البصرة: سوق الهنود (سوق المغايز , سوق الصيادلة)
إعداد: هيام الخياط:سوق كبير يقع في مركز مدينة البصرة (العشار) تفاوتت التسميات على اختلاف الحقب فقيل بأنه سمي بسوق الهنود نسبةً لجنود المستعمرات البريطانية (الهنود) الذين افترشوا ارض هذا السوق بعد نهاية الحرب في بلاد وادي الرافدين فانتشر (باعة الكرو و البانان و المانجو و التباك و السويكة و التوابل و البخور , و بين الأزقة و البيوت ظهرت أكشاك و دكاكين و مطاعم صغيرة راحت تطبخ (البرياني و التندوري و أسماك الرنجة المملحة (المسموطة بالبصرية الدارجة) و الروبيان فامتلأ المكان برائحة الكاري و التوابل الحارة فتحول المكان إلى سوق أطلق عليه سكان البصرة أسم (سوق الهنود).
و سمي بسوق الصيادلة بسبب كثرة الصيدليات فيه , كما سمي بسوق المغايز لكثرة المحلات التجارية و المعروف عن كلمة (مغازه) إنها تعني محل باللغة الفارسية .
يقال إن نشوء سوق الهنود بدأ أثناء ولاية مدحت باشا على العراق 1869 ـ 1872 ، الذي قام بنقل سراي الحكومة إلى العشار وبنى دائرة الجمارك هناك كما شجع الشركات الأجنبية على الانتقال إلى العشار الذي عرف في ما بعد بسوق الهنود بعد الاحتلال البريطاني عام 1914 حيث استخدمت بريطانيا الهنود في الجيش والدوائر الرسمية كما شجعت التجار الهنود عن فتح المخازن والمحال ولكثرتهم في السوق سمي سوق الهنود، وقد أولت البلدية آنذاك اهتماماً بهذا السوق وأنارت وكست شوارعه عام 1931، وفي عام 1936 بلغت محال التسوق 115 محلاً تجارياً منهما محال الحلاقين والتحف والبهارات الهندية والخياطين وتشير المصادر أيضا إلى إن منطقة السوق كانت تضم فنادق مثل فندق سفوي الذي كانت فيه فرقة موسيقية ”أوركسترا" وكانت تديره امرأة.
التصميم المعماري :
لقد روعي في تصميم سوق الهنود أن يكون صورة للحضارة الإسلامية من الناحيتين التصميمية و العمرانية (عند بداية نشوء و ليس الآن) رغم التفاوت الحضاري بين الأجناس البشرية و طراز عمارتها فارتفعت فيه القباب المعقودة بالآجر و الأقواس و الأواوين و الأعمدة الحجرية المستطيلة و المربعة والمزينة بالرقش العربي و غطت المنمنمات الإسلامية الواجهات العلوية بشناشيلها ذات الأطر الهندية المصنوعة من خشب الصاج و النوافذ المقوسة و المزينة بالزجاج الحجري المشجر بالألوان حتى لا يتفاوت نمط البيوت الشرقية القريبة و المطلة منه على (نهر العشار) بدأً من جامع (مقام علي) و قبته المغطاة بالقيشاني ..
و هي بيوت بيوت الملاكين الكبار (حمود باشا الملاك , عبداللطيف باشا المنديل , محمد سعيد الجلبي و نسيم روبين و صالح بك) .
ثم شكلت شريعة العشار (نهر العشار) امتدادها بدأً من رصيف دائرة الكمارك بأتجاه ( سوق الهنود ) ماراً بجسر ( مقام علي ) و ضفافه المزدحمة بالسفن و المهيلات و الزوارق التجارية و الأبلام العشارية .
في الثلاثينات من القرن الماضي اهدت شركة (سورين) كبرى الشركات البريطانية المصدرة للتمور إلى بلدية البصرة ساعة دقاقة عرفت بإسم (ساعة سورين) و كانت جهود الأخوة (جو عيسائي و عيسى عيسائي و ليون عيسائي) و كلاؤها في بريطانيا و البصرة قد ساعدت في تمتين العلاقة الأجتماعية و التجارية .
أما موقع الساعة و بنائها فقد تركز على هيكل حجري مستطيل يرتفع لأكثر من عشرة أمتار جنب بناية البنك العربي ليتربع على قاعدة مربعة مبنية بالطابوق الحجري الأصفر المحلى بالأطواق و المنحوتات فصارت جزءاً من بناية شركة (تمور بيت اصفر التي سميت على اسم (البير أصفر) القنصل الفخري لفرنسا بعد ذلك شغله البنك العربي الذي أراد له السيد (عبد المجيد شومان) أن يكون مركزاً للتجارة المصرفية في الوطن العربي
أما الجهة الخلفية لمبنى البنك العربي فيقطعها طاق حجري يربط بين بيتي التاجر الكويتي (محمد عبدالله الشبيلي) و قنطرة صغيرة تعلوها الشناشيل الجميلة بما قربها إلى حد كبير من أبنية جسر كريمر في مدينة (أيرفورت الألمانية) .
لقد صمم سوق الهنود و طريقه الموصل إلى ( قشلة سي ) بصورة مستقيمة حتى لا يتعارض مع الفروع و المنعطفات التي تمر عليه و بمكن مشاهدة ذلك بصورة مستقيمة لم تتعارض و المفروع و المنعطفات التي شكلت مداخل السوق اليمنى و اليسرى مثل ( سوق الشيخ خزعل ) في محلة (المقام) و مدخل محلة البجاري , ثم مركز (الأوفيزات) و المكاتب التجارية و مدخل سوق التجار حتى قيصرية (الشيخ خزعل) التي يقابلها تفرع الحاج مصطفى.
أما التقاطع الرابع فكان يمثل مدخل سوق الخضيري على الجهة اليمنى و مدخل( شارع كراند) , (شارع زينل) بأتجاه ساحة فكتوريا (أم البروم) و محلة الدوب (مركز سكنى الضباط الأنكليز)
و يتواصل سوق الهنود بأستقامته وصولاً إلى شارع (قشلة سي) (شارع أبو الأسود الدؤلي) . عبر مراكز الصيدليات و عيادات الأطباء و محلات الصاغة حتى نهر الخندق خارج امتداد سوق الهنود و التي تقع على مقربة من محطة (الكاريات)(المترو) و هي عربات تجرها الخيول و تمشي على سكة حديد خاصة بنقل الركاب اثناء الحكم العثماني و بهذا التقسيم يمكن حصر حدود سوق الهنود بطريقين رئيسيين (شارع مقام علي) (قيصرية الشيخ خزعل) حتى نهر الخندق (منطقة أسياف البصرة) و مراكز رسو السفن و قد سمي هذا الشارع بأسم (الملكة عالية) اما الشارع الآخر فسمي بشارع (قاسم باشا الخضيري) . كما احيط (سوق الهنود بنهرين هما (العشار و الخندق) ربطا بمجموعة من الجسور و القناطر هي:
* جسر وايتلي (ألأمير غازي) و يربط بين شارع الساحل و سوق الهنود .
• جسر ليك (الأحمر) الموصل من العشار إلى محلة الطويسة.
• جسر نيكسون (الحديدي) و تمر عليه قطارات محطة القشلة .
• جسر المقام .. و يربط بين ساحة أسد بابل و محلة مقام علي .
• جسر متصرفية البصرة .. و يربط بين شارع الأستقلال و دائرة السراي ..
• جسر نهر الخندق . و يربط بين محلة مقام علي و محلة الخندق .
و المثير للأهتمام في سوق الهنود كثرة المتاجر و الخانات التي أستطاعات أن تخلق وحدة جمالية و معمارية حافظت على نمط مميز آثرت فيه الإضاءة على السوق بأجمعه لأنها تتوزع بنسق جميل من الطابق العلوي عند تسربها من ( الروازين ) و الفتحات لتسمح للضوء و الهواء بالمرور تحسباً من طقس البصرة, رغم ان المرحلة العثمانية قد اكدت بأن السوق كان مضاء بالفوانيس و اللوكسات (الألكترية ) و المصابيح الكهربائية بعد الأحتلال البريطاني.
و عرفت في جوانب السوق الكثير من المواقع الأثرية مثل بيت (ال الذكير) الذي سكنه (بيرسي كوكس) المقيم البريطاني قرب (قهوة التجار) و خان عزرا سموحة و خان العقيل و خان حسن الجلبي و مقهى جاسم الأيرواني الملقب ب( جاسم ارمني ) عند مدخل سوق الهنود ,و على ضفة نهر العشار بنوافذه الزجاجية المصممة على نمط نوافذ السفن القديمة (الباقوطة) و تتجمع عند مواقد الفحم المشتعل (صفوف الناركيلات) و السماورات و القواري و الأستكانات المذهبة التي تحمل صور ملوك العراق (فيصل الأول , غازي و فيصل الثاني) ..
من صفحة الدكتور علي الجزائري منقولاً في الأصل من صفحة مبرة البهجة على الفيسبوك
923 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع