كتاب اغتيال رفيق الحريري المحكمة الدولية الخاصة بلبنان

         

     كتاب اغتيال رفيق الحريري..المحكمة الدولية الخاصة بلبنان
         قدم لهذا الكتاب اللواء أشرف ريفي

                         

  

              تأليف الدكتور/ طارق شندب

      
 
ما زال لبنان يعاني هاجس الاغتيالات التي طالت عدد كبير من روؤساء الحكومات والوزراء والنواب وشخصيات سياسية وعسكرية وصحافية، دون أن تتمكن الدولة اللبنانية وأجهزتها القضائية من وضع حد لحالات الاغتيال السياسي التي تعصف بلبنان منذ نشأته وحتى هذه اللحظة.

عدل الدستور اللبناني عدة مرات لمصلحة التمديد لبعض روؤساء الجمهورية اللبنانية وكان آخرها في عهد الرئيس اميل لحود. ولكن التعديل للحود جاء مخالفاَ لرغبة مجلس الأمن الدولي الذي أصدر القرار (1559) بمبادرة فرنسية – أميركية، لوضع حد نهائي للوصاية السورية على لبنان. إلا ان حكومة لبنان عارضت القرار وتم تعديل الدستور، ومدد لرئيس الجمهورية السابق إميل لحود، ودخل البلد في أتون صراع دولي - إقليمي حادّ إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، الذي كان قد وافق مكرهاً على التمديد للحود.

فقبل اجراء الانتخابات النيابية في العام 2005 بعدة أشهر، وأثناء مناقشة قانون الانتخابات في البرلمان النيابي، اغتيل رفيق الحريري في وسط بيروت، وكان سبق ذلك بعدة اشهر محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وهو مقرب من الحريري. وسع اغتيال الحريري الانقسام السياسي الذي كان سائداً في لبنان، واتهمت سوريا وحلفائها باغتيال الحريري مما زاد الانقسام في الشارع اللبناني. بتاريخ 8آذار 2005 وبعد أقل من شهر على اغتيال الحريري خرج حزب الله وباقي القوى السياسية الموالية للبقاء السوري بمظاهرة الى ساحة رياض الصلح مطالبين ببقاء الجيش السوري في لبنان وداعمين له، فرَد الفريق الآخر بمظاهرة بتاريخ 14 آذار 2005 مطالبين بخروج الجيش السوري واستقلال لبنان، وهكذا نشأ فريقي 8 و14 آذار في لبنان على وقع الانقسام الحاد بين اللبنانيين. أدى اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى هزة سياسية دولية ضربت عواصم العالم التي ضغطت باتجاه مجلس الامن، حيث تم ارسال لجنة تقصي حقائق وتبعها لجنة تحقيق دولية أوصت بتوقيف أربعة من قادة الأجهزة الأمنية في لبنان. جاءت انتخابات العام 2005 بأكثرية لجماعة 14 آذار ولكنها شاركت قوى الثامن من آذار حكومة وحدة وطنية تراسها الرئيس فؤاد السنيورة. حاولت إسرائيل استغلال حربها على لبنان في تموز 2006 بعدوان واسع النطاق، والذي سبَّب مزيدًا من الخلافات والاستقطابات في الساحة اللبنانية في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى كانت الأمم المتحدة تتفاوض مع وزارة العدل اللبنانية لتوقيع هذه الاتفاقية التي رفضها أفرقاء قوى الثامن من آذار في الحكومة اللبنانية وأدت الى انسحاب وزرائهم من الحكومة ورفض رئيس الجمهورية توقيع المشروع واقفال مجلس النواب بحجة أن الحكومة غير ميثاقية. في أجواء ذلك الانقسام الداخلي والتشنجات الطائفية، أقر مجلس الامن الدولي انشاء المحكمة الخاصة بلبنان تحت الفصل السابع وهو الامر الذي رفض فريق الثامن من آذار الى الاعتراف به وهذا ما سنعالجه في أطروحتنا.

شهد لبنان خلال مرحلة الاعداء لمشروع انشاء المحكمة اغتيال عدد كبير من الوزراء والنواب والشخصيات المؤيدين لها. بعد أحداث الثامن من أيار 2008 والخوف من تداعياتها على مجمل الوضع في لبنان تدخلت فرنسا وقطر وبعض الدول لحل الموضوع، فانعقد مؤتمر الدوحة بين الافرقاء اللبنانيين واتفقوا على انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة. جرت انتخابات العام 2009 في جو متوتر وأدت الى فوز قوى الرابع عشر من آذار وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الدين رفيق الحريري وكان قد سبق تلك الانتخابات، توصية من المحكمة الخاصة بلبنان باطلاق سراح الضباط الاربعة الموقوفين. سقطت حكومة الرئيس سعد الدين الحريري بحجة عدم محاكمة شهود الزور وبعد استقالة الوزير الملك خلافاً للاتفاق الذي كان قد تم بين المؤتمرين في الدوحة.
كان الاتجاه العام لدى النواب هو تسمية الرئيس سعد الدين الحريري، ولكن تهديدات أصحاب القمصان السود قلبت موازين القوة فنال نجيب ميقاتي أكثرية الأصوات وشكل حكومة بدون مشاركة فريق الرابع عشر من آذار. في كتابنا هذا نعالج إشكالية موضوعنا من خلال  محورين: قانوني دولي وسياسي. الإشكالية القانونية الدولية تتعلق بإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وما لاقته من عراقيل قانونية وسياسية، ومدى قانونية قرارات إنشاء هذه المحكمة، ومدى إمكانيتها في كشف الحقيقة دون تسييس، ودون أن يؤثر ذلك في الاستقرار الداخلي اللبناني. أما الإشكالية السياسية فتتعلق بكيفية ترميم الوضع الداخلي اللبناني الذي اهتز باستشهاد الرئيس رفيق الحريري وأصبح منقسماً أمام مشروع إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان، وكيفية ايجاد قاسم مشترك يعيد جميع أبناء الوطن المنقسمين سياسياً ومذهبياً الى ربوع الولاء للدولة والوطن فقط.

توزع مضمون الكتاب على قسمين  تبع ذلك خاتمة عرضت لأهداف الكتاب التي قصدنا من خلالها أن تسهم في علاج، أو على الأقل في التخفيف من وطأة الانقسام السياسي الحاد بين أبناء الوطن الواحد قبل فوات الأوان. حمل القسم الأول عنوان: التداعيات السياسية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري حيث توزع هذا القسم على فصلين، الفصل الاول تناول الوضع السياسي اللبناني قبل اتفاق الطائف بما في ذلك دور رفيق الحريري وإسهامه في تحسين الوضع السياسي اللبناني بعد اتفاق الطائف وحتى انتخاب اميل لحود رئيساً للجمهورية. في الفصل الثاني بحثنا في أسباب اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومعالجة تلك الاسباب التي  قد يكون وراؤها عدة احتمالات: القرار 1559، اتهام اسرائيل بأنها وراء هذا الاغتيال أو اتهام للنظام السوري أو حزب الله أو إيران.

أما الفصل الثالث فقد تناولنا فيه التداعيات السياسية العربية والدولية لاغتيال الحريري من خلال مواقف جامعة الدول العربية ومواقف الدول الاجنبية والعربية من عملية الاغتيال. أما القسم الثاني من الرسالة فعالجنا فيه التداعيات القانونية الدولية لاغتيال الرئيس رفبق الحريري. وقد عالجنا في الفصل الأول منه، الاجراءات القانوينة التي سبقت ولادة المحكمة الخاصة بلبنان وذلك عبر البيان الرئاسي لمجلس الامن وتكليف الأمين العام للأمم المتحدة متابعة الوضع اللبناني، ومن ثم عبر ولادة لجنة تقصي الحقائق وتقديم تقريرها الذي أشار إلى التقصير المنهجي في عمل أجهزة الأمن اللبنانية أثناء التحقيق، ثم تشكيل لجنة التحقيق الدولية التي أنشئت بموجب القرار1595 والتي أوصت لاحقاً بتوقيف الضباط الأربعة. وكذلك عالجنا مراحل انشاء المحكمة الخاصة بلبنان عبر القرارات 1636- 1644 و1686 وصولاً الى القرار 1757 والردود السياسية والقانونية على تلك القرارات.
أما الفصل الثاني فعالجنا فيه اختصاص المحكمة الخاصة بلبنان والقانون الواجب التطبيق وكذلك البحث في المسؤولية الجنائية الفردية والحصانات الرسمية وتنظيم المحكمة وتبيان حقوق المدعى عليهم وحقوق المجني عليهم، أما المبحث الثالث فعالج المميزات التي انفردت بها المحكمة الخاصة بلبنان والعناصر الجديدة المتعلقة بالقانون الموضوعي والجوانب الجديدة في بنية المحكمة والعناصر الجديدة المتعلقة بالاجراءات كمركز قاضي الاجراءات التمهيدية والتدابير البديلة للاحتجاز التي يمكن للمحكمة أن تلجأ اليها وكيفية استخدام الادلة الخطية بالاضافة الى المحاكمة الغيابية التي يحق للمحكمة اجرائها بعكس باقي المحاكم الجنائية الدولية. وقد خصصنا المبحث الخامس من هذا الفصل لمعالجة المشاكل الرئيسية التي قد تواجه هذه المحكمة، وهل ستتمكن أجهزة المحكمة من مواجهتها وبخاصة أنها تنظر بجريمة ارهابية، ومن المعروف أن التحقيق في الجرائم الدولية يتطلب وقتاً طويلاً واجراءات معقدة.


ولقد عالجنا الآثار السياسية والقانونية لتداعيات الإغتيال على الوضع الداخلي اللبناني، وتناولنا الآثار السياسية لتداعيات والتي تمحورت حول عدد من التغيرات تمثلت في تغيير الوجهة السياسية للحكم في لبنان وانسحاب القوات السورية وسيطرة الأجواء الطائفية ومحاولات الإنقلاب على الطائف وبداية الحرب الطائفية الجديدة وكذلك تدويل القضية اللبنانية، اضافة الى البحث في اتفاق الدوحة الذي جاء عقب احداث 7 أيار 2008 ودراسة المفهوم السياسي والقانوني لهذا الاتفاق.
 
أما الآثار القانونية لتداعيات الاغتيال وأثرها في الوضع الداخلي اللبناني فعالجناها من خلال الأعمال القانونية الداخلة في اختصاص المحكمة والتي تلت انشاءها من مسألة اخلاء سبيل الضباط الأربعة الذي أفرج عنهم بعد حوالي اربع سنوات بقرار من قاضي الاجراءات التمهيدية، وصولاً إلى إصدار القرار الاتهامي  الذي سمى خمسة عناصر حزب الله شاركوا في اغتيال الحريري وإعلان بدء اعمال المحكمة.

أما ملف شهود الزور فلقد عالجناه من ضمن الأعمال الخارجة عن نطاق أعمال المحكمة ودراسة المرجع الصالح المختص كذلك كلف الادعاء أمام القضاء السوري فيما خص هذا الملف وصولاًُ الى الرأي القانوني بهذا الملف.

كما عالجنا طرح إمكانية تسييس اعمال المحكمة من خلال تسريب المعلومات وتبيان الجهات المستفيدة والجهات المتضررة من هذا التسريب وبحثنا في موضوع مستقبل المحكمة وضمان إستمرارها وما هو تأثير هذه الأحكام على المستوى الداخلي والمستوى الدولي، وذلك من خلال طرح ملف كلفة تمويل المحكمة وامكانية سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة أو إمكانية إلغاء المحكمة.

إن تداعيات الاغتيال أرخت بثقلها على لبنان وأوجدت انقساماً عامودياً بين اللبنانيين، وإن الهدف من هذا الكتاب هو المساهمة المتواضعة في طرح بعض الحلول للأزمة التي أوجدتها قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقد توصلنا في كتابنا لعدد من التوصيات ومن أهمها:

1- ابعاد أعمال المحكمة عن التجاذبات السياسية، وتناول موضوع المحكمة في سياقها القانوني.

2- ضرورة احترام لبنان لالتزاماته الدولية وايلاء الاهتمام اللازم لكشف الحقيقة في قضايا الاغتيال السياسي وإدانة جميع اشكال العنف والارهاب وترسيخ ثقافة المساءلة والمحاسبة وتفعيل دور القضاء الوطني لاصدار أحكام في القضايا المحالة أمام المجلس العدلي لمكافحة ظاهرة الافلات من العقاب التي استشرت في لبنان وبخاصة الجرائم التي استهدفت شخصيات سياسية ودينية وأمنية.
 
 3- العمل على الفصل بين السياسة والقانون وترسيخ مبدأ استقلالية السلطة القضائية.
 
 4- تطوير عمل السلطة القضائية اللبنانية من خلال استفادة الاجهزة القضائية اللبنانية من أعمال المحكمة الخاصة بلبنان.
 
 5- تطوير عمل الأجهزة اللبنانية من خلال تدريبها لتصبح أكثر مهنية وفاعلية لمساعدة القضاء في الكشف عت الجرائم.
 
 6- الاستفادة من الاستحداثات القانونية التي تميزت بها المحكمة الخاصة بلبنان لتطوير القانون الجنائي اللبناني والدولي.
 
 7- التأكيد على أهمية المحاسبة والمساءلة بوصفهما سبيلاً لحفظ الأمن والاستقرار في لبنان.

إن السعي لتحقيق تلك الأهداف مجتمعة هو ما دفعنا الى خوض هذه التجربة خاصة بعد إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان وانقسام الشارع اللبناني بين مؤيد ومعارض، عسى أن نوفق في الإسهام في إيجاد الحل المنشود مع غيرنا ممن أسهموا في مسيرة بناء الدولة التي نريدها دولة القانون والعدالة والمساواة، والله ولي التوفيق.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

856 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع