لابد لنا من فجر سيرة ذاتية في النضال القومي الاشتراكي / ح٥
رابعاً
في سورية
استقبلنا الرفيق النقيب أحمد زينو وكان يعرف عزيز كشمولة بدقة وكذلك المراسل الحزبي، كما علم أن الرفيق محمد أيوب في مهمة للالتحاق بدورة الأعداد الحزبي، فتطلع صوبي بنظرة استفهام، وكان ضابطاً ذكياً لبيباً، فعرضت عليه هويتي العسكرية، فنظر إليها وأعادها لي، وطلبت منه وبكلمة واحدة أن يأخذني إلى الرفيق اللواء صلاح جديد(الأمين العام المساعد) فهز رأسه موافقاً دلالة على التفهم التام للموقف. وعرض علينا الإقامة في دار استراحة خاصة من أجل الاستحمام وتناول الطعام للمرة الأولى بعد يومين كاملين، ما لبث أن أتصل بنا هاتفياً يخبرنا بضرورة التحرك فجراً إلى مدينة دير الزور لنأخذ الطائرة من هناك إلى دمشق.
تحركنا فجراً، 30/ تشرين الثاني ـ نوفمبر/1969 إلى محافظة ديرالزور بالسيارة ومن هناك بالطيران الداخلي إلى دمشق. كان الرفيق عصام عايد عضو القيادة القطرية العراقية في المطار لشأن شخصي، والذي أقلني بسيارته بعد أن تعارفنا على بعضنا في مطار دمشق وكنا نعرف بعضنا بالأسماء وها قد تعارفنا شخصياً، وعصام مناضل شاب من مدينة الموصل ومن المناضلين المشهود لهم بالصلابة، وبعد دقائق كنت في طريقي إلى مكتب الأمانة العامة للحزب، على أمل اللقاء بالرفيق صلاح جديد، ولكن لسبب وآخر قدمت إلى الرفيق فوزي رضا عضو القيادة القومية رئيس مكتب التنظيم والأتصال القومي، وبوصفه من أهالي دير الزور يعرف الكثير عن طبيعة العراقيين النفسية والشخصية.
كانت تقاليدنا في التنظيم العسكري تحظر علينا التصريح بأي أسم أو معلومة عن التنظيم بتاتاً، ولم يحاول معي الرفيق فوزي رضا ذلك كثيراً، إذ أدرك أني متمسك بمعلوماتي، وأرسلني إلى فندق من فنادق دمشق المطلة على ساحة المرجة وطلب مني أن آتيه بصور شخصية لي، وفي الفندق استعدت ترتيب نفسي من جديد وأخذت صور هوية وفي اليوم التالي سلمتها له، وبعد ساعات استلمت الجنسية السورية التي كانت تمنح للرفاق الحزبيين، وقد أختار بنفسه أسماً ......
ترى ماذا نعطيك من أسم حزبي ؟
فكرت قليلاً، كان أسمي الحزبي لفترة ما في بغداد حسن، وليس من المعقول أن أستعيد ذات الاسم، كنت أريد أن أقول له أسم مروان، ولكنه بادر وأسرع مقترحاً على أسماً سوف يلتصق بي إلى الأبد: ياسين أحمد عبد الله، قبلت الاسم، ثم قدم لي مسدساً هو هدية من الرفيق محمد رباح الطويل عضو القيادة القطرية السورية / وزير الداخلية الذي لم أتعرف عليه أبداً للأسف.
في اليوم التالي(2 / كانون الأول/ 1969)، أخذني الرفيق فوزي رضا بنفسه وبسيارته، وكنت منذ الأمس ألح عليه بلقاء الرفيق أحمد العزاوي ولم أكن أتلقى إجابة واضحة. أخذني إلى شقة في منطقة السبع بحرات قرب مسرح القباني، وكان اللقاء الحار مع الرفيق والصديق والأخ أحمد العزاوي، وكنت أحبه كصديق وأخ، وأحترمه كمسئول حزبي. وكنا في حزب البعث العربي الاشتراكي نضع الرفيق المسؤول في مكانة عالية من الاحترام، وكنت أحبه كمناضل شجاع ومخلص للحزب، حقاً كان أخلاص أحمد للحزب يصل إلى درجة خيالية، وليس في حياته شيء سوى الحزب والعراق والأمة العربية، وسوى هذه المصطلحات وما يتعلق بها لا يساوي فلساً في مقاييس أحمد العزاوي، كان قومياً حقيقياً وكنا كلنا كذلك، أثق به ثقة مطلقة، وكنت أعتبره وهو كذلك أخاً وصديقاً إلى جانب الاعتبارات الحزبية، ونمت بيننا عبر السنوات علاقة خاصة، كنت أدخل بيته كما أدخل بيت أخي...
سلام عليك أحمد.. سلام عليك ...
بعد أن غادر فوزي رضا الشقة، أردت الانطلاق في الحديث وما أكثر ما أريد أخباره، أشار إلي بيده أن أصمت ! وخرجنا من الشقة سيراً على الأقدام. ومن غرائب الصدف، أنه كان يسكن في منطقة شارع بغداد في دمشق، وهو شارع طويل، ربما أطول وأعرض شارع في دمشق(في حينه على الأقل). سرنا على الأقدام، وقال لي أنه يتعين الحذر من أجهزة لاقطة في البيت وكانت تلك أول مفاجأة، وأضاف لا تفاجأ، فالبلاد تعيش حالة انقلاب غير معلنة، وكانت ذيول الأزمة الأولى (1968) ما تزال ساخنة.
كان الموقف يلخص نفسه بوجود معسكرين: معسكر يقوده الرفيق اللواء صلاح جديد ووراءه الحزب بأسره تقريباً: التنظيم القومي قاطبة، والتنظيم السوري بنسبة عالية جداً تكاد تكون مطلقة.
أما الرفيق حافظ الأسد، عضو القيادة القطرية الفريق ركن طيار، وزير الدفاع، فكان يسيطر بيد من حديد، وبصفة شبه مطلقة على القوات المسلحة، لعوامل مشتركة، منها الانضباط العسكري ولوضوح الرفيق الأسد الشديد وبساطة أرائه واستقامته الحزبية والشخصية.
كان معسكر الرفيق صلاح جديد (اللواء الركن، رئيس أركان الجيش السابق) هو معسكر اليسار على الأرجح، يضم في صفوفه يساريين حقيقيين، وربما بعثيون ماركسيون ! ولكنه كان يضم أيضاً عناصر لا يمكن وصفها كذلك، والفرز في صفوف الحزب منذ حركة 23 /شباط / 1966 لم يكن فرزاً علمياً، لا على أساس الانحدار الطبقي، ولا على أساس الالتزام بالأيديولوجية العلمية، لذلك كان الأمر يحتمل كل شيء، ولكنه كان على كل حال معسكر اليسار، أو أنه يحمل ملامح اليسار بوضوح.
ولكن على الرغم من ذلك كان موقف الرفيق صلاح الذي لا شك بعبقريته وذكاؤه وقدراته القيادية الرفيعة، من العناصر اليسارية التي كانت تسعى إلى تعميق فكر الحزب واتخاذ أساليب علمية لحل أزماته متردداً. وكأن لسان حال الرفيق صلاح يقول: نعم نحن يساريون، وعلميون، ولكن ليس إلى المدى إلي يفقدنا نكهة حزب البعث العربي الاشتراكي القومي الوحدوي.
والحقيقة أن هذه القاعدة كانت ديدن الغالبية من البعثيين اليساريين، بل حتى الماركسيون منهم. وكان هناك رفاق يساريون في تنظيمات الحزب في: العراق، لبنان، الأردن/ فلسطين، اليمن، تنظيمات خارج الوطن العربي ..الخ، ولكن كانت هناك قوة سحرية تتمثل بالشعور القومي الوحدوي، هي قوة هذه القاعدة المعروفة ولكن الغير مكتوبة، تحول دون المضي بعيداَ في تحولات لفكر الحزب وإضفاء المزيد من تحديد طبيعته وهويته الفكرية والطبقية، حزب البعث العربي الاشتراكي... اشتراكي ولكنه قومي وحدوي أولاً.
كان معسكر الرفيق صلاح جديد يشهد الغليان، على صعيد البنية والتنظيمية والفكرية وكان هناك عناصر رابضة في مواقع قيادية لا تستحقها في العديد من القيادات القطرية بما في ذلك سوريا، والمنظمات القومية، كان الرفيق صلاح يدعو إلى الهدوء وتوحيد الصفوف لمواجهة انقلاب العسكر وتأجيل مناقشة المعضلات وأزمات الحزب، وتنامي تيارات انتهازية تفاقم من الأزمات، وتطرح الضرورة القصوى لمواجهتها، وإلا فلما إذن اختلافنا الدموي مع التنظيم والنظام في العراق ؟ وفي هذه الحالة تطرح وحدة الحزب ضرورات أكثر منطقية في البقاء منقسمين، وكانت فعلاً أصوات قد بدأت تعلو هنا وهناك.
إذن كانت أزمة ! أزمة حقيقية ولكن لم يكن هناك من علاج أو محاولة للعلاج !!
فيما كان الرفيق حافظ الأسد رابضاً في وزارة الدفاع في سيطرة مطلقة لا يخشى من شيء، وهناك عضو واحد في القيادة القطرية يؤيده بصفة مطلقة هو الرفيق اللواء الركن مصطفى طلاس رئيس الأركان، ولكن هيمنته على القوات المسلحة كانت تمنحه الثقة وعدم الارتباك. والرفيق الأسد بطبيعته العسكرية شديد الثقة بنفسه، لا تفارقه رباطة الجأش، وكانت خصاله الشخصية هذه، مشكلة مضافة إلى الأزمة وأساليب تدرجها وتداولها.
ثم أن هناك أطروحات أخرى يبدو لي أنها لم تكن الأساسية في الأزمة، وهي تدور بصفة أساسية حول حشد الجهود والقوى من أجل معركة التحرير، وكان ذلك يعني توفير معظم الموارد المالية للقوات المسلحة، أما معسكر الرفيق صلاح الذي لم يكن منتظم الصفوف والآراء، فكان يدعو إلى تطوير التنمية وتصعيد القدرات المادية للقطر العربي السوري وخوض معركة طويلة الأمد مع العدو. ولو سألني سائل، أين كان الحزب أكثر وجوداً ووضوحاً، واليسار محتملاً لكانت الإجابة، بالتأكيد في معسكر الرفيق صلاح جديد.
ولكن إلى جانب كل هذا وذاك، كان هناك طرف يبدو ضعيفاً معزولاً، لا يرغب أحد بسماع رأيه، لأنه لا يصب في طاحونة الصراع الخفي على السلطة، وهذا الرأي يمثله في القيادة منفرداً الرفيق يوسف زعين، وعدد متناثر من الرفاق في التنظيمات القومية منهم (التنظيم العسكري) في العراق والأردن وعدد من الرفاق من اليمن، وربما هناك أعداد منهم في التنظيم السوري، لكن لا صوت لهم. كان هذا الطرف يريد عقد مؤتمر قومي يعالج مشكلات الحزب بصفة عامة، وبدرجة رئيسية النظرية والتنظيمية، والموقف من التحرك الدولي حول تصفية آثار عدوان 1967 والقضية الفلسطينية عموماً، وعلى هذا الأساس، تكون معارك الاستقطاب قد حلت نفسها تلقائياً أو بجهد بسيط، دون حلول عنيفة.
والحق أن الرفيق أحمد كان قد وضعني في مناخ متشائم من العلاقات بين الكتل الحزبية، وفي ذلك اليوم بالضبط 2/ ديسمبر، وهو أول يوم للقاؤنا في دمشق، أيقنت بأننا كنا غارقين في سوء فهم وتقدير مواقف والكثير من الريبة والشك، ولا ندري بالضبط ما هي الأسباب وكيف لنا الخروج من هذه الأزمة. ولكن لم يكن أمامنا خيار واحد، هو الحفاظ على وحدة التنظيم العسكري وأن ننأى بأنفسنا عن أجواء التكتلات والحفاظ على ما تبقى من المناضلين(كانت حركة الاعتقالات قد شملت حوالي 350 رفيقاً من التنظيم العسكري من مختلف الرتب، بين عضو ونصير)، وقد بلغ عدد من الرفاق العسكريين قد وصلوا إلى دمشق(حوالي 30 رفيقا)، كان الحفاظ عليهم هدفاً بذلنا جهداً كبيراً من أجله.
ولكن !!!
كنا نعيش في مدينة دمشق، وهي تتسم بانفتاح اجتماعي أكثر من بغداد، والغريب يتمتع في أي مدينة بالحرية تفوق تلك التي كان يتمتع بها أبن البلد، وهكذا كنا نتخوف على شبابنا ورفاقنا من أن يضيعوا في هذه المدينة الجميلة الناعمة، رغم قربها الشديد من خط الجبهة مع العدو(45 كم) فكنا نحاول بأي طريقة أبعادهم عن مسألتين :
الأولى : الابتعاد عن الانزلاق في دهاليز الحياة الناعمة.
الثانية : أن ينأى رفاقنا العسكريين بأنفسهم عن ظاهرة التكتلات الشائعة في الحياة الحزبية في دمشق.
ولكن جهودنا لم تكن ناجحة تماماً، فمن الصعوبة السباحة ضد التيار، ضد ظاهرة كانت قد استشرت بدرجة يصعب التصدي لها. وكنا قد اعتبرنا الشقق التي يسكن فيها الرفاق أوكاراً، من أجل فرض انضباط أخلاقي، مع إدراكي والرفيق أحمد صعوبة تنفيذ هذا التوجيه، إلا أن للرفيق أحمد نظرية أخرى، فهو يعتقد أن الرفاق سيمارسون حرياتهم، نعم، ولكن بسرية وكتمان، وذلك أفضل من الفساد العلني، أما التكتلات، فقد كان رفاقنا يعيشون مع رفاقنا المدنيون في مدينة واحدة، ويعرف أحدهم الآخر، ورغم أن الاتصالات الجانبية محظورة في الحزب حسب النظام الداخلي، إلا أن ذلك كان يحدث بوسائل مختلفة. وللأسف سرت العدوى لتنظيماتنا، وأخذنا نلاحظ بوادر غير مفرحة، أن وحدة تنظيمنا العسكري، والذي كنا نعتبره شيئاً ثميناً ومقدساً، لم يعد للأسف بعيداً عن تلك الأجواء والمشاكل. كانت نيتنا مخلصة، لم يكن الهدف انتهاج هذا الخط أو ذاك، بقدر ما كان الحفاظ على وحدة التنظيم ... ولكن ... ليس كل ما يتمناه الرفيق يدركه !!!
على أية حال لم تكن البداية سيئة، فقد أبدى معظم الرفاق الاستعداد للانضباط ومواصلة النضال من دمشق، ومواصلة بناء الذات سياسياً وثقافياً، والمساهمة نضالياً في معارك الحزب القومية. وهنا لا أريد الخوض في تفاصيل وفي بعضها عرض لفعاليات نضالية لم يحن الوقت للكشف عنها، أو أسراراً أعتبرها ملك للحزب وحياته الداخلية، ومازلت أعتقد أن المسيرة ماضية، أقصد مسيرة حزب البعث العربي الاشتراكي، رغم الصعوبات الهائلة، والمخاطر الكبيرة، ولكن الحزب سيخرج منها بالتأكيد منتصراً، لم تحل النهاية، بل ليست هناك نهاية أبداً.
كنا إذن نريد الالتحام بقضايا الحزب النضالية، بل بدا لنا أن الابتعاد عنها، وقبول مبدأ أننا في بيئة جديدة، إنما ينطوي على شيء من إهمال لنضالنا الذي خضناه والذي بسببه جئنا إلى دمشق، كنا نعلم أنه يصعب الطلب من الرفاق الابتعاد عن مفردات الحياة، ولكن قبول الانغماس فيها، تنطوي على مجازفة أخلاقية صعبة، فنحن لدينا رفاق يعانون الآن عذاب الاعتقال بكل ما يعنيه، وبالنسبة لي شخصياً فأني لم أستطع أن أنسى للحظة واحدة رفاقنا الأعزاء في السجون، وصمودهم وما يواجهون من عذاب، وبالضبط في كل حالة راحة، أو طعام لذيذ، في تلك اللحظة بالذات أذكر رفاقي وأصدقائي، وتستحيل تلك اللقمة والمتعة إلى عذاب للضمير.
ومن جهة أخرى فالرفاق السوريون الذين فتحوا أذرعهم واحتضنونا كانوا يعيشون في كل دقيقة قضية العدوان، وأذكر، أننا في أيامنا الأولى في دمشق، وبينما كنا نحضر مباراة بين الفريق العسكري السوري مع فريق من رومانيا، وفي تلك اللحظات نشبت معركة جوية فوق سماء مدينة دمشق فتوقفت المباراة، وأنتقل الجمهور من جو المباراة إلى هتاف ما زال يدوي في أذني:
عزي وبلادي سورية، الله يحميك سورية.
فكيف يمكن للمناضل أن يعيش في مثل هذه الأجواء أن يبقى بعيداً عن دروب النضال الفعلية، كيف يستطيع المرء أن يشاهد طيران العدو ينتهك سماء بلاده دون أن ينتفض غضباً، وما سوريا سوى قطعة من الوطن الواحد، وأهلها أهلنا ولا فرق قيد أنملة... !
انغمست في العمل الحزبي المتعدد الأنشطة، وسوف لن يكون بوسعي الحديث عن معظم تلك الأنشطة، بالإضافة إلى القراءة الكثيفة، فقد كنت أسكن شقة واحدة مع الرفيق والصديق عدنان إبراهيم الجبوري الذي كان قد وصل سورية بعدي بعدة أشهر، وعدنان رحمه الله كان مثقفاً وذكياً، ومناضل صلباً، وتربطنا علاقة تاريخية من العمل الحزبي المشترك منذ سنوات طويلة إلى جانب الصداقة الشخصية، كنا نقرأ معاً ونناقش ما نقرأه، وكان لذلك فائدة كبيرة، كما كنا نحضر العروض المسرحية والسينمائية المهمة، وباختصار لم يكن يفوتنا شيء تقريباً على الصعيد الثقافي من حياة دمشق الثقافية وكانت ثرية حقاً، كما كان هناك عدد من أصدقائنا السوريين والفلسطينيين، إضافة إلى العراقيين طبعاً من كافة الاتجاهات، وكانوا أساساً من البعثيين والشيوعيين/ القيادة المركزية، والقليل من الناصريين، وكانت الأحزاب الكردية في تلك المرحلة تعيش ربيع علاقات مع الحكم في بغداد، وكذلك الشيوعيين/ اللجنة المركزية، تساهم في ثراء حياتنا الثقافية، وما أكثر المناقشات وما أطولها تلك التي كانت تشهدها مقاهي وشوارع دمشق وشققنا، ولكن مناقشاتنا تلك التي لم يكن يعوزها الإخلاص والجدية والاندفاع والحماس، إلا أنه كان ينقصها شيء أو أشياء.
أنها تلك الأشياء التي تشغل فكري الآن كما في السابق، ترى ماذا كان ينقصنا لتحقق النجاح التام ... الكبير ؟ كنا على درجة من الثقافة، بل على درجة كبيرة، كنا نقرأ، بل قل نلتهم كل شيء: أدب، سياسة، اقتصاد، تاريخ، فلسفة، نحضر عروض مسرحية وسينمائية وندوات ومحاضرات ثقافية، ونقرأ ونناقش حتى الفجر، ننام ونستيقظ لنقرأ من جديد ونعمل في الحزب ثم نناقش عملنا، وهكذا دواليك، بتماس على مدار الساعة مع الفكر والعمل، كنا نعمل كثيراً وباستعداد عال للتضحية، بل لم يكن هناك شيء يوقفنا، كنا شعلة من النشاط والحركة، ولكن لم نكن نحقق النجاح المطلوب، أو لنقل النجاح الذي يوازي هذا الجهد.. الطائرة ممتازة والطيار ماهر، ولكنك تضغط على الزر الخطأ ....... لماذا ؟
سؤال كبير ومهم ...!
في تلك السنوات(72,71,70) كنت قد عشت مرحلة أعادة تثقيف ذاتية جديدة، وفيها كنت أحاول الإجابة على هذا السؤال اللعين، وبالنسبة لي كنت ومنذ 1963 أو 1964 أناضل بكل قواي على تعميق الاتجاه اليساري في الحزب، ولربما أني استطعت أن أتبين في السبعينات، أن الأمر لا يتحقق، أو بالأحرى لا يكفي أن يتوصل مجموعة مناضلين، وإن كانوا مناضلين رائعين ومثقفين إلى بناء حزب يساري لأنهم توصلوا إلى قناعات فكرية متطورة، أن الأمر يتعلق بنسبة أكبر بنضج المراحل التاريخية لبلادنا ولنا كأفراد، ولحركتنا التاريخية، ودراسة لمجموعة كبيرة من العناصر الفاعلة المهمة في سياق عملية التفاعل التاريخية الدائرة، منها المستوى الاجتماعي / الاقتصادي والثقافي لبلداننا، وليس لأننا أخطأنا أو أصبنا ..!
كما أن التطرف كان دائماً السهم الماضي المدمر في أي حركة، سواء في التاريخ القديم أو الحديث، وكذلك الاندفاع الشديد، الذي قد يؤدي إلى فقدان التوازن والانزلاق في هذا المأزق الفكري أو السياسي أو ذاك، وكنا ننعت كل دعوة إلى التهدئة بالتوفيقية واليمينية، حتى وإن لم تكن كذلك، كان سيف أحكامنا القاسي مسلطاً ومشهراً. ولكن الواقع الموضوعي كان يضعنا أمام مشكلات صعبة حقاً وأسئلة معقدة، كان حماسنا وعاطفتنا لا تجد إجابات لها. الأمر بحاجة إلى تعبئة جماهيرية واسعة النطاق، وما كان يدور من عمل نضالي كان يكتنفه أخطاء كثيرة، ومن جهة أخرى، فأن أعداء حركة التحرر العربية الثورية في الخارج والداخل، كانوا مسلحين حتى الأسنان ولا تعوزهم الشراسة، والأعداء المحليين ينسقون مع الأعداء الخارجيين بدقة بالغة، فيما كانت الفوضى تعم صفوفنا وكثرة الخلافات، حتى على أتفه وأتفه القضايا، يا للأسف !! لقد خسرنا فرصاً ذهبية كنا فيها على وشك سحق الأعداء والكثير من القوى الساقطة محلياً، وتحقيق انتصارات مهمة حتى على أعدائنا الخارجيين، ولكن أنى ذلك وفصائل الثورة العربية في خلاف وصراع، والانشقاقات مستمرة حتى لأتفه الأسباب.
أنني أقضي الساعات الطويلة الآن متأملاً أفكر فيما جرى طيلة النصف القرن المنصرم، أين كنا فيها على صواب وأين على خطأ، ولكن في غمرة هذه الأفكار من المراجعة والنقد الذاتي، لن أكون مخطأً إذا قلت، أن جيلنا فعل الكثير، الكثير جداً، وقدمنا الشهداء والتضحيات بلا حساب، وشخصياً لم أفلت من الموت اغتيالاً، أو شهيداً في معارك التحرير، أو إعداماً إلإ بمحض الصدف النادرة، فقد اقتربت من الموت وصافحته وصافحني مرات عديدة، ولكنه تركني في اللحظة الأخيرة. لم تكن لنا حياة شخصية تقريباً، الظروف الموضوعية كانت صعبة، صعبة جداَ، قاسية وشرسة، ومن المؤكد أن كانت لنا أخطائنا أيضاً، ولكننا إذا مثلنا أمام جماهيرنا لتقديم الحساب، فأني أعتقد أننا سنجتاز الامتحان بنجاح !!
حاولت أسجل في جامعة دمشق، وكانت الفرصة ميسورة للدراسة في كلية الآداب قسم الفلسفة، إذ كانت جامعة دمشق لا تضم كلية للعلوم السياسية أو الاقتصاد السياسي، ولكن اندلاع الأحداث الدامية في الأردن عام 1970 حال دون الالتحاق بالدراسة، وهكذا ضاعت فرصة سنة كاملة، وما أكثر الفرص الضائعة الشخصية والعامة.
شهدت نهاية عام 1970 في سوريا أحداثاً هامة، كانت الأوضاع الحزبية تشهد توتراً منذ فترة طويلة، وبالتحديد منذ عامين، بما سميت بالأزمة الأولى. والأزمة كانت تتمثل برغبة الرفيق صلاح جديد الأمين العام المساعد والغالبية العظمى من القيادتين القطرية والقومية، بإخراج الرفيق حافظ الأسد من مناصبه الرسمية، بيد أن الرفيق الأسد كان يعتمد على تأييد التنظيم العسكري والقليل جداً، بل النادر من التنظيم المدني.
وكنت في غضون هذه الفترة التي تقارب السنة، قد تعرفت على الشخصيات الأساسية في قيادة الحزب عن قرب، حيث قابلت الرفيق صلاح جديد عدة مرات، وكان قد كلفني بمهمة خاصة في أحدى الأقطار العربية، وكان متشوقاً جداً لمعرفة النتيجة، أو خلاصة أستطلاعي ورأي الشخصي بناء على معاينتي للشأن، وتوقعت أنه كان قد تلقى تقارير كثيرة عن تلك القضية فأراد أن يستجلي الأمر على حقيقته وأنا متأثر لثقته بي، فلما عدت إلي دمشق وقابلته، وأنا لا أعرف أي رأي يفضل أو يستحسن، إذ لا يمكنك مطلقاً مهما وظفت طاقاتك الذهنية أن تتنبأ بما يفكر فيه الرفيق صلاح، ولكني عندما قدمت تقريري وأدليت بآرائي تهلل وجهه استحسانا. وكان الرفيق أحمد قد أشبعني بمعلوماته وانطباعاته عن الرفيق صلاح. والواقع أن هذا القائد الحزبي كان على درجة عالية جداً من الذكاء والثقافة والاقتدار القيادي، وذو قدرة باهرة على الإقناع وله إطلالة جميلة وذو وجه باسم، مع تواضع وبساطة شديدة في ملبسه، حتى أنك تعتقد أنك تكلم مدير مكتبه أو أقل من ذلك! ولكنه ذو سحر على من يقابله، ويأسرك بلطفه وتواضعه الجم وتشعر على الفور بعمق هائل لدى هذا الرجل وبذكاء غير اعتيادي وقدرة على التقاط النقاط الجوهرية فيه، وتخرج من اللقاء وأنت متأثر بهذه الشخصية وربما لأيام طويلة، الرفيق صلاح جديد شخصية نادرة حقاً.
ومرة أخرى أشهد فيها على نزاهة القائد صلاح جديد، أنه سألني مرة عن حادثة معينة، هناك أطراف غير أمينة في النقل، وضعتها على كاهل الرفيق صالح مهدي عماش، فسألني إن كنت أمتلك عنها معلومات، ونقلت له ثقتي التامة أن لا علاقة للرفيق عماش بهذه الحادثة، فلاحظت ارتياحاً تاماً بل وتهللت أسارير وجهه، رغم أنه كان مختلف حزبياً مع الرفيق عماش، وقال لي أن الرفيق عماش مناضل بعثي قديم.
وقد دعاني الرفيق صلاح مرتين أو ثلاثة إلى بيته بدمشق وهي شقة بسيطة إلى درجة مدهشة، وكانت دعوته على الغداء تتكون غالباً من الطعام السوري التقليدي، كان يحرص أن يسكب لي الطعام بيده، وقد لاحظت مكتبة كبيرة جداً في بيته،(وهذا يأسرني بصفة خاصة ويؤثر على رأي بأي إنسان) ومنها باللغة الفرنسية، وعندما رجوته أن يرسل لي الصحف العربية بعد أن ينتهي منها، حرص أن يفعل ذلك حتى اليوم الأخير له في القيادة. ومن المؤسف جداً أن يتوفى هذا القائد الكبير في السجن (وهناك شكوك كثيرة تحوم أنه تعرض لعملية قتل طبية في عصر ازدهار الأساليب العبقرية المخابراتية !)، ومن المؤسف أكثر أن تلفه الصراعات و الكراهية، والنتيجة أن يخسر الحزب والشعب، هؤلاء القادة الكبارمن سورية والأردن وفلسطين من أمثال صلاح جديد ونورالدين الأتاسي ويوسف زعين، محمد عيد عشاوي ومصطفى رستم وفوزي رضا، الوليد طالب، حديثة مراد، ومروان حبش، وعادل نعيسه ومحمد رباح الطويل، والقائد الطلابي رياض حداوي أو من الأقطار العربية : يوسف الخطيب، ضافي جمعاني، حاكم الفائز وغيرهم.
وكنت قد تعرفت عن قرب أيضاً على الرفيق يوسف زعين، وهذا الرفيق رائع على الصعيدين الحزبي والشخصي، وعلى مستوى عال، قيادياً ونضالياً وثقافياً. والمعروف أن الرفيق زعين ولد في قضاء عانه العراقي، وهناك عائلات يتوزع أفرادها بين العراق وسوريا ومنهم آل زعين. وبعض أشقاء الرفيق يوسف درسوا في سوريا وتزوجوا هناك، وقد نزحت عائلة زعين فيما بعد إلى مدينة بغداد (والده وبعض أشقاءه). ولكن الرفيق يوسف واصل دراسته الجامعية بكلية الطب في جامعة دمشق. وعاش في سوريا وناضل فيها، ثم تطوع في حرب الجزائر التحررية مع الرفاق الدكتور نورالدين الأتاسي(الأمين العام للحزب) والدكتور إبراهيم ماخوس(عضو القيادة القطرية والقومية ووزير الخارجية السورية).
وأذكر أني سألت مرة الرفيق زعين مازحاً أن كان يعتبر نفسه عراقياً أو سورياً (وإن كان هذا السؤال مجازياً بالنسبة لأي بعثي)، فأجابني مازحاً أيضاً:
والله يا أخي أنا نفسي لا أعرف.
وكنا حقاً لا نعرف في الحزب من منا العراقي أو السوري أو الفلسطيني، تلك كانت من المحرمات في الحزب أن يشاع أو يشتبه الحزبي بكونه ذو ميول قطرية فذلك عيباً يصعب تلافيه، قد يقذف به خارج صفوف الحزب. وكان الرفيق يوسف يدعوني والرفيق أبو سلام (وكان الاسم الحزبي للرفيق أحمد العزاوي) لتناول أطعمة عراقية في بيته، كما إني عملت بمعيته (الرفيق يوسف) بمهام معينة، كان خلالها نعم القائد والرفيق والأخ الكبير.
وقد تعرفنا كذلك على رفاق كثيرين من سوريا مدنيين وعسكريين كانوا خلالها نعم الرفاق ولم يدعونا نشعر للحظة واحدة أننا في غير بلدنا وأهلنا، وعلى رفاق من الأقطار العربية الأخرى، إنني أذكر تلك السنوات بمشاعر عميقة .
للأسف كانت العواصف التي تهب بين فترة وأخرى تفقدنا عددا من الرفاق الرائعين، وهناك قائمة طويلة جداً من الأسماء في القطر السوري والعراقي واللبناني والفلسطيني والأردني واليمني وأقطار الخليج والمغرب، من كافة أقطارنا العربية، كانت خسائرنا كبيرة جداً وأني أعتقد لابد أن يحظى ذلك بدراسة معمقة من أجل استئصال هذه الآفة الرهيبة. أن الانشقاقات المتوالية، لاسيما 23/ شباط/1966 و 18/ تشرين/1970، أفقدتنا الكثير جداً وفي معظم الأحيان بدون داع حقيقي، وكان من الممكن أن تضع مؤتمرات الحلول الناجحة للأزمات الحزبية، ولكن عسكرة الحزب، أو هيمنة العسكريين كان سيفاً ذو حدين، غالباً ما أضر بشرعية القيادة والديمقراطية في المؤتمرات الحزبية.
والآن وبعد مرور حوالي أربعين عاماً يمكن الحديث برأس بارد، والقول أن حركة 23/ شباط، لم تكن حركة يسار فعلاً بقدر ما كانت تعكس الرغبة في الهيمنة والنفوذ والسلطة، نعم لقد طرح اليسار كشعار للحركة، ولكنه كان لتطمين القواعد التواقة للتطور، أن خرق الشرعية أنما يجري لهذا الهدف، ولم تكن هناك محاولات جادة أو نضال صوب هذه الشعارات، والفرز الحزبي لم يكن علمياً ودقيقاً، فقد تواصل وجود وتعشش العقليات اليمينية في الجهاز الحزبي كما كان في معسكر اليمين بعثيون يساريون، فيما أعتزل العمل عدد من المناضلين وآخرين طردوا وآخرين شعروا أن الأمر يدورعن نفوذ وهيمنة وتكتلات، فانزلقوا إلى التآمر، وقادهم التآمر إلى إجراء حوار مع عناصر من خارج الحزب، والحوار قاد إلى تفاهم، والتفاهم إلى عمل مشترك وهكذا وجدوا أنفسهم في معسكر أعداء الثورة ومعسكر الرجعية، وبأنهم كانوا قد ابتعدوا كثيراً عن الشاطئ، شعروا بالورطة، ولكن مالعمل...
الهروب إلى أمام، وهكذا كان مصير مناضلين أبطال مثل الرفيق الرائد سليم حاطوم والرفيق الرائد بدر جمعة وآخرين أعدموا للأسف وهم يهتفون بحياة الحزب وهم يعلمون تماماً أن لا سبيل مطلقاً لتحقيق أهداف الأمة إلا عبر الحزب. وهم يشعرون بزلة القدم، ولكن بعد فوات الأوان.
ألم يكن محمد فاضل وعبد الخالق السامرائي ومحمد محجوب ومحمد عايش بعثيون من طراز متميز ؟ وآخرون غيرهم ضمن جهاز الحزب (في العراق) وكانت الأشياء تدور أحياناً بشكل غير منطقي، وتتدخل فيها الأمزجة والعلاقات الشخصية واعتبارات الكرامة الفردية، وبالمقابل كان في تنظيمنا اليساري ممن يمكن وضعهم على قائمة اليمين فكراً وممارسة، ولماذا يعتبر الرفيق صدام حسين يميني، والرفاق جورج صدقني ومحمد حيدر من اليسار ..؟ واليوم صرنا على قناعة أن هذه التوصيفات لم تكن دقيقة، والأمر في جزءه الأكبر يدخل ضمن تقاليد العمل والذهنية الشرقية الذي تتخلله عوامل وعناصر شتى، ربما المناطقية والعشائرية، والميل إلى الطغيان والفردية كجزء من الطبيعة الشرقية، وخلو العمل السياسي من البرامج والمناهج الدقيقة، وروح العمل والديمقراطية الجماعية.
لقد حضرت مرة كرئيس لوفد الحزب مؤتمراً في صوفيا / بلغاريا(1972)، وكان المندوبون يناقشون على مدى أيام ما تم تنفيذه من البرنامج وما لم يتم تنفيذه، ولماذا وما هي المعوقات، ولكن للأسف لم تكن مثل هذه السياقات متوفرة في أحزابنا العربية، حتى أكثرها تمرساً.
وفي بعض الأحيان خسرنا منظمات كاملة بسبب عدم الوضوح السياسي / النظري، وبسبب الصراعات ومراكز النفوذ، وكان المرحوم الأستاذ ميشيل عفلق لا يستطيع أن يتقبل بروز قيادات مهمة أو تطوير أو مواصلة لما قدمه من عطاء، ولكن لا بد من الاعتراف أن الأستاذ ميشيل له الدور الأساسي في تأسيس الحزب وقيادته، كما لا بد من الاعتراف أيضاً أن الأستاذ ميشيل كان يشع بتأثيره، ولكنه لم يكن يطيق بعض الشخصيات من حوله، التي يعتقد أنها ستخطف من الدور القيادي، وكان يعتبر الحزب أبناً له ويفهم كل محاولة للتطوير على أنها تحويل لمسار الحزب التاريخ وأنها عقوق من القادة الجدد، وبعد دخول العسكريين على الخط في القطر العربي السوري (وهو ما كان الرفيق عفلق قد حذر منه)، وجزئياً في العراق (لا سيما في مرحلة 1963) أضاف أسباب أرتباك جديدة كان لها نتائجه السيئة، وربما المميتة في سوريا، وهي ما كان الرفيق عفلق يحذر منها .
كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى خسارة مهمة، ليس أخرها الانشقاق الكبير، وانسلاخ منظمات كاملة عن الحزب، فقد كان للحزب يوماً منظمات قوية في بعض الأقطار إلا أنها اضمحلت وربما تلاشت، ولا أريد هنا سوى أن أذكر أن ليبيا كان فيها تنظيم على مستوى قيادة قطرية في أول الستينات، وفي أواخر الستينات أنتهي التنظيم نهائياً، وبقي هناك بعثيون دون تنظيم، وبينهم أسماء لامعة في المجتمع الليبي. بالطبع كان للنفط والثراء الذي أصاب الناس سبباً يضاف إلى هشاشة التنظيم، لكن الانشقاقات كانت السبب الأهم حتماً.
وهكذا أنتهي الأمر الآن: (2015 ) بوجود أحزاب بعث عديدة بعضها يحمل نفس الاسم وبعضها أجرى تحويراً بسيطاً عليه مع بقاء الأهداف، والغريب أن معظم من يتركون الحزب، أو الحزب يتركهم ! يواصلون الدوران في محور الحزب ومحيطه(عدا من يرتكب أعمال خيانية أو ينظم لحركات سياسية غير بعثية)، لا يستطيعون مغادرة مواقعه، نعم يعتقدون أن قضية الحزب بحاجة إلى مناقشات مستفيضة وعميقة، وتشخيص دقيق لمشكلاته، فالحزب بحاجة إلى تطوير مفاهيم نظرية وتنظيمية ولكن مع أجماع على التمسك بمبادئه الرئيسية المتلاحمة بعبقرية : الوحدة ـ الحرية ـ الاشتراكية.
في أيلول / 1970، كانت سحب أزمة جديدة تتجمع فوق سماء دمشق، ولكن في قمة قيادة الحزب حيث كانت نذر عاصفة هائلة تتجمع. كانت الحساسية قد بلغت أوجها بين الجناحين، لم تترك مجالاً لحلول وسط، أضافت إليها تطورات الصراع العربي الصهيوني أبعاداً جديدة، وإذا كان انتحار الرفيق عبد الكريم الجندي(العقيد، مدير المخابرات العامة) قد أنهى الأزمة الأولى 1968، فاليوم ربما لم يكن من المواجهة من بد، أو هكذا أرادها أقطاب الأزمة، فيما كانت مشاركة الجهاز الحزبي في القطر السوري والتنظيم القومي لا تمثل إلا نسبة ضئيلة ولا تغير الموزاين وكان كل طرف يضع علامات الاستفهام أو التعجب على أي تصرف، ثم يصار إلى نقدها تصريحاً أو تلميحاً.
وبرغم أن الرفيق الأسد لم يكن يمتلك أدوات دعائية، بل أنه لم يكن على صعيد المواصفات الشخصية، من الطراز الذي يميل إلى هذه الفعاليات، ورغم كون الرفيق الأسد عسكرياً محترفاً (طيار) منذ صباه أو شبابه، إلا أنه كان بعثياً قبل كل شيء ملتزماً بالحزب وقضاياه، وهذا ما يؤكده كل من يعرفه من أصدقاء أو خصوم على حد السواء. ولكن الأمر عندما يبلغ ما بلغه، تتراجع المواصفات الأخرى، أو يستتر خلفها الطموح الشخصي. وكان الرفيق الأسد لمزاياه وقدراته، شخصية مهمة من شخصيات الحزب منذ أن أنتمي إليه. ففي أواخر الأربعينات، (1949) كان الشاب حافظ الأسد رئيساً لطلبة اللاذقية، ثم عسكرياً مناضلاً في صفوف الحزب، وخلال الوحدة كان عضواً في اللجنة العسكرية(المكتب العسكري ويعادل عضوية القيادة القطرية)، إلى جانب الرفاق صلاح جديد ومحمد عمران، وربما آخرين وعنصراً بارزاً في حركة 8/ آذار/1963، كما كان أساسياً في حركة 23/ شباط/1966، وفي جميع هذه المراحل كان يتمتع بعضوية القيادة القطرية أو القومية أو كلاهما.
ولكن ... رغم ذلك هناك أزمة في الحزب ... أزمة حقيقية ... لها وجوه وأبعاد متعددة، تتعلق داخلياً ببناء الحزب ووضع مرتسمات جديدة للثورة العربية الاشتراكية بعد وفاة القائد عبد الناصر(وهناك شكوك حول وفاته)، والموقف من محاولات الغرب لتصفية حركة المقاومة والقضية الفلسطينية.
تشرين / 1970 ... وما أدراك ما تشرين
كنت خارج دمشق بمهام نضالية، ولما عدت والتقيت بأحمد، الذي لم يخفي سروره بلقائي وعودتي سالماً، ولكن أحمد أبلغني أن القنبلة الموقوتة في الحزب على وشك الانفجار. وإن الرفاق في القيادة القومية: الرفيق نورالدين الأتاسي، والرفيق صلاح جديد، وسائر الرفاق تقريباً في وجهات نظر متشابهة يعتقدون أن الرفيق حافظ الأسد قد أصبح يمثل عقبة في طريق الحزب، وأنه يسعى لتكوين نفوذ خاص به داخل القوات المسلحة، وهذا النفوذ لا يخدم مسيرة الحزب والدولة، وتطوره الفكري والسياسي. وكنا أنا وأحمد نعتقد أن وجهة النظر هذه ليست خاطئة تماماً، ولكن إلى جانب ذلك هناك عوامل أخرى تستحق البحث.
وإني سأحاول أن أضع تلخيصاً لمرتسمات الموقف كما يلي :
كان الرفيق صلاح جديد ومعسكره، ويمثلون غالبية شخصيات الخطوط الأولى في الحزب، والخط الأول في القيادة، يهدف إلى بناء حزب قوي وتنقية صفوفه، وطرح مشروع يحمل ملامح جديدة للثورة العربية الاشتراكية لا سيما بعد وفاة القائد عبد الناصر، وأزمة المقاومة بعد أيلول / 1970 وتدارك الفراغ الذي تركه في الساحة، فيما كان الرفيق حافظ الأسد يهدف بطموح شخصي كبير إلى دولة يكون هو شخصياً (وأهداف ظاهرة أو مستترة) في المقام الأول، وفي هذا المجال يقع الحزب في دائرة اهتمامه كتنظيم يساند هدفه الشخصي. فالفرق بين الاتجاهين ليس بسيطاً، بل أنه يبدو عميقاً حقاً. وبالفعل أدى مآل هدف الأسد إلى دولة هيمن عليها بكل أبعاد هذه الهيمنة، بل وحول الدولة لاحقاً إلى مشروع شخصي لعائلته، وتحول الحزب إلى أداة لخدمة الهدف والمشروع الشخصي، والقوات المسلحة والأمن والمخابرات إلى أجهزة منفذة لهذا المشروع..
لم يكن أحد يختلف تقريباً، أن أوضاع الحزب ليست مرضية. ولكن التفاوت هو في أسلوب التصدي لها. الحزب ليس في أزمة، بل في منظومة خلل تنتج أزمات، تتعلق بنظامه الداخلي، وفي إعادة تفسير المنطلقات النظرية والتأكيد على نقاط هامة، ستكون بتقديرنا المنار الذي يهدي مسيرة العمل في داخل القطر الذي يحكمه الحزب(سوريا) ويبلور مواقف النضال في العديد من الساحات، ويضع الدولة في مسار جديد من العلاقات الخارجية.
كان بعض الرفاق يعتقدون أن المهمة المركزية الآن تتمثل بأبعاد الرفيق حافظ الأسد عن مواقع المسؤولية التنفيذية لمنع أي مغامرة عسكرية محتملة، وبالطبع أدرك الرفيق الأسد هذه المرامي فأستعد لإحباطها، بل كان قد أستعد لها بوقت مبكر، وكان يمتلك الوسائل المادية لإحباطها، ولكن وسائله تفتقر إلى مقوماتها السياسية والأخلاقية الحزبية التي تشجب أي عملية استيلاء على قيادة الحزب بالقوة. فهل كان بذلك عقبة بوجه تطور الحزب أو في الدفاع عن مكانته ومواقعه الحزبية والرسمية، أم في كلاهما ...! بتقديري في كلاهما، إذن هي كانت مباراة مكشوفة، الحزب يريد إزاحة الاسد، ولكنه لا يمتلك القوة لتنفيذ قراره، والأسد يعلم أن إزاحته مطلوبة، ولكن من يريد إزاحته غير قادر على تنفيذ قراره، قوة الشرعية والنظام والمقررات الحزبية لم تعد تمثل القوة، وجوهر الأمر أبعد من تشرين 1970، فالتطورات اللاحقة تثبت أن الواقع الموضوعي في سوريا بعد 2011 لابد أن يكون حاصل تراكمي جرى التخطيط له منذ فترة طويلة، ومن غير المستبعد أن تكون هناك أياد خارجية.
تشرين ملبد بالغيوم .. وسيكون مطرها اسود ..
ابتدأت الأزمة منذ تشرين / 1963 أو قبل ذلك في المؤتمر القومي السادس، وكأن هناك قوى تضع العراقيل بمهارة أن لا يتوصل الحزب إلى حل أزمته الفكرية والتنظيمية، وكانت مشكلة العسكريين قد ابتدأت تطرح نفسها في الحزب بهذه الصورة أو تلك من القوة والوضوح، وربما كان الأمر بحاجة إلى التوصل إلى ديمقراطية داخل الحزب ومؤتمرات وقيادات، ديمقراطية تبعد نفوذ العسكريين، وتقطع الطريق على الهيمنة الفردية. كانت هناك أصوات تنادي بحلول شاملة للأزمة كان هناك من لا يريد سماعها، وهناك من يشجبها، أما اليسار فقد كان يناشد ويطالب بتصفية شاملة البؤر التي تهدد وحدة الحزب التنظيمية والنظرية، ومن ذلك اليمين وآخر جذوره في الحزب، بأساليب ديمقراطية حزبية، فلتشترك فيها حتى الجماهير الشعبية.
كنا بصفة أساسية (المكتب العسكري العراقي) ويشاركنا الرأي رفاق قياديون في التنظيم الفلسطيني / الأردني، واللبناني، ورفاق في التنظيمات القومية الأخرى، نعتقد أن هذه الأزمة ستمر وستنشب أزمة أخرى، والحزب (والحديث يدور عن الحزب في سورية) ماض في تدهور يبدو أن إيقافه صعب. كان الحزب في العراق (تنظيم السلطة) قد ابتدأ يركز أوضاعه في العراق، ويتواجد في تنظيمات قومية، وبدت ظلال الانشقاق تبدو ثقيلة، وها نحن أمام أزمة جديدة، ربما سيسفر عنها انشقاق جديد، أو أضعاف للحزب على أية حال. لذلك كنا متمسكين بالموقف المبدئي الصحيح: إن كان لا بد من مؤتمر قومي عاشر استثنائي (تنعقد المؤتمرات القومية مرة كل أربعة سنوات وعدا ذلك فهو مؤتمر استثنائي)، فلابد لهذا المؤتمر أن يناقش بصورة عميقة مشكلات الحزب، وأزمته الحقيقية تكمن في الموقف النظري والتنظيمي. وكان رأينا أن الحزب إذا تمكن من حل هذه المشكلة جذرياً، فأن أزمة الموقف في القطر السوري ستحل نفسها تلقائياً. وحدة الموقف النظري والتنظيمي الواضح يشكل وحدة قوية للحزب حيال أي محاولة انشقاق أو تمرد.
كان بعض الرفاق في القيادة (رفاق قلائل) مقتنعين بوجهة النظر(الحل الجذري) ولكنهم كانوا ملتزمين بخط القيادة الذي يقوده الرفيق صلاح جديد، لذلك كانوا يدعونا إلى الالتزام ب (خط القيادة)، ولكن في الاجتماعات التمهيدية، تمسكنا نحن وأعتقد غيرنا كذلك من التنظيمات القومية بهذا الموقف، والقيادة كانت تعلم أن هذا التوجه(توجهنا العراقي) راديكالي / يساري حقاً وعازم على حل مشكلات الحزب جذرياً، وإننا لسنا من تيار الرفيق الأسد بأي حال من الأحوال لا نظرياً ولا تنظيمياً، وإننا مخلصون في طرحنا. ولكن القيادة ظلت متمسكة برأيها، وهو ضرورة تغير عمل الرفيقان الأسد وطلاس أولاً وهذه مسألة لها الأولوية قبل كل شيء.
لم يفز هذا الاتجاه الذي أعتبره البعض يسارياً متطرفاً، بآراء الأغلبية، وكان الرفيق صلاح بما يمتلك من سحر حضور وقدرات قيادية فذة في أسلوب توجهه إلى القيادات والقواعد الحزبية ينال تأييدها الحاسم ... يمتلك سحر الحضور والمقدرة الفذة في الخطاب الحزبي، ولكن ذلك سيبلور التناقض إلى حده الأقصى، وسيطرح الصراع بدرجة حاسمة ... وهكذا كان.
في اجتماع تمهيدي عقد في دار الرفيق فوزي رضا، حضره كذلك الرفيق يوسف زعين، باعتبار له دالة على الرفاق العسكريين العراقيين، حاولوا معنا دون جدوى، وكان الرفيق فوزي يرد بين حين وآخر على الهاتف، إذ كان هناك على الأرجح من يتابع هذا اللقاء، وكنا نحن أعضاء في المؤتمر القومي العادي، ولكني لم أتمكن من حضوره بسبب وجودي في بغداد في ظل ظروفنا الصعبة(وكذلك بعض رفاقنا من التنظيم العسكري العراقي)، وحيال موقفنا الشامل هذا اتخذت القيادة قراراً بشطبنا من عضوية المؤتمر الاستثنائي ووضعت أسماء غيرنا، ولكن ذلك لم يغضبنا بقدر ما كان يؤسفنا، فنحن بالطبع لم نكن نريد أن يعتبر موقفنا هذا صراعاً مع القيادة أو مع الرفيق صلاح الذي كنا نحترمه ونقدره، والأمر لم نكن نريد أن نفهمه على أساس شخصي بقدر ما هو رؤية عميقة شاملة لمشكلات الحزب، وكان رأياً مسئولاً، وما زلت أعتقد حتى الآن أنه الموقف الأفضل، ولو سعت إليه القيادة بثقلها ولنقل الرفيق صلاح، وعبأت قواها على هذا الأساس، صوب تحديد الأهداف والمهمات، صوب استراتيجية جديدة للثورة العربية الاشتراكية، لاسيما كانت قد مرت أزمتان الأولى هزيمة حزيران/ 1967، وأزمة المقاومة الفلسطينية ومعارك أيلول/1970، وصياغة استراتيجية جديدة للمقاومة، كما كانت وفاة القائد جمال عبد الناصر الرمز الكبير للحركة القومية، تستلزم مثل هذه الوقفة وإعادة تنظيم الصفوف والتعبئة، ومن تلك المهام حل أزمة الحزب النظرية والتنظيمية، بإجماع حزبي لا مثيل له، ولكن مؤتمراً بهذا الشكل كان سيتجه يساراً، بحتمية مؤكدة، قد يكون مؤتمراً تاريخيا، ربما لن يسر البعض من أعضاء القيادة ممن يريدون إبقاء الأوضاع الحزبية على هذه الدرجة لا صعوداً ولا نزولاً..!
في تشرين / 1970 كان الوقت متأخراً على طروحات شاملة جذرية ...!
وبالطبع كانت لهم نظريتهم، ولا أريد مناقشتها هنا، فهي وجهة نظر تجتزأ الأمور، إذ كانوا يقرون بصلاحية حججنا، ولكنهم يطالبون بتأجيلها. فيما كنا نرى أننا في مرحلة تاريخية هامة، ولا بد أن نكون بحجم الأحداث والتحديات. ولكن برأي البعض أن مثل هذه الخطوة الكبيرة قد ترتب علينا كحزب وكقيادة دولة في سوريا، مواقف صعبة وتحديات خطيرة، ومن الأفضل إتاحة الفرصة لهامش مناورة، وكانت هناك أراء كثيرة ومهمة، وبتقديري كان لابد من مؤتمر قومي كبير وحاسم يهيأ له بدقة وكثافة، ويجري له أعداد ممتاز بجهود كبيرة، ليناقش أوراق عمل كثيرة وأراء حاسمة، ومن تلك : الاستراتيجية المهمة للرفيق يوسف زعين، في تكريس الجهد الأساسي لعمليات التنمية والتصنيع ومواجهة العدو بحرب شعبية طويلة الأمد..... ولكن لم يكن أحد في وارد سماع أي رأي، عدا تصفية الأوضاع في القيادة القطرية فيما كان يطلق عليه ( تعديل مهام أو مسؤولية بعض الرفاق).
وكان الموقف السياسي الداخلي عشية انعقاد المؤتمر يشير إلى:
أن الجماهير كانت تشعر أن شيئاً ما يدور في الأجواء، ولكن الأمر كان وكأنه حدث عائلي محض، والمواجهات الحزبية لم تنتقل إلى الشارع، إذ ظلت حبيسة الاجتماعات الحزبية وبمستويات ضيقة، وهمساً على الأغلب، ومن المؤكد أن أنباء بهذا الحجم أو ذاك كان يطلع عليها من يتتبع هذا الشأن، ولكن الأوضاع الاقتصادية السورية ما زالت مقبولة، وكان لدى السوريون مقياس نسبي وهو قيمة الليرة السورية مقابل اللبنانية، وهو مقياس نسبي كما ذكرنا، وهنا الكثيرون لا يعلمون مدى الترابط الوثيق جداً بين سوريا ولبنان على كافة المستويات، فالحياة وتكاليف المعيشة في سوريا هي أسهل وأكثر يسراً مما هي عليه الحال في لبنان، ولكن مستوى المعيشة في لبنان هو أعلى مما عليه في سورية، وكانت المئة ليرة سورية تعادل خمسة وسبعون ليرة لبنانية، فالفارق هو الربع تقريباً وهو ما لم يكن يرضى به السوريون على أية حال!
كانت هناك أزمة سكن مستديمة، وقلة رواتب الموظفين، والمواصلات داخل المدينة تعاني من متاعب وتقادم وسائط النقل، ولكن مع ذلك لم تكن هناك ملامح تذمر شعبي، كان الناس يدركون أنها تبعات عدوان حزيران، كان هناك تفهم لهذه التبعات، ولم تكن القيادات السورية تظهر بمظهر البذخ لتجلب السخط، بل على العكس كان رئيس الدولة ينزل إلى الشوارع ويتجول ويرتاد المطاعم العادية مع عائلته، ورواتب المسئولين كانت بسيطة، والأمر كله كان ضمن المعقول.
والموقف العربي كان متوتراً يمر بمرحلة تمفصل، وكانت معارك المقاومة الفلسطينية مع السلطة الأردنية وما رافق ذلك من معارك طاحنة وخسائر كبيرة، من القوات المسلحة الأردنية وجماهير الشعب الفلسطيني والأردني، ومقاتلوا منظمات المقاومة، أدت المعارك إلى خروج المقاومة من الأردن(القسم الأكبر من وجودها العسكري) مع بقاء قوات بسيطة في منطقة محددة (جرش وعجلون). وكان لهذا الأمر ثقله النفسي على الجماهير وعلى مستقبل الصراع مع العدو، فقد كان حرمان المقاومة في أعمق جبهة وفي أطولها امتداداً مع العدو، وهي الجبهة الأردنية، شأناً له ثقله المادي والمعنوي. وخيمت على الأجواء سحابة هزيمة، تطرح أسئلة ملحة ! ..
وأضافت وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بوجوده المادي والعاطفي المؤثر ضربة أخرى لتيار المقاومة والمواجهة، فقد كان هذا القائد مؤثراً بثقله على ميدان المواجهة سياسياً وعسكرياً، وبخسارته ستفقد الجبهة العربية عنصراً مهماً في بناء جبهة العربية المواجهة لقوى العدوان. وقد أحدث قبول الرئيس ناصر لمبادرة روجرز (وإن كان ذلك تكتيكاً) ارتباكاً غير بسيط، ورحل عن الساحة وأصداء تلك المبادرة وتداعياتها تحدث الشروخ بين فصائل المقاومة، والأقطار العربية بين قبول ورفض للمبادرة. (أنظر في ملحق الكتاب وجهة نظر لأحد قادة معسكر الرفيق صلاح جديد)
كان الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي يمثل حجر الزاوية في مخطط التصدي للعدوان، إذ كان المورد الرئيسي للأقطار العربية للأسلحة، وللمشروعات الاستراتيجية (الطاقة / الصناعة)كما كان الداعم الرئيسي أيضاً في المحافل الدولية، وأهمها مجلس الأمن والأمم المتحدة، ولابد من الاعتراف أن العلاقة بين الاقطار العربية والاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي لم ترتق للأسف لمستوى المعركة ومتطلباتها، أو لنقل أن العلاقة كانت تشوبها الكثير من سوء التقدير. وأني أعتقد أن مسؤولية هذه الإشكالية يتحمل مسؤوليتها الطرفان معاً، ولكن هذا الأمر مضى إلى التاريخ وله مجاله للبحث والتحليل. فلكل طرف لديه ما يشكو منه من الطرف الأخر، نعم كانت صداقة، ولكن الأصدقاء بحاجة أحياناً إلى وقفة مراجعة وللنقد وإعادة النظر، والسوفيت كانوا ينظرون إلى الصراع العربي الصهيوني بما ينفع أستراتيجية مواجهة الغرب، وليس على أساس المصالح العربية.
كان العدو الصهيوني يتمتع بدعم غير محدود من الولايات المتحدة أساساً ومن المعسكر الغربي عموماً، وكانت الولايات المتحدة قد تحولت إلى الداعم الرئيسي، بعد أن لعبت فرنسا وبريطانيا هذا الدور حتى حرب حزيران / 1967 ولكن منذ ذلك التاريخ فصاعداً ومكافأة للعدو الصهيوني على امتثاله للأوامر الأمريكية بشن عدوان حزيران وتصرفه وفق الأجندة الأمريكية وسياستها الشرق أوسطية، دخل العدو في ما يسمى نفق عدوان حزيران وإزالة آثاره حتى الآن، فتوجب على الولايات المتحدة دفع تكاليف هذا الدور، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تطور الموقف السياسي والعسكري إلى ما لا طاقة لفرنسا وبريطانيا تحمل تبعاته، فالعدو الذي لم يكن يستخدم السلاح الأمريكي، أنتقل إلى التبعية التامة للولايات المتحدة بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية، وفي مرحلة أول السبعينات خلق تصور مادي، أننا نقاتل الولايات المتحدة بالذات بكل أمكاناتها وحتى قدراتها حتى النووية منها، فقد غدا معلوماً الإنذار الذي أطلقه الرئيس الأمريكي نيكسون للأسلحة الذرية أبان أزمة أيلول /1970، للتدخل بكافة أمكانات الولايات المتحدة، حتى النووية منها لحماية أمن الكيان الصهيوني.
أنعقد المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي في دمشق، كانت أجواءه رمادية، يتطاير الشؤم من آفاقه، مع تقديرات ضعيفة تتفائل بخير غير موجود أصلاً، أن الرفاق في النهاية سينهون خلافهم بالقبلات والولائم، وتأجيل لما في القلوب إلى أجل غير مسمى كما حدث في الأزمة الأولى عام 1968، التي لم تنتهي إلا بأنتحار الرفيق عبد الكريم الجندي(العقيد / مدير المخابرات العامة). ولم يكن في جدول أعماله (الحقيقي) سوى أزاحة الرفيقين الأسد وطلاس، وكان الجهاز الحزبي يترقب النتائج، ويلتقط أي حديث يدور في المؤتمر من الرفاق المؤتمرين، وكنا كما أسلفت قد حرمنا من حضور المؤتمر، (وهناك مبرر كالسيف ذو حدين، فبسبب وجودنا في العراق كانت أسمائنا سرية لذلك لم تجد رئاسة المؤتمر صعوبة في عدم تسجيل أسمائنا كأعضاء في المؤتمر).
وكانت أحدى بيانات القيادة قد أختتمت بعبارة :To be or not to be , that is the Question ، أن نكون حزباً أو لا نكون، تلك هي المسألة. وأنني أرجح أن يكون الرفيق صلاح جديد هو من كتب هذا البيان وقد أستعار هذه الجملة من هاملت في مسرحية شكسبير الشهيرة.
والقى الرفيق حافظ الأسد في المؤتمر خطاب طويل جداً(أطلعت عليه مكتوباً فيما بعد)، عبر فيه عن موقفه بالوضوح والصراحة المعروفة عنه وقد قال بما معناه، ليس هناك ماوتسي تونغ لأكون أنا لين بياو(أشارة إلى صعود لين بياو وتصفيته) كما لامس هواجس أعضاء المؤتمر بقوله :
لا تتخذوا قراراً لستم قادرين على تطبيقه !!
وكان الرفيق صلاح، ينبري للتصدي ببراعة لهذه لمداخلات الأسد:
ليس هناك فرد أكبر من الحزب، الحزب أكبر من الجميع، وحدة الحزب هي كل شيء، على البعثيين أن يتفاعلوا بصرف النظر عن مواقعهم.
كان يحلل الوضع الحالي ويتحدث عن المستقبل، بلباقة وعمق لا يعهدها الرفيق الأسد الذي كان حديثه ينم عن بساطة ومباشرة، وهكذا كان أعضاء المؤتمر، وإن كانوا معبأين جيداً، إلا أنهم كانوا يتأثرون بشدة بهذه المداخلات القوية، بين خوف على حزبهم، وبين الأسف على صراعات غير تاريخية وجدوا أنفسهم في قلبها، خلافاً يمكن أن يجد طريقه للحل في آخر لحظه، بأخلاص لتوجهات القيادة وأنسياقاً مع التعبئة، وكانت طروحات القيادة في الأخير هي من أستولى على قناعات الأعضاء ومواقفهم، فأتخذوا في النهاية القرارات الصعبة....
كان الرفيقان الأسد وطلاس يحضران إلى المؤتمر ومعهما عناصر الحماية بأعداد كثيفة بلباس وسلاح الميدان وهي رسالة واضحة، والحزبيون يتساءلون، كيف ستنفذ القيادة قرارها ؟ وكان الجهاز الحزبي في أحسن حالات التفاؤل يرد على هذا السؤال : أن الرفيق الأسد وعندما سيواجه بقرار مؤتمر قومي، سيضطر للرضوخ، وسوف لن يكون بوسعه مواجهة الحزب بأسره..... ولكن تلك كانت قراءة خاطئة .... وأي خطأ ..!
انتهى المؤتمر بإصدار القرارات الشجاعة الصعبة والمتوقعة، بإقصاء الرفيقين حافظ الأسد ومصطفى طلاس عن مواقعهما الرسمية بالإجماع (تقريباً)، وكرر الرفيق الأسد تعبيره كعادته بصراحة تامة، أن هذه القرارات غير قابلة للتنفيذ، وأنتظر يومين أو ثلاثة ليرى ما يمكن عمله، فقد كان هو الآخر يتهيب الأقدام على خطوة قد يكون التراجع عنها صعباً، فيما قرأت القيادة هذا التردد خطأ، رغم أنها لم تستطع أن تذيع البيان الختامي للمؤتمر بواسطة الإذاعة والتلفزيون، أو الصحف، وأقتصر توزيعه بالتداول اليدوي.
وما زالت هذه الأيام القليلة بين أختتام المؤتمر وأعتقال الرفيق صلاح أولاً، ثم الرفيق نور الدين الأتاسي رئيس الدولة بعده بأيام ما تزال حقائقها الكاملة من الأسرار، حرص الأسد على دفنها وأصحابها، فمن جملة ما علمنا مؤخراً، أن الأسد حاول التوصل لصفقة مع الرفيق صلاح والأتاسي، ولكن دون نجاح، كما حاول السفير السوفيتي العالي التقدير في دمشق أن يساهم على تفادي الحلول الصعبة، (وكان السوفيت يتحركون في ظل اتفاقاتهم السرية مع الولايات المتحدة) وعرض استضافة الرفيق صلاح في موسكو ليقيم فيها، ولكن الرفيق صلاح رفض هذا العرض وفضل مواجهة الموقف متحداً مع قناعاته.
وبعد يومين أو ثلاثة من اختتام المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي لم تكن القيادة القومية أو القطرية السورية لتجد السبيل إلى إذاعة البيان، ولكن جرى طبعه على أية حال ووزع، ولست متأكداً على أية درجة من الانتشار، ولكننا حصلنا على نسخ منه وقمنا بتوزيعه على تنظيمنا العسكري بدمشق. وكان البيان على درجة عالية من الصياغة، والفقرة الأهم أطلاقاً، والتي كانت الباعث على انعقاد المؤتمر أصلاً، هي " اختيار مهام جديدة للرفيقين عضوي القيادة حافظ الأسد ومصطفى طلاس". وستكون هذه المقررات سبباً في تمزق جديد للحزب ولم يكن بوسع أحد إيقاف هذه العربة المتدحرجة صوب الهاوية التي كنا نسير صوبها، فقد أنتهي المؤتمرالمرتقب وصدرت قراراته، ولم تتمكن صحيفة البعث (صحيفة الحزب) أن تنشره !! ولا إذاعة أو تلفزيون دمشق أن تذيعه، لسبب بسيط جداً، أن الرفيق الأسد وزير الدفاع أرسل بسهولة ويسر إلى كل من هذه المؤسسات الإعلامية، ولم يكن غيرها في تلك الأيام، أرسل ضابطاً يراقب ويسمع ويمنع ...هكذا بكل بساطة !!
مضى يوم ويومان، دون ردود فعل من أي طرف ...
وأخيراً حسم الأسد وهو يمتلك القوى التي يتمكن بها تنفيذ آليات خطة عمل نفذها تدريجياً، أن يستولي على السلطة، ومن ثم فالسلطة ستخلق بؤرة حزبية قد تبدو ضعيفة في البدء، إلا أنها ستحقق بمرور الوقت التفافاً حولها، وكان الحزب قد فقد منذ وقت ليس بالقصير تلك الصفات والأخلاقيات وهيبة الشرعية التي كان يتمتع بها، فالإناء الذي يكسر مرة ويعاد لحمه، يمكن كسره مرة أخرى وإعادة لحمه، هكذا بفجور منطق قد غدا مألوفاً ... يا للأسف ....
كنت صباح تلك الأيام المشحونة بكل شيء خارجاً من بيتي في منطقة المهاجرين/ الطلياني باتجاه حديقة السبكي الشهيرة المطلة على شارع المهدي بن بركة، وقرب بوابة الحديقة أنتبهت إلى سيارة الرفيق صلاح جديد (وكانت بيجو 404) وكان يجلس في الخلف، وهي في طريقها إلى مكتب القيادة القومية في أبو رمانة، وبلمحة بصر أيقنت أن الراكب كان الرفيق صلاح جديد نفسه، وقد أستدرك هو أيضاً ذلك فتقدم إلى الأمام قليلاً ورفع يده اليمنى وبادر بالتحية وبابتسامة ودية على وجهه، أستطيع أن أتذكر قسمات وملامح وجهه إلى اليوم، وتلك كانت آخر مرة أشاهد فيها الرفيق اللواء صلاح جديد، هذا البعثي الكبير الذي لم يعرف في حياته شيئاً سوى حزب البعث العربي الاشتراكي. وقد شهدت فيما بعد وذات يوم جلسة كانت تضم أحد أشد خصوم الرفيق صلاح، إلا أنه أقر بكل عبارات التأكيد، أن الرفيق صلاح كان نزيهاً ومخلصاً للحزب، بل أنه كان على خصومة حتى مع شقيقه، العقيد غسان جديد الذي كان من قياديي الحزب القومي السوري.
هكذا كان دائماً جم التواضع، ساحر اللفتات. بعد هذا الحادث ربما بدقائق فقط، أعتقل الرفيق صلاح جديد وكان ذلك في أواخر تشرين الثاني، ولم يطلق سراحه من السجن إلا جثة هامدة، حيث توفي هذا القائد الكبير(19 / آب / 1993) في مستشفى عسكري (في ظروف مشبوهة)، أي أنه مكث في السجن حوالي 24 عاماً.... وهنا لا ينفع الأسف وحده .. بل الألم والحسرة أيضاً على هذا القائد الكبير.
وكانت السلطات العسكرية قد اعتقلت أيضاً في ذلك اليوم وفي الأيام التالية، غالبية أعضاء القيادتين القومية والقطرية للحزب وأودعوا السجون. والآن الدولة بلا قيادة وبلا قيادة حزبية، وليس هناك سوى وزير الدفاع الرفيق حافظ الأسد والقوات المسلحة، ووزراء يصرفون شؤون دولة فقدت رؤوسها.
ما العمل ........
سؤال يطرح نفسه حينما لا تعد هناك آليات قانونية معترف بها، وإلا العمل هو ما تنص عليه قواعد العمل الحزبي، أو دستور الدولة ... وهي كيانات لم تعد قائمة حالياً .. ما العمل ........
الحركة التصحيحية (هكذا أطلقت على نفسها) تستحق الشجب والإدانة... لا جدال في ذلك، لن يستطيع أي فيلسوف سفسطائي الدفاع عنها .. فقد ألحقت الضرر البالغ بالحزب، ولكن من المسؤول، أني أعتقد أن القيادات الحزبية القومية والقطرية منذ عام 1963 في سوريا والعراق خاصة تشترك بالمسؤولية، إذ تعاملت مع قضايا ومسائل تستحق وقفات جادة بعيدة عن الذات والأنا أن تتخذ مواقفها بناء على رؤية بعيدة المدى، وهذا ما لم يحصل بدرجة كبيرة، والسبب بتقديري هو أكبر من توجيه اللوم لفرد واحد، نعم هناك أفراد ينبغي أن يوجه اللوم لهم، هم قادتنا العظام، وبعضهم يتمتع بشعبية طاغية في الحزب، ولكن الخطب أكبر، فحركة التحرير العربية ما زالت طرية العود قليلة الخبرة والتجارب، نعم هي صارعت الاستعمار بأدوات ماضية تمتلكها هي من مكوناتها الرئيسية، وانتصرت وطردت القوات الأجنبية في زمن قصير لا يتجاوز الأربعين عام وأسست دول وجمهوريات كان مقدر لها أن تواصل تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكنها عجزت (غالباً) عن تحقيق أنظمة وطنية بوسعها مواصلة تحقيق المنجزات المادية الراسخة، مما مكن ذات القوى التي طردت عادت ورجعت عبر الشركات والاستثمارات، يساندها النظام الدولي الذي يجعل منها دول كبرى تمتلك القدرة وتمنح لنفسها الحق بالتدخل في أي بقعة في العالم، بل وحتى بالمؤامرات والاغتيالات وأخيراً بالأساليب العسكرية، ناهيك عن تسليط الضغوط السياسية والاقتصادية وإثارة الفتن والمتاعب حتى تجعل من عملية التنمية يستحيل أن تأتي أكلها.
ما العمل ... ها نحن مرة أخرى مع هذا السؤال الصعب ... ما العمل ... وسرى للأسماع أن هناك طبخة، بل طبخات، والليالي الشامية حبلى بكل ما هو غريب .. والناس هناك تشتغل بالسياسة بحذاقة لا غبار عليها .. ولكن الحذاقة السياسية هي غير النقاء والنزاهة الثورية. ولكن والحق يقال أن القيادة(الأتاسي ــ صلاح) حافظت على وحدتها إلى النهاية.
الحذاقة تعني عند بعض السياسيين الشطارة، والشطارة هي ترجمة عربية لمصطلح شائع باللغة الإنكليزية أو الفرنسية هو البراغماتية Pragmatism، وفي البراغماتية يغدو حلالاً كل ما يوصلك إلى هدفك، ودعنا من العيب، والأصول وقواعد العمل، وإلا يحدث صدام، والصدام يضر بمصالح الجميع، والجميع سيخسر ولن يكون هناك رابح .. إلا الكيان الصهيوني ... وفي الأخير الكل يبحث عن المفتاح، والمفتاح عند الحداد والحداد يريد فلوس، والفلوس عند العروس والعروس بالحمام والحبالبير والبير والفانوس بالبير والبير يريد حبل والحبل براس الثور، والثور يريد حشيش والحشيش يريد مطر، والمطر عند الله..... هذه هي القصص الشرقية الفاتنة الجمال .. إلا أنها للأسف بلا نهاية مفيدة ....
هكذا إذن صار حال الحزب، فلا من يسمع ولا من يجيب، والحق أن مثل هذه النتيجة المريعة لم يكن لتحدث لولا تراكمات تتواصل منذ أمد بعيد في الحزب كما أسلفنا، منذ استلامه السلطة في العراق 8 / شباط / 1963، وفي سوريا في 8 / آذار / 1963، الحزب الذي أستلم السلطة سمح لنفسه أن يستولي العسكريون على مقدراته في عمليات صاخبة كما حدث في العراق، أو في عمليات تسلل ذكية هادئة كما حدث في سوريا، وأفضت في الحالتين إلى ذات النتائج مع فارق غير جوهري في الملامح.، ولم ينجح سوى الرفيق صدام حسين أن يبعد الحزب عن قبضة العسكريين، وأزالة خطر الانقلابات المفاجئة.
بعد مرور أيام ثلاثة، لم تكن القيادة لتستطيع أن تنفذ قرارها، بل حتى أن تذيعه، وقد تداولناه على كافة المستويات الحزبية بالأيدي، لم يكن هناك حسم، ربما كان كل طرف ينتظر ما سيقدم عليه الطرف الآخر، يحتمل شيئاً ويستبعد شيئاً آخر. ولكن الحزب والدولة لا يستقيم أمرها على هذا النحو، فأقدم الرفيق حافظ الأسد على الخطوة الأكبر باعتقال عدد من أعضاء القيادة الأمين العام المساعد والرفيق نورالدين الأتاسي الأمين العام ورئيس الدولة، والرفيق فوزي رضا رئيس مكتب التنظيم والاتصال القومي في القيادة القومية، فيما أختفي الرفيق إبراهيم ماخوس، عضو القيادة القومية وزير الخارجية، (وظهر فيما بعد في الجزائر يحل فيها مكرماً بسبب نضاله في حرب الاستقلال) وعدداً من أعضاء القيادة القطرية منهم الرفاق: محمد رباح الطويل، مروان حبش، مصطفى رستم، حديثة مراد، الوليد طالب، محمد عيد عشاوي، وآخرين تم اعتقالهم تدريجياً وكلما بدرت أشارة سلبية من أحدهم، سواء بإدانة الحركة التصحيحية (هكذا أطلق عليها) أو بالعمل ضدها ...
إذن أطلق الرفيق الأسد على انقلابه اسم الحركة، الحركة التصحيحية. وفي البدء لم يكن ليقف إلى جانبه في الحركة سوى الرفيق طلاس رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، وعدد لا يتجاوز ربما أصابع اليد الواحدة من العناصر القيادية المحترمة في الجهاز الحزبي وهي من مرتبة أعضاء قيادات فروع فنازلاً، أي دون مرتبة أعضاء قيادة قطرية، ولكن مع تأييد شبه تام من القوات المسلحة، التي كان يهيمن منذ أمد بعيد عليها بعناصر تكن لشخصه الولاء، وفق القواعد الشخصية والعسكرية وليس الحزبية أو الاخلاقية ..!.
أقدم الرفيق حافظ الأسد على صياغة بيان أذيع من وسائل الإعلام، يعلن فيه قيام حركة تصحيحية، يوجه فيها نقداً أساسياً إلى القيادة السابقة بوصفها ( القيادة المناورة المتسلطة) ويعد بالإصلاح وبأوضاع أفضل، وكنا نتساءل وماذا عن الحزب ؟ .. ولابد من الأنصاف أن تظاهرة بسيطة خرجت في دمشق بقيادة عبد الله الأحمد رئيس اتحاد نقابات العمال وقد أعتقل وتشتت التظاهرة، وقام أحد العراقيين وكان من تنظيمنا العسكري، بإطلاق رصاصة واحدة من مسدسه، قائلاً: "وجدت من الحيف أن ترحل قيادة الحزب دون أطلاق رصاصة ! " .
بيد أن همساً ما أنفك يتعالى، أن هناك قيادة قطرية مؤقتة، ثم أعلن عن تعيين أحمد الخطيب رئيساً للدولة، ثم أعلن الرفيق الأسد رئيساً للوزارة التي تشكلت وضمت عدداً من أعضاء الوزارة السابقة أبرزهم : عبد الحليم خدام الذي كان وزيراً للاقتصاد، فصار وزيراً للخارجية، وسيبقى فيها زمناً طويلاً. أما القيادة القطرية المؤقتة فلم تكن تضم أعضاء قيادة قطرية سابقين، ولكنها على أية حال ضمت عناصر حزبية معروفة مثل: أحمد الخطيب وعبد الحليم خدام وعبد الله الأحمر ومحمود الأيوبي.
كان الأستزلام ظاهرة قد غدت شائعة في الحزب منذ سنوات، كما تحول الحزب إلى مورد رزق وأسترزاق. والبعثيين الذين كانوا مشهورين بصلابتهم قد أرغمتهم الظروف والتقلبات وتعدد مراكز الولاء وغياب قوة النظام الداخلي إلى أن يصبحوا أكثر نعومة من حبة السمسم، وهي عملية كما أسلفنا تدور منذ زمن طويل، ولا تقع مسؤوليتها على الرفيق الأسد لوحده، وبالطبع ليس على الرفيق صلاح جديد، بل أن هذه العملية كانت تدور وتتواصل منذ استلام السلطة في القطرين.
ما هي الأسباب..؟
دون ريب أن الإجابة على مثل هذا السؤال المعقد يستلزم أراء جمهرة من قيادي الحزب، وليدلي كل بدلوه. الحزب باق في قلب الأمة، لأنه ضرورة تاريخية، وضميرها الناطق بأسمها وإرادتها، وإن تعثر المسيرة هنا وهناك، ووجود أخطاء تتخلل النضال الكبير الذي قاده ويقوده الحزب لا يعني إلا أن الحزب ظاهرة صحية، بل ضرورة تاريخية، ولا يعادي الحزب وأهدافه، إلا من يعادي الأمة العربية ومشروعها السياسي والنهضوي التاريخي، أما العثرات والأخطاء والهنات، فهي موجودة، وينبغي أن يتصدى لها البعثيون في مهمة تاريخية من أجل الحزب، وأن لا يدعوا لذلك لأعداء الحزب والأمة فيخلطون السم الزعاف في عسل كلام النصيحة وضرورة الإصلاح، والتصحيح بالتراجع إلى الخلف والتنازل عن مشروع الأمة العربية. الخلل يكمن في أن النظام الداخلي كقانون عمل الحزب، لم يطرأ عليه تطوير حقيقي، والتعديلات كانت دائماً لمصلحة من يهيمن على قدراته دون قراءة مادية لمستلزماته، وهو ما سمح بحدوث مراكز قوى وبؤر تكتل، وبناء مواقع شخصية تلوح الشبهات من بعضها، والخلل يكمن أن مشاريع العمل ومناهج الحزب النظرية لم يكن تجري مناقشات دقيقة لها.
وبأجتماع العلتين : (الخلل القانوني والنظري) أصبح الحزب كالخيمة الكبيرة تجمع تحت ظلالها عسكريون مغامرون، يمينيون، ويساريون، بل وحتى ماركسيون، وفي المراحل اللاحقة انتهازيون ومروجون للشعارات، وقد استلزم العمل لصالح : القائد الضرورة، قائد المسيرة، الرفيق القائد، القائد التاريخي، استلزم منظرين، أو مهرجين، وكتاب بالأجرة المدفوعة، ومن يمتلك قدرة الاقناع، ومن لا يمتلك، المهم أن تخرج الصحف في اليوم التالي وقد غطيت بصور القائد وسكبت الأحبار عليها وها هي أمامك تسمى صحيفة، وكذا كان الأمر في الإذاعة والتلفزيون المملوكة للشعب فتصبح مؤسسة من مؤسسات القائد الضرورة، وكذلك وجود مؤلفي أغاني ومهرجين ومداحين، ومطلقي الهتافات، وهناك دوماً من يبدأ التصفيق لكي يحرج الآخرين، فيماثلوه.... خوفاً أو رياء، حتى أضحى النظام الداخلي ونظرية العمل ورقة لا قيمة لها البتة، بل سلاحاً بيد القائد ورهطه المبارك ضد من يعتقد أنهم خصوم له في الحزب، يعدله متى شاء بإشارة من خنصره لا أكثر...! لم يحدث فرز علمي في الحزب قائم على الموقف الأيديولوجي أو الاجتماعي، بل في الغالب الأعم بناء على العلاقات الشخصية، ودرجة قرب أو بعد الرفيق من هذا الرفيق أو ذاك، ويلعب الحسد، والأحقاد الشخصية دوراً مهماً ....
كانت لدينا معركة التزامات كبيرة في العراق، ومسؤوليات في العديد من الساحات العربية، فالأمر في نهاية المطاف ليس قائماً على اختيار الموقف الأبدع، لم تعد هناك امكانية لمواقف بديعة، بل لمواقف الأكثر فائدة وعملية، لم تكن هذه براغماتية، بقدر ما كان شعور عال بالمسؤولية، فالحكمة في العمل السياسي تتمثل ليس في أختيار الأفضل، فهذه قد يعرفها حتى المبتدؤن، ولكن الحكمة في أختيار أهون الشرين ..!
الرفيق الأسد إذن واجه أوضاع حزبية هذه ملامحها العامة، ولذلك لم يكن نجاحه عسيراً جداً، نعم واجه شيء من الصعوبة، ولكن لم يكن مستحيلاً أن يشكل قيادة من تشكيلات الحزب في القطر السوري، وإن لا بد من الاعتراف أن العناصر المحترمة فيه كانت قليلة، ولكن من يسأل عن الاحترام في هذا اليوم الأسود ..؟
الاحترام مهم عند من يفهم الاحترام ويحترم النضال، ويحترم مبادئ العمل الثوري في النضال الحزبي، ويكن احتراماً للتقاليد الثورية في الحزب ومؤتمراته ابتداء من مؤتمر الفرقة وحتى المؤتمر القومي. كنا نشاهد ونسمع أن أعضاء القيادات خلال النضال السري يتعرضون لأقسى الانتقادات في المؤتمرات، وكانت القيادات تحترم أراء أي رفيق في القاعدة بما في ذلك تلك التي تنطوي على نقد حاد للرفاق المسئولين وأعضاء القيادة، وتلك تقاليد بدأت تتلاشى منذ المؤتمر القومي السادس للحزب والمؤتمر القطري التكميلي للحزب في العراق 11/ 11/ 1963 والمؤتمرات القطرية السورية.
وقد سرت هذه الظواهر المرضية حتى إلى منظمات الحزب في الأقطار التي لا يحكم فيها الحزب كلبنان بدرجة رئيسية، والعراق والأردن / فلسطين، من المؤكد كان العديد من مناضلي الحزب في القيادات والقواعد قد أدركت أن مآل هذا التدهور هو أن يصبح للحزب مكاتب ومتفرغون لإيجاد فرص العمل ليس إلا .. كانت هناك مقاومة لهذا التدهور، ولكن قوة الاندفاع تسحبها نحو الأسفل كانت أقوى من محاولات سيزيفية (عطفاً على أسطورة سيزيف) فيها الكثير من البطولة، ولكن للأسف القليل من النجاح.
كانا نعيش في الوسط السوري، وقد نسجنا العلاقات الرفاقية والنضالية مع الجهاز العسكري للقوات الصاعقة، وحتى بعض العناصر الممتازة في الجيش السوري، وتوصلنا إلى وضع خطة بسيطة ولكنها مضمونة النتائج. ففي الأيام الأولى لاعتقال قيادة الدولة والحزب، شعر الكثير من الرفاق أن الأمر خطير، وأن تجاهل ما يحدث هو أخطر، لذلك لقيت الدعوة بإدانة الحركة، والاستجابة للتحرك وفي المقدمة لدى الضباط الفدائيين كنت على صلة وثيقة بهم، وكان هناك عدد منهم في معسكرات بأطراف دمشق، فدائيون بالمعنى الدقيق للكلمة، وقد دربوا عناصرهم ومقاتليهم على المبادئ الصحيحة للقتال الفدائي، ومن المؤكد أن 100 ـ 120 مقاتل فدائي مع عدد من الضباط الفدائيين الرائعين جاهزين لتنفيذ عملية جريئة في إغارة صاعقة، عملية تعتمد على الجرأة والمباغتة، ووجود وحدات تبدأ العمل بشجاعة وتصميم على مقر قيادة سلاح الطيران حيث يعتقل الرفاق رئيس الدولة وأعضاء القيادتين القطرية والقومية للحزب وإخراجهم، واحتلال مبنى الإذاعة والتلفزيون المجاور، وكان تحقيق هذه الخطة مؤكد بأرجحية عالية جداً.
وكنت ايضاً على صلة برفيق حزبي ممتاز برتبة مقدم يقود أحدى كتائب الدبابات في معسكر قريب من مدينة دمشق، وأكد هذا الرفيق الحزبي استعداده للمشاركة في العملية والتقدم بدباباته إلى دمشق، وقد أختبرت هذا الاستعداد والسيطرة على كتيبة الدبابات (45 / 52 دبابة) حيث أجرى إنذاراً بتحديد ساعة الصفر، وذهبت إلى المعسكر حيث شاهدت الرفيق المقدم قد أخرج الدبابات على الشارع العام، متجهة صوب دمشق، وأبلغته أن المحاولة قد تأجلت، وسوف يتذرع الرفيق المقدم لقادته بأنه أجرى تمريناً على تحرك فجائي.
أخبرت الرفيق أحمد بهذه المعطيات، فأستمع لي بروية، وقال لي ما معناه، أن هؤلاء لا يمكن الاعتماد عليهم، ولكنه بعد أن تأكد من دقة الموقف والحسابات، أخذني ذات ليلة إلى وكر(بيت سري) كان يتخذ منه الرفيق (م.ن) عضو القيادة المكلف بتسيير أمور الحزب مقراً. والتقينا به وطلب مني أحمد أن أشرح له. واجتهدت أن أعرض رأيي والخطة بدقة ووضوح، بعد أن عرضت المقدمات شرحت تفاصيل الإمكانيات، بالطبع دون ذكر الأسماء والوحدات والمعسكرات، ولكن بالقدرة المادية الأكيدة على تنفيذ العملية وتحرير الرفاق في قيادة الدولة والحزب، والشروع بتنفيذ عملية كبرى في دحر الحركة، وكان الجهاز الحزبي لما يزل في غالبيته الساحقة على ولاءها للقيادة الشرعية للدولة والحزب. قاطعني الرفيق المسئول بنفاذ صبر، قائلاً: هكذا أنتم الرفاق العراقيون تعتقدون أن كل شيء ممكن بعمليات كهذه جريئة وعنيفة.. ولاحت على وجه أحمد علامة استياء ويأس، وسأم في الوقت نفسه، وبدوري أنهيت حديثي إلى هذا الحد، واكتفيت بما قلت وبما سمعت، وخرجنا من الوكر صامتين، ولم يبدأ أحمد الحديث إلا بعد فترة، وكنا أو بالاحرى صرنا على قناعة أكبر أن هذه القيادة سوف لن يكون بوسعها قيادة الحزب، وأن القيادة الفعلية لم تكن سوى بضعة أفراد وقد اعتقلتهم الحركة التصحيحية .....!!! أصابتنا الدهشة، وكنا نعتقد أن القيادة سترحب بالعملية، وستناضل وتقاتل من أجل خطها السياسي، وتوقعت لو كان الرفيق صلاح جديد لكان رحب بالعملية، التي لم يكن في الأفق بصيص أمل غيرها... ولكن تلك بالنسبة لي تجربة أخرى ..! أعترف لي الرفيق أحمد أنه كان يتوقع أن الرفيق عضو القيادة سيطلب منه تأجيلها، أو إجراء المزيد من الدراسة، أو حشد طاقات عسكرية وحزبية أكبر للعملية، ولكن موقفه هذا كان مدهشاً فعلاً ويبعث على الاستغراب.
في غضون ذلك، كانت الأوضاع تتطور في دمشق لصالح (الحركة التصحيحية) والرفيق الأسد يدير الأمور بمهارة، وسرعان ما توفر لديه طاقم عمل حزبي لا بأس به، وكان الموقف في البداية ينطوي على بعض التعقيد، بسبب ما تبقى من احترام للشرعية والتقاليد الثورية للعمل الحزبي، وعدا أعضاء قلة من القيادة القومية ورئاسة الدولة، قامت الحركة (التصحيحية) بأعتقال غالبية أعضاء قيادة قطر سوريا، والأردن/ فلسطين وبعض العراقيين، كان الرفيق الأسد يعلم أن هناك خلافاً بين المكتب العسكري وقيادة قطر العراق، ولكنه كان يعلم أيضاً أن المواقف المبدأية الصلبة للبعثيين العراقيين، لذلك أختار الاتصال بعناية بالغة بتنظيمات العراق، وعلى الأرجح كان هناك من ينصحه في هذا المجال، وربما أن أبرز هؤلاء: الرفيق عبد الله الأحمر الذي أصبح من أبرز المتعاونين مع الحركة بالإضافة إلى الرفاق محمد حيدر وعبد الحليم خدام ومحمود الأيوبي، والثلاثة بمستوى أعضاء قيادة فرع. وكان للرفيق الأحمر صلات نضالية على مستوى طيب مع التنظيم العراقي منذ سنوات خلت وكان قد جاء إلى بغداد سراً واختفى في أوكار الحزب ومكث مدة لا أعلم بدقة كم هي، ولكنه يتمتع بسمعة جيدة، وهو على معرفة بخصائص التنظيم العراقي وحدية وجدية مناضليه وخاصة المكتب العسكري.
كان الرفيق الأسد، وليس بالضرورة أن يقوم بذلك شخصياً، قد أتصل بعدد من الرفاق العراقيين وبعضهم بدرجة قيادة قطرية، وتوصل إلى إقناع أحدهم بالعمل معه، بل قل أن ذلك الرفيق كان متهافتاً على العمل، وهو الذي كان مثالاً صارخاً للرفيق المناضل الحزبي الرائع الكادح الذي أفسده الأستزلام والإفساد المتعمد وغير المتعمد، وربما إلى وجود بذرة قد تكون صغيرة جداً ولكنها تكبر إذا استطعمت ومنحت الفرصة لتكبر وتتسع، حتى لتطغي على المناضل في نفسه، مقابل أتساع الانتهازية والاصطفاف مع هذا الخط أو ذاك، أو مع هذا القائد الحزبي أو ذاك، وهناك مثل شهير يقول: الشيطان لا يريد سوى أن لا يفعل الأخيار شيئاً..!
وبالمقابل، كانت هناك مجموعة من مناضلي الحزب، من المراتب القيادية تتشاور في ما يمكن عمله، أحمد العزاوي، باقر ياسين، ياسين أحمد، فوزي الراوي، وربما آخرين. وسرت معادلة لا تخلو من الذكاء تحلل المحرم لتجنب ضرر ومحرم أكبر. القاعدة هي: أننا بوصفنا يساريين، مهمتنا المركزية هي مواصلة صيانة الحزب والنضال ضد السلطة في بغداد، وفي هذا الصدد لم تكن القيادة السابقة معنا قلباً وقالباً، بل كانت تضع عين على تنظيمنا وعين على القيادة المدنية الانتهازية، ثم أنها لم تكن قيادة حزب عمال وفلاحين، كما أن حركة الأسد ليست حركة إقطاعية.. إن الوضعين السابق والحالي ينطويان على أخطاء كبيرة، وأن ما تبقى من القيادة في بيروت ترتكب المزيد من الأخطاء، بما يشير بوضوح وجلاء، أن هذه القيادة سوف لن يكون بوسعها أن تخرج الحزب من الأزمة، والأزمة ليست في حركة حافظ الأسد، بل الأزمة كانت قبل الحركة وما تزال تعشعش في زوايا الحزب.
وتوصل الكادر المتقدم في الحزب الرفاق أعلاه وغيرهم إلى قناعة، أن الحفاظ على تنظيمنا العراقي يقع في أولوية اهتمامنا، وأن لا نكون أداه بيد غيرنا. ماذا بوسعنا أن نقول اليوم بعد مرور حوالي 34 سنة على تلك الأحداث ؟ وقد غاب أبطال تلك الأحداث في معظمهم، ولكن القصة هي كما رويتها للتاريخ وكما جرت. وبتقديري كان بالإمكان قيادة الأمور بطريقة أفضل والتنازل عن الموقف الشخصي لصالح الحزب، ومعارك الحزب القومية، وهي تستحق منا كل تضحية حتى بالحياة ... أعتقد !! وطالما نحن هنا، فأن صحيفة لبنانية كتبت يوماً خبراً: أن الرفيق صلاح جديد كان يعمل مع السوفيت، فما كان من الرفيق الأسد الذي وضع الرفيق صلاح في السجن، إلا أن طلب أن يتم التحقيق مع تلك الصحيفة أن تذكر ما بحوزتها من مستندات وإلا فأنه سيحاسب الصحيفة بشدة، فاعتذرت الصحيفة.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/39344-2019-03-12-12-16-29.html
3400 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع