قصر الأخيضر هو قصر أثري في بادية كربلاء وسط العراق ولا تزال أطلال القصر قائمة إلى يومنا هذا.
الموقع
تقع أطلال قصر الأخيضر بجوار هور «أبودبس» على الضفة اليمنى لوادي الأبيض، وتشاهد من مسافات بعيدة، وهي على بعد 125 كم إلى الجنوب الغربي من بغداد، و40 كم إلى الجنوب الغربي من كربلاء، وعلى مسافة متوسطة بين الكوفة والبصرة. لم يرد ذكر اسم الأخيضر في أسفار المؤرخين والجغرافيين العرب، ولكنه متداول على ألسنة الأعراب والرعاة ويلفظونه «الأخيزر» كما يعرف كذلك باسم «حصن ضيفر» و«قصر الخفاجي»، ويبدو أن اسم الأخيضر مستمد من طبيعة المكان إذ تقع أطلال القصر وسط رقعة رطبة تلامس مياهها وجه الأرض أو تنبجس إلى السطح فتكون مستنقعات في فصل الربيع، وتنبت الحشائش والمروج الخضر فيها.
ويشبه في تخطيطه قصر المشتى ويشكل هذا القصر بمخططه حلقة الاتصال بين طراز قصر المشتى من منشآت الأمويين، وبين قصور سامراء التي أقامها الخلفاء العباسيون.
تاريخه
وينسبه بعضهم إلى إسماعيل بن يوسف بن الأخيضر الذي ولي الكوفة للقرامطة سنة 315هـ/ 927م، على أنه إذا ثبتت العلاقة الاسمية بين ابن الأخيضر هذا والحصن، فلا يمكن أن يكون الحصن من بناء العامل المذكور، فهو أقدم من عهده بكثير، أما تسمية قصر الخفاجي فترجع إلى حكاية يرويها عرب البادية وتزعم أن من بناه هو عامر الخفاجي سيد بني خفاجة، وكانت هذه القبيلة هي المسيطرة في تلك المنطقة، ولها السراية فيها قبل الإسلام، وأن عامراً المذكور غادر قصره ليلحق بمحبوبته وهي فتاة من عشائر بني هلال هام بها حباً وهاجرت مع قومها غرباً طلباً للكلأ، ويستدلون على قولهم هذا بأشعار يروونها عن أم عامر الخفاجي قالتها عند نزوحه عن الأخيضر.
وينسب هذا القصر إلى الأمير عيسى بن موسى من الأسرة العباسية التي كانت تقيم في هذه المنطقة عام 778م،
الشكل
أما أول من كشف المكان في العصر الحديث فهو الرحالة الإيطالي پيترو دلا ڤاله Pietro Della Vallé الذي مر به في طريقه من حلب إلى البصرة عام 1625، ثم جاز به عدد من الرحالة الفرنسيين والإنكليز أمثال تاڤرنييه Tavernier في عام 1638 وبيويس Beawes في عام 1745 وروبرتس Roberts في عام 1778 وتايلور Taylor في عام 1790. ثم استكشفه ووثقه أول مرة المستشرق الفرنسي ماسينيون Massignon سنة 1908، ووضع أول مخطط هندسي لأطلال القصر. إلا أن رسومه جاءت مملوءة بالأخطاء، وتولت المستشرقة الإنكليزية گرترود بل Gertrud Bell في عام 1914، وضع مخطط شامل ودقيق لجميع تفاصيل القصر والمسجد.
حظي الموقع بعد ذلك بدراسة مفصلة وشاملة على يد عالم الآثار الألماني أوسكار رويتر O.Reuther، وأخيراً هيأ عالم الآثار البريطاني كرسويل Creswel دراسة جديدة للقصر بعد أن قصده عدة مرات في السنوات 1930 و1933 و1935 و1936.
شيد القصر من الحجارة الكلسية والجص الأبيض. والمادتان متوافرتان في المنطقة المحيطة بالقصر، أما القباب والعقود فإنها مشيدة من الآجر المشوي.
يقع القصر داخل حرم مطوق بسور مربع عال ارتفاعه 21م وطول ضلعه الواحدة 170م وسمكه 4م والسور محصن بأربعة أبراج مدورة في الزوايا، قطر البرج منها 5.10م. وفي كل ضلع من أضلاعه عشرة أبراج مدورة قطر كل منها 3.10م، وتلتصق بالوجهين الداخلي والخارجي للسور سلسلة من العقود العالية المحمولة على أعمدة بارزة، وفي الجزء العلوي من السور ممر دفاعي يطيف به وتخترقه مرام للسهام، وثمة درج في كل زاوية من زوايا السور الداخلية تؤدي جمعيها إلى الممرات الدفاعية وإلى سطح السور.
وفي منتصف كل ضلع من السور بوابة حصينة خلفها دهليز مزود بشبك حديدي منزلق، ورحبة مغطاة بقبوة، وتخترقها مرام للسهام. والبوابة الشمالية هي الرئيسة، وتبرز على هيئة مستطيل عمقه 5.12م وواجهته 15.90م، ويخترقه دهليز أبعاده 3×5.80م, وفي كل جانب من الدهليز مدخل يؤدي إلى غرفتين مربعتين. وفي داخل السور قصر ضخم من طبقتين فيهما قاعات ومقاصير وخزائن ومطامير. تمتد الضلع الشمالية للقصر بمحاذاة الضلع الشمالية للسور الخارجي، وبينهما ممر فاصل، وتعد البوابة الشمالية للسور البوابة الرئيسة للقصر أيضاً. وثمة مجموعة عمرانية مستقلة محصورة بين الضلع الشرقية للقصر والضلع الشرقية للسور الخارجي.
يأخذ القصر شكلاً مستطيلاً يمتد من الشمال إلى الجنوب بطول 112م، ومن الشرق إلى الغرب بعرض 82م، وهو معزز بأبراج في الزوايا والأضلاع باستثناء الضلع الشمالية التي فيها المدخل.
يشغل القسم الأوسط من القصر جملة عمرانية مستطيلة مؤلفة من باحة مثالية (27×32.70م) تزين وجوهها سلسلة من العقود المحمولة على أعمدة محاريب تزيينية باستثناء الواجهة الجنوبية التي يخترقها طاق إيوان (6×10.74م). وفي كل جانب من جانبي الإيوان مدخلان يؤديان إلى غرفتين مستطيلتين. وفي الضلع الخلفية (الجنوبية) مدخل يؤدي إلى غرفة مربعة. وفي جداريها الجانبيين مدخلان يؤديان إلى ردهتين تحتوي كل منهما على صفين من الأعمدة. ويخترق الضلع الخلفية للغرفة المربعة نفسها مدخل يؤدي إلى قاعة ثلاثية المداخل (أربعة أعمدة) وفي كل جانب من جانبيها غرفتان مستطيلتان. يبدو أن هذا القسم من القصر هو قسم الاستقبال الملكي، فله باحة شرف فخمة وإيوان كبير وغرف وقاعات مميزة.
ويحيط مجموعة القسم الأوسط من جهاتها الأربعة ممر يفصلها عن بقية أقسام القصر الملاصقة لأضلاعه الأربع.
وتشغل الضلع الشمالية، حيث يقع المدخل الرئيس، مجموعة عمرانية مؤلفة من قاعة المدخل في الوسط (7× 15.50م)، وإلى يمينها غرف مظلمة، لعلها كانت مستودعات، ويليها مسجد القصر. وإلى يسار قاعة المدخل باحة تكتنفها الغرف من كل جانب.
ثمة وحدتان سكنيتان في كل من الضلع الغربية والضلع الشرقية، وتتألف كل وحدة منهما من باحة سماوية، وثلاثة غرف جنوبية، وثلاثة غرف شمالية متصلة فيما بينها وتطل على الباحة. وكل وحدة سكنية مستقلة عن الأخرى، ولها باب رئيس يصلها بالممر المحيط بالقسم الأوسط (الرسمي) من القصر.
أما الضلع الجنوبية فتشغله باحتان سماويتان ومجموعة الغرف والقاعات المختلفة.
تتمتع المجموعة العمرانية المحصورة بين الضلع الشرقية للقصر والضلع الشرقية للسور الخارجي بتصميم معماري مشابه لتصميم القسم الرسمي المطل على باحة الشرف.
أما مسجد القصر فمستطيل (15.65×24.20م) ويتألف صحنه من باحة (16.20×10.30م) متصلة بمدخلين في الضلع الشمالية. يكتنف الباحة رواق من الغرب ورواق من الشرق (3×10م) ورواق من الجنوب هو رواق القبلة وفيه المحراب.
كشفت التحريات التي أجريت في القصر عن لقى من الفخار والخزف كلها من العصر الإسلامي، كما عثر على نقود إسلامية تعود إلى العصر العباسي الأول.
إن وجود المسجد داخل القصر ونسقه المعماري يستبعدان نسبته إلى ما قبل الإسلام. غير أن صمت المصادر التاريخية العربية، والخصائص الفنية والمعمارية النادرة التي يتمتع بها قصر الأخيضر تجعل من الصعب جداً تحديد تاريخ بناء الأخيضر تحديداً دقيقاً، ومعرفة صاحبه أو الآمر ببنائه. فمن الباحثين من ينسبه إلى الفن المعماري الإيراني لما فيه من تناسق بناء ودقة زخرفة، وقد يكون من بناء معمار فارسي لبعض أمراء الحيرة العرب، أو أنه من منازل أمراء المناذرة. وتنسبه جرترود بل إلى العصر الأموي، ويشاركها في هذا الرأي خبراء مديرية الآثار العراقية استناداً إلى أدلة تحصر تاريخ البناء بين نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني للهجرة ويتفق آخرون على نسبة القصر إلى العصر العباسي الأول (أواخر القرن الثاني للهجرة/ الثامن الميلادي)، ويرى كرسويل أن صاحبه هو عيسى بن موسى ابن عم الخليفة المنصور، ويذهب موسل إلى ما بعد ذلك العهد فيرجع تاريخ بناء القصر إلى عام 277هـ/890م ليسوغ القول بأن القصر كان «دار الهجرة» التي بناها القرامطة. وكلها حجج غير دامغة. وقد يكون القرامطة قد رمموا القصر وحولوه إلى حصن، أما أن يكونوا قد بنوه من أساسه فأمر لا يخلو من الشك.
المصدر:موقع المعرفة
1091 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع