ذاكرة المدينة /خشب الشندل من زنجبار الى العشار
مستلات
*رغم تعاظم دور البصرة وتسمية الخليج باسمها في الخرائط القديمة ، الا انها كانت تعتمد في تجارتها على الموانئ الاقرب لتصدير واستيراد ما تحتاجه من سلع .
* * تنمو اشجار المنغروف اوالشندل اعالي نهر الروفيجي وهو احد انهار افريقيا القوية ينبع من مرتفعات تنجانيقا ويجري شرقا باتجاه المحيط الهندي ضمن دلتا شاسعة شديدة التشعب
*** الدكتور حسين القهواتي : الواح الشندل تستخدم في البناء وكانت تستورد من زنجبار وتصل البصرة في اوائل الخريف مع موسم التمور لتشحن باثمانها تمورا من البصرة
• تظهر الصورة المرفقة بهذا المقال الاستذكاري والملتقطة في زمن ما من على جسر الهنود جانبا من اسكلة نهر العشار ايام ازدحامه بالحركة التجارة في الثلاثينات والاربعينات والخمسينات من القرن الماضي .كانت المهيلة والدوبة من بين وسائل النقل المائي في ذلك الزمان .والصورة تمثل مهيلة توشك على تفريغ شحنة من خشب الشندل الذي كان يستخدم لبناء اسقف البيوت وتوقف العمل به تقريبا بعد ان حل الشيلمان المؤلف من العوارض الحديدية والاسمنت ثم تلاه اسلوب البناء بـ ( الصبّـة ) المؤلفة من الاسمنت والحصى بدلا منهما .
ومن وحي الصورة ودلالاتها سنلاحق مركبا كويتيا ابان الاربعينات من القرن الماضي وهو يتوغل في احراش دلتا نهر الروفيجي من اجل جمع اكبر كمية من اخشاب المنغروف ( الشندل ) لغرض المتاجرة بها في موانئ الخليج العربي ومن بينها البصرة . لكن أي كدح واية مخاطر سيلاقيها مركب اولئك المجموعة المؤلفة من بحارة متمرسين من شى الجنسيات واتباع من أبناء تلك المنطقة الافريقية وهم في لقاء مع حتوفهم وجها لوجه ، من اجل ان يعود التاجر مثقلا بالروبيات !
دلتا الروفيجي
تنمو اشجار الشندل أعالي نهر الروفيجي وهو احد انهار افريقيا القوية ينبع من مرتفعات تنجانيقا ويجري شرقا باتجاه المحيط الهندي ضمن دلتا شاسعة شديدة التشعب معقدة التضاريس تغطي المياه ثلاثة ارباعها بينما يغطي الوحل الربع الربع الباقي .والدلتا يخيم عليها جو قاتم حيث الامطار تهطل يوميا تقريبا بزخات غزيرة تطرق الأرض كأنها السياط من البخار ، كما ان هناك التمساح القاتل وفرس النهر الضخمة كما ان في الغابة انواعا من الافاعي وقرودا لا تنقطع ثرثرتها وزعيقها ناهيك عن اسراب هائلة من البعوض . يقول البحار الاسترالي الان فلييرز في كتابه (ابناء السندباد ) الذي رافق ( نجدي) نوخذة او ربان المركب الكويتي ( فتح الخير) داخل شبكة الدلتا الشديدة التعقيد بحثا عن اشجار المنغروف ( الشندل ) هناك : " عندما بدأنا الشحن ، أصبحنا في شغل شاغل ، فقد كانت الأخشاب تحمل في القارب ( عفرة ) وفي القارب الطويل اثناء المد العالي . وكنا قد جهزنا القاربين بشراعين لتسهيل العملية . وكانا ينقلان شحنتين نهارا وشحنتين ليلا . وقد رثيت لحال البحارة ، فقد كانت الظروف سيئة للغاية ، ففي خلال ذلك الشهر التعيس ، كان هؤلاء البحارة يعيشون حياة شاقة للغاية ودونما توقف ودون ان تجف ملابسهم .وكانوا ينامون دون غطاء يحميهم من الأمطار . ولم تكن هنالك اية حمولات جاهزة بل كان على كل مركب ان يقطع الخشب بنفسه ثم ان القيام برحلة من الخليج العربي على ظهر مركب كبير وتحميله بخشب المنغروف امر شاق وخطر في بعض الأحيان !"
الذباب والبعوض وما بينهما
ويواصل الملاح الاسترالي فلييرز انطباعاته عن رحلة البحث عن الأخشاب والتي شهدها بنفسه قائلا :" وعلى الشاطئ كان يكثر الذباب وغيره من الهوام بدلا من البعوض . وقد شغلت وقتي في اعمال التطبيب ، وكنت اتمنى لو كانت لدي الخبرة الكافية بهذا النوع من العمل . فقد تفشت انواع اخرى من الامراض لم يكن لي عهد بها من قبل : امراض استوائية ، امراض جلدية متقرحة ، اورام متقرحة في الرأس وانواع اخرى من الحميات .وقد عانى الذين كانوا غواصي لؤلؤ في الخليج العربي معاناة شديدة لأن كثيرين منهم كانت لديهم امراض جلدية ساكنة استيقظت في هذا المكان وكان الأنكى ان تلك البثور كانت تنفتح بسبب الاشواك والشظايا والنباتات المتسلقة المتشابكة "
مضيفا : " ولكن ما ان انقضت ثلاثة اسابيع على وجودنا في الدلتا ، حتى بدت عليهم علامات الاعياء الشديد ، فقد اصبحوا حتى أقواهم بنية ، كالاشباح ناحلي الاجسام شاحبي الوجوه . وقد لاحظت ان كثيرين ممن لم تكن اعمارهم تزيد عن الثلاثين عاما ، قد وخط الشيب شعرهم " كما يقول العجوز يوسف الشيرازي وهو احد مساعدي ذلك المركب الكويتي :" ان منطقة الروفيجي على رداءتها كانت أفضل من الغوص على اللؤلؤ،على حد قوله " .
ايام خليج البصرة
من المعروف ان البصرة عرفت صنفين من اصناف النقل اولهما النهري بحكم تشعب انهر المدينة وثانيهما النقل البحري . وحقيقة الأمر ان البصرة عرفت كميناء تجاري ما دعى الى تسمية الخليج بخليج البصرة وكانت الاخشاب المستخدمة في بناء الشناشيل تأتي من بورما التي كانت تحتكر ثلث خشب الساج ، وقتذاك ، بينما كان الملاح البصري يسافر الى مينائي مسقط وصور العمانيين وبقية الموانئ الخليجية من اجل استيراد خشب المنغروف وغيره من أصناف الاخشاب ويذكر الدكتور حسين محمد القهواتي في كتابه المعنون ( دور البصرة التجاري في الخليج 1869ــ 1914 ):" الألواح الخشبية ترد من زنجبار وتصل البصرة في اوائل الخريف مع موسم التمور لتشحن باثمانها تمورا من البصرة " . كما ان الألواح الخشبية لاغراض البناء وحرفة النجارة قد شاع استعمالها ، وقد انتشرت صناعة المراكب والسفن والزوارق ما بين الفاو والمدينة والقرنة في فترات ازدهارالتجارة قبل وبعد الاحتلال البريطاني للعراق 1914 وكانت علاوي الاخشاب المقابلة لدوكيارد العشار حافلة بشتى أصناف الخشب من الشندل مرورا بالتنوب والساج وغيرها قبل ان يدخل العراق عصر اكتشاف النفط .
1027 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع