(سُطور خارج قوسَين)قراءة في كتاب لم يصدر بعد!جرائم سفاح بغداد أبو طبر بعد نصف قرن عليها
ما أن يقعُ بين يديَّ كتاب أعتزُ بمؤلفهِ؛ إلا سارَعتُ بقراءتهِ قراءة أولية، ودَوِّنتُ عنهُ سطوراً بسيطة قد تلائم التقريظ، أو تحليل المضمون وإن احتفظتُ بها، وغالباً ما تكون غير تقليدية، تتمثل بأسلوب التلميح مُستهدفاً بها استقطاب وتحفيز ذوي الألباب على قراءة مضمون الكتاب إن أراهُ نافعاً، وأتركُ للراغب مِمَن تصلَهُ سطوري مشيئة الاطلاع على الكتاب من عَدَمِه.
في القريب العاجل وبمشيئة الله تباركَ في عُلاه سيَصدُرُ كتاب "سفاح بغداد ابو طُبَّر" لمؤلِفهِ لواء الشرطة الدكتور أكرم المشهداني، صاحب التنوع الأكاديمي المضاف لتخَصُصهِ الشرطوي الذي تَمَيَّزَ وأبدعَ فيه، ظرفية الجرائم وما يتعلق بها - التي يتضمنها الكتاب حدثت عندما كان الكاتب برتبة ملازم أول في مديرية شرطة التحريات الفنية.
قبل أيامٍ قلائل نشرَ الصديق الدكتور المشهداني على صفحته الشخصية في الفيس بوك معلومة مُسبَقة، عن كتابه القادم، ودعوة مُبكرة لأصدقائه بالاطلاع على كتابهِ الذي اقتربَ أوانُ صدورهِ وقد تَكَرَّمَ بتزويدي بنسخة إلكترونية للكتاب على بريدي الخاص. اقتبسُ النص الذي أورَدَه في المنشور:
كتب الأخ المشهداني:
((قريبا جداً سيَصدُر عن (دار الحكمة في لندن) كتابنا الجديد (سفاح بغداد الشهير بأبي طُبَّر) يتضَّمَن القصة الكاملة وتحليل الجرائم والتحقيقات والتأثيرات الاجتماعية وانعكاساتها في ضوء علم الجريمة وعلم الإجرام وعلم الاجتماع الجنائي، إضافة لاعتبارات تصنيفها كإجرام عائلي، وقتل مُتَسَلسِل، واجرام منَّظَم؛ كونها جرائم هزَّت المجتمع العراقي؛ فأوجَلَّت أهالي بغداد، وبذلك فقد اكتسبَت صفة جرائم رأي عام، وما زالت تلك الجرائم في ذاكرة الأحياء مِمَن عاصروها بمستويات تَذَّكُر مُتباينة. سَيَجدُ القارئ في الكتاب الكثير مما يتعلق بالأحداث موَضَّحاً بالوثائق والصور والتفاصيل - التي لم يسبق أن أشار أو تطرَّقَ إليها أي مصدر)).
ولضمان عَدَم التَّوَسع نوجِزُ بأن الكتاب يتضَّمَن (253) صفحة تُغَلِفُها الواجهة الأمامية التي تشيرُ لعنوان الكتاب واسم المؤلف، والواجهة الخلفية التي تُبَيِّن السيرة الذاتية للكاتب. نرفقُ للقارئ الكريم صور تُمَثل صفحتي الغلاف الأمامية والخلفية، كلمة شُكر للمتعاونين مع الكاتب، صفحة المحتويات - توَّضِح عناوين (10) فصول وارقام صفحاتها، خارطة مدينة بغداد مؤشر عليها مواقع وتواريخ ارتكاب الجرائم الرئيسية الثلاث، وموقع بيت المُجرم، خبر اعتقال أبو طُبَّر منشوراً في الصفحة الأولى لجريدة الجمهورية يوم 2 أيلول 1974.
غلاف الكتاب
في الفصل الاول مَهَّدَ الدكتور المشهداني "بِفَرشة" توضيحية عن المجرم وتاريخ ومواقع الجرائم والآلة المستخدمة في الجرائم، ونوَّهَ إلى ما توَّصَلَت اليه السلطات المُكلفة بمتابعة الجرائم بكون المجرم شخص فَطِن إجرامياً؛ اذ لم يترك اثراً يُستدَلُ منه على شخصيتهِ في المسارح التي ارتكبَ بها جرائمهِ، واثارَ ثم اجابَ على مجموعه من الاسئلة تتعلقُ بشخصية مُنَفِّذ الجريمة. هل المجرم فرداً أو جماعة؟ وهل كان وراء اجرامه جهات دافعة خارجية أو داخلية؟ أم يُستَنتَج من دلائل الجرائم بكونها إرضاء لنزوات نفسية شاذه في سلوك المجرم.
تحليلات الخبراء لجرائم ابو طُبَر
تحليل جنائي للحوادث الإجرامية التي وقعت في بغداد صيف عام 1973
مُنذُ الجريمة الأولى في 24 نيسان 1973، أصبحت مدينة بغداد مسرحاً لجرائم بشعة غريبة تَتَصفُ بطابع العُنف والوحشية والقتل الجماعي، تَوَّلَّدَ عنه وضعية رُعب مُعقدة أثَّرَت في سلوك الناس وحَرَمتهم من الطمأنينة؛ فأُدخِلَت كل قوى الأمن بحالة إنذار وتأهب قصوى لمواجهة توقعات مُخيفة - ضَخَّمَتها موجة قوية من الإشاعات المُثيرة والتفاسير الاعتباطية.
وبحدوث الجريمة الثالثة في 31 آب 1973 شاعَ الرُعب الجَمعي وبَلغَ ذروتهِ في بغداد وامتدَ القلق إلى مُدن العراق الأخرى، ومع تعاقُب حوادث الجرائم لم يكن أمام السلطة من بُدٍ غيرَ بث بيان رسمي من تلفزيون بغداد مساء يوم الخميس 6 أيلول 1973 - جاء فيه:
((صرَّح ناطق رسمي باسم وزارة الداخلية تعقيباً على الجرائم التي ارتُكِبَت في الآونة الأخيرة في مناطق المنصور وكرادة مريم ومدينة الشرطة والتي اتسَمَّت بالوحشية والشذوذ، بأن السلطات المختصة تبذلُ الآن نشاطاتٍ واسعةٍ للكشف عن المجرمين الذين اشارت التحقيقات الأولية في الجرائم الثلاث انهم زمرة واحدة، أو شخص واحد)).
وأضافَ الناطق:
((بإن وزارة الداخلية قررت تخصيص مُكافأة قدرها عشرة آلاف دينار لكُلِ من يُدلي بمعلومات وافية تساعد على الكشف عن المجرمين، كما أن السلطات المسؤولة سوفَ تعفو عن أي من المشاركين في الجرائم المذكورة عن جريمته، إذا اتصلَ بالسلطات المُختصة وأدلى بمعلومات كاملة عن هذه الجرائم، ومُرتكبيها.. ولسَلامة التحقيق ستتحَفَظ الوزارة بالتفصيلات المُتعلقة بالموضوع)).
نُشِرَ نص التصريح أعلاه في الصحف المحلية الصادرة يوم 7 أيلول 1973.
تضَّمَنَ الكتاب منهجية راقية باستخدام الوثائق والتحليل الرسمي ووجهة نظر الكاتب "التعليق" ومما عزَزَ المضمون هو وجود التكميم بالتواريخ والاعداد بالأسماء الصريحة. بما يعني أنه سَلَّطَ الضوء على مناطق كانت مُعتِمَة في سوح جرائم (أبو طُبَّر) ليَستنتِجها بتعدد الاحتمالات دونَ رأي جازم… حتى انجَلَّت الحقائق وظهرت نتائج التحقيق- التي أشار إليها. حيث اقتضت ضرورة الترابط لتأمين الوضوح للقارئ.
يُمثل الكتاب جُهداً جَهيداً، مَوثوقاً وموَّثَقاً بوثائق رسمية وبحثية تناولت ظاهرة إجرامية مُتكررة - شَغلَت المستويات العُليا في الدولة، والأجهزة الأمنية بتنوع نشاطاتها لإيجاد سُبل تُمَكِن المعنين من كشف الجُناة وتُطمئِن مواطني بغداد الذين سيطرت عليهم حالة الخوف بشكل مُميز على مدار الـ (24) ساعة، رافقهُ فضاء ملائم لانتشار الإشاعات بكيفية مُتسارعة مُلفِتة للنظر؛ فزَعزَعَت استقرار سَكَنَّة بغداد لاسيما محلاتها الراقية، ولم يكُن دَور وسائل الإعلام مَدروساً وإيجابياً بما يُحقق تطويق الظاهرة بالمستوى المطلوب؛ لتحقِيق قدراً كافياً من التأثير المُخَفِف لوطأة ما نتجَ عن تفاقُم ظاهرة الرُعب الجَمعي؛ لذا فقد استُنفِرَت القوات الأمنية من شرطة وأمن عام بما فيها المرور والدفاع المدني، ومعها جهاز المُخابرات والتنظيم الحزبي من أجل مُلاحَقَة المجرم (أبو طُبَّر) والقبض عليه، وإعادة مستوى الأمن إلى حالة الطمأنينة الطبيعية، وبالتالي إزالة الرُعب عن المواطنين.
يوم 30/ 8/ 1974 أُلقي القبض على ابو طُبَر في حي 52 بجانب الرصافة، بينما كان العراقيون عموماً وأهالي بغداد خصوصاً يترقبون ظهور نتائج التحقيقات معه، خضع المجرم للتحقيق من قِبَل مكافحة الاجرام، ثم من قِبَل جهاز المخابرات، وشُكِلَت هيئة تحقيقية مشتركة من القضاء والشرطة والمخابرات كُل في مجال اختصاصه، وبعد اكتمال التحقيق معه أُظهِرَ على شاشة التلفزيون وهو يُستَجْوَب من قبل أحد الضباط... وأُسدِلَ السِتار على أبي طُبَّر وجرائمهِ.
بحدود عنوان الكتاب ومُحتواه فقد نجحَ الكاتب بإعادة عجلة الزمن (50) عاماً اكتنَّفَها مزيج عذوبة ذكريات وآهات ماضٍ لن تعود ايامهِ الجميلة - كان فيها الشباب بذروتهِ - عندما كُنا في مُبكر رُتَبِنا العسكرية.
القُراء الأعزاء - أنها دعوة لِمَن عايشَ آنية الأحداث أن يُكمِل ما لم يطَّلِعُ عليه سابقاً، أو أن يُصَحِح ما فَهِمَه بصورة مَخطوءة، ودعوة أخرى إلى الجيل الذي عاشَ ما بعدَ تاريخ الجرائم موضوعة البحث ليطَّلِعَ على جرائم قَلَّ مَثيلها وفقاً لغايات الجُناة وأساليب تنفيذهم .
ختاماً – فإن عدالة النظرة التَحكيمية للكتاب بتَجَرُّد عن عاطفة الصداقة مع الكاتب تُرَّجِحُ كونهِ كتاباً نافعاً للمكتبة العراقية وللمتابعين والباحثين في المجال النوعي للجريمة وانعكاساتها الاجتماعية بمعارف جديدة.
بالتوفيق للباشا الدكتور المشهداني المِعطاء دونَ كَلَل أو مَلل، وإلى إصدارٍ جديد صديقي الكرخي الأصيل أبا إيمان ... مع التقدير.
243 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع