالرد على نيران اليهود التي قصفت مواقع فوجه، كما ادعى هو في المجلس التحقيقي ولم يكن عمله هذا يرضي القيادة العراقية فاحالته الى مجلس تحقيقي وفيه ادين في الاولى وبرىء في الثانية ، في حين قدر الضباط عمل عبد الكريم قاسم واستهجنوا أمر القيادة واضمروا الثأر في نفوسهم وهذا يفسر بعض اسباب القبول لاحقا لتنفيذ ثورة تموز 1958
"الزعيم قاسم" وإلى جانبه سكرتيره الشخصي وكاتم أسراره "الرئيس أول (الرائد) الركن جاسم كاظم العزاوي".
ويتحدث العميد الركن جاسم كاظم العزاوي في كتابه (ثورة 14 تموز) عن عبد الكريم قاسم فيقول(لقد تعرفت في فلسطين بالمقدم الركن حينذاك عبد الكريم قاسم اذ التحقت وفصيلي من سرية الهندسة الالية الى مقر فوجه (الفوج الاول للواء الاول في كفر قاسم) وكنت قريبا منه يصحبني معه في السيارة نفسها للقيام بالاستطلاع المطلوب ولانجاز المهمات الهندسية التي يتطلبها الموقف وكنا ندهش لشجاعته واقدامه وحماسته الوطنية في قتال الصهاينة ، وكان محبوبا عند منتسبي وحدته واقرانه ، الا انه كان انعزاليا يقضي وقته اما بين قطعاته الامامية معرضا نفسه ومن معه لرمي العدو القريب المركز او يستقر في خيمته لوحده، فقد اشعل نار الحماسة في فوجه بعد ان تسلمه من المقدم الركن المرحوم علي غالب عزيز وهو في حالة انهيار تام وارعب الصهاينة وحطم معنوياتهم في قاطعه الى درجة انهم رموا المنشورات من الطائرات على قطعاتنا تحرض الجنود على عبد الكريم قاسم واصفة اياه بانه يزجهم في معارك يائسة الى اخر الاتهامات من هذا النوع . .
يقول عنه اللواء مدحت عبد الله احد طلابه ( وجدناه ضابطا ذي همة ونشاطا كبيرين وجديا وبشوشا في الوقت نفسه كان يحرص على تدريبنا وتدريسنا ويحثنا على المزيد من الجهد في التدريب والدراسة وقد تميز عن غيره من آمري فصائل الدورة الـ17 عام 1938 في الكلية العسكرية بمحاضراته المتواصلة منتهزا كل فرصة ليلقي علينا كلمة حماسية مطولة يحثنا فيها على التمسك بالروح الوطنية طالبا ان نكون ضباطا مخلصين مسلحين بالايمان والعلم والروح الوطنية ، وان نسعى لتقوية الجيش بعد تخرجنا وانقاذ الوطن من الاستعمار والتبعية واستعادة مجدنا الزاهر.
ويضيف اللواء مدحت: وحينما توفي الملك غازي شاهدت قاسم بين الذين بكوا بحرقة عليه
ويتحدث فيصل حسون نقيب الصحفيين العراقيين الاسبق في مذكراته عن لقائه بعبد الكريم قاسم قبل الثورة حينما كان يعسكر بلوائه التاسع عشر في منطقة هوامشفي المنطقة الغربية من العراق ويصفه في قائلا" انطلقت من العاصمة الاردنية عمان في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 1956 باتجاه مدينة المفرق الاردنية لنلتقي باللواء التاسع عشر من الجيش العراقي وكان معنا في السيارة الرئيس الاول- الرائد- الركن صالح مهدي عماش ضابط الاستخبارات حينذاك واقبل علينا آمر الواء التاسع عشر الزعيم عبد الكريم قاسم وكان يبدو معتزا بنفسه يشمخ براسه الى الاعلى تساعده في ذلك قامته المتحررة من السمنة وكانت خفة الحركة واضحة في لفتاته وقوة الملاحظة الدقيقة متمثلة في نظراته النفاذة والقلقة في الوقت نفسه . وكان يتحدث بلغة فصحى سليمة وبتدفق وكانه قد اعد نفسه اعدادا مسبقا لهذا الموقف .
كما يتحدث العميد الركن اسماعيل العارف الذي شغل وزارتي المعارف والارشاد في عهد قاسم في كتابه(اسرار ثورة 14 تموز)عن عبد الكريم قاسم فيقول: (توطدت بيني وبينه علاقة وثيقة وتعمقت صداقتنا على مر الايام وقد كنت معجبا به لما يتمتع به من اخلاق عالية حميدة وسمعة ممتازة وشجاعة نادرة، فقد كان شهما نظيفا مخلصا ذكيا ذا شعور وطني فياض وفي نظر الكثيرين من ابرز ضباط الجيش كفاءة وقيادة وقد كنا في ذلك الوقت نبحث عن ضابط يتحلى بهذه الصفات والمزايا من ذوي الرتب العالية ولديه قطعات عسكرية ضاربة يمكن استخدامها لتنفيذ الثورة، فكان قاسم في نظري الشخص المثالي الذي سيقفز بالحركة الى الامام ويدعمها ويعززها فيما اذا نجحنا في ضمه الى تنظيم الضباط الاحرار فناقشنا الموضوع واشبعناه بحثا فاخذت على عاتقي دراسة استعداده للعمل ومعرفة اتجاهاته ونواياه ومدى تقبله للانتماء الى الحركة ومن ثم تقرر مفاتحته ، وكان الشيء الوحيد الذي يؤخذ على قاسم هو تقدير واحترام نوري السعيد له الذي كان يزوره في المنصورية حيث معسكر لوائه الدائم ، وسبق لنوري السعيد ان عينه معاونا لمدير العينة عندما كان وزيرا للدفاع فقام باصلاحها ونجح في اعادة تنظيمها نجاحا ممتازا بعدما كانت دائرة عاطلة خاوية مرتبكة. .
خلال الفترة من علاقتي بقاسم عرفته معرفة جيدة واطلعت على مزاياه وارائه وصفاته الفذة الممتازة من نبل وكرم وشهامة عربية نادرة واكتشفت انه متفتح لتقبل العمل الثوري اذا دعي له واصبح بامكاني مفاتحته للانتماء الى حركة الضباط الاحرار.
الزعيم أمام صورة والده
وفي شهر ايلول/سبتمبر 1954 عندما كنت ازوره في داره التي استأجرها منذ زمن من دائرة اموال اليهود المجمدة اخبرته بوجود حركة ثورية في الجيش تهدف الى تقويض الحكم الملكي واقامة نظام ديمقراطي شعبي حقيقي يتمتع فيه الشعب بحرياته المسلوبة ويتخلص من التبعية الاستعمارية، وقلت له انه يعتبر في نظر اغلب ضباط الجيش الوطنيين ضابطا ممتازا غيورا على مصلحة وطنه ومستقبل شعبه ولهذا فان ضباط الحركة يدعونه للانضمام اليها وعدم التخلف عن ركب الحركة الثورية المتصاعدة في الجيش. وبعد ان استمع قاسم الى حديثي هذا اجابني على الفور قائلا انه مستعد للعمل وانه يفكر فيه منذ امد بعيد وسوف لن يتأخر عن الانتماء الى الحركة وتنفيذ اهدافها ، ثم شدد على ضرورة الالتزام الشديد بالكتمان وسرية العمل نظرا لاتساع نشاط الاستخبارات الحكومية واجهزة الامن، واوصى بالحذر البلغ في اختيار الاشخاص لضمهم الى التنظيم .
وبعد مرور شهر على ذلك الحديث يقول العارف سالني قاسم عن بعض اسماء الذين يعملون معي في الحركة لكي يكون على ثقة واطمئنان عن طبيعة التنظيم وتركيبته، فطلبت منه التريث حتى اناقش الموضوع مع الاخوان ،
بعدها قررنا ان اخبره عن المقدم رفعت الحاج سري وصالح عبد المجيد السامرائي وان اطلب منه الاجتماع بحضوري بهما او باي واحد منهما ، وبعد ان اخبرته بذلك رفض الاجتماع بالمقدم صالح عبد المجيد السامرائي لشكه باخلاصه وعدم ثقته به واكد ان علينا التخلص منه باي شكل من الاشكال ووافق دون تردد على فكرة الاجتماع بالمقدم رفعت الحاج سري وقال انه يعرفه معرفة جيدة وهو من الضباط الشجعان المؤتمنين وقد برهن كفاءته واخلاصه وشجاعته في معارك فلسطين عندما كان ضابط هندسة في القاطع الذي كنت فيه في كفر قاسم بفلسطين .
واتفقنا على موعد لزيارته سوية عند عودته ثانية في العطلة الاسبوعية التالية ، وفي يوم الجمعة الثاني من شهر تشرين الاول /اكتوبر 1954 اتفقنا انا والمقدم رفعت سري على زيارة قاسم في داره فدخلنا بيت قاسم الذي رحب برفعت ترحيبا حارا وتحدثا عن الايام التي عملا خلالها سوية في معارك فلسطين ثم دخلت الى الحديث عن حركة الضباط الاحرار ورغبة الضباط في كسبه الى جانبها والانتماء اليها فابدى استعداده ثانية للعمل امام المقدم رفعت الحاج سري واقسمنا يمينا مغلظة على ان نخلص للحركة ونمضي الى النهاية في تحقيق اهدافها الوطنية ، واكد قاسم مرة اخرى على ضرورة الالتزام بسرية العمل التامة والكتمان الشديد وابدى تحفظه على المقدم صالح عبد المجيد السامرائي وقال انه لا يريد على الاطلاق ان يعرف ذلك الشخص بامر انتمائه الى التنظيم وطلب ان اكون انا صلة الوصل الوحيدة بين التنظيم وبينه الا في الحالات الطارئة الاستثنائية وعندها يمكن للمقدم رفعت ان يتصل به ، وذكر انه يفكر في الثورة منذ زمن بعيد .(اسماعيل العارف المصدر نفسه ).)
ولما عاد الزعيم عبد الكريم قاسم بلوائه من الاردن في كانون الثاني/يناير 1957 كان متحمسا ومصمما على اعادة التنظيم والقيام بالثورة باسرع وقت ممكن لنضوج الظروف الموضوعية التي اصابت التنظيم ، فاتصل بالمقدم وصفي طاهر وكلفه ترتيب اجتماع له بالخلية التي اعادت نشاطها ، فاجتمع بها وكان لعودته واشتراكه في الاجتماعات الاثر الاكبر في دفع الضباط خطوات قوية واسعة نحو الثورة.
وكان قد ادخل عبد السلام عارف في حركة الضباط الاحرار عام 1957 عندما كان الاخير آمر فوج في لوائه بالاردن، ففرضه ايضا عضوا بالخلية الجديدة . وبعد مداولات ونقاش اتفق على ان تؤلف من الخلية المذكورة لجنة مركزية عليا تتولى الاشراف على قيادة حركة الضباط الاحرار واختير الزعيم عبد الكريم قاسم رئيسا لها.
حتى عام 1954 كان الضباط الاحرار يشكلون الاقلية داخل الجيش ولكن التفاؤل بالثورة كان يسود اغلبية العراقيين ، وراحت هذه الاقلية الثورية تتبع جذور الضباط الوطنيين وكسبهم الى صفوفها. وما ان اطل عام 1956 حتى اخذت اعداد الضباط الاحرار بالتزايد والتعاظم ، وتقرر ان تدعى الهيئة العليا للضباط الاحرار للاجتماع في مكان امين يتم الاتفاق عليه، ويقول العميد الركن اسماعيل العارف في كتابه ( اسرار ثورة 14 تموز) عن تلك الفترة ( وبعد طرح عدة بدائل لمكان الاجتماع وقع الاختيار على قطعة ارض مسيجة في ضاحية الكاظمية يملكها اخي الحاكم صفاء العارف تقع في مزرعة قسمت حديثا الى مناطق سكنية ولكن لم يكن قد بنى عليها اي سكن حتى ذلك الوقت وكانت مكتظة باشجار النخيل وبعيدة عن المارة والمراقبة يطلق عليها اسم "بستان الجلبي ).
وتم الاتفاق على ان يحضر كل من الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد الوهاب الشواف والعقيد الركن محي الدين عبد الحميد والعقيد الركن اسماعيل العارف والمقدم رفعت الحاج سري والمقدم صالح عبد المجيد السامرائي ، وقد اصر رفعت الحاج سري على حضور العقيد عبد الوهاب الامين وتحمل مسؤولية ذلك قائلا "انه سيفيدنا لانه يتولى مديرية شعبة الحركات وانه مرشح من قبل احد اعضاء التنظيم القدامى وهو الرئيس"الرائد" صالح مهدي عماش ، فاختص كل منا بتبليغ احد الاعضاء الذين هم خارج بغداد واخباره بموعد الاجتماع المتفق عليه في يوم الجمعة المصادف 5 تشرين الاول / اكتوبر 1956 فاعتذر عن الحضور الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد عبد الوهاب الشواف والعقيد محي الدين عبد الحميد
فاقترح اسماعيل العارف ان يؤجل الاجتماع الا ان رفعت اصر على عقده وحضر البعض الى مكان التقاء متفق عليه يقع في حي العطيفية بجانب الكرخ وبالقرب من جسر القطار الحديدي، وبعد ان حضر كل من العقيدين اسماعيل العارف وعبد والوهاب الامين وكل من المقدمين رفعت الحاج سري وصالح السامرائي . كانت الجلسة باردة وجامدة ولم يحاول اي من الحاضرين البدء بالحديث اذا لم يكن النصاب كاملا كما اضفى وجود عبد الوهاب الامين الذي انضم حديثا شيئا من الوجوم والتلكؤ في الحديث فحاولت صرف الحديث عن الموضوع مستطلعا راي الحاضرين في صلاحية هذه المنطقة لسكنى الضباط اذ كنا نبحث عن ارض سكنية لشرائها لجمعية بناء المساكن التعاونية للضباط والتي كنت عضوا في هيأتها التاسيسية المؤلفة حديثا، ثم اقترح صالح السامرائي المباشرة ببحث الامور التي اجتمعنا من اجلها فخيم على الجو سكون طاغ. فطلبت تاجيل الاجتماع الى فرصة اخرى حتى يتم حضور الجميع، فبادر عبد الوهاب الامين مستفسرا عما اذا كان الحاضرون هم الهيئة القيادية العليا او ان هناك اشخاصا اخرين؟ فلم يجبه احد ثم استفسر عن راي الضباط في مصير الملك والملكية وما اذا كان في النية اعلان الجمهورية بعد نجاح الثورة فسكت الجميع ايضا، وبينما كنا نهم بالخروج سالني عبد الوهاب الامين عما اذا كان عبد الكريم قاسم معنا فاثار سؤاله استغرابي وشكوكي اكثر من السابق واجبته بما ليس له علاقة بسؤاله ، ثم انفض اللقاء..
وفي منتصف الاسبوع صدرت اوامر مستعجلة من دائرة الاركان العامة بتوجيهات من رئيس اركان الجيش ففي يوم 9 تشرين الاول/اكتوبر 1956 صدر امرا بنقل المقدم صالح عبد المجيد السامرائي الى منصب معاون ملحق عسكري في هيئة الاركان العراقية الموحودة في الاردن وابلغ به فورا.ثم صدر امر بنقل المقدم رفعت الحاج سري خلال الاسبوع الثاني من الاجتماع الى منصب ضابط تجنيد قلعة صالح بمحافظة العمارة واجبر على السفر فورا والتحق بمنصبه الجديد. اما اسماعيل العارف فطلب منه السفر الى واشنطن للتباحث هناك حول تجهيز العراق باسلحة اضافية. اما العقيد عبد الوهاب الامين فلم يمسه ضرر وبقي في منصبه المهم مديرا لشعبة الحركات في قلب وزارة الدفاع، غير انه تبين في مابعد حسب قول العارف انه كان الشخص الذي افشى للسلطات خبر اجتماع الكاظمية ، وقد استدعى رئيس اركان الجيش الفريق رفيق عارف عبد الكريم قاسم للتاكد ربما مما ذكره الامين عن احتمال علاقته بالضباط الاحرار.
ويقول العارف( قام عبد الكريم قاسم بجولة سريعة في وزارة الدفاع قبل ان يواجه رئيس اركان الجيش واتصل بالضباط الذين له علاقة تنظيمية بهم وطلب منهم ان يحتاطوا لخطورة الوضع، وعندما حل دوره للمقابلة دخل على رئيس اركان الجيش وقضى معه مدة اطول من التي مكثها آمرية الالوية الاخرون وبعد انتهاء المقابلة ترك قاسم وزارة الدفاع مسرعا ثم عاد ليواجه رئيس الاركان ثانية بعد اكثر من ساعتين وكان يبدو عليه الجد والقلق وقد تجنب الاتصال بي وخلال المقابلة الثانية صرت اسمع قهقهة رئيس اركان الجيش بصوت مرتفع عبر جدار الغرفة القريبة من غرفتي وعند انتهائها ودعه حتى غرفة المرافق فاستقل عبد الكريم سيارته وسافر فورا الى معسكر المنصور مقر لوائه الدائم.)
ويضيف العارف(ولما عاد قاسم الى بغداد في العطلة الاسبوعية التالية اجتمعنا سرا في دار العقيد عبد الكريم الجدة الواقعة في راغبة خاتون بضاحية الاعظمية فروى لي تفاصيل مقابلته الاولى والثانية لرئيس اركان الجيش ومواجهته خلالها لرئيس الوزراء نوري السعيدوقال"عندما جاء دوري لمقابلته اول مرة فاجأني رئيس اركان الجيش بلغة شديدة اللهجة معنفا اياي واتهمني بالقيام بنشاط سياسي وعقد اجتماعات في داري مع بعض الضباط امثال اسماعيل العارف ورفعت الحاج سري وغيرهما للتامر على امن وسلامة الدولة والح مستفهما عن اسباب العلاقة المتينة التي تربطني بك، فنفيت التهم كلها جملة وتفصيلا وقلت له ان علاقتي بك لا تعدو ان تكون علاقة المعلم بتلميذه والصديق بصديقه ولم اعلم حتى هذه اللحظة ان امرا قد صدر من جهة رسمية بمنع الصداقة وان ما كان يدور بيننا من حديث خلال اجتماعاتنا هو ذاته ما يدور بين صديقين في المجالس الاعتيادية، اما ترددي على اسماعيل العارف بدائرته فسببه انه كان يشغل منصب مدير شعبة الحركات وسكرتير رئاسة اركان الجيش في الوقت الحاضر وهو يفيدني في كلا المنصبين في اكمال تجهيز لوائي وقد خولتني انت بالذات مراجعته عندما احتاج الى دفع لتسريع طلباتي الرسمية وبعدما استمع الى جوابي مصغيا باناة رفع سماعة التلفون الخاص ( السري) واتصل بنوري السعيد وساله ان يقابلني ما دمت موجودا في غرفته فاجابه بالايجاب وطلب مني الذهاب الى مجلس الوزراء لمقابلة نوري السعيد ، فتركت غرفة رئيس اركان الجيش متجها الى مجلس الوزراء ، ولما وصلت ادخلني عليه مرافقه العقيد عبد الرزاق الجدة – شقيق العقيد عبد الكريم الجدة- مع احد وزراء العهد الملكي الشيخ علي الشرقي الذي كان ينتظر دوره في مقابلته ، واستهدف عبد الرزاق الجدة ادخالي سوية مع الوزير المذكور لكي تكون المقابلة قصيرة ولا اتعرض خلالها الى الحرج الذي قد اواجهه وحيدا مع نوري السعيد ، فاستقبلني ببشاشة واجلسني بالقرب منه وبادرني على الفور متسائلا عن صحة ما سمعه من اخبار تفيد بان لي علاقة بالسياسة والسياسيين وما اذا كان عندي نشاط سياسي في الجيش فاجبته بالنفي وكذبت ما يقال عني وقلت له : ان هناك جماعات من المشاغبين يستهدفون احداث فجوة بين المخلصين من رجال الجيش وبين الحكومة وانا بالذات لا يوجد لدي متسع من الوقت للتفكير بالامور السياسية لانشغالي في تجهيز وتدريب لوائي الحديث التشكيل واعداده بصورة جيدة للقتال وانهماكي في تعمير معسكرنا وتنظيمه، ان جنود اللواء وضباطه قد افتقدوا زيارتكم التي عودتموهم عليها وينتظرونها بفارغ الصبر، فالتفت نوري السعيد وقال لي – انت مخلص قم وقابل رئيس اركان الجيش _ ثم تناول سماعة التلفون الخاص قبل ان اترك غرفته وقال له – ان عبد الكريم مخلص ومؤتمن وهو عندي الان وسياتي لزيارتك وعليك ان تشدد الخناق على سكرتيرك "_ يقصد اسماعيل العارف. ويضيف عبد الكريم قاسم" ولما دخلت على رئيس اركان الجيش استقبلني منشرحا وبشكل ودي على خلاف الزيارة الاولى وقال لي- عبد الكريم انك من الضباط الممتازين الذين يعتمد الباشا عليهم ونحن كذلك ، فارجو ان لا تنجرف بالغايات السياسية لان الباشا يحبك ويثق بك"
الاتصال بالقوى السياسية
----------------------
اتصل الضباط الاحرار بالقوى والاحزاب الوطنية عن طريق علاقاتهم الشخصية مع البارزين فيها وكان الزعيم عبد الكريم قاسم يميل الى اراء وافكار الحزب الوطني الديمقراطي وله اتصالات شخصية ببعض البارزين من اعضائه امثال حسين جميل ومحمد حديد عن طريق صديقه رشيد مطلك الذي كانت صلته وثيقة باعضاء الحزب وبعدد من اعضاء الحزب الشيوعي الفعالين.ورشيد مطلك صديق طفولة قاسم وكان يسكن وعائلته في حي واحد من احياء بغداد يدعى ( قنبر علي) مع عائلة عبد الكريم قاسم ، وقد طرد من وظيفته الحكومية في الجمرك في الثلاثينات لنشاطه السياسي ولبعض المخالفات الادارية التي اتهم بارتكابها ففتح مقهى راقيا في راس جسر الاحرار( جسر مود) سابقا مع صديقه عبد الله شريف كانت تسمى مقهى ( شريف وحداد) يقضي فيها عدد من الضباط والسياسيين اوقات فراغهم فبقي رشيد مطلك على اتصالاته السياسية بالاحزاب الوطنية وكان هو صلة الوصل بين الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي وبين الزعيم عبد الكريم قاسم.
وقد تولى عبد الكريم قاسم نقل خبر القيام بالثورة الى الحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي عندما تقرر تنفيذ الثورة ، كذلك اعطى قاسم توجيهاته لابلاغ الحزبين الشيوعي والوطني الديمقراطي بالثورة يوم 11 تموز/ يوليو 1958 فقام بالمهمة رشيد مطلك فيما قام عبد السلام عارف باخبار حزب البعث بالثورة عن طريق الملازم عبد الرزاق القره غولي الذي نقل بدوره الخبر الى علي صالح السعدي الذي نقله هو الاخر بدوره الى امين سر القيادة القطرية انذاك فؤاد الركابي .
ثورة 14 تموز 1958
--------------------
في صيف عام 1958 قررت الحكومة العراقية ارسال بعض القطعات العسكرية الى الاردن بدعوى مساندتها ضد التهديد الاسرائيلي الا ان الغاية الاساس كانت لدعم حكومة الرئيس كميل شمعون في لبنان وذلك بتهديد سوريا بالجيش العراقي المحتشد على حدودها مع الاردن. فتقرر ارسال اللواء العشرين الذي كان يعسكر في منطقة جلولاء على بعد سبعين ميلا تقريبا من بغداد للقيام بالمهمة ، فصدرت الاوامر يوم 3 تموز/يوليو .
وعندما علم الضباط الاحرار بهذا الامر استقر رأي اللجنة العليا على انتهاز فرصة مرور اللواء في بغداد لتنفيذ الثورة. فاختمرت الفكرة في ذهن الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام محمد عارف وقررا ان يخططا لها باقصى درجات الكتمان والسرية فحاولا اخفاء نواياهما عن معظم اعضاء اللجنة العليا للضباط الاحرار بمختلف الطرق لكي لاتتسرب المعلومات الى السلطات الحكومية. كما حاول عبد الكريم قاسم تبديد شكوك السلطات حول تحركاته فاخذ يرتاد المحلات العامة البارزة عند مجيئه الى بغداد خلال العطلة الاسبوعية وهو بصحبة اشخاص لا يشك باتجاهاتهم السياسية.
واتفق قاسم مع عارف والمقدم عبد اللطيف الدراجي ان يقوم الاخير بابلاغ اعضاء اللجنة العليا ان الثورة قد تاجل تنفيذها اثناء مرور اللواء العشرين ببغداد بينما قررا ابلاغ عدد محدود جدا من الضباط الاحرار قبل التنفيذ بيومين, وحضر قاسم وعارف سرا الى بغداد يومي 10 و11 تموز واتصلا بالمقدم وصفي طاهر وكلفاه تبليغ كل من الرؤساء جاسم العزاوي وعبد الستار عبد اللطيف وابراهيم جاسم التكريتي وابراهيم عباس اللامي ليكونوا ادلاء للقطعات ليلة 13/14 تموز .
لقد وضع خطة الاستيلاء على اللواء العشرين الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف آمر الفوج الثالث في اللواء العشرين والمقدم عبد اللطيف الدراجي آمر الفوج الاول . وتضمنت الخطة اقناع آمر اللواء الزعيم الركن احمد حقي محمد علي الذي لم يكن من الضباط الاحرار. بان يستصحب المقر المتقدم وجماعة استطلاع وماوى اللواء ويسبق الرتل الى مدينة الفلوجة الواقعة على نهر الفرات غربي بغداد بمسافة ستين ميلا لاختيار معسكر مؤقت يقضي فيه اللواء ليلته ثم يتابع مسيرته في اليوم التالي باتجاه الاردن. وبعد اقناع آمر اللواء بالفكرة سلم قيادة جحفل اللواء الى العقيد عبد السلام عارف باعتباره اقدم آمر فوج
استقبل الشعب العراقي الثورة بفرح غامر وتاييد منقطع النظير وتقاطرت الوفود الشعبية القادمة من شتى انحاء العراق الى بغداد لتقديم التهاني لرجال الثورة.
قرر عبد الكريم قاسم السكن نهائيا في وزارة الدفاع فامر بتشييد جناح خاص له يطل على نهر دجلة يتصل بمكتبه اشرف على بنائه المهندس قحطان المدفعي.
الزعيم عبدالكريم قاسم وملا مصطفى البرزاني
فقد نجح في كسب ثقة الاكراد واسند اليهم مناصب مرموقة واطلق سراح المعتقلين وسمح للمنفيين بالعودة .
ويتحدث العميد الركن جاسم العزاوي في كتابه(ثورة 14 تموز) عن عبد الكريم قاسم فيقول ( كان وطنيا مخلصا شجاعا نزيها وكان عبد الكريم قاسم يحب ذاته ، كثير الاعتداد بنفسه، ويحب النظافة والاناقة، ويعد نفسه شخصا ممتازا في كل شيء لا يقبل النقد من اي شخص مهما كانت صلته به، وكان خجولا . وكان يبدأ يومه في وزارة الدفاع بالنهوض متأخرا ، فقد دأب على الاسيقاظ بعد الثانية عشرة ظهرا ، وبعد الحلاقة اليومية وارتداء ملابسه العسكرية يطلب من مراسله كوبا من الشاي والحليب، واعتاد المراسل تهيئته يوميا لانه لايطلب سواه. وبعد ذلك يخرج الى غرفته في حوالي الساعة الثانية بعد الظهر ويبدأ الاطلاع على الامور المهمة والمستعجلة حتى الساعة السادسة مساءا ، وهي وقت تناول الغداء ، كان يدعو الى تناول الغداء معه كل من هو موجود معه او قريب منه برغم قلة الغداء الذي يؤتي به يوميا من بيت اخيه حامد يتولى ابنه طالب ايصاله الى مكتب عمه في الوزارة ..
وكان الطعام الموضوع في( سفرطاس صغير مكون من ثلاث طبقات) واحدة فيها التمن والثانية فيها المرق والثالثة تحتوي على دجاجة صغيرة ( فروجة مسلوقة مع رغيف واحد من الخبز) ولم يتغير هذا السفرطاس والاكل. .
وبعد انتهاء تناول الغداء اي بعد الساعة السادسة مساءا يخرج عبد الكريم في جولة تكاد تكون يومية في شوارع بغداد وازقتها ولا يعود الى الوزارة الا بعد الساعة التاسعة واحيانا العشرة ليجد الوزراء في انتظاره لان موعد اجتماع مجلس الوزراء هو الثامنة ، ومجلس الوزراء في الاشهر الاولى كما يقول جاسم العزاوي في كتابه، كان يجتمع يوميا عدا يومي الخميس والجمعة ثم اصبح اجتماع المجلس مرتين في الاسبوع واجتماع اللجنة العليا للاصلاح الزراعي برئاسته مرة واحدة ، وكذلك لجنة التموين ومجلس الاعمار ، وهكذا بقيت الاجتماعات قائمة طوال الاسبوع عدا يومي الخميس والجمعة.
يبدأ اجتماع مجلس الوزراء بعد عودة عبد الكريم قاسم من جولته ويستمر حتى الساعة الثالثة او الرابعة فجرا، وخلال الاجتماع هناك وقت للاستراحة يتناول فيه العشاء في حدود الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ويتكون العشاء من اللحم المشوي ( شيش تكة بلا خبز) ويأكل معه المرافق او المرافقان الموجودان في مطعم بمقر الوزارة، ويدفع قاسم مقابل ذلك مبلغ 40 دينارا شهريا.
كان عشاؤه وفطوره واكواب الشاي والحليب تهيأ من المطبخ الملحق بمقر وزارة الدفاع، وهي لا تتعدى غرفة صغيرة مجهزة بطباخ بسيط مع ادوات مطبخ بسيط جدا، وهي نفسها التي كانت مستعملة في مقر اللواء التاسع عشر قبل الثورة ، وكان يشرف على المطبخ ويعد الاكل لكل العاملين في مقر وزارة الدفاع، وعلى حساب الزعيم عبد الكريم قاسم،هو نائب العريف عبود، الطباخ في مقر اللواء سابقا. وكان طباخا في فوج عبد السلام قبل نقله الى اللواء العشرين وقد نقله الى مقر اللواء التاسع عشر ليهيء الطعام لهم. انه جندي بسيط من قرية هبهب العائدة الى قضاء الخالص ، وقد نقله الرئيس الاسبق عبد السلام عارف الى القصر الجمهوري فاصبح طباخه الخاص وذلك عقب انقلاب 8شباط 1963 ثم استمر الطباخ بالخدمة في القصر الجمهوري الى ان احيل الى التقاعد برتبة نائب ضابط.
وبعد انتهاء اجتماع مجلس الوزراء ياتي عبد الكريم قاسم يقوم بجولة ثانية واحيانا ياخذ معه احد الوزراء ويعود في حوالي الساعة الثامنة صباحا حيث ينام في مقر الوزارة عدا يوم الجمعة حيث يتوجه عقب الجولة الى بينه في العلوية قرب الجندي المجهول القديم وهو بيت مستأجر من دائرة الاموال المجمدة
فيلاعب مجموعة من الكلاب التي تعيش في حديقة داره وظلت هذه الكلاب في داره حتى اخر يوم من حياته .
وليلة الجمعة التي لا يوجد فيها اجتماع لمجلس الوزراء كان عبد الكريم قاسم يخصصها لزيارة اصدقائه ومعارف فقد اعتاد في الاشهر الاولى للثورة الذهاب الى بيت الفريق الركن نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة ، كما كان يذهب الى بيت اسماعيل العارف وزير المعارف او بيت رشيد مطلك وبيت العميد المهندس محمد علي البغدادي وبيت يحيى الجدة اخ عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري وبيت يحيى الصافي الذي كان عميدا لكلية الصيدلة والكيمياء اثناء انتفاضة عام 1952 وزوج اخت العميد شاكر محمود شكري الذي شغل منصب وزارة الدفاع في عهد العارفين عبد السلام وعبد الرحمن.
اما في يوم الجمعة وليل السبت فكثيرا ما كان يزور الصحفي يونس الطائي صاحب جريدة ( الثورة) الذي تربطه به صداقة قديمة ويدلي له بالتصريحات الصحفية التي ينشرها في صحيفته.
كان راتب عبد الكريم قاسم بوصفه رئيسا للوزراء مع مخصصاته (440) دينارا لكنه لم يستلم راتبه بيده قط ، فقد كان محاسب مجلس الوزراء ياتي في نهاية كل شهر ومعه قائمة الراتب وظرف فيه الراتب فيجد قاسم جالسا ويناوله القائمة ويوقعها ويستلم الراتب سكرتيره العميد الركن جاسم العزاوي ويضمه في الخزانة الحديدية الموجودة في غرفة السكرتير حيث يتولى العزاوي والمرافق الاخر حافظ علوان بصرفه وذلك بارسال مبلغ 100 دينار الى اخيه حامد مقابل وجبات الغذاء و100 الى اخته ام طارق و40 دينار الى مطعم مقر الوزارة ويبقى في الخزينة مبلغ مائتي دينار. وخلال جولات عبد الكريم قاسم في بغداد ياخذ حافظ بعضا منه ليقوم بتوزيعه على الفقراء ، وكان احيانا يجلب معه واحدا او اكثر من هؤلاء ويطلب صرف مبلغ عشرة او عشرين دينارا ، وعندما ينفد الراتب يبلغه العزاوي بذلك واحيانا يبقى مبلغ بسيط في الخزانة ، وعلى هذا فلم يكن يملك في الخزانة يوم 14 رمضان الا دراهم معدودة حسبما يؤكد العزاوي الذي يقول في كتابه انه ذات مرة جاء مع قاسم رجل فقير وامرني باعطائه مبلغ 50 دينارا وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت فاعطيته المبلغ لكنني قلت لعبد الكريم ان ذلك مبلغ كبير فانزعج مني كثيرا وامتعض وقال ( تحاولون تخطئتي على الدوام دون معرفة سبب تصرفي بهذا الشكل هذا الفقير لو اعطيته خمسين دينارا واشترطت عليه ان يشتري ادوات لعمل شاي ( قوري وكتلي واستكانات) ويعمل في المكان نفسه الذي وجدته فيه ووعدته انني سوف ازوره لاشرب الشاي عنده ، وهو بالتاكيد سيصبح عاملا بعد ان كان عاطلا).
ولم يستلم قاسم راتب الضابط من وزارة الدفاع المخصص لرتبة فريق ركن.اما مخصصاته السرية بوصفه رئيسا للوزراء فهي بحدود ستة الاف دينار سنويا ولم يصرف منها دينارا واحدا كما يؤكد العزاوي ويقول الا في حالتين هما العيدان ( عيد الاضحى وعيد الفطر المباركان) وذكرى ثورة 14 تموز، فبعد اجراء مراسيم المعايدة الرسمية يذهب عبد الكريم قاسم الى مديرية الموسيقى العسكرية بالقرب من باب المعظم ومديرها انذاك العقيد سعيد العبيدي ، كان المدير يهيء قائمة باسماء ضباط الصف من قطعات بغداد ، من راتب نائب عريف الى رتبة نائب ضابط فيحضر هؤلاء وبعد المعايدة يلقي عبد الكريم خطابا فيهم ثم توزع هدية العيد وقيمتها عشرة دنانير لكل واحد منهم فيبلغ اجمالي ما يوزع حوالي الفي دينار في جميع المناسبات.
في بداية الثورة كانت تصل عبد الكريم قاسم الاف الرسائل التي تحتاج كما يقول العزاوي في كتابه ( المصدر نفسه) وقت طويل لقراءتها ولذا قمت بتشكيل لجنة لقراءة تلك الرسائل وفرز المهم منها وتقديمه اليّ كي اعرضه على عبد الكريم قاسم ، وفي احد الايام قدمت الي رسالة مرسلة من السجن المركزي بقلم السجين عبد الجبار حمزة وفيها صورة لعبد الكريم قاسم عندما كان طالبا في الكلية العسكرية عام 1934 كتب عليها ( الى الاخ عبد الجبار حمزة).
ويضيف العزاوي( قدمت الرسالة والصورة الى عبد الكريم الذي اسرع بارسال وصفي طاهر الى السجن لاخراجه منه والاتيان به ، ثم اصدر بعد ذلك عفوا عنه اذ كان عبد الجبار مسجونا بتهمة تزوير اوراق رسمية لانه كان يعمل في مكتب للاخراج الكمركي وجاء عبد الجبار حمزة. كان رجلا ذكيا جدا ، سبق ان عمل في مطعم الكلية العسكرية ( يبيع الشاي) عندما كان عبد الكريم طالبا ثم اصبح عبد الجبار حمزة سائقا يعمل مع المرحوم يونس السبعاوي وهرب الى ايران بعد حركة 1941 ونفي الى روديسيا وفي روديسيا كان المسؤول عن تجهيز المنفيين بالطعام).
ويستطرد العزاوي قائلا ( وبعد تبادل الاحاديث حاول عبد الكريم اعطاءه مبلغا من المال لتدبير اموره وشراء الملابس ولكن عبد الجبار وفي مشهد درامي قال " لم احضر من اجل المال وانما اريد خدمتك"
ويقول العزاوي( كان عبد الجبار مخلصا لعبد الكريم قاسم واخذ يتصل بالاوساط الشعبية وياتي باخبار التحركات السياسية التي فاجأت الاستخبارات والامن لكونهما اخبارا صحيحة، فاهتم في بداية الامر بنقل اخبار الشيوعيين ونشاطاتهم ، فقد كان يحصل على بعض مقررات اللجنة المركزية مما يدفع المرء الى التفكير بان ذلك ربما كان لعبة يمارسها الحزب الشيوعي مع جبار حمزة لكي يكسب الاخير ثقة عبد الكريم قاسم فيحقق الشيوعيون رغباتهم من خلاله وبهذه الطريقة ازداد نفوذ عبد الجبار وزود بهاتف على البدالة الخاصة كالذي يزود به الوزراء وكبار رجال الدولة وهو ما يسمى بالتلفون السري، كما زود بسيارة وسائق ،
وكان عبد الكريم قاسم يسمي عبد الجبار حمزة بـ(استخبارات الحق) الامر الذي جعل الاخير يتصرف كانه مسؤول كبير فيوصي احمد صالح العبدي الحاكم العسكري ورئيس اركان الجيش بتوقيف الاشخاص واطلاق سراحهم الى حد انه كان مع رجاله يقومون بتفتيش الاماكن التي يرتادها عبد الكريم قاسم قبل وصوله اليها دون صفة رسمية ودون ان يكللفه احد بذلك...
3329 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع