مفرزة العسكرية الألمانية في العراق
23/ أيار / 1941 ــ 29 / أيار / 1941
مهام المفرزة العسكرية الألمانية في العراق مايس / 1941
د. ضرغام الدباغ : اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس
برلين / 2020
المفرزة العسكرية الألمانية في العراق
٢٣-آيار ١٩٤١ ……٢٩-آيار ١٩٤٢
صدر في برلين للكاتب الدكتور ضرغام الدباغ و اللواء الركن المتقاعد علاء الدين حسين مكي خماس كتاب بعنوان المفرزة العسكرية الالمانية في العراق عام ١٩٤١ (تأليف وترجمة ) وقدما أهدائه الى (أرواح القادة الذين ساهموا ببناء الجيش العراقي فضحوا بالغالي والنفيس من اجل إعلاء مجده ،الى شهداء العسكرية العراقية والعربية تحية إحترام وإجلال ).
ويحوي على مجموعة تقارير عسكرية وملفات وصور حول :
مهام المفرزة العسكرية الألمانية في العراق عام ١٩٤١ ،وصدر عن المركز العربي الالماني في برلين بالرقم٧
إحتوى الكتاب على معلومات مفيدة للقارىء والباحثين حول معطيات حركة مايس ١٩٤١ ،
ومذكرات المرحوم امير اللواء الركن حسين مكي خماس ،وحادثة مقتل الرائد الالماني (أكسل فون )في بغداد .
وعرج كذلك على أحداث ومفارقات منها ( النازيون فوق بغداد،وموت في الرمال ،والانقلاب العسكري ،وحرب هتلر المنسية ) وأمور آخرى متعددة تفيد القراء عن تاريخ مضى والذي يتطلب الدراسة بأمعان..
وختم البحث في عنوان عرض وتحليل لكتاب (ألمانيا والمشرق العربي ) وعرض وتحليل (العالم العربي في وثائق ألمانيا سرية .
بعد دراسةالكتاب ومحتوياته وجدنا من المناسب الاطلاع على تفاصيله كونه مفيد للقراء والباحثين..
مع التقدير
جلال چرمگا
ر ئيس التحرير
مجموعة تقارير عسكرية وملفات وتحقيقات حول :
مهام المفرزة العسكرية الألمانية في العراق مايس /1941
تأليف وترجمة
د. ضرغام الدباغ ـــ اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس
صدر لأول مرة في برلين 2020
صادر عن المركز العربي الألماني / برلين : الرقم : 7
الإهداء
إلى أرواح القادة الذين ساهموا ببناء الجيش العراقي فضحوا
بالغالي والنفيس من أجل إعلاء مجده
إلى شهداء العسكرية العراقية والعربية
تحية احترام و إجلال
المؤلفان
المحتويات
صورة الغلاف
رسم يمثل: رشاش مقاومة طائرات انكليزي، يطلق النار على طائرة ألمانية (تحمل علامات القوة الجوية العراقية) فيصيبها، فتسقط في الصحراء، وتنقذ دورية عراقية الطيار والرامي من الموت.
المقدمة
بعد مراسلات بيني وبين الأخ اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس، والذي وجدت عنده قابلية بحثية ممتازة، وله أعمال: مؤلفات ومترجمات، وأخرى مهمة ساهم بتحقيقها، وتدارسنا أنباء الفعاليات التي قامت بها المفرزة العسكرية الألمانية (هي جوية في غالبيتها العظمى)، وكنا قد ترجمنا مقطع مهم من فعاليات القوات الخاصة الألمانية (في مهمة قادتها الاستخبارات العسكرية الألمانية) حاولت بها تخريب إمدادات النفط، ومحاولة إعاقة حصول الحلفاء على النفط العراقي.
وأمدني الأخ اللواء الركن خماس بمقطع مهم كان المغفور له اللواء الركن حسين مكي خماس رئيس أركان الجيش العراقي ووزير الدفاع الأسبق(والد اللواء الركن علاء الدين) قد سجلها في مذكراته عن بعض مجريات تلك المفرزة (1941) التي فشلت لأسباب ذاتية وموضوعية عديدة، وكانت مبادرة الأخ اللواء الركن خماس، قد دعتني إلى المزيد من الغوص في الوثائق الألمانية، وقد عثرنا حقا على الكثير مما كتب، وعلى الكثير من الصور الفوتوغرافية، وأخرى رسوم تخطيطية لأهم الأحداث وهي من تلك التي لم يطلع عليها القارئ العراقي والعربية، فقررنا أن نجمع هذه التقارير ليضمها هذا الملف الذي سيساهم في حفظ تاريخ عمليات الجيش العراق، وما دارت من عمليات، لقوات أجنبية على أرضه.
وللمرة الأولى نعلم أن القوات الألمانية اقتصرت على سربين من القوة الجوية الألمانية اللوفتفافة (Luftwaffe) سرب من مقاتلات المسر شمت 110، وسرب قاذفات قنابل هينكل 111، مع كمية وفير من السلاح، (مدافع، ورشاشات وبنادق وأعتدة وذخائر).
فأما الطائرات، فقد سقطت، أو أعطبت، أو دمرت على الأرض، أو أصبحت خارج الخدمة لنقص في الأدوات الاحتياطية، ولم يعد منها سوى طائرتان. وأما الأسلحة والذخائر، فأغلب الظن أن البريطانيون استولوا عليها، بعد توقف الحركات العسكرية.
وقد خسرت القوة الألمانية فرداً واحداً في عملياتها العراقية، وهو الرائد أكسل فون بلومبرغ، الذي كان على متن طائرة هينكل قاصفة تحلق فوق بغداد وهي في مسار التقرب للهبوط في مطار الرشيد العسكري واختار الطيار هذا المسار لكي يرى العراقيون أن المساعد الألمانية قادمة ، لكن احد ضابط الصف العراقيون الذي كان بواجب الحراسة فوق جسر من جسور بغداد عبر نهر دجلة ، اطلق(طلقة واحدة) من بندقيته (أنفيلد 303 عقدة) لاعتقاده أنها طائرة بريطانية،أصابت الرائد اكسل فون بلومبرغ الذي كان على متنها فقتلته في الحال، وأغلب الظن أنه كان قادماً كموفد لإجراء محادثات مع الجانب العراقي.واستمرت الطائرة بالطيران ، ثم حطت في مطار الرشيد العسكري ، وكان الرائد قد فارق الحياة.
وجدير بالذكر أن الطائرات الألمانية كانت تقاتل وهي تحمل علامات القوة الجوية العراقية (المثلث الأخضر وحرف ج وسطه).والجديد في هذا الموضوع أيضاً،هو اشتراك سرب إيطالي من الطائرات المقاتلة، والتي وصلت بغداد في وقت متأخر ولم يكن وجودها مؤثراً، وذلك لقدم طائراتها (ذات السطح المزدوج). ومن غير المعروف ما حل بها، وبعناصرها.
ولئن أكتنف عمل القوة الجوية الألمانية في العراق مصاعب، فذلك يعود إلى العمل الارتجالي الألماني بدعم حركة مايس / 1941، ورغم أن الجيش الألماني كان في شمال أفريقيا منذ كانون الثاني / شباط / 1941، إلا أن عناصر المهمة كانت تشكو حرارة الطقس والرمال. والطقس عموماً. ولكن توازن القوى كان لصالح الإنكليز في الجو وفي الأرض، وهو السبب الرئيسي لانتصارهم في النهاية.
ويبدو لنا، أن هناك سبباً كامنا آخر، هو أن القائد هتلر، وربما عناصر أخرى في القيادة العليا لجيوش الألمانية (OKW) لم يكن يضع الشرق الأوسط في خططه لا الحالية ولا المستقبلية. على الرغم من أهمية المنطقة سياسياً واقتصاديا واستراتيجياً، لأن تلك القيادات وفي مقدمتهم هتلر نفسه، كانوا مشبعين بأفكار واستراتيجية المفكر الألماني كارل هاوسهوفر (Karl Haushofer). والذي كانت أفكاره محط إعجاب وتأييد الحزب النازي وتبناها في سياسته.
وهاوسهوفر هو جغرافي استراتيجي ألماني خدم في الجيش وطور أفكاراً صارت تعرف بالمجال الحيوي (Lebensraum) وبالإنكليزية (Habitat) ، وموجز هذه النظرية التوسعية، أن للأمم العظيمة مجالاتها الحيوية للتوسع، وحيث أن بريطانيا دولة بحرية، أسست مستعمراتها التجارية في أرجاء العالم لتزويدها بالمواد الخام، ولتكن منطلقاً لتجارتها وأسواقها الخارجية، فأن الشعب الألماني الذي ينتشر في بلدان كثيرة في أوربا الشرقية بما يمثل وجود سكاني وثقافي في (تشيكوسلوفاكيا، بولونيا، هنغاريا، رومانيا، جمهوريات البلطيق ليتوانيا ــ استونيا ــ لاتفيا، وفي القفقاس) وهذه البلدان بحاجة إلى ألمانيا لتتبلور كياناتها السياسية وتتكامل مع اقتصادياً، فألمانيا تحتاج النفط، وخامات الصناعة، وقوى عاملة رخيصة، لذل فإن الزحف نحو الشرق (Drangen nach Osten) لابد أن يكون عماد سياسة ألمانيا الدولة الصناعية العظمى .
كانت هذه الأفكار تمثل الآيديولوجيا الرسمية للدولة النازية، وعندما يبلغ الآيديولوجي لدرجة التعصب لفكره يصبح دوغماتي (Dogmatic)بمعنى أنه يصبح أسير نظرية هو خلقها، ينقاد لها انقياداً أعمى. لذلك خاضت القيادة الألمانية: السياسية والعسكرية، مغامرتها الكبرى، المهلكة بخوض الحرب ضد الاتحاد السوفيتي، البلد المترامي الأطراف الغني جداً بالموارد، القادر على خوض الحروب الطويلة وله فيها تجارب غنية، والشعب الروسي محب لأرضه ووطنه، بصرف النظر عن شكل نظام الحكم.
لم تكن القيادة الألمانية مقتنعة حتى في خوضها غمار معركة شمال أفريقيا، بمعنى أن هتلرلم يكن يشارك حليفه الإيطالي موسوليني الرأي بأحتلال مصر، فأعتبرها حلم إيطالي محض بتحويل البحر المتوسط إلى بحيرة رومانية، رغم أن احتلال مصر كان يعني الهيمنة على قناة السويس وقطع طرق الملاحة والإمداد البريطانية مع الهند، وضرب مميت للنفوذ البريطاني في البحر الأبيض المتوسط، لذلك كان هتلر يعتبر حملة شمال أفريقيا ورطة، ولذلك لم يكن متحمساً أيضاً لاحتلال مالطة، وإزاحتها كعقبة كأداء في طريق المواصلات الإيطالية الألمانية.
ربما شعر هتلر متأخرا بأهمية الشرق الأوسط، حين كانت قوافل الإمداد الأمريكية / البريطانية تأخذ طريقها إلى إيران ومنها إلى الاتحاد السوفيتي، بل أنهم خلعوا شاه إيران رضا بهلوي لتعاطفه مع النازية، وتصاعدت أهمية نفط الشرق الأوسط بدرجة استراتيجية لبريطانيا. لكن ذلك الإدراك كان متأخراً، فالحملة في شمال أفريقيا فقدت زخمها، وطرق إمدادها صار مكلفاً، كما انتهت مغامرة حملة العراق الغير مدروسة بعمق بسرعة، ولم تكن التحضيرات لها كافية، وانتهى التوغل الألماني / الإيطالي في البحر المتوسط عند جزيرة كريت. في حين لم يقبل الإنكليز حتى بهيمنة (مسالمة) للقوات الفرنسية (حكومة فيشي)على سوريا بعد تأييد نصف علني ومستتر لحركة مايس / 1941 العراقية، وفور أن أستتب لهم (للإنكليز) الأمر، هاجموا سوريا ولبنان، وجرت تصفية وجود حكومة فيشي هناك، واستبدلت بقوات فرنسا الحرة (حكومة ديغول في المنفى / لندن).
إن الحملة الجوية للمحور، الألمانية / الإيطالية تستحق الدراسة وتحليل جوانبها العسكرية والسياسية والإستراتيجية، وستكون هذه مهمة في أغناء الفكر العسكري / الاستراتيجي، ومن تلك الجوانب أيضا دراستها من ناحية قانونية، تبحث في مسألة اشتراك قوات ألمانية في هذه الحملة، فمثلا الأسرى، هل سيعتبرون أسرى القوات المسلحة العراقية، أو يعتبرون أسرى ألمان ..؟
ومن الأمور المثيرة للاستغراب، هو كثرة (نسبية) ما كتب عن هذه المهمة الألمانية، ككتب وكمقالات، في حين أن ما مسجل رسمياً في العراق، هو ضئيل، وربما ضئيل للغاية، أما دراستها دراسة وافية، فأعتقد أنها ضرورة، لكيلا تترك صفحة في تاريخ قواتنا المسلحة العراقية دون إشباعها دراسة وبحثاً واستخلاص العبر منها.
العراق اليوم في محنة، ولكن هذه المحنة لها ظروفها الخارجية، وستزول بزوال تلك الظروف، وستعود المؤسسة العراقية ببناء رصين ومتين، كما كان الحال يوم تأسيسها.
ضرغام الدباغ
يرجى الانتباه :
ــ اللوفتفافه : سلاح الجو الألماني.
ــ الفوهرر : لقب هتلر ويعني بالألمانية "الزعيم".
ــ الوزير المفوض: رتبة دبلوماسية، أعلى من المستشار وأدنى من السفير.
ــ الفيرماخت: اسم الجيش الألماني.
ــ الرايخ الألماني: الأمبراطورية الألمانية
ــ المحور : التحالف الدولي الذي يضم : ألمانيا وإيطاليا واليابان.
ــ كل نص بين قوسين " " ويليه رقم هو اقتباس نصي من مصدر مشار إليه.
ــ اقتباس مشابه وغير نصي يشار برقم ويعني " لاحظ أيضاً ".
ـــ في المقاطع المترجمة، ترد عبارات ومصطلحات، لا تمثل رأينا، كاطلاق كلمة "ثورة، انتفاضة، حرب، المهمة، الواجب وغيرها " وآثرنا ترجمة المصطلح كما أراده كاتب البحث أو المقال، وعلى مسؤوليته العلمية.
الفصل الأول
حركة مايس1941، معطيات وتحليل
اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس
شهد القرن العشرون ولادة الدولة العراقية الحديثة عام 1921 كدولة تحت الانتداب البريطاني، وتأسيس الجيش العراقي في نفس العام . وفي عام 1932 أصبحت الدولة الوليدة دولة مستقلة مرتبطة بمعاهدة مع بريطانيا هي معاهدة 1930 التي أبقت على الكثير من شروط الانتداب على العراق.
شرع الملك فيصل الأول مؤسس العراق الحديث ببناء الدولة العراقية تحت ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية قاسية جداً ، لكنه نجح في ذلك نجاحا باهرا، وبعد وفاته المبكرة عام 1933، خلفه ابنه الشاب الملك غازي الذي لم يكن بحكمة ودهاء والده فيصل الأول وخبرته السياسية والعسكرية ، بل كان شاباً مندفعاً مغامراُ كشأن الشباب جميعا ، محبوبا من جماهير شعبه ، معارضا للانكليز وميالاً إلى الألمان معجبا بهم كالغالبية العظمى للعراقيين .
ولم يكن ذلك الشعور ببعيد عن الجيش بسبب هيمنة الإنكليز عليه وتحديدهم تسليحه وتجهيزه بالأسلحة الحديثة لذلك الزمن. شهدت العقود الثلاثة الأولى من ذلك القرن أحداثا أثرت فيما بعد كثيرا على التطور السياسي والعسكري للعراق بانت أثارها في نهاية القرن نفسه. ففي أواسط الثلاثينات وبالذات عام 1936 شهد العراق انقلاب بكر صدقي العسكري، وهو أول انقلاب عسكري في الدول العربية ، كانت أولى غايات الانقلاب إعادة تسليح الجيش العراقي من أي مصدر حديث ، فكانت صفقات السلاح مع إيطاليا من طائرات مقاتلة وقاصفة ودبابات خفيفة . قتل بكر صدقي ومعه قائد قوته الجوية محمد علي جواد عام 1937 وهما في طريقهما إلى برلين عام 1937. نشأت بعد مقتله مجموعة من الضباط والقادة الشباب المشبعين بالروح القومية والمتأثرين بأفعال الإنكليز ومساندتهم للصهاينة في الاستيطان في فلسطين فكانوا ممتعضين من الإنكليز وأفعالهم ميالين إلى ألمانيا يؤيدهم مليكهم الشاب غازي الأول والذي تأثر بالتقدم والشعور الوطني الألماني وأراد أن يسير بالعراق على خطى ألمانيا فأنشأت منظمتي الكشافة والفتوة لتدريب الشباب تدريبا عسكريا أوليا، وأهدى له هتلر سيارات سباق وسيارات ركوب من نوع مرسيدس هي الوحيدة من نوعها في العالم .
قتل الملك غازي في حادث سيارة غامض عام 1939، فحزن الشعب بأجمعه عليه والقيت الملامة على الإنكليز بتدبير مقتله مما أجج الشهور ضدهم . لما كان ابن الملك غازي فيصل الثاني مازال طفلاً في الرابعة من عمره، فقد اختير أو نصب خاله الأمير عبد الإله وصيا على العرش، وهنا بدأت الطامة الكبرى التي أصابت العراق والعائلة المالكة فيما بعد . كان عبد الإله ميالا إلى الإنكليز يؤيده في ذلك سياسيون كثر يرون في التحالف مع بريطانيا الطريق الصحيح الذي سيوصل العراق إلى بر السلامة لاسيما بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية بين بريطانيا وألمانيا في أيلول 1939. بينما كان هناك سياسيون وعسكريون كثر لا يؤيدون الإنكليز ويرون فيهم القوة الاستعمارية التي تهمين على العراق كدولة والتي تمنع نمو وتسليح جيشه، علاوة على تأييدها لليهود الصهاينة في فلسطين كما هو معروف، وبنفس الوقت يميلون إلى ألمانيا ويعجبون بقائدها الألماني القومي الاشتراكي، وبالجيش الألماني والشباب الألماني عموما، ويرون فيهم أملا في تحقيق أهداف الثورة العربية الكبرى التي قامت في الحجاز عام 1917 وقاتلت إلى جانب الإنكليز للحصول على دولة العرب المستقلة عند انتصارها على ألمانيا، ولكن الإنكليز والفرنسيين خذلوهم في النهاية ومزقوا العالم العربي إلى دول ومناطق نفوذ ومستعمرات كما هو معروف تاريخياً ، بينما ألمانيا كانت تعلن أنها ستؤيد العرب وإنها ضد اليهود، فكان من الطبيعي أن يتنامي لدى العرب جميع وليس بالعراق وحسب شعور إيجابي نحو الألمان . هكذا إذن انقسم الرأي في العراق بين السياسيين خاصة ما بين مؤيد للانكليز ومعهم عبدالاله، ومعارض لهم يترأسهم رشيد عالي الكيلاني ومعه كتلة الضباط القادة القوميين المعروفين بالمربع الذهبي .
بكل الأحوال بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية طلب الانكليز من العراق تطبيق بنود معاهدة 1930 والتي تنص على أن يلتزم العراق بتحالف مع بريطانيا فيحارب أعدائها ويصادق أصدقائها، لذا عليه أن يقطع علاقته بألمانيا ويعلن الحرب عليها. وبعد اجتماع مجلس الوزراء برئاسة رئيس الوزراء نوري السعيد، وإجراء مداولات في الموضوع تقرر قطع العلاقات، ومعارضة فكرة إعلان الحرب. وفي 10 حزيران-يونيو 1940 دخلت إيطاليا الحرب ضد بريطانيا وفرنسا إلى جانب الألمان الذين كانوا قد تفوقوا في جميع الجبهات واكتسحوا البلاد التي هاجمتها جيوشها. في يوم إعلان إيطاليا الحرب على الحلفاء، طلب السفير البريطاني من الحكومة العراقية أن تقرر موقفها من إيطاليا. وبعد اجتماع مجلس الوزراء، الذي كان برئاسة رشيد عالي الكيلاني الذي إلف الوزارة قبل أيام معدودات على اثر استقالة وزارة نوري السعيد، وأخذه بنظر الاعتبار مصلحة العراق والموقف الدولي وسير القتال في أوروبا، تقرر إبلاغ السفير البريطاني بتمسك العراق بمعاهدة التحالف العراقية-البريطانية، وقيامه بكل ما يترتب عليه من واجبات لصيانة المواصلات والمنافع المشتركة، وأن الحكومة العراقية تتريث في أمر قطع العلاقات السياسية مع إيطاليا. وكان نتيجة تمسك الوزارة العراقية بمصالح العراق وعدم رضوخها لطلبات وهيمنة السفير البريطاني أن أدرك السفير صعوبة التعاون مع الوزارة الكيلانية الثالثة ويتحين الفرص للتخلص منه.والحق كان السفير البريطاني قد تقدم بطلب خال من اللياقة الدبلوماسية وأشبه بالإنذار إلى الحكومة العراقية وينص على وجوب احترام المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1930، وضرورة قطع العلاقات مع إيطاليا بحلول الساعة 12 من ظهر ذلك اليوم 10/ حزيران-يونيو / 1940. كان هذا الطلب من قبل السفير البريطاني مثالا واضحا على تدخل بريطانيا بشؤون العراق الداخلية. وبعد رفض الحكومة العراقية هذا الطلب، وإصدار بيان التريث في القرار على العلاقات، هاج السفير البريطاني واستشاط غضبا، وطلب يوم 12 منه مواجهة رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني. وقد بين رشيد عالى أن العراق كان دولة ذات سيادة، وأنه اتخذ هذا القرار بناءً على تقديره المصلحة العليا للعراق. أدى ذلك إلى فقدان الثقة من قبل السفير البريطاني بالحكومة العراقية. ونظراً للعلاقة القوية التي تربط السفير بالوصي عبد الإله، فقد ازدادت الشكوك بين الأخير وبين الحكومة برئاسة رشيد عالي الكيلاني. وبدأت المشاكل بالنمو تدريجيا بين الجانبين1.
ونتيجة لتدهور العلاقات ما بين الحكومة العراقية من جهة وبين الإنكليز والوصي عبد الإله من جهة أخرى. بعد الرفض العراقي لقطع العلاقات مع إيطاليا في حزيران-يونيو 1940 كما سبق وبينا، وتوتر العلاقات مع بريطانيا، قررت بريطانيا ضرورة التخلص من حكومة الكيلاني. كان أول ما قامت به بريطانيا هو مطالبة العراق بالسماح بنزول قوة لواء بريطاني في البصرة تمهيدا لمروره إلى فلسطين، وذلك تطبيقا لبنود معاهدة 1930. وقد وافقت الحكومة العراقية على ذلك، إلا أن التطبيق البريطاني عام 1940، كان تجاوز كبير على بنود الاتفاقية بسبب إطالة فترة بقاء اللواء البريطاني في البصرة، وبسبب طلبها إنزال قوات أخرى هناك قبل تنقل ذلك اللواء كما تنص المعاهدة. بعد ذلك بفترة قصيرة لجأ مفتي فلسطين أمين الحسيني إلى العراق، وهو المعروف بكرهه للإنكليز وتعاونه مع الألمان. ثم كان سقوط فرنسا تجاه الهجوم الألماني عليها بداية تموز- يوليو 1940، وغموض الموقف الناجم عن ذلك في سوريا ولبنان، التي كانت تحت الانتداب الفرنسي.
وهنا بدأت اتصالات حكومة الكيلاني بألمانيا عن طريق سفيرها (فون بابن) في إسطنبول، وذلك بإرسال مبعوثين وزاريين عراقيين إلى تركيا ظاهريا، بحجة التمتع بالإجازة، في حين أن المهمة الحقيقية كانت الاجتماع بفون بابن، ونقل رسائل إلى قادة ألمانيا برغبة العراق الحصول على مساعدة ألمانيا بتخليص العرب من النفوذ البريطاني، والاعتراف بالقضية العربية ومشروعيتها، وإصدار بيان واضح بهذا الخصوص من ألمانيا. وفعلا فقد صدر البيان بتاريخ 23/10/1940 . لكنه كان بيانا فضفاضا ومبهما، لم يرقَ إلى توقعات العراق والقوميين العرب المتطلعين إلى ألمانيا. زاد ذلك البيان من توتر العلاقات بين بريطانيا والحكومة العراقية، مما أدى إلى امتناع بريطانيا عن تلبية احتياجات الجيش العراقي من الأسلحة والأعتدة التي كان ينبغي أن تاتي من بريطانيا حصرا وفق المعاهدة بين الطرفين. كما امتنعت بريطانيا من شراء محصول القطن العراقي رغم انخفاض سعره، مما أدى إلى تعاقد الحكومة العراقية مع الحكومة اليابانية لبيعها كل المحصول العراقي من القطن، الأمر الذي اعتبرته بريطانيا عملا عدائيا، نظرا لأن اليابان كانت أحد أعضاء قوات المحور. ومما زاد في تعقيد الموقف هو اعتراف العراق بالإتحاد السوفييتي وإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة معه. وهكذا تفاقم الوضع في العراق، ودخلت اجراءات التموين والتقشف إلى الحياة الاقتصادية العراقية. وأخيراً طلب الوصي من الكيلاني تقديم استقالته، والتي رفض أن يقدمها الكيلاني قائلا للوصي إنه لم يكن من حقه الدستوري إقالة الحكومة أو طلب استقالتها. في كل هذه المواقف، كان العقداء الأربعة المسيطرين على الجيش يؤيدون الكيلاني في مواقفه ضد بريطانيا وضد الوصي1.
تفاقم الوضع بين الكيلاني والوصي
بعد تطورات متسارعة ارتأى الكيلاني ضرورة حل مجلس النواب للحفاظ على الاستقرار السياسي في البلاد وتجنيبها الشقاق والنفاق، فقدم مسودة إرادة ملكية بحل مجلس النواب إلى الوصي لتوقيعها وذلك في يوم 30/ كانون الثاني- يناير / 1941. لكن الوصي لم يوقعها وغادر بغداد إلى الديوانية ملتجأً إلى قائد الفرقة الرابعة أمير اللواء الركن إبراهيم الراوي، ومحرضا إياه على التمرد ضد الكيلاني لإسقاطه. لكن قائد الفرقة أجابه بأدب انه لا يريد انشقاق الجيش، وبكل الأحوال فانه يتلقى الأوامر من رئيس أركان الجيش وحسب سلسلة المراجع . بعد ذلك استمرت الأمور السياسية الداخلية في العراق غير مستقرة، واستمر الوصي بمغادرته بغداد إلى الديوانية كلما شعر بالخطر واشتداد الضغوط عليه، مهددا بالاستقالة أن لم تتم الاستجابة لمطالبة باستقالة الكيلاني، والذي استقال فعلا لتجنيب البلاد التشرذم ولو على مضض. وقام طه الهاشمي بتشكيل الوزارة بالرغم من أن الوصي لم يكن يثق به كثيراً، لكنه اضطر لتكليفه لتجنب المشاكل.
كانت النار2 لا تزال تحت الرماد، فقد كان عنصر الثقة بين الوصي والهاشمي شبه مفقود، كما كانت الثقة بين الكيلاني ومن ورائه العقداء الأربعة المسيطرين على الجيش وبين الوصي قد تلاشت. وكان الوصي، ومن ورائه السفارة البريطانية يعمل في الخفاء من أجل تشتيت شمل قادة الجيش تمهيداً للتخلص منهم ومن الكيلاني. ومارست السفارة البريطانية ضغوطها على رئيس الوزراء من أجل إبعاد العقداء الأربعة عن أي تأثير سياسي في البلاد، كما ضغطوا على الهاشمي لقطع العلاقات مع إيطاليا، وكان الهاشمي يخشى رد فعل الشعب إن هو فعل ذلك. ونتيجة لتلك الضغوط، أقدم الهاشمي، بصفته وزيراً للدفاع وكالة، بتاريخ 26 آذار- مارس 1941 ، وبناء على اقتراح من قبل وكيل رئيس أركان الجيش الفريق محمد أمين زكي، على إصدار أمر نقل العقيد (كامل شبيب) إلى قيادة الفرقة الرابعة في الديوانية ، ليحل مكانه صديق الوصي –والذي آواه في الديوانية اللواء الركن(ابراهيم الراوي)-، كما أصدر أمراً آخر بنقل مقر قيادة الفرقة الثالثة التي يقودها العقيد( صلاح الدين الصباغ) من بغداد إلى جلولاء. كانت تلك الإجراءات التي اتخذها الهاشمي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقول المثل، فلم يكد يبلغ القرار لقادة الجيش، حتى قرروا على الفور التصدي له ورفضه، واتخاذ التدابير الضرورية لحل الأزمة بصورة جذرية.
الانقلاب العسكري الثالث وهروب الوصي3
في يوم 31 آذار-مارس1941 اتخذ العقداء الأربعة التدابير اللازمة لاحتلال بغداد وتنفيذ خطتهم اعتبارا من صباح يوم 1نيسان- ابريل1941، فوضعوا بعض القطعات في الإنذار، وأحيطت ليلا دوائر البرق والبريد والتلفون، وأُحكم الطوق على مداخل الطرق العامة والجسور، وأُحيط قصر الرحاب وقصر الزهور بالقوات العسكرية. قام طه الهاشمي بتقديم استقالة وزارته، لكن لم يكن هناك احد للموافقة عليها لان الوصي هرب كعادته من بغداد عند تأزم الموقف.
عندما استيقظ الأمير عبد الإله من نومه علم أن قوات من الجيش تحيط بمنطقة قصره (قصر الرحاب)، فخرج بلباس النوم بسيارته وخرق الحصار وتوجه إلى دار عمته الأميرة صالحة الكائن في شارع أبــى نواس بالرصافة. ومن هناك نقل إلى الحبانية التي فيها المعسكر البريطاني ثم منها إلى البصرة، فوصلها يوم 3 نيسان-ابريل1941 ونزل في فندق شط العرب. ولعدم وجود مرجع رسمي أعلى في بغداد، ، فقد بقيت استقالة طه الهاشمي معلقة لم يبت فيها، الأمر الذي أربك الحالة في العاصمة، وأصبح الأمر يستوجب التفكير لإيجاد مخرج من الورطة. وبعد الاجتماع والمداولات، تقرر إبقاء وزارة طه الهاشمي في الحكم، واجتماع رجال الحكومة والسياسيين في البلد لمعالجة الموقف، وامتناع قادة الجيش من التدخل في السياسة وأعيدت قطعات الجيش إلى مواقعها.
تشكيل حكومة الدفاع الوطني:
بعد أن تحقق وجود الوصي في البصرة، قرر القائمون بالحركة تشكيل حكومة عسكرية يوم 3 نيسان- ابريل 1941 باسم (حكومة الدفاع الوطني).
فصار رئيسها رشيد عالي الكيلاني وأعضاؤها العقداء الأربعة وعلي محمود الشيخ علي ومحمد يونس السبعاوي. وفي الساعة 2100 من اليوم المذكور، أُذيع بيان لوكيل رئيس أركان الجيش عن أهداف حكومة الدفاع الوطني وأسباب تكوينها. وفي الساعة 2200 أذاع رشيد عالي الكيلاني بيانا آخر عن دوافع تحمله المسؤولية في هذه الظروف.
تشكيل مجلس الدفاع الأعلى:
في يوم الاثنين 7 نيسان- ابريل 1941 تشكل مجلس الدفاع الأعلى من رشيد عالي الكيلاني، علي محمود الشيخ علي، يونس السبعاوي، وكيل رئيس أركان الجيش، قواد الفرق، آمر القوة الآلية، آمر القوة الجوية، ومدير الحركات العسكرية بوزارة الدفاع.
إجتماع مجلس الأمة لانتخاب وصي جديد على العرش:
قررت حكومة الدفاع الوطني دعوة مجلس الأمة إلى الانعقاد للنظر في أمر تنصيب وصي جديد على عرش العراق. اجتمع المجلس ظهر يوم الخميس الموافق 10 نيسان-ابريل 1941 وحضره 7 أعيان و87 نائبا. أقترح رشيد عالي الكيلاني تنحية الوصي عبد الإله، وانتخاب الشريف (شرف)4 وصياً جديداً على العرش. تمت الموافقة على الاقتراح، وأقسم الوصي الجديد اليمين القانونية، وذهب بعدها إلى البلاط الملكي لتلقي التهاني والتبريكات5 .
وفي نفس اليوم قبلت استقالة الهاشمي وتم تكليف رشيد عالي الكيلاني بوزارته الرابعة ، وهي الوزارة التي أدارت الحرب مع بريطانيا.
نشوب الحرب البريطانية العراقية عام 1941م ونتائجها
تمهيد:
نتيجة لتوتر الأوضاع الشديد، والشعور المناوئ للإنكليز المتنامي في العراق، ولأهمية العراق بالنسبة للمجهود الحربي والإستراتيجية البريطانية، فقد أصاب بريطانيا قلق شديد إزاء الموقف في العراق كما سبق وبينا. فقرر تشرشل إرسال قوات إلى العراق للإنزال في البصرة بموجب المعاهدة مع العراق. تسارعت الأحداث بعدها إلى اندلاع القتال. كان العقيد الركن صلاح الدين الصباغ، قائداً للفرقة الثالثة وقائداً للجبهة بنفس الوقت. وقد استمر في منصبه هذا وقيادته للجبهة حتى نهاية الحرب، ومن ثم مغادرة حكومة رشيد عالي الكيلاني وقادة الجيش وفي مقدمتهم الضباط الأربعة العراق إلى إيران. الأسباب المباشرة التي أدت إلى الحرب
كان من ضمن إجراءات حصول العراق على استقلاله، عقد معاهدة مع بريطانيا عرفت بإسم معاهدة 1930. وكانت بنود هذه المعاهدة قد قيّدت العراق وحريته تقييداً شديداً، وأعطت لبريطانيا وقواتها العسكرية حقوقاً لا تتناسب وكون العراق دولة مستقلة ذات سيادة. قَبِلَ بهذه المعاهدة الساسة العراقيون، وعلى رأسهم الملك فيصل الأول على مضض، باعتبارها أفضل ما أمكنهم الحصول عليه في حينه، على أن تتم المطالبة بتعديلها فيما بعد، وذلك جريا على ممارسات الملك فيصل الأول المستندة إلى المبدأ المعروف (خذ وطالب).
في الوقت الذي لا نريد التوسع والتطرق إلى الأسباب السياسية التي كانت سببا في هذه الحرب، لكن لابد من القول أن بريطانيا، بالرغم من موافقتها على استقلال العراق وانضمام العراق إلى عصبة الأمم المتحدة عام 1932، إلا أنها كانت لا تريد التخلي عن مصالحها في العراق، ولعل أهمها أمران، الأول هو الاحتفاظ بحقوق شركاتها النفطية في العراق وكذلك في إيران، والثاني الحفاظ على قواعدها في العراق كونه حلقة وسطية مهمة في طريق مواصلاتها بين كل من مصر والهند. لذا وانطلاقا من هذين الأمرين، وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية فإنه كان من دواعي القلق لدى بريطانيا هو كيفية المحافظة على مصلحتها في العراق. وكان النظام في العراق برئاسة الوصي عبد الإله يعاونه السياسيون المعروفون بولائهم أو لنقل تفضيلهم التحالف مع الإنكليز وأولهم طبعا نوري السعيد وجماعته، كان هذا النظام يسير بركب بريطانيا على عكس الشعور القومي السائد في العراق والمتنامي والذي كان يؤيد ألمانيا ورئيسها الفوهرر هتلر والذين كانوا يأملون في الحصول على مساعدة ألمانيا ومن ثم من دول المحور لتحقيق الاستقلال الناجز والتخلص نهائيا من النفوذ البريطاني. عند اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 قامت حكومة عبد الإله، بناء على طلب الإنكليز، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا كما هو معروف وذلك بالضد من الرغبة الشعبية العراقية العارمة، وأدى ذلك إلى تعاظم الاحتكاك بين السياسيين من كلا المعسكرين. ولكن عندما أنظمت إيطاليا إلى ألمانيا عام 1940، طلبت بريطانيا من العراق قطع العلاقات معها كما سبق وفعلت مع ألمانيا. رفضت الحكومة العراقية التي كانت آنذاك برئاسة رشيد عالي الكيلاني ومؤيديه ضباط (المربع الذهبي) الذين سبق لنا ذكرهم. أدت التوترات السياسية فيما بعد إلى حدوث الاصطدام بين العراق وبريطانيا. وهنا لابد من أن نذكر أن بريطانيا كانت تعتبر العراق خطا أحمرا لا يمكن قبول خسرانه إلى قوات المحور
(السماح بإنزال القوات البريطانية) من شروط المعاهدة:
بعد رفض العراق طلب بريطانيا قطع العلاقات مع إيطاليا كما بينا أعلاه، تأكد للحكومة البريطانية استحالة الثقة بحكومة رشيد عالي الكيلاني الثالثة، فأخذت تتحين الفرص وتبحث عن الأعذار للإطاحة بهذه الحكومة، فوجدت ضالتها من خلال الإصرار على تطبيق بنود معاهدة 1930 لاسيما تلك المتعلقة بإنزال القطعات في العراق والتي أشرنا إليها. ولما كانت هذه البنود غامضة فقد عُقدت مفاوضات بين ممثلي الحكومتين البريطانية والعراقية حول شروط السماح للقوات البريطانية بالنزول إلى البصرة في طريقها إلى فلسطين عند الحاجة. وتم التوصل في 21 حزيران-يونيو 1940 إلى القرارات التالية:
1-يجوز لبريطانيا أن تنزل على أراضي العراق لواءً مختلطاً في كل مرة.
2-يبقى اللواء المذكور مدة معقولة للاستراحة ثم يستأنف سفره إلى الجهات المخصصة له خارج العراق.
3-لا يجوز نزول قوات جديدة ما لم تكن القوات السابقة قد غادرت حدود العراق واجتازتها6
4-على الجانب البريطاني أن يُشْعِرَ الحكومة العراقية بمدة مناسبة عن القوات المراد إنزالها في العراق، وذلك قبل وصولها المياه العراقية الإقليمية لتهيئ لها أسباب الراحة والسفر.
وفي اليوم نفسه أبلغ السفير البريطاني الحكومة العراقية، قرار الحكومة البريطانية إنزال جنود بريطانيين في البصرة للتوجه منها إلى حيفا في فلسطين عن طريق بغداد والموصل، وطلبت السفارة أن تقوم القوة الجوية البريطانية بتأسيس معسكرات للاستراحة في البصرة وبغداد والموصل، وخطوط مواصلات عبر الصحراء ما بين بغداد وحيفا، ليكون بالإمكان نقل هؤلاء الجنود بحدود منتصف شهر تموز-يوليو 1940.7
نزول القوات البريطانية في البصرة:
في يوم 10 نيسان-أبريل 1941 زار قنصل بريطانيا في البصرة وكيل متصرف البصرة، كما زار مستشار وزارة الداخلية في بغداد (بريطاني) رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني وأعلماهما أن قطعات بريطانية تحملها قافلة مؤلفة من ثلاث بواخر حربية، وتحرسها طرادتان وثلاث طائرات، ستدخل مياه العراق الإقليمية خلال 48 ساعة8، فاجتمع مجلس الدفاع الأعلى وقرر السماح لهذه القوة بالنزول وفق الشروط المتفق عليها في 21 حزيران-يونيو 1940. وفي يومي 17 و18 نيسان- أبريل 1941 نزلت القوة البريطانية في البصرة دون مقاومة. وقد كان هذا من الأخطاء السياسية والإستراتيجية الكبرى التي ارتكبتها حكومة الكيلاني ومعها القيادة العراقية العسكرية في حينه، لان بريطانيا كانت عاقدة العزم على النزول في البصرة بكل الأحوال ومهما كلف الأمر9
نزول قوات بريطانية جديدة:
في 28 نيسان-أبريل 1941 طلبت السفارة البريطانية في بغداد من وزارة الخارجية العراقية، الموافقة على إنزال قوات بريطانية جديدة، تحملها ثلاث بواخر يتراوح عددها بين 2000 و3500 شخص، ستصل البصرة يوم 29 نيسان-ابريل 1941. اجتمع مجلس الدفاع الأعلى، كما اجتمع مجلس الوزراء للنظر في طلب السفارة البريطانية، وقرر عدم السماح بإنزال قوة بريطانية جديدة قبل مغادرة القوة البريطانية الموجودة حالياً في البصرة، وذلك كما تنص عليه المعاهدة مع بريطانيا. كما قرر اتخاذ الترتيبات العسكرية اللازمة للدفاع عن سلامة المملكة وحفظ حقوقها إزاء المفاجأة. وأبلغت وزارة الدفاع بذلك. وقد أرسلت وزارة الخارجية مذكرة احتجاج إلى السفارة البريطانية، فتجاهلت السفارة البريطانية احتجاج وزارة الخارجية العراقية10، ونزلت القوة البريطانية في البصرة يوم 30 نيسان- أبريل 1941.
إجراءات احترازية عراقية
بناء على القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في جلسته يوم 28 نيسان-أبريل 1941، قامت رئاسة أركان الجيش بتحريك بعض القطعات إلى التلال المحيطة بقاعدة الحبانية البريطانية في منطقة سن الذبان.
تقدير الموقف
يقول امير اللواء الركن حسين مكي خماس في مذكراته المنشورة ( من أيام العهد الملكي في العراق ) مقتبس منه الاتي : " كنا في مديرية الحركات العسكرية قد أعددنا تقدير موقف وبوقت مبكر تحسباً لتدهور الموقف، واحتمال الاصطدام بالجانب البريطاني، وذلك بناء على توجيهات من العقيد الركن صلاح الدين الصباغ. وقد توصل تقدير الموقف إلى عدد من الخيارات والمسالك المفتوحة. وكان المسلك الأكثر تفضيلاً هو أنه في حالة تدهور الموقف، واضطرارنا إلى اتخاذ عمل عسكري ضد القوات البريطانية، فعلينا اللجوء إلى الاستفادة من عامل الزمن لاستغلال تفوقنا العددي في القوات البرية، وكذلك في القوات الجوية في العراق، والذي سيبقى لفترة قصيرة جداً بعد اتضاح النوايا العدائية لدى الجانبين. فقد كانت القوات الجوية البريطانية المتواجدة في العراق في بداية تصاعد الأحداث لا تتجاوز بضعة طائرات تدريبية في قاعدة الحبانية ومعها عدد قليل من قوات الليفي (مشاة) محلية للدفاع المحلي والحراسات، مع عدم وجود إسناد ناري مدفعي لها. أما في قاعدة الشعيبة، فقد كانت تضم علاوة على طائرات التدريب، عددً من طائرات المواصلات، وعددً من الطائرات القاصفة نوع (ويلنكتون) مزدوجة المحركات. لذا استنتجنا في تقدير الموقف أننا إن تعين علينا اللجوء إلى العمل العسكري، أن نبدأ بالتعرض فوراً لتحقيق المباغتة الميدانية، وذلك بمهاجمة كل من قاعدتي الشعيبة في الجنوب والحبانية القريبة من بغداد ومسك المطارات المتواجدة بهما لحرمان الإنكليز من طائراتهم وإسنادهم الجوي وكذلك حرمانهم من المطارات التي يمكنهم بواسطتها جلب التعزيزات. وهذا سيؤدي إلى مباغتة سوقية ربما تقلب التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة وتجبر الإنكليز على التريث في عملهم الحربي بالرغم من إصرارهم على احتلال العراق، وفي هذا الوقت المتوفر تتمكن الحكومة من تعزيز اتفاقها أو تحالفها مع المانيا، والتي كانت قد بينت استعدادها لإرسال عدد من الطائرات الحربية لإسناد القوات العراقية بأعداد كافية. وعندها يمكن لقواتنا الصمود وربما فرض الأمر الواقع على البريطانيين.
مسالك العمل الممكنة: لذا فإن مسالك العمل المبنية على افتراض اللجوء إلى القوة المسلحة نصت على وجوب مهاجمة البريطانيين وفق الأسبقيات الآتية:
- حال صدور الأمر بتحريك قواتنا، تقوم قوتنا الجوية بمهاجمة مطارَيّ الحبانية والشعيبة بنفس الوقت وبشكل مباغت وبدون إنذار مسبق، من أجل تدمير وحرق جميع الطائرات البريطانية فيها، ولاسيما الطائرات القاصفة الموجودة في قاعدة الشعيبة قرب البصرة.
- بعد ذلك تتحول الأسبقية للقصف الجوي إلى تدمير المدارج وأبنية السيطرة الجوية وأكداس الوقود والعتاد في القاعدتين.
- بعدها يتحول الواجب إلى واجب تمشيط وقصف القوات البرية الموجودة ولاسيما قوات الليفي.
- يتزامن ذلك وبنفس الوقت تحرك القطعات البرية المهيأة للواجب، والتي ستتحرك بموجب مسلك العمل المفضل إلى قاعدة الحبانية لاحتلالها بموجب الخطة المعدة لذلك. وكذلك مهاجمة قاعدة الشعيبة واحتلالها ومسك المطارات المتواجدة في القاعدتين.
الخطة الأولية
بناء على ما جاء أعلاه فقد وُضِعَت خطة أولية لتحريك ما يكفي من القطعات لحصار كل من قاعدتي الشعيبة والحبانية من جميع الجهات، ومن ثم مهاجمتها حال انتهاء عملية القصف الجوي، على أن يزامن ذلك قصف مدفعي شديد للأهداف البرية في الحبانية لغرض تهديم أوكار الطائرات وتدمير وحرق ما لم يتم تدميره بالقصف الجوي، وأن يتم التنسيق بين القوة الجوية والقوة البرية المكلفة بالواجب.
اعتراض سياسي على الخطة وعدم توفر الإرادة السياسية لخوض الحرب
حال اطلاع مدير الحركات ورئيس أركان الجيش على الخطة، قالوا أن رئيس الوزراء وحكومته ربما لن يوافقوا على فكرة المباغتة والمبادأة بالهجوم، لأنهم يعتقدون أن الدبلوماسية والمفاوضات قد تعطي نفس النتائج مع تجنب الخسائر المحتملة11. وقد بيّنا رأينا بأن أي تأخر في المباغتة أو التخلي عن المبادأة ستؤدي إلى حدوث كارثة، لأن الإنكليز سوف يتمكنون من تحشيد قوات كافية في الوقت الذي يتظاهرون فيه بالتفاوض، ويتمكنوا من تحريك قواتهم الجوية بسرعة متناهية لامتلاك الطائرات عنصر وقابلية سرعة الحركة والمناورة، وإننا نقترح أن يصر القادة العسكريون على الفكرة العامة الأصلية للخطة.
القرارات التي تم تبنيها
نظرا لعدم تيسر القوات الكافية في الجنوب، فقد تقرر التركيز على العمل ضد قاعدة الحبانية فقط (وهذا مخالف لما اقترحناه ويعتبر خطأ سوقي سيؤدي من دون شك إلى خسارة قاسية، حتى لو تحققت نجاحات ميدانية، لان من المعلوم أن النجاحات أو الانتصارات التعبوية الميدانية لا يمكنها أن تصحح الأخطاء السوقية –الاستراتيجية)، وتقرر تكليف فرقة المشاة الثالثة بالواجب المذكور، وتعزيزها بقوات إضافية من موارد المقر العام. وكانت القطعات المخصصة للواجب:
- لواء مشاة واحد زائدا فوجي مشاة آلية.
- كتيبة مدفعية مسحوبة بالآليات تضم 12 مدفع قوس عيار 3,7 عقدة.
- كتيبة مدفعية ميدان ذات 12 مدفع 18 رطل وبطرية من أربعة مدافع قوس عيار 4,5 عقدة.
- سرية مدرعات تضم 12 مدرعة (سيارة مدرعة) Armored Car.
- سرية رشاشات آلية (منقولة بالعجلات).
- سرية مخابرة آلية واحدة.
- بطرية مقاومة طائرات/ مقاومة دبابات واحدة.
إصدار الأوامر
حال إكمال تقدير الموقف والمصادقة على الخطة الأولية الموضوعة ليلة 28 نيسان 1941، أُصدرت الأوامر الإنذارية12 إلى فق مش 3 لتهيأة القطعات على أن تكون بإنذار 3 ساعات للحركة.
أصدرت رئاسة أركان الجيش الأوامر لتحريك القطعات والتي كانت معسكرة في معسكري الرشيد والوشاش.
تحركت القطعات، وعندما وصلت إلى هضبة الحبانية الكائنة إلى الجنوب مباشرة من قاعدة الحبانية والمطلة عليها والمسيطرة على جانبي الطريق المؤدي إلى بغداد، انفتحت هناك مع إبقاء سرية مشاة واحدة في الفلوجة13." انتهى الاقتباس".
بدء القتال بين القوات العراقية والقوات البريطانية.
بعد نزول قوات بريطانية جديدة في البصرة يوم 30 نيسان- أبريل 1941 رغم ممانعة الحكومة العراقية، أوعز قائد الجبهة صلاح الدين الصباغ، إلى قائد القوة العراقية التي تحاصر (سن الذبان) أن يصدر إنذاراً إلى آمر معسكر سن الذبان ( الحبانية) البريطاني يطلب فيه عدم تحليق الطائرات البريطانية في الجو في تلك المنطقة لأن القوات العراقية تقوم بإجراء المناورات التدريبية في المنطقة. ردَّ آمر القوة البريطانية على الإنذار بأن طلب سحب القوات العراقية من المنطقة وان تذهب القوات العراقية إلى مكان آخر لإجراء مناوراتها التدريبية.
بالساعة 0500 من صباح يوم 2 مايس- مايو1941 قامت القوات البريطانية وبشكل مباغت بإطلاق نار شديدة وكثيفة على قطعاتنا من معسكرها في الحبانية، كما قامت الطائرات البريطانية المتواجدة في القاعدة بإلقاء قنابرها على قواتنا المرابطة على مرتفعات سن الذبان. قامت قواتنا بالرد على النيران بالمثل فبدأت الحرب بين الجيش العراقي والقوات البريطانية14.
احتلال البصرة:
في نفس يوم نشوب القتال في منطقة الحبانية وهو 2 مايس-مايو1941، قامت القوات البريطانية ومن ضمنها الطائرات البريطانية المنطلقة من قاعدة الشعيبة، بقصف القوة العراقية التي لم تكن تزيد عن فوج مشاة واحد الأمر الذي أدى لإصابتها بخسائر كبيرة، مما استدعى أن يطلب القائد الميداني العراقي هناك، الاتفاق مع القائد البريطاني على وقف إطلاق النار ميدانياً. وافقت القيادة العراقية على الاتفاق الميداني، وعلى أن ينسحب الفوج العراقي المرابط في البصرة بكامل سلاحه قبل حلول الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم المذكور. ولما تأخر الفوج العراقي عن الانسحاب في الموعد المقرر حصلت بعض المناوشات بين قوات الطرفين، انسحب الفوح العراقي على إثرها إلى بلدة القرنة.
في يوم 7 مايس- مايو1941 احتلت القوات البريطانية منطقة العشار في البصرة. وفي يومي 7و8 منه أصبحت البصرة في فوضى على إثر انسحاب السلطة العراقية المدنية منها ووقوعها تحت الاحتلال البريطاني العسكري المباشر ففُقِدَ الأمن وحدثت أعمال النهب والسلب15. واستنادا إلى التقارير التي بعثها وكيل متصرف البصرة، قرر رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني استدعاء الموظفين المدنيين والشرطة إلى بغداد. وصل الأمر إلى وكيل المتصرف يوم 16 مايس- مايو1941، فأطلّع الموظفون على الكتاب وشرعوا بالانسحاب من البصرة في اليوم التالي 17 مايس- مايو 1941.
وصول مفرزة الطائرات الألمانية الى العراق.
في يوم 10/ مايس شاركت طائرات من مفرزة القوة الجوية الألمانية المخصصة لمساعدة العراق في قصف مخفر الرطبة وقصف ارتال الجيش البريطاني التي كانت تتجه من شرق الأردن الى العراق لنجدة القوات البريطانية في منطقة الحبانية، ومساعدة القوات البريطانية ( الفرقة الهندية العاشرة ) التي باشرت تقدمها من البصرة نحو بغداد. وقد كان لعمليات هذه الطائرات في البداية تأثير نفسي جيد على معنويات المقاتلين العراقيين ، لكن ثبت في النهاية انها لم تكن لتؤثر تاثيرا كبيرا في تغيير نتائج الحرب كما سنرى في الفصول اللاحقة .
نهاية الحرب ونتائجها
استمرت الحرب من يوم 2 / مايس / 1941 وانتهت فعليا يوم 31 منه بدخول القوات البريطانية بغداد . وشكلت بعد ذلك لجنة دعيت بلجنة الأمن الداخلي للسيطرة على الوضع في العاصمة برئاسة السيد محمد يونس السبعاوي وكان احد أعضاء القيادة الثورية حيث أُعلن حاكما عسكريا عاماً. لكنه ما لبث أن غادر بدوره العاصمة مع من غادرها. وبعد أن تم التوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار مع الحكومة البريطانية، والتي كان من ضمن شروطها عودة القطعات العراقية إلى معسكراتها، فقد خرج عدد من ضباط مديرية الحركات العسكرية منهم المقدم الركن نور الدين محمود والمقدم الركن حسين مكي خماس وآخرون ليلة 31 مايس- مايو / 1 حزيران لاستلام قيادة الأرطال والقوات العراقية، والتي أصبحت بدون قادة ذوي رتب مناسبة بعد مغادرة القادة الأصليين إلى إيران، وتم إعادة القطعات إلى معسكراتها الدائمة. والحق فإنه بعد انتهاء هذه الحرب، وهروب قادتها، فقد تم اتخاذ إجراءات كثيرة لتقليص الجيش العراقي وإعادة تنظيمه حسب رغبة الوصي الذي عاد مع الإنكليز عند دخولهم بغداد . وتنفيذاً لرغبة بريطانيا التي كانت قواتها قد احتلت العراق ثانية، فتم الاستغناء عن معظم ضابطه وجنوده، فبعد أن كان تعداده يتجاوز الـ 400000 شخص تم تقليصه إلى 120000 فقط ولم يتم التعويض عن الخسائر التي أصابته في التجهيزات والأسلحة والمعدات. لذا تعين على من بقي في الجيش من الضباط والقادة القيام بواجبات كبيرة وصعبة ضمن إعادة التنظيم وإعادة التسليح والتجهيز.
العبرة والدروس :
كانت الحرب مع بريطانيا حربا غير متكافئة بين طرفين احدهما دولة استعمارية كبرى هي بريطانيا التي تخوض حربا عالمية شرسة تعتبر العراق منطقة استراتيجية حيوية لها ، والأخر الدولة العراقية الشابة التي حصلت بالكاد على استقلالها من المستعمر قبل اقل من 10 سنوات ، ولا يمكن مطلقا المقارنة بين قدراتهما السياسية والاستراتيجية ناهيك عن امكانتهما العسكرية الميدانية. وبالرغم من محاولة القيادة السياسية العراقية آنذاك (ممثلة بحكومة الكيلاني) توفير بعض أسباب النجاح للجيش العراقي من خلال طلب مساعدة المانيا وهي العدو الرئيسي لبريطانيا ، الاان النظرة الاستراتيجية الألمانية الى مسرح العمليات في العراق، لم تكن تعطيها أهمية كبيرة على سلم أولوياتها، ناهيك عن التحديدات الجغرافية والمسافات الشاسعة بين المانيا ومسارح عملياتها الحربية من جهة، ومسرح العمليات العراقي، كل هذا أدى الىان تكون المساعدة الألمانية لا تزيد عن سربين من الطائرات، وصلت متاخرة جداً ومن دون استحضارات كافية لها. ولم تؤثر على سير العمليات ولا على نتائج الحرب التي كانت نتائجها مدمرة، ولاسيما عند الأخذ بالاعتبار عدم توفر الإرادة السياسية لدى حكومة الكيلاني على قتال الإنكليز، بل التلويح بالقوة فقط ، مما ترك القادة العسكريون في موقف الانتظار لردود الفعل البريطانية أول الأمر، والتي بادرت قواتها إلى الضرب المباغت والشديد منذ البداية ، وتسلسل الحرب وخسارتها، ما أدى الى وقوع العراق ثانية تحت النفوذ البريطاني ولو بشكل مستتر ، وتدمير قوته الجوية وتقليص قواته المسلحة الى اقل من النصف كما سبق وبينا. هناك الكثير من الدراسات والبحوث التي تناولت الحرب العراقية البريطانية، او حركات مايس 1941، بالإمكان الرجوع اليها، لكن ما ذكر عن المساعدة الألمانية قليل جدا، وهذا ما يراد من هذا الكتاب ايضاحه للقارئ الكريم .
اللواء الركن
علاء الدين حسين مكي خماس
--------------
الهوامش
1-حامد الحمداني، لمحات من تاريخ العراق الحديث
2-حامد الحمداني ، نفس المصدر
3- حسين مكي خماس، من أيام العهد الملكي ص 148
4- الشريف شرف بن راجح هو أحد أفراد العائلة الهاشمية، لكنه كان حانقا على عبد الإله وتصرفاته. وقد اقترح كبير أعضاء مجلس الأعيان السيد علوان الياسري على العائلة الملكية التي كانت قد التجأت إلى مصيف سرسنك بشمال العراق، تعيين الشريف شرف وصياً على عرش العراق بعد هروب عبد الإله، وخلعه من منصب الوصاية على العرش وذلك في 10 نيسان- أبريل 1941،أنظر مجالس حمدان، وكذلك مذكرات الاميرة بديعة
5- حسين مكي خماس، مصدر سابق
6- كان هذا البند، هو ما طالبت حكومة رشيد عالي بريطانيا أن تتمسك به عندما نزلت قواتها في البصرة عام 1941، إلا أن بريطانيا قد تجاهلت ذلك تماماً وذلك لأنها لا تعترف بحكومة رشيد عالي الكيلاني باعتبارها حكومة غير شرعية جاءت نتيجة لانقلاب عسكري أطاح بالحكومة الشرعية، وأجبر الوصي عبدالإله إلى الهرب من بغداد ، واللجوء إلى الإنكليز في الحبانية والذين بدورهم نقلوه الى البارجة الحربية المسماة ( كوك شافير) التي كانت تمخر مياه الخليج، لذا قامت بريطانيا بإنزال باقي القوات وكانت بحجم فرقة مشاة إلى البصرة، ثم باشرت باحتلال المعقل والشعيبة وغيرها، إبان الصراع مع حكومة الكيلاني وتمهيداً لإعادة احتلال العراق. وهو ما حدث فعلاً عام 1941. راجع موقع الويكيبيديا على الانترنت باللغة الإنكليزية Anglo-Iraq war 1941. المحقق.
7- يبدو أن حكومة رشيد عالي الكيلاني لم تكن لديها الإرادة السياسية لمقاتلة الإنكليز، بل ربما لتطبيق بنود المعاهدة فقط. وذلك لخشيتها من عواقب المقاومة الحربية. وهذا سيفسر لنا سبب تصرف القوات المسلحة العراقية بالأسلوب الذي تصرفت به وعدم مبادرة القوات التي تحشدت في سن الذبان بالهجوم على قاعدة الحبانية الجوية البريطانية وترك المبادرة إلى الإنكليز فكان ما كان.
8- كانت هذه القوات هي الفرقة الهندية العاشرة المؤلفة من ثلاثة ألوية مشاة من جنود الهنود والكوركا، والتي أمرها تشرشل أن تعيد احتلال العراق، وتقصي الكيلاني عن الحكم. راجع حامد الحمداني، نفس المصدر، ص 289. وقد وافق مجلس الوزراء العراقي على هذا الطلب، إلا أنه لم يرحب به بشكل عام، وإن كان قد أرسل اللواء ابراهيم الراوي ممثلا عن الحكومة العراقية لاستقبال طلائع القوات البريطانية عند نزولها إلى رصيف ميناء البصرة. لكن النوايا الحقيقية لبريطانيا كانت إعادة احتلال العراق وإسقاط حكومته الوطنية حينذاك. راجع حامد الحمداني، المصدر نفسه.
9- راجع حامد الحمداني، مصدر سابق، الفصل 9، ص 275. ويقول الحمداني " كان ذلك أكبر خطأ ارتكبته حكومة الكيلاني، فقد كان الهدف الحقيقي من جلب القوات البريطانية لغرض فرض الهيمنة المطلقة على العراق وإسقاط حكومة الكيلاني ". وهذا نفس الأمر الذي قاله تشرشل الى قائد القوة البريطانية التي نزلت في البصرة، بان عليه النزول في البصرة مهما كانت الظروف سواء قبلت الحكومة العراقية أم لم تقبل، وفي الحالة الثانية عليه ان ينزل بالقوة ويحتل البصرة ... الخ ، الويكيبيديا ، المصدر السابق
10- راجع الهامش 1 السابق
11-راجع الهامش 2. لم تتوفر لدى حكومة الكيلاني الإرادة السياسية لخوض حرب ضد بريطانيا (العظمى).
12- الأوامرالأنذارية هي أوامر أولية تصدر من المقر الأعلى قبل أي مهمة غايتها تهيأة الجهة التي يصدر اليها الأمر لما هو مطلوب منها تبين فيها عادة وصف بسيط للمهمة والتوقيتات المتوقعة للتنقل أو الحركة وأية تعليمات أخرى مطلوب من تلك الجهة اتخاذها إستعدادا للواجب المذكور، وتصدر عادة بشكل برقية أو رسالة فورية مختصرة
13- تاريخ القوة الجوية الملكية البريطاني الرسمي، تقرير العميد الجوي سمارت قائد قوات الحبانية:
http//www.raf.mod.uk./history_old/totcas.html1
تقارير الاستطلاع الجوي عن القوات العراقية المتحشدة حتى مساء يوم 1 مايس- مايو1941.
14- باشر البريطانيون في الساعة 0500 من يوم 2 مايس- مايو بقصف القوات العراقية المنفتحة على هضبة سن الذبان، دون إصدار أي تحذير أو إنذار لها، أي بشكل مفاجئ، وذلك خشية من أن يؤدي انكشاف نواياهم بقصف القوات العراقية إلى أن تتخذ القوات العراقية إجراءات قد تُفشل شن مثل هذه الغارات أو الهجمات. ويقول قائد القوات البريطانية في الحبانية، إن السلاح التعرضي الوحيد الذي كان البريطانيون يمتلكونه، هو قوة القاصفات البريطانية، والتي كان من الضروري الحفاظ على كتمان موعد استخدامها، كي لا يقوم العراقيون بأي عمل قد يحرم البريطانيين من ذلك. ويشير القائد الجوي البريطاني المحلي للحبانية إلى تلقيه برقية من ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا وذلك بالساعة (0400) من صباح يوم 2 مايس- مايو يقول فيها "اذا توجب عليك الضرب، فاضرب بشدة، واستخدم أقصى ما يتطلب الأمر من قوة" راجع ص 40 وما بعدها من تقرير القائد الجوي المحلي لقوات الحبانية على موقع الويكيبيديا على الانترنت. المصدر السابق. المحقق
http://www.raf.mod.uk/history_old/totcas.html
15- وهو ما يعرف بالفرهود محلياً.
الگاردينيا:الصورة الأولى وغيرها مأخوذة من ارشيف وزارة الدفاع الألمانية وهي صور نادرة ولم يسبق نشرها اطلاقاً.
1789 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع