المؤرخ مجيد خدوري
صاحب أول كرسي لدراسات الشرق الاوسط في امريكا
لا خلاص للعراق ولا مستقبل له الا بالتخّلص من تناقضاته واحترام كل عراقي للعراقي الاخر
مجيد خدوري (ولد في 27 سبتمبر 1909 وتوفي في 25 يناير 2007) ولد في العراق وكان المؤسس لمدرسة بول هنري نتز للدراسات الدولية المتقدمة وبرنامج دراسات الشرق الأوسط.
دولياً، عرف مجيد بأنه صاحب نفوذ واسع وقيادي في العلوم الإسلامية والتاريخ الحديث وسياسة الشرق الأوسط. ألف مجيد خدوري أكثر من 35 كتاباً باللغتين العربية والإنجليزية إضافة إلى مئات المقالات
حياته الخاصة
ولد المؤرخ مجيد خدوري بمدينة الموصل بالعراق في 27 ايلول/ سبتمبر 1908 في اسرة مسيحية من اليعاقبة الارثودكس القدماء ، ودرس في مدارسها وتلقى المبادئ الاولى على ايدي اشهر اساتذة الموصل والتي كانت تشهد نهضة واستنارة .. ولد في السنة التي غيّرت كل مسارات الشرق الاوسط ، بحدوث انقلاب الاتحاديين على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ..، وشهد وهو في العاشرة من العمر احتلال البريطانيين للموصل عام 1918 ، وفي شبابه درس في ثانوية الموصل الشهيرة وكان يتابع ما يصدر في المدينة من صحف وأدبيات شهيرة .. ثم درس في دار المعلمين ببغداد وتخرّج في العام 1928 ، واستلم شهادة البكالوريوس في الفنون في ١٩٣٢.
ألحقها بشهادة دكتوراه في القانون الدولي والعلوم السياسية في عام 1938 عمل منذ 1939 حتى 1947 للعراق في وزارة التعليم كبروفيسور قانون في جامعة المعلمين العليا في ١٩٤٦ كان عضواً في الوفد العراقي الأول للأمم المتحدة وشارك في كتابة عقد المنظمة.
كان له أخوان (خالد ودليل) وأختان (مثيله وخيرية) تزوج من السيدة مادجي ضواف والتي توفيت عام 1972 بعد أن رزقت بطفلين هما ( فريد وشرين) واللذان بدورهمها أعطوه ثلاثة أحفاد
توفي في ٢٥ يناير عام ٢٠٠٧ في منشأة للرعاية في قرية بوتوماك الواقعة في ولاية ماريلاند
مشكلة خلقت معاناته
ورجع بعد اربع سنوات وهو يحمل شهادة البكالوريوس في تدريس التاريخ مع أجمل الذكريات عن بيروت ، فعّين عام 1932 في ثانوية الموصل المركزية التي دّرس فيها قرابة اربع سنوات ، ثم غادر الى بغداد اثر حدوث مشكلة تربوية بينه وبين احد الطلبة المتزمتين ، اذ عندما كان يشرح درسا في التاريخ الاوروبي استطرد ليعقد مقارنة بين النبي ( ص) وبين نابليون بونابرت ، فانبرى أحد الطلبة واسمه علي البزاز ليجادله بقسوة بسبب عقده هذه المقارنة ، ومن ثم يضربه امام الطلبة ، وبالرغم من ان الطالب احيل الى لجنة تحقيقية ونال عقابه ، الا ان هذه الحادثة كانت مفترق طرق في حياة الاستاذ خدوري فاستعفى ونقل خدماته الى بغداد ( وكان الطالب علي البزاز ، وهو من عائلة البزاز المعروفة بالموصل ، قد اكمل دراسته وانهى كلية الشرطة العراقية بتفوق وترقّى في التسلسل الوظيفي حتى غدا مديرا لشرطة البصرة ، واتهم بعد ثورة تموز/ يوليو 1958 ، كونه تصدّى لمظاهرات الشيوعيين فيها ابان الحكم الملكي ، فاعتقل وحّول الى محكمة الشعب بانتظار محاكمته امام المهداوي ، وقد حادثه رئيس المحكمة من وراء القضبان قبل المحاكمة بيوم واحد وأهانه ، فقام برمى بنفسه من الطابق العلوي وانتحر مفضلا الموت على ان يقف امام المهداوي
انشطته الموصلية الاولى
ولم يقف إنتاج مجيد خدوري عند حدود الكتب الاولى ، وإنما له بحوث ومقالات كثيرة نشرت في مجلات عراقية وعربية ودولية ، ولقد نشر اولى مقالاته في مجلة المجلة الموصلية التي صدرت سنة 1938 ، التي كانت ذات مسحة تقدمية يسارية معالجا فيها موضوعات مثل : (النظم القيصرية الحديثة) و (الصلات الدبلوماطيقية بين هارون الرشيد وشارلمان). كما ان له عدة مساجلات نقدية ونقاشات حامية على صفحات مجلة المجلة، مع زميله المؤرخ الموصلي سعيد الديوه جي وغيره من المثقفين والتي تعكس حيوية ثقافة الموصل في فترة ما بين الحربين وفاعلية الموضوعات وحيوية هذين المؤرخين الموصليين وحرصهما على تقديم الحقيقة التاريخية إلى قرائهما
الرجل المتخصّص : دكتوراه شيكاغو واستاذ دار المعلمين العالي
بقي مجيد خدوري في بغداد فترة من الزمن حتى غادرها الى امريكا لينتسب الى جامعة شيكاغو التي نال فيها شهادة الدكتوراه عام 1938 ،عن اطروحته الموسومة: (الانتدابات في عصبة الأمم)، ثم عاد بعدها إلى العراق ليعمل مدرساً لمادة تاريخ الشرق الأدنى الحديث في دار المعلمين العالية ببغداد ، وكانت من اشهر معاهد الشرق الاوسط ، اذ تخّرجت في اروقتها غالبية الادباء والشعراء المبدعين العراقيين .. وكانت لخدوري عدة تآليف تاريخية اثناء وجوده في العراق . وفي العام 1945، كان للراحل نشاط علمي وتربوي ودبلوماسي اذ استقطبته وزارة الخارجية العراقية بسبب كفاءته ، فعمل فيها عام 1945 وغدا عضواً في الوفد العراقي الى المؤتمر التأسيسي للأمم المتحدة في سان فرانسيسكو سنة 1945 ، كما وكان عضواً في عدة لجان في وزارة التربية العراقية، وخاصة بين سنتي 1939و1947
الدكتور مجيد خدوري يسلم الطلبة بعض الجوائز، ويبدو في الصورة كل من خيري الكيخيا وإبراهيم الهنقاري عام 1957م
حياته في امريكا : مجيد خدوري يصبح امريكيا
لقد عاد مجيد خدوري الى الولايات المتحدة عام 1947 ، ليدّرس في جامعة انديانا وجامعة شيكاغو ، وفي عام 1949 أسس أول مركز في الولايات المتحدة الأمريكية يعني بشؤون دراسات الشرق الاوسط . لقد بقي مديرا لبرنامج دراسات الشرق الاوسط حتى تقاعده في العام 1980 .كما وانه قدّم بعض الدروس الاولى عن القانون الاسلامي (الشريعة ) ، ثمّ اختير مستشارا في بعض نشاطات وزارة الخارجية الأميركية، خاصة بعد أن أصبح مواطناً أميركيا سنة 1954.
وقد كان له دور بارز في تأسيس الجامعة في ليبيا وشغل منصب رئاسة الجامعة هناك سنة 1957 . أما عائلته فصغيرة تتكون من زوجته الموصلية المثقفة مجدية خدوري التي توفيت في العام 1972، وقد انجبا كل من فريد وشيرين ( التي اقترنت بالزميل الدكتور ادموند غريب ).. خلال الفترة من 1960و 1980 وقد زار القاهرة، وعمل أستاذاً في الجامعة الأمير كية فيها بين كانون الأول 1972 وكانون الثاني 1973. كما زار بغداد وألقى محاضرات سنة 1976. وفي آذار زار جامعة البصرة وألقى فيها محاضرات في تاريخ العراق المعاصر
أعمال خدوري العلمية
كتب خدوري اكثر من 35 كتابا بالانكليزية والعربية ومئات المقالات في شؤون الشرق الاوسط والعراق المعاصر والشخصيات العربية .. وكتب ايضا عدة اعمال علمية وموثقة ولها اهميتها عن مصر وليبيا وسوريا والعربية السعودية . اسس كذلك الجمعية الشيبانية للقانون الدولي للعلماء والاكاديميين المهتمين والمتفهّمين للشؤون الشرعية والمؤثرين في العالم الاسلامي .
وكان استاذا زائرا لعدة معاهد وجامعات بضمنها كولومبيا وهارفرد وفيرجينيا وجورج تاون واكسفورد وغيرها
كتابه الاول وأعماله الاولى
اهتم مجيد خدوري بتاريخ العراق المعاصر، وبدأ ينشر اعماله منذ سنوات عمله في العراق فمن جملة اصداراته كتيب صغير عنوانه " اسباب الاحتلال البريطاني في العراق " ، طبعه على حسابه الخاص في مطبعة الشعب بالموصل سنة 1933 ، واصل هذا العمل : دراسة حاز فيها صاحبها خدوري على جائزة هوردبلس الاولى في مباحث مسابقة علمية للسنة الدراسية 1930- 1931 في الجامعة الامريكية ببيروت ـ كما كتب في مقدمته ـ ، وانه اضفي عليها بعض تعديلاته ونشرها بناء على مقترح الاستاذ ابراهيم بيثون مرشد جمعية التوفير في الثانوية المركزية بالموصل وكان قد عّين مدرسا فيها ، مخصصا ريع الكتاب للجمعية المذكورة. وفي سنة 1934 نشر في الموصل كتابه (المسألة السورية).وفي العام 1935 ، اصدر خدوري كتابه الثاني الموسوم " تحرر العراق من الانتداب " ، ولقد ساعدته وزارة الخارجية العراقية ، اذ استدعته ووفرت له وثائق لاعداد ( الكتاب الابيض ) . وفي سنة 1939 خطط لنشر كتابه: عن (قضية الاسكندرونة) وتأخر طبعه حتى سنة 1953. وفي سنة 1946 اصدر كتابه " نظام الحكم في العراق
"
اعماله المتوالية : التنوع والتخصص والنضج
وفي العام 1951 ، نشر كتابه المتميز " العراق المستقل : دراسة في السياسة العراقية منذ 1932 " ، ثم نقحه واعاد طبعه بالانكليزية منشورات اكسفورد بعنوان : " العراق المستقل : دراسة في السياسة العراقية منذ 1932 حتى 1958 " ، وفي سنة 1960 ، نشر كتابه : " العراق الجمهوري : دراسة في السياسة العراقية منذ ثورة 1958 . وبعد مضي اكثر من عشر سنوات نشر كتابه " العراق الاشتراكي : دراسة في السياسة العراقية منذ ثورة 1968 . وفي سنة 1963 أصدر كتابه: (ليبيا الحديثة: دراسة في التطور السياسي). ووضع خدوري كتابين مهمين أولهما عنوانه " الاتجاهات السياسية في العالم العربي : دور الافكار والمثاليات في السياسة " وثانيهما بعنوان " عرب معاصرون : أدوار القادة في السياسة العربية طبع بالإنكليزية في مطبعة جامعة أكسفورد ونشر سنة 1969 .
اعماله الاخرى
اما كتبه الاخرى ، فهي عديدة ، منها رأي الاسلام في العدالة ( بالاشتراك مع البروفيسور ر. ك. رمضاني ) وكتاب حرب الخليج : اصول ومضامين الصراع العراقي ـ الايراني ، وكتاب القانون الاسلامي للامم ، وكتاب الحرب والسلام في قانون الاسلام ، وكتاب " الرسالة الشافعية : المعاملات في مؤسسات العدالة الاسلامية " وكتاب " القانون في الشرق الاوسط " ، وكتاب " القانون والشخصيات والسياسات في الشرق الاوسط " ( نشر رفقة جيمس بيسيتوري ) ، وكتاب " شخصيات عربية في السياسات " ، وكتاب " مشاكل الشرق الاوسط الرئيسية في القانون الدولي " .. واخيرا نشر كتابه : " الحرب في الخليج 1990- 1991 : الصراع العراقي ـ الكويتي وتداعياته " ( رفقة زوج ابنته الدكتور ادموند غريب ) ونشرت عدة طبعات منه . لم يكتف الاستاذ خدوري بهذا حسب ، بل وجدته وقد قدم عدة كتب بمقدمات ومدخلات مسهبة ، فضلا عن شراكته لاخرين كتبهم واعمالهم اذ أسهم مع مؤرخين آخرين في إصدار وتحرير بعض الكتب ومن ذلك بحثه عن (دور الجيش في السياسة العراقية) ضمن كتاب س. ن فشر الجيش في الشرق الأوسط
أفضل مقالاته الموسوعية
ومن بحوثه التي نشرها في مجلات وموسوعات عالمية ، فمنها :
مشروع الهلال الخصيب
دراسة في العلاقات الداخلية العربية 1951
ضباط الجيش ودورهم في سياسة الشرق الأوسط" 1955
النخب العربية " و " العلاقات الدولية " و " قضايا الشرق الاوسط ابان الحرب الباردة " كما كتب خدوري عدداً من المواد في دائرة المعارف البريطانية ودائرة المعارف الإسلامية ودائرة معارف الدين وقاموس العصور الوسطى ودائرة معارف القانون الدولي وعالج في هذه المواد موضوعات "الجهاد" و "حلف بغداد" و "الهدنة" و " المصلحة" و " القانون الدولي الإسلامي" و " الموصل" و " ملكية الأراضي في الإسلام" و " الشافعي"
ويعد خدوري نفسه عنصراً موازناً بين وجهتي النظر العربية والغربية، فلقد وجد في الغرب أفكار ووسائل تؤثر في حضارته العربية الإسلامية وهو في هذا لا يختلف عن زملائه وخاصة من أبناء جيله الذين درسوا في الجامعة الأمير كية ببيروت وتأثروا بأجواء الوعي القومي العربي التي سادت فيها خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن الحالي. ومن هنا فان خدوري شأن هؤلاء، أظهر حماساً للاتجاه القومي العربي وعمل من اجل هذا الاتجاه سواء في بيروت أو في بغداد عندما أصبح عضواً في جمعيات قومية ذات واجهة ثقافية مثل نادي القلم البغدادي
وقد قاده هذا إلى أن يصبح معارضاً للانتداب البريطاني على العراق وكان اهتمامه بمسائل القانون الدولي، والمؤسسات الدستورية، والمجتمع السياسي، يتأنى من معارضته تلك ولرغبته الجامحة في فهم هذه الموضوعات ومعرفة إبعادها وسبل إنقاذ بلده من وهدة الخضوع لبريطانيا. ولهذا فإن مجيد خدوري يبدو في نظر بعض النقاد أنه كان في كتبه (معلماً) أكثر مما كان (كاتباً) ومهما يكن من امر فإن الدكتور مجيد خدوري قد خدم بلده وأمته بطريقة تجعله يحتل موضع تقدير وإعجاب الكثيرين
المصادر
المؤرخ مجيد خدوري .. ابن الموصل يرحل عنّا !!... صاحب أول كرسي لدراسات الشرق الاوسط في امريكا
د. سيّار الجَميل
1183 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع