الشاعرة العراقية المغتربة گولاله نوري:الحب قيمة حياتية عليا
گولاله نوري .. الشاعرة العراقية الكردية المغتربة ولدت في كركوك ونشأت فيها ، ثم إنتقلت إلى الموصل لإكمال دارستها ثم الى بغداد. سكنت فترة في عمان وبعدها تنقلت بين اكثر من دولة ،وهي مستقرة الان في الولايات المتحدة الامريكية. نالت شهادة الماجستير بدرجة امتياز عن رسالتها (رؤية الشعر الأمريكي والعراقي الحديث حول حرب العراق) وهي تحليل سيكولوجي ومقارنة أدبية بين الشعراء الأمريكيين والعراقيين الذين كتبوا عن حرب العراق.
وگولاله عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ومجلس وسام هوميروس الاوربي للشعر والفنون، في بروكسل منذ 2016. تحمل دبلوما في اللغة الروسية ونالت الدكتوراه في الترجمة الإنكليزية ، لها مجموعات شعرية عديدة بدأتها بمجموعتها الشعرية الأولى (لحظة ينام الدولفين - 1999) ثم ( لن يخصكِ هذا الضجيج 2001) و(تقاويم الوحشة 2005) و(حطب2010) و (قبعات مكسورة 2016).
عن گولاله نوري الانسانة والشاعرة وعن نظرتها للحياة والشعر والحب والمهجر أجريت معها هذه المحاورة لتسليط الضوء على مبدعة أثارت نصوصها وشخصيتها وقناعاتها جدلا في أوساطنا الادبية وما زالت مستمرة في رفد المشهد الشعري بنتاجها الابداعي.
* يقول كافكا (راح عصفور يبحث عن قفص) .. هل أسس حلمك لمغادرة كركوك بل العراق كله وانت في بداية مرحلة النضوج لمديات صراعٍ بين التوق للحرية بعيدا عن أسر المكان وبين معاناة الغربة واشكاليات التكيف؟ وهل كانت مدينتك معك في حقيبة سفرك الدائم
گولالة نوري : مقولة كافكا لا تنطبق على بدايات تلمسي الحياة والشعر والوجود، ولم تكن لدي اشكاليات التكيف مع عوالم جديدة من ناحية المكان او الثقافات لانني اتوق لكل ما هو غير متكرر. استلهم من البيئات والحضارات والثقافات الجديدة روح اضافية للكتابة ، والتأمل وفكرة الوجود، ومعرفة لسايكولوجية النفس البشرية من ضمنها واولا نفسي . وليست لدي معاناة الغربة المكانية ، الغربة المكانية عشتها في الحقيقة وانا صغيرة في كركوك بسبب النظام العنصري الفاشي لحزب البعث وعمليات ترحيل الاكراد والاستيلاء على بيوتهم، ثم الاصدقاء وصديقات المدرسة الذين كانوا يختفون فجأة مع عوائلهم كان ذلك يسبب لي حزنا ، وشعورا باللااستقرار ، لذا ليست لدي ذكريات جميلة في كركوك سوى مكتبتها العامة التي كانت تاخذني لعوالم اخرى من كتب وادباء وعلوم وفلسفة وأديان ، كنت مدمنة مطالعة واقضي الكثير من ايام العطلة المدرسية هناك. حين غادرت كركوك اصبحت لدي مدن كثيرة في حقيبة السفر وحقيبة الذاكرة والقلب.احتاج عمرا آخراً كي اتصفح فقط تلك الحقائب. لدي حالة دفاعية ضد الاحزان والخيبات ، ان اضعها على درج بعيد عن اليد والعين والاحساس ، قد تقع بين فترة واخرى بترابها امامي لكنني احاول قدر الامكان ان اكبت فضولي لمسح الغبارعنها اوفتحها واحيانا قليلة افشل في المقاومة.
* ابتداءََ كيف وجدت نفسك على درب الشعر ؟ وهل تكتبين نصك الشعري دفعةََ واحدة أم تكررين العمل فيه مرات عديدة ؟
گولالة نوري : الشعر كان موجوداً في بيتنا وفي مكتبتنا الصغيرة .عائلتي كانت تحترم المبدعين في مجال الشعر هذا كأساس وكذلك اثناء قراءاتي الكثيرة منذ الصغر ، ومن ثم دور مجلتا الأطفال واليافعين (مجلتي) و(المزمار) في تأكيد انحيازي للشعر والأدب بمواضيعها الجميلة والمهمة القريبة من اعمارنا حينذاك. وأيضاً دور مدرستي للغة العربية في المدرسة في كركوك حين كانت تسأل من لديها رغبة او هواية لكتابة الشعر فشجعتني كثيرا وكانت تصحح لي أخطائي، أما عن كتابتي لنصوصي فإني اكتبها دفعة واحدة وكانني انقلها من مِرآة أمامي وما يبقى لاحقا يخضع للمراجعة البسيطة .
تجديد المفردة الشعرية
* الإرتقاء بمخزون الذاكرة عبر إحداث تغيير جوهري في اللغة الشعرية للابتعاد عن التكرار في محتوى وشكل النص يتطلب جهدا مضافا يقترن بالوعي لأهمية وظيفة الشعر وديمومة تأثيره . كيف تتصدين لهذا التحدي ، بمعنى كيف تتعاملين مع فكرة تجديد المفردة الشعرية في نصك ؟
گولاله نوري : الذاكرة لا تحدث تغييرا جوهريا في اللغة الشعرية ـ الزمن الحاضر او لحظة كتابة القصيدة والمكان والحدث والفكرة ومدى توفر حرية التعبير في زمن ومكان الكتابة ـ وطبعا المطالعة المستمرة والثقافات الجديدة التي تكتسبها بحكم حياتك المختلفة ، كل تلك المعطيات تساهم في تغيير اللغة الشعرية ، والمحتوى يتغير أيضا حسب الاحداث والاشخاص التي تدهشك او تستفزك للكتابة، لست مقتنعة ان للشعر وظيفة مؤثرة او فعّالة، انا اكتب لأتنفس وكي اقول لهواجسي " لست وحدكِ ، انا هنا معك " لذا ارى الآن ان الشعر والشعراء يعملون في دائرة مغلقة .
لم اتعامل مع كتابة الشعر ومفرداته هكذا ، اترك المفردات تخرج مني على راحتها بشوق لتتحرر ، قد ترقص او تبكي او تنعس او تركض وقد تخفف الوطء . استطيع القول انني اهتم بالصورة الشعرية أكثر من المفردة فانا لست فقيهة ولا بقاموس ، والصورة الشعرية تكون متكاملة تقريبا حين اكتبها ، انا لا اجيد الصناعة اجيد إلتقاط الصورة الشعرية في نظرةٍ واحدة .
* وقفة مع قصيدتك (وصيتي الى مْغسًلة الموتى) رأيتها جريئة جدا تكشف عن دواخلك بوضوح صادم وهي مثقلة بالدلالات الصورية التي تختصر نظرتك للحياة والموت ، إنها متتالية المعاني ترمز للرفض والتمرد والتحرر من اسر العقائد وتلغي قيم الاسرة والمجتمع الذي ولدت فيه و كأنها ولدت في رحم أزمة نفسية .. هل أنها نضح الواقع الراهن أم انها جاءت تعبيرا عن قناعاتك الفكرية الثابتة في الحياة ؟
گولاله نوري : ذكرت في جوابي السابق انا لا أجيد الصناعة والتصنع وأترك الصورة الشعرية تقدم نفسها بالإطار المناسب لها ، لذلك فهي ليست لها علاقة بقصدية التمرد على قيم الأسرة والمجتمع ، قصديتي بالذات في تلك القصيدة هي كتابة وصية شعرية ، مع تمردي فعلا على معظم العادات والتقاليد المضرة لصحة العقل، والعمل للعيش بروح انسان متحرر فكريا ونفسيا من أذرع أخطبوط المجتمعات المحبطة للعطاء الإبداعي والفكري . بالنسبة لولادتي ، فليست لدي ولادة واحدة ولكوني ولدت في أحد المجتمعات بالصدفة فهذا لا يعني ان اصبح عبدا لذلك المجتمع .اضافة الى ذلك من قال لك انني ولدت مرة واحدة ؟ أنا ولدت حقا عشرات المرات في مسيرة حياتي وعشت طرق حياتية مختلفة ، أصبحت لدي قيمي الخاصة لاسرتي الصغيرة التي تناسب جميع أفرادها وبموافقتهم معي طبعا . الاسرة التي يولد الفرد فيها تتوزع أفرادها مع الوقت في أسر مستقلة ، لهم قوانينهم واتفاقياتهم بينهم للعيش معا، وهي في معظم الاحيان تختلف عن الاسرة الجذر . اما العقائد فهي بالنسبة لي نظريات من المطلوب برهانها، والطرق التقليدية للعقائد تخنقني .
* تتكلمين بعدة لغات غير لغتك الاصلية وتستقرين في الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات ، لكنك في النهاية اخترت الكتابة باللغة العربية ولك عدة مجموعات شعرية بها ، ألا تسبب الكتابة بغير لغة الأم لك إشكالاً ذهنياً ؟
گولالة نوري : في بدايات كتاباتي كنت أكتب باللغتين الكوردية والعربية، لكن مطالعاتي كانت كثيرة جدا باللغة العربية اضافة الى ان الدراسة خلال مراحل المدرسة كانت بالعربية. درست الكوردية في المدرسة لسنة واحدة ثم منعت اللغة الكوردية في المدارس في كركوك ، وبما أن الشعراء والكتاب الكورد كانوا معظمهم معارضين وكتبهم ممنوعة في كركوك. لذا كنا نتعرض لدهم المنازل من قبل قوات الأمن ايام النظام السابق واذا حدث وان وجدوا كتابا لهؤلاء المعارضين فستكون مشكلة كبيرة وقد ندخل السجن من أجل كتاب، لذلك ركزت وانفردت بالمطالعة باللغة العربية وبالتالي الكتابة بها بطبيعة الحال ومكتبة البيت كانت مليئة بالكتب العربية من قصص وشعر . اللغة العربية لغة ساحرة تأخذك بعيدا عن القوميات والسياسات والتفرقة . مطالعاتي بالانكليزية او دراستي للغة الروسية اضافت الكثير للغتي الشعرية في الحقيقة ولم أجد أية إشكالية ذهنية نتيجة ذلك، وقد نصحني الكاتب الكبير القاص جليل القيسي في بداياتي ان استمتع باللغات التي أعرفها لأنها تخلق خلطة ذهنية وحسية دافعة للإبداع ولا يجب ان تسبب لي الحالة التشتت وقد عملت بنصيحته .
* في نصك الشعري وربما في الحياة الواقعية كيف تتناولين الحب ، أهو قيمة رومانسية عليا أم أنه مجرد نزوة عاطفية تعالجيها بالمنطق والعقل بعيدا عن القلب ؟
گولاله نوري : لم أنظر للحب او العاطفة ابدا كنزوة ، النزوة تسقط من قيمة الحب والعاطفة . الكلمتان نزوة وحب لا يمكن أن تجتمعان او تصفان حالة واحدة بعينها ، النزوة انت تضحك على نفسك وعلى الآخر اذا اسميتها حبا . الحب قيمة حياتية عليا وليس قيمة رومانسية فقط .
* أين تجدين نفسك في خضم الشعر؟ وهل حققت خلال مسيرتك الطويلة ما كنت تطمحين إليه ؟
گولاله نوري : أجد نفسي غارقة في قصائد الحياة ، نعم حققت معظم ما كنت أطمح إليه ولدي تصالح مع ذاتي واسلوب حياتي وتاريخي الانساني والشعري .
* في جملة مختصرة قولي للقراء من هي كولالة نوري الآن ؟
كولالة نوري : محاربة منتصرة رغم الخسارات . الانتصار يحول الخسارات لأوسمة !
1968 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع