أزواج يعتبرون فكرة غرف النوم المنفصلة تقليدا للأسر في الغرب ويشتكون الشعور بالاغتراب.
تجبر متطلبات الحياة العصرية الكثيرة الزوجين على بذل جهود مضاعفة سواء خارج البيت أو داخله، ولم يعد نظام الحياة الأسرية السائد قديما، حيث يرجع الزوج إلى البيت فيجد الزوجة في انتظاره بعد أن أعدت له الطعام وجهزت نفسها لاستقباله، قابلا للتطبيق اليوم. هذا النسق أصبح من الماضي بعد نزول المرأة إلى العمل خارج البيت، ما جعل بعض الأزواج يفكرون في اعتماد غرف نوم منفصلة لعلها تمنحهم الراحة التي يحتاجونها، في حين لا يعتبر غيرهم أن هذه الطريقة تساعد على الارتياح.
العرب/ سلمى جمال:يعتقد البعض أن فكرة غرف النوم المنفصلة للزوجين تساهم في تأجيج مشاعر الحب بينهما، وتوفر جانبا من الخصوصية والهدوء لكل منهما، غير أن آخرين يرفضون هذا التصور ويرون أنه يصيب الطرفين بمشاعر الوحدة رغم أنهما في بيت الأسرة، ويعتبرون أن هذا التفريق بين الزوجين في مكان النوم والراحة يخلق مسافة وهوة بينهما ويحدث نوعا من الفراغ أو يساهم في تكوّن فتور العلاقة لديهما.
تقول دينا (40 عاما) محاسبة “أنا وزوجي مغرمان كثيرا ببعضنا البعض، ولم تفتر علاقتنا الزوجية منذ عشرين عاما، طلبت منه أن يستقل بغرفة أخرى، لانزعاجي من شخيره العالي، كما أنه لا يحب مرتبتي اللينة، ويفضلها قاسية وشديدة، لكي تريحه من آلام الظهر التي يعاني منها. ولاقى طلبي قبولا منه ولم يؤثر استقلال كل منا في غرفة منفصلة أثناء النوم على رباطنا الزوجي والروحي، بل بقي كما هو أو ربما ازداد بسبب أخذ كل منا حريته وراحته في المكان الذي ينام فيه”.
وتفيد سامية (52 عاما) مترجمة فورية، بأنها أخرجت زوجها من غرفة النوم المشتركة بحثا عن الهدوء والراحة، وتوضح “لا أرى الأمر على أنه نهاية للحب بيننا، إنه مجرد محاولة للحصول على السكون والخلوة لأنني أجد نفسي متعبة من مسؤوليات النهار ومتطلبات الأولاد، مسؤوليات الزوجة والأم مرهقة، ولأنني تقدمت في السن أصبحت أفضل أن أنام في الظروف التي تريحني والتي قد لا يقبلها زوجي”.
ويرى هاني كمال (46 عاما)، مهندس، أن فكرة نوم الزوج في غرفة ثانية، بعيدا عن زوجته، جيدة من حيث المبدأ، لأن ذلك يتيح لهما الراحة من كل ما يقلقهما أو يزعجهما، ولأن نمط المعيشة الراهن تراكمت فيه مسؤوليات كثيرة وخاصة على عاتق الزوجة، فيحق لها أن تطلب آخر النهار بعضا من الراحة والهدوء لكي تستعيد نشاطها لليوم التالي، وتتابع واجباتها المنزلية وعملها والتزاماتها الاجتماعية، ويجب على الزوج في المقابل أن يتفهم هذه المسألة ولا يزيد من الضغوط التي تعاني منها زوجته، شريطة أن لا يتحول الفصل في غرف النوم إلى نظام حياة دائم، وألّا يتعدى مفهومه وأهدافه الأولية.
وتعتبر ليلى عطالله (35 عاما) صيدلانية، أنه ليس عيبا أن ينام كل من الزوجين في غرفة منفصلة، إذا ما مرض أحدهما أو أحس بالتعب، أو كان يحتاج إلى الانفراد وقسط من الراحة، وتوضح “لا يستحق الأمر تعقيدا أو تأويلا خارج إطاره الصحيح، في ظل حب حقيقي يجمع الطرفين”، ولا ينبغي الانصياع إلى مقولات من قبيل أن السيدة التي تلح على زوجها كي ينام بعيدا عنها في غرفة نوم أخرى هي امرأة باردة المشاعر تجاه زوجها، وتحاول لا شعوريا عزل نفسها عنه كنوع من الهروب المقنع. وتردف ليلى “أنا متفقة مع زوجي في قضية الحرية والاستقلالية، حيث نفهم بعضنا جيدا، ونحترم كثيرا حدودنا، واتفقنا منذ عدة أعوام على أن تكون هناك غرفة منفصلة لكل منا”.
ويقول خبير الدراسات الاجتماعية إبراهيم رمزي، إن “هذه القضية منتشرة جدا في المجتمعات الغربية، ولكن حسب رأيي لا تصلح في المجتمعات العربية، لأننا عاطفيون أكثر ونحب كثيرا أن نعبّر عن أفكارنا ونتحدث ونشكو ونتخاصم ونتصالح فكيف للزوجة أن تنام وحدها في غرفة وزوجها في غرفة أخرى؟ ألا يمكن أن تنفصم العلاقة العاطفية والأسرية بين الطرفين بهذا الفصل؟ وكيف ستكون صورة الزوجين أمام الأبناء ولا سيما إذا كانوا على درجة من الوعي والنضج؟”.
ويضيف رمزي “شخصيا لا أشجع هذه الفكرة إطلاقا لأنها تولد سلبيات كثيرة وتهدم لغة الحوار والتفاهم بين الزوجين، فليس أجمل من أن تجلس معك زوجتك تستمع إلى شكواك أو هموم حياتك اليومية، فتشعر أنت أن هناك أعباء كثيرة زالت عنك وأن هناك من يقف معك ويساندك ويخاف عليك ويمنحك الاهتمام والحب والرعاية”.
وفي مجتمعاتنا العربية تعيش الأسر في شقق صغيرة فكيف يمكن أن تناسبها فكرة الغرف المنفصلة خصوصا في هذا الواقع الاقتصادي المتردي، هذا إلى جانب أنه في ثقافتنا قد تربينا على أنه يجب أن تكون الأسرة مترابطة ولا يكون هناك انفصال بين الزوج وزوجته حتى لو ادّعى أحدهما أنه يضيق من عادات الطرف الآخر في النوم.
في حين يؤكد استشاري الطب النفسي بالقصر العيني سعيد مصطفى، أنه لا يجب أن تكون مسألة غرف النوم المنفصلة للزوجين مصدر انزعاج وقلق لأن كثيرا من الأزواج يفضلون أن تكون لكلّ منهم غرفة مستقلة، وهناك من تبنى هذه الفكرة وألفها دون أن يسبب مشاكل للآخر.
يقول مصطفى “لا أتفق مع هذه الفكرة لأنه من الوارد أن يؤثّر الاعتياد على الاستقلال بغرفة بعيدا عن الشريك في العاطفة، وقد يشعر أحد الطرفين بالغربة في بيته، وبأنه لا يجد من يفهمه أو يتعايش معه، كما أن نوم الزوجين في غرفة واحدة يؤجج بينهما المشاعر، ويولد التفاهم في حل المشكلات التي تعترضهما”.
ويضيف مصطفى أنه كثيرا ما يحتاج الزوج بعد عودته من العمل إلى الجلوس آخر النهار ليتجاذب أطراف الحديث مع زوجته التي تمثل له ملجأ ومصدر الحصول على المشاعر الرقيقة، وكذلك الزوجة فهي دائما في أشد الحاجة إلى الكلمات الطيبة الحنونة وتحتاج إلى الرجل ليشاركها مشاكل يومها سواء في العمل أو في البيت، وأحيانا عندما تحب المرأة زوجها ترى في أسوأ طباعه ميزات له، وكذلك الرجل إذا أحب زوجته لا يمل من طريقة نومها أو شخيرها أو عاداتها السيئة.
ويعتبر الاستشاري في الطب النفسي أن العلاقة العاطفية بين الزوجين عندما تكون مبنية على عاطفة قوية وصادقة وعلى الحوار والتفاهم والصداقة أيضا تمثل الحل الأفضل لتجنب التعايش بنمط غرف النوم المنفصلة.
2132 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع