وأد البطل نهاية جيش وملحمة وطن /الباب الرابع: حرب الأمن الداخلي الفصل السادس: المعركة الأمنية في الزمن الجديد
الوضع الامني
لم تكن فلسفة الاحتلال واضحة في موضوع الامن بالنسبة الى العراقيين المعنيين به، والسياسيين المعنيين بادارة البلاد، وان حاولت دولة الاحتلال جعل خطواته في البداية أو بعض من خطواته الاولى، سعي للسيطرة على الشارع بأي ثمن كان، وجعلها متسقة والامن الامريكي، لغاية تعذر ادراكها، وصعب فهمها، حتى قيل بصددها انه من غير المعقول ان لا يفهم الامريكان ان الامن الذي ينشأ حديثاً، لا بد ان ياخذ من أنشأه بالحسبان:
- الظروف القائمة.
- الاهداف المطلوبة.
- الامكانيات المتاحة.
- طبيعة الانسان العامل فيه.
وهي التي لم يؤخذ اغلبها بالاعتبار.
وقيل ايضاً انه من غير المعقول أن يُنسبّوا، وهم الذين يحكموا البلاد مباشرة في السنة الاولى، لقيادة عموم الاجهزة الامنية والعسكرية والشرطوية اشخاص قفزوا عدة رتب مرة واحدة، ليحتلوا الصدارة في مناصب القيادة، كما حصل لرئاسة اركان الجيش التي نسب لرئاستها عميد، ولقيادة الشرطة العامة التي كلف لقيادتها نقيب شرطة في الاصل متقاعد رقي الى رتبة فريق لا يسمح قانون الخدمة الخاص بالشرطة السابق، الترقية أكثر من رتبة لواء. ولرئاسة المخابرات ضابط لم يعمل من قبل في مجال المخابرات او الاستخبارات. ولادارة الاستخبارات ضباط سياسيين عادوا الى الخدمة بعد ان تركوها من عشرات السنين وهم برتبة ملازمين. ولاشغال باقي المناصب في هيئات الركن ومفاصل القيادة الوسطى شباب خريجون جدد، منحوا درجات وظيفية، دربوا سريعاً على يد أمريكان.
التجاوز على الاحتراف
ان الاحتلال بتعامله مع الامن، قد أخفق في التعامل مع اجهزته المطلوب اعادة تشكيلها، لما يتعلق باعادة البناء متجاوزاً على اهم عنصر هو الاحتراف.
وأخفق في عملية تحقيق الجاهزية، عندما انشئها تشكيلات جديدة بحاجة الى عشرات السنين لتأهيلها بالمستوى الذي تكون فيه قادرة على فرض الضبط، وتحقيق الامن الوقائي كما هو مطلوب.
وأخفق في ارساء قواعد فلسفة أمنية، وايجاد ادارة أمنية مناسبة لمتطلبات فرض الاستقرار في مرحلة اضطراب كانت خطرة.
لقد بقيت ادارة الاحتلال في السنة الاولى متشبثة بالرأي في اختيار القادة والضباط، وتحديد المهام، حتى أكد احد الضباط برتبة لواء ركن متقاعد كان لاجئا في امريكا، وعاد مع جهدها العسكري، مكلف ببعض المهام الخاصة بترشيح واختيار الضباط لبعض المناصب العسكرية المهمة، قائلا: انه قد عارض تنسيب ضابط برتبة عقيد لمنصب ذو اهمية، سبق وان عمل معه في احد الفرق العسكرية للجيش السابق، موضحاً لاعضاء اللجنة ان العقيد ضعيف الشخصية، وغير كفوء، ويشك بنزاهته، وعلى الرغم من هذه المعارضة المدعومة بسند التقييم الفعلي، تم تنسيبه للمنصب باصرار من قبل الامريكي رئيس اللجنة.
لقد انتهت السنة الاولى، واستلمت اول حكومة عراقية مقاليد السلطة باشراف امريكي، وجاءت من بعدها حكومات منتخبة، انتهت في حالتها نظرياً سلطة الرقيب الامريكي، وجميعها استمرت بالتعامل لما يتعلق بموضوع الامن على بقايا تلك الفلسفة الامريكية بالتجاوز على الاحتراف، مضافاً اليها اسلوب الفعل ورد الفعل، لعدم امتلاك المسؤولين السياسيين معرفة فنية مناسبة في هذا المجال، فكان تفاعل لمتغيرات سياسية وادارية ونفسية أسهم نتاجه في عدم القدرة على تكوين سياسة امنية واستخبارية:
- واضحة الرؤيا والاتجاه.
- قادرة على تدارك الخلل الحاصل في مجال التأسيس على الاحتراف.
- كافية للتعامل مع حالة التردي الامني الذي عانت منها بغداد، وبعض مناطق العراق الأخرى بعد عام 2005، حتى امكن القول ان جميع الحكومات التي ادارت شؤون العراق منذ العام 2004 ولغاية 2012 واجهت ازمات حقيقية في موضوع الامن، إلى مستوى انعكس سلباً على مجريات الحياة الداخلية بكافة جوانبها، وعلى علاقات العراق الخارجية إقليمياً ودولياً. وان وضع البلاد المضطرب من عام 2006 – 2008، شكل تهديداً مباشراً للاستقرار، قربها من حافة الحرب الاهلية، وعرضها الى خطر التفتت والتقسيم. وعرض علاقاتها بالجيران وبعض دول العالم الى التصدع.
خطط امنية بديلة
ان جميع تلك الحكومات المتعاقبة، قد نادت بالامن اسبقية اولى في برامجها، وحاولت جادة على تحقيقه عملياً، لكنها لم تنجح بالمستوى المطلوب، لتكوين سياسة امنية ثابتة، ولا قدرة امنية متنامية، وبدلاً منها اتجهت، وتحت ضغط الضرورة الحتمية، وسعة الارهاب الى اعداد خطط أمنية "قتال داخلي" متتالية، كانت آخرها الخطة التي سميت بفرض القانون. لغاية معلنة قوامها ضبط الشارع البغدادي والسيطرة عليه، اساساً لضبط باقي مناطق العراق، واعادة الاستقرار الملائم لانجاح خطط اعادة البناء. واعطاء الانطباع الملائم، عن وضع عراقي مناسب، لعودة العراق الى مكانته السياسية عربياً وعالمياً. وهي الخطة التي نفذت عديد من صفحاتها، بالتنسيق مع الامريكان وقوات متعددة الجنسيات الى عام 2010، السنة التي حصل فيها انسحاب تلك القوات بشكل تام، والتفرد بتطبيق الخطط عراقياً.
إن خطط القتال الامني الداخلي، وخاصة الاخيرة التي أعلن عن قيادتها الفعلية عراقياً، وعن أسبقية تطبيقها في بغداد، وعلى الرغم من الكتمان الذي رافق عملية الإعداد السريع، والمستعجل إلى بعض جوانبها، فإن المتغير الأكثر وضوحاً فيها عن سابقاتها هو الكم الحاصل في عدد الوحدات العسكرية المشاركة في تنفيذها، حيث البداية بما يقارب ثمانية عشر لواءً، مدعومةً بقوات متعددة الجنسيات "دروع، مشاة، قوات خاصة، قوة جوية، طيران سمتي" تتدخل عند الطلب.
المبادئ العامة لخطة القتال الأمني
إن الخطة التي أعلن عن بدئها في الأسبوع الأول من شهر شباط 2007 تأسست على عدة محاور أهمها:
1. تشكيل قيادة عسكرية تحت تسمية قيادة قوات بغداد، وتعيين قائداً لها من الضباط العسكريين المحترفين، يعاونه ضابطان أحدهم من الشرطة.
2. تقسيم بغداد لأغراض الحركات، إلى تسع مناطق يخول قائد كل منطقة صلاحيات واسعة في التعامل الميداني مع متغيرات الأمن، وواقع المعركة في ساحته.
3. التعامل مع كل مناطق بغداد بنفس الفاعلية والاتجاه.
4. العمل على أن يكون السلاح بيد أجهزة الدولة.
5. الرد السريع، والحاسم على كل مصادر النيران دون استثناء.
6. العمل على تنفيذ بعض الإجراءات الاقتصادية، والخدمية تزامناً مع تطبيق الخطة.
7. زيادة عدد القطعات العسكرية، التي يمكن أن تمسك المناطق التي يتم تطهيرها من المسلحين.
8. أن تزيد قوات متعددة الجنسية وحداتها، وتكون مستعدة لتقديم الدعم، والاسناد المطلوب عند الحاجة.
لكن خطة قتال واسعة من هذا النوع، لادارة سياسية تعتبر حديثة بخبرتها في التعامل مع الحالة الامنية، وظروف البلاد غير المستقرة، والتطورات السياسية السلبية التي تهدد امنه الوطني، ومستوى الاحتقان الطائفي في حينه، تؤكد وبما لايقبل الشك، الحاجة إلى إعطاء الأمن أسبقية عالية في جهد الحكومة العام لإدارة الدولة والمجتمع، من خلال تسخير بعض الموارد المالية، والبشرية لدعم جهات التخطيط والتنفيذ من جهة، وإعادة الهيبة والثقة بالنفس والمهنية إلى القوات العسكرية، وقوى الأمن الداخلي القائمة على تنفيذ مفردات الخطة من جهة أخرى، دون التفريط بجهود الحكومة في باقي المجالات، مثل الاقتصاد والخدمات والعلاقات العامة، وغيرها والتي يعزز النجاح فيها الجهود الداعمة للأمن والاستقرار. لان الامن بجميع اجراءاته وخططه المستمرة، لا يمكن ان يتأسس فقط على جهد المنتسب في الشارع، وعلى كفاءة القيادة والسيطرة، في ظروف التداخل في المتغيرات المؤثرة، دون جهد الدولة المنظم في عدة مجالات بينها:
- المتابعة المستمرة لخطط ومشاريع الدولة الاستراتيجية ومحاولة انعاشها، لتكوين فرص عمل تهيئ أجواء مناسبة للامن.
- التقليل من بعض الآثار السلبية، خاصة في مجالات السياسة، ذات الصلة بالحركات والأحزاب والكتل المشاركة بالحكومة، وكذلك غير المشاركة بشقيها المؤيد والمعارض، لغلق بعض منافذ الخرق الامني الآتي من السياسة.
- توثيق العلاقة مع البرلمان سلطة تشريعية، لضغط الزمن المطلوب لتشريع القوانين، والتقليل جهد الامكان من عدم التجانس في الاداء تحت قبته، وعدم إكتمال النصاب والتصويت، التي تعيق عمل الحكومة، وتساعد على حصول الخروق الامنية.
- التوجه صوب الجمهور، للتقليل من اثر التشنج في الولاءات الطائفية، والتمترس في الانتماءات العشائرية المتعددة، التي تنعكس على مواقفهم تأييداً أو رفضاً لهكذا خطط، ومشاريع.
- التقرب من المؤسسة العسكرية والامنية، ومن القائد العسكري، والأمني في الميدان، وكذلك الآمر المباشر، ومن ثم المقاتل في الصفوف الأمامية، في مسعى جاد لضمان حياديته في التعامل مع المناطق المدنية، الموسومة بالانتماء الطائفي المحدد المنتجة للاضطراب الامني.
إعاقة تنفيذ الخطط الامنية
إن القتال المهني المعقول في الشأن الداخلي واجراءاته الميدانية في مجتمع مضطرب مثل العراق حتى 2012، يأتي عادة من تفاعل عدة عوامل اكثرها تأثيرا، عامل القيادة، اذ هي في المجال العسكري والامني عملية إلهام المقاتلين، لأن يقدموا أفضل ما لديهم من اداء لتنفيذ المهام المطلوبة، وتوجيههم للتحرك في الاتجاه السليم، والحصول على أعلى قدر من الإنضباط والدافعية لتحقيق الأهداف. وهي أي القيادة، لا تتحقق فاعليتها في المجال المذكور بطبيعة الحال، إلا من خلال مكّون منظم تحميه عدد من المبادئ، أهمها وحدة القيادة، وتخويل الصلاحيات المناسبة لحجم المسؤوليات، لكل مستوى من مستوياتها، وفق تراتب هرمي لإصدار وتنفيذ الأوامر من أعلى سلطة قرار" القائد العام" إلى الجندي أو الشرطي في الحضيرة، والمفرزة في القوات المسلحة التي تأثرت سلباً خلال عملية انهيار النظام العام للدولة، ومؤسساتها العسكرية والأمنية، ومن بعده خلال عملية اعادة البناء من جديد، بعد أن واجهت هذه العملية الهامة، الكثير من المعوقات التي حالت دون تأمين تلك المكونات، بينها:
1. القصور في موضوع الانسيابية المطلوبة، لأصدار الأوامر وتنفيذها، إذ يلاحظ وفي عدة مناسبات القيام بإصدار بعض الأوامر، ومن ثم اللجوء إلى إلغائها بعد فترة قليلة من الشروع بالتنفيذ، الأمر الذي أثر سلباً على جهة إصدار القرار، وعزز في عقول المتلقين العراقيين في الداخل والمراقبين العرب والأجانب، والأمريكان في الخارج الشك بقدرة القيادة على حسم الشؤون القتالية، والأمنية.
2. التردد وعدم الميل الى المجازفة، ميدانياً لما يتعلق بالتنفيذ السريع، والجدّيْ لبعض الأوامر الصادرة لإحتمالات إلغائها لاحقاً.
3. الانحياز الميداني "احايانا" إلى جهة دون أخرى في توجيه العقاب.
4. الافتقار إلى الفرز، والدراية المهنية في عملية صياغة، وأصدار القرار الأمني، بعد أن تداخلت في الشارع العراقي أصول، وتوجهات للاضطراب تفوق في تعقيداتها قدرة الأجهزة العسكرية والأمنية على المتابعة والاستيعاب مثل الارهاب الدولي المنظم من الخارج بأصوله الإسلامية، وتوجهاته العالمية، المتعاون طائفياً مع أطراف وقواعد في الداخل. والتحرك الإقليمي المبرمج بأصوله الإسلامية، ونواياه السياسية، المتعاونة طائفياً، وسياسيا مع جماعات وكتل وتيارات في الداخل.
5. المقاومة الفعلية التي تحاول أن تجد لها فسحة تأثير في الداخل، ودعم من أبناء الداخل، والخارج على حد سواء.
6. العصابات التي تنتشر في المناطق، والأحياء السكنية التي تعمل كمقاول ثانوي لجماعات ومنظمات، وأحزاب لتحقيق الأهداف المرسومة في الخارج، والمطلوب تحقيها في الداخل.
7. الاحتقان والتطرف الطائفي المدعوم من الخارج، والمقبول عند البعض من الجماعات والأفراد في الداخل.
8. الثأر العشائري، والانتقام الفردي، المغروس في الذات الإنسانية العراقية.
9. الفساد الذي يسهل عمليات الاخلال بالأمن، ويعيق اتجاهات التنفيذ أحيانا.
10. التحرك الحزبي لمد النفوذ، والإثراء من قبل المعنيين بالحكم، والمشاركين فيه. والاتكاء على العمل المليشياتي المدعوم من الخارج، والداخل.
12. انتقال بعض اضطرابات السلوك القيادي الميداني، من الزمن السابق الى الزمن الحالي، اذ يلاحظ، وبعد التقلبات التي حدثت بعد عام 2003، والقصور الحاصل في عملية أختيار وتصنيف المفاصل القيادية العليا في الجيش، والشرطة من ناحيتي الكفاءة والإخلاص، وعودة الكثير من الضباط، والمراتب إلى الخدمة بدعوى الاستفادة، وما يحملونه من تبعات التجاوز على معايير القيادة، وغياب القانون عامل في الردع. تعزز عند العديد من القادة بكافة المستويات سلوك اللا ابالية، يحسبون على اساسه ما يصدر لهم، وما يكلفون به مجرد أوامر عابرة. ويعدّونَ تواجدهم بالأيام التي تقربهم من نهاية شهر، يضمنون فيه رواتبهم، ومستحقاتهم دون أية مشاكل تذكر. وهذا سلوك مخل اعاق التنفيذ المفروض للمهام، قوامه عند الكثير من المستويات القيادية:
آ. تأجيل البت بالأوامر المطلوب البت بها، إلى أطول فترة زمنية.
ب. السعي إلى تشكيل اللجان، وإن كان المطلوب تنفيذه يقع ضمن الصلاحيات.
ج. أضافة العديد من المفاصل لضمان موافقتها على الإجراءات المطلوب تنفيذها.
د. إعادة النظر بالقرارات والأوامر الصادرة، وألغاء بعضها، وتفعيل أخرى بضوء معيار الفائدة، والضرر المحتمل.
ه. التقوقع في المكان، والإحاطة بأشخاص يحاول القائد أو المعني تحميلهم المسئولية، ويحاولون هم تحقيق أكبر قدر من الفائدة.
و. محاولة الاتكاء على جهة سياسية أو دينية فاعلة ــ الاستناد على ظهر قوي ــ يقدم الحماية المطلوبة لقاء التدخل اللازم لتأمين غايات خاصة.
ز. غياب التفاعل الذي يفترض أن يكون موجوداً، بين القيادات المنفذة لخطط القتال الامني، والدوائر الأخرى في الدفاع والداخلية، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن العسكر في قتالهم لأعتبارات أمنية في شوارع المدينة أو لأغراض الدفاع عن حدود البلاد يعتمدون في العموم على الجندي حامل البندقية في مجموعته بالخطوط الأمامية الذي يتعامل مع العدو القريب، والأرض المسيطر عليها. وعلى العشرات من الصنوف الساندة، والخدمية الذين يقدمون له الدعم الإداري، والتعزيز الطبي والمعنوي في العمق. وهذا مالم يلاحظ في القتال الذي يدور في شوارع بغداد، ومدن العراق الأخرى إبان تنفيذ الخطط الأمنية أو في الأوقات الأخرى الذي يحتم الموقف قتالاً خلالها، وعلى العكس من ذلك لوحظ في بعض الاحيان ان دوائر ومديريات الوزارتين" مع بعض الاستثناءات" تحس انها بعيدة عن مجريات القتال الدائر، خلال تنفيذ الخطط أو بعدها، بل ولا يهتم البعض بوجودها كأعمال قتال، حيث الدوام غير المنتظم لقسم من مدرائها، والبطء في تنفيذ إلتزاماتها، والإعاقة العمدية أو النفسية لمجريات عملها.
ح. مصاعب انتاج القرار الخاص بالقتال، حيث التحسب الضروري لآراء الجهات السياسية الواقفة بالضد، والجهات الاقليمية الواقفة مع او بالضد.
ط. الاضطرابات الاجتماعية التي أصيبت بها القيادات العسكرية، والأمنية الميدانية المخلة بسبل التنفيذ.
ي. يضاف إليها التدخل السافر للكتل، والحركات السياسية والدينية في شؤون القادة والآمرين أختياراً، وتوجيهاً. عوامل حالت دون التنفيذ الصحيح لاوامر القتال.
القدرة التنفيذية
أعتاد العسكر ومسؤولي الاجهزة الامنية خلال فترة ثمانينات، وتسعينات القرن الماضي وضع تقييماتهم للقدرة على تنفيذ المهام "القدرة القتالية" بشكل مكتوب أي على الورق، من خلال الأرقام التي يحتفظون بها لموجود الاشخاص الكلي، والأسلحة، والمعدات مع عدم التطرق إلا في قليل من الحالات الإيجابية إلى العوامل النفسية ذات الصلة بالدافعية، والمعنويات وغيرها خشية من الأعلى أن يفسرها عوامل فكرية أو أيديولوجية تقلل من قيمة النظام، حتى اصبحت من كثر ممارستها عادات صاحبت الكثير من الضباط وهم ينتقلون بخبراتهم، وتحصيلهم من الزمن السابق الى الزمن الجديد، فكونت حالة اخلال بتقييم القدرة التنفيذية الاساسية من ناحية، وبتحديد الحاجة الفعلية للتعامل مع الهدف المطلوب، التعامل معه عسكرياً وامنياً من ناحية ثانية. انها تقييمات مبالغ فيها بالارقام، قبلها القادة السياسيون آنذاك، لجوع في داخلهم إلى المبالغة والتعظيم. ويتجه الى قبولها بعض القادة الجدد ما بعد التغيير لنقص في المعلومات العسكرية، وقصور معرفي باساليب التعامل مع العسكر والاجهزة الامنية.
ان التقدير الحاصل لمستوى التنفيذ والاداء القتالي لمرحلة ما بعد التغيير، كان كيفياً، تنقصه الدقة في بعض الاحيان، كما هو للمرحلة السابقة، زادته إضطراباً عوامل ومتغيرات مثل:
1. التطويع الاضطراري الكيفي. لقد توجهت قوات الاحتلال بداية لتطويع المنتسبين الى الجيش، والشرطة دون ضوابط، الى مستوى قبول عدد من المجرمين، والخارجين على القانون، والمغامرين، مما مهد إلى تكوين عصابات داخل المؤسسة العسكرية، والأمنية ترتبط مع أخرى خارجها، اخذت على عاتقها، إعاقة تنفيذ بعض المهام أو حرفها لأغراض خاصة. وكونت بؤر فاسدة تمتلك قدرة على التأثير في محيطها عملها الأمني، والعسكري يمكن استغلالها من قبل الغير، والتأثير عليها بالاتجاه المطلوب. فاسهمت بتقليل قيمة المؤسستين عند العموم من أبناء المجتمع العراقي، وعززت من حالة عدم التعاون المفروض بين الطرفين لصالح فرض الأمن والاستقرار.
2. الرغبة في العيش، والارتزاق. التحق غالبية المنتسبين "الوجبات الاولى" الى وظائفهم العسكرية بداية التشكيل، وفي تفكيرهم هم العيش، وكيفية الاستفادة من المهنة لاغراض العبور الى واقع معاشي احسن، فكونوا صيغ تطوع الى الخدمة العسكرية، والأمنية لم يكن في ثناياها، قدر من الرغبة في تحقيق الذات المهنية، أو الميل لتحقيق رفعة العراق من الناحية الوطنية، فخسرت الوحدة والمؤسسة عنصر الدافعية كأحد عوامل حساب القدرة القتالية. وشاع بسببها سعي محموم للكسب، والتحصيل بين بعض القادة والآمرين، دفع إلى أستغلال قسم من المقاتلين، لأغراضهم الخاصة خارج معسكراتهم، ودوائرهم أو تسجيل أسماء وهمية تُحسب جميعها على الموجود الكلي الذي يشوه نتائج التقدير عند الأخذ به معيارا وحيدا لذلك.
3. الانحياز السياسي. مع تلك الانواع السلبية للسلوك، توجهت كتل واحزاب سياسية الى التوسط عند الجهات العسكرية المعنية والضغط عليها من اجل قبول المنتمين اليها في وحداتها ودوراتها وكلياتها العسكرية والأمنية، بهدف اعطاء رسالة نفعية إلى الآخرين، تدفعهم الى التقرب من الكتلة والحزب، عن طريق إغرائهم بفرص التعيين، فتسبب بوجود أشخاص في الخدمة غير لائقين لأدائها صحياً وعمرياً، يُحسبون على الموجود وأدائهم يقترب من الصفر، إن لم يكن معوقاً من الناحية العملية. وتسبب في حصول خروق أمنية، قوامها وكلاء رسميين لبعض فروع السياسة، والجهات الأجنبية، داخل المؤسسة، يُسَربون المعلومات وكل التحركات، والنوايا، والأهداف، وينقلبون بالضد من وحداتهم، وقياداتهم في حال حصول مواجهة عسكرية مع أطرافها، وأمتداداتها السياسية، والطائفية أو يَخلونَ الساحة، عند المواجهة فيتركون فراغاً قتالياً أو يقفون على الحياد دون حراك يذكر، في أحسن الأحوال الضبطية، فيصبحون في كل الأحوال، خارج القدرة القتالية المحسوبة نظريا.
4. التعامل الرضائي. كان هناك في بداية المشوار توجهاً من قبل السلطة إلى التعامل مع العشائر والمدن والأقوام، تعاملاً يتأسس على معيار كسب الرضا والتأييد شعبياً، على حساب المعايير الوطنية، والعسكرية في إعداد وتنشئة المؤسستين الامنية والعسكرية، مما أدى إلى وجود قوات عسكرية نظامية بقيادة وهيئة ركن، ومنتسبين غالبيتهم من الأكراد، تحصل على دعمها الإداري والمالي، والتسليحي من وزارة الدفاع، وعلى أوامر الحركات من حكومة كردستان. وكذلك تشكيل فرق، وألوية، ووحدات من عشائر عربية مختلفة، ومدن محددة أقتنع منتسبوها أن عملهم العسكري مقتصر على مناطقها الجغرافية. واقع حال، أضاف أعباء على القيادة العسكرية العليا عند الأمر بتحريكها وحدات لأغراض القتال، حيث التهديد المفتعل من بعض المنتسبين بترك الخدمة أو التمرد عليها. ودفع الى سيطرة الحكومات المحلية على بعض الفرق والتشكيلات العسكرية، في الجنوب العراقي على وجه الخصوص في ظروف، بات فيها الميل إلى الاستقلال في القرار السياسي عند اهل الاقليم والمحافظة واضحاً، وباتت فيها المشاكل التي تنتجها الاطراف الى المركز واضحة ايضاً. وبالنتيجة اصبحت الترضية اسلوب إعاقة، لما يتعلق بمساعي الحكومة لقيادة قواتها العسكرية والأمنية مركزياً، وبالشكل الذي يسمح لها بالرد الحاسم في الزمان والمكان المحددين. وأسلوب لتسجيل مثلبة ضعف في سجلها القيادي، لا يقبله المجتمع المؤيد لها، الداعم لوجودها. وفراغ استغله الخصم غير الراض عنها، الساعي لافشالها، وجه من بين ثناياه الاتهام لها بالتفرد والسيطرة على القوات المسلحة، مع كل محاولة اتخذتها للتمتع بحقها الدستوري في القيادة والسيطرة.
التدريب في حساب القدرة
إذا ما أخذنا التدريب الخاص بالعسكري ورجل الامن، كأحد عناصر تعزيز القدرة القتالية، نجده في الجيش والمؤسسة الامنية، وإن حصل على قوة دفع معقولة من قبل قوات الاحتلال في بداية التشكيل، وبعد فترة من بدايته حيث السعي إلى تدريب أعداد كبيرة من متطوعي أفراد الشرطة في مركز تدريب دولي بالأردن يعد مثالياً من حيث شروط التدريب الفنية بالمقارنة مع ما موجود في داخل العراق. وإرسال ضباط وضباط صف وجنود إلى دول غربية، وأمريكا للتدريب في دورات مكثفة. وفتح دورات لمنتسبي الجيش والاجهزة الامنية، ومدها بالمدربين الجيدين، والمستشارين في معسكرات اعدت في الداخل. ومع هذا بقيت العملية التدريبية ناقصة، لا تتمكن من تغطية الحاجة الفعلية إلى إعادة البناء والتطوير، نظرا للإفتقار إلى عقيدة ينبثق منها التدريب العام للقوات المسلحة، وإستراتيجية أمنية يتأسس عليها التدريب الخاص بالاجهزة الامنية، الامر الذي جعل التدريب في السني الاولى التي اعقبت التغيير على أقل تقدير، عاجز عن سد الحاجة إلى بعض المهارات القتالية والاستخبارية، التي تتعامل مع واقع القتال الداخلي في المدينة، وجعلته يرتكز فقط على الجوانب الفنية لأستخدام الأرض والسلاح، دون أن يتناول مسائل تتعلق بالضبط، ورفع المعنويات، والتعامل مع الجمهور في ساحة المعركة التي يشكل غيابها خللا، يفوق في تأثيره على الأداء القتالي الداخلي، القصور في الجوانب الفنية التي لا يشكو منها المقاتل العراقي، حامل الخبرات غير القليلة، في هذا المجال.
ان الافتقار الى الرؤيا الاستراتيجية امتدت لتشمل السياسة، خلل رافق الانتقال الى النظام الديمقراطي الجديد، وبدلاً منها تكونت لدى الحكومات التي أعقبت التغيير اهتمامات وأهداف سياسية متعددة، تبعاً لأعداد المكونات الإجتماعية غير المتجانسة، أثرت على نهج وسبل تدريب وإعداد القوات العسكرية والامنية، حتى أنتجت أداءً أقتصر في معظمه أو في أعلى مستوياته على استخدام السلاح الخفيف، وهذا بطبيعة الحال لم يكن كافياً لمقاتلة خصم في الداخل، أمتلك اسلحة فاقت المستوى الخفيف في بعض الاحيان. هذا ويمكن التأكيد والى عام 2012 على وجود نواقص وأوجه قصور واضحة المعالم في مرتكزات التدريب العامة، والخاصة تتمثل في عدم وجود منظومة تدريب حقيقية، ومتكاملة أبتداءً من المستوى الأعلى للقوات، نزولاً الى الوحدات القتالية الاصغر. يقابلها وجود نقص في قاعدة التدريب المادية والبشرية، لما يتعلق بالمشرفين والمبرمجين والمدربين والثكنات والمراكز والمستودعات التدريبية، وساحات وميادين التدريب الداخلية الصغيرة والكبيرة، ووسائل الايضاح المختلفة، والمدربات والمشبهات حسب المستويات المطلوبة.
انها عوامل خلل واضحة المعالم في مسألة تحديد، وتقييم القدرة القتالية الفعلية للوحدات العسكرية والتنفيذية، للأجهزة العسكرية والامنية التي تنفذ مهام القتال الداخلي، خاصة ما يتعلق منها بالأرقام المقدمة غير الصحيحة، أي الوهمية التي وضعت عراقيل أمام القيادة العامة للقوات المسلحة لتقدير الحاجة الفعلية لمعالجة الأهداف المطلوبة، ومهدت إلى إضافة عوامل وهن أخرى في مجال التنفيذ، تتعلق بالضعف العام في الدافعية، والمعنويات. هذا وإذا ما وضعت معها عوامل مثل:
1. الاستغلال، وخيانة الامانة، المحتمل وجودهما بنسب غير قليلة.
2. العلاقات غير السوية لبعض القادة والأمرين، والمقاتلين مع جهات خارج الدوائر والثكنات.
3. ثقل التأثير الجانبي للجماعة البعيدة عن الحكومة من الطائفة، والعشيرة، والحزب.
4. الشك بكل فعل يتم، وتوجيه الاتهام لكل من يصدر أمر مهم.
فستكون لدينا قائمة طويلة من عوامل التأثير السلبي على القدرة القتالية والاداء التنفيذي الامني أو بما يعني، إستنزاف لمكوناتها قبل حصول المواجهة الفعلية التي تحتاج إلى قدرة قتالية عالية، وجاهزية لا تقل عنها بأي حال من الأحوال.
ان عدم ملائمة التدريب بكافة مستوياته الفنية، والنفسية، لما كان يجري في ساحة المعركة الداخلية اضاف أعباء على التقدير الصحيح للقدرة القتالية، واسهم بشكل مباشر في وضع عراقيل أمام التفوق الموقفي الحاسم على خصم، كان في بداية المواجهة قد امتلك دافعية عالية للقتال من أجل معتقدات دينية، أو أهداف طائفية، أو حتى مصالح ذاتية.
الجهد المعلوماتي في القتال الداخي
إن الأجهزة الأمنية، التي حُلت، قد أعيد تنظيم بعضها، على نفس الاعتبارات التي اتخذت، فيما يتعلق باعادة باقي افرع القوات المسلحة، مع التركيز على الالتزام بضوابط الاجتثاث "باستثناء المخابرات الى عام 2010" فجاءت المحصلة خليطاً غير متجانساً من الخبرات، والتوجهات، والأهداف السياسية والظروف السائدة، ومن الحاجة، والنوايا، والمساعي، والرغبات الخاصة بالقوى السياسية المشاركة بالحكم، التي أرادتها "وان لم تعلن عنها"، تشكيلات بعيدة عن القدرة على التأثير بالأحداث بسبب:
1. ارهاصات الماضي. في التعامل مع الاجهزة الامنية، خاصة وان بعض القادة السياسيين المشاركين في الحكم قد مروا أوعوائلهم، بخبرات سلبية مثل السجن والتعذيب، في الأجهزة الأمنية والاستخبارية إبان حكم صدام، وتلك خبرات كونت عند غالبيتهم ردود فعل سلبية، قوامها المقت الشديد للعمل الامني، وبالمستوى الذي اثر سلباً على مواقف الاستفادة من الخبرات السابقة في هذا المجال الحيوي، وإن أقتضت الحاجة المؤقتة على أقل تقدير. وعلى إمكانية دعم الحكومة، لإنشاء أجهزة أستخبارية مهنية محايدة، تتمتع بسلطات مناسبة، تؤهلها القيام بمهامها الصحيحة.
2. الرغبة في تحقيق المكاسب. كان هناك في بداية المشوار رغبات قوية عند البعض من الاحزاب، لتعزيز وجودها في مؤسسات الدولة، وتعزيز من هذا النوع، يتم بسهولة في غياب الجهد الامني الاستخباري المنظم. اي يكون اسهل خارج قدرة تلك الأجهزة على المنع والتأثير. لان من صلب عملها ان ترصد الخطأ، وتقترح الصح، وكانت البداية مرحلة لم تتحمل اجراءات الرصد والتقويم التي عادة ما ترافق اي عمل، وكأن الجميع في سباق لبناء ذواتهم الحزبية الخاصة، قبل التفكير ببناء العراق، وطنا قائما للجميع.
فاعلية الاحزاب المشاركة
لقد شهدت البداية تسمية بريمر مجموعة من الأحزاب والحركات السياسية المعارضة لنظام صدام بالفاعلة، وبضوء تسميتها هذه، قسم الوظائف العليا في دوائر الدولة، ومؤسساتها، حصصاً بينها، بميزان نسبي، فتح الشهية عند البعض منها إلى توسيع الحصة أملاً في زيادة النفوذ، وكسب الدعم المادي والجماهيري. انها شهية نفسية، لا يمكن أن تُشبع كما هو مطلوب بوجود اجهزة امنية فاعلة، ومؤثرة مهنياً، وبنتيجة السير في هذا الطريق تم انتاج سلوك حزبي قوامه:
1. أهتمامات خارج الحدود. ان توسيع الحصة، لاشباع الشهية، لدى بعض القوى السياسية الفاعلة، استوجب منها التمدد الى خارج الحدود العراقية على حساب الأمن الوطني الذي تتطلبه ظروف القتال التصارعي، فالقائمة العراقية المشاركة بالحصة الحكومية، والى عام 2012 على سبيل المثال، تجتمع في الغالب خارج العراق، ويتصل جل قادتها علناً بدول عربية واجنبية، وتلجأ في التعامل مع اي مشكلة في الداخل الى تدويلها. وكذلك الحال لغالبية الأحزاب والكتل الأخرى، التي لا تقل انشطتها عن العراقية في مجال العلاقة والاتصال بالخارج.
2. تكوين علاقات رسمية بجهات مخابراتية اجنبية. لقد كانت البداية فوضى قتال، وتوجهات عشوائية لتكوين علاقات أختلطت فيها الاوراق الخارجية بالداخلية، وتداخلت فيها الاهداف بالرغبات، واتسعت رقعة الامتدادات الخارجية الى الداخل، فتكونت اثرها علاقات رسمية مباشرة تفوق حدود التنسيق والتعاون لبعض الاجهزة، بالمخابرات المركزية الأمريكية الى عام الانسحاب 2010 لا ترعاها الحكومة. بينما بقيت الاجهزة الاخرى تعمل جاهدة بقوة دفع ذاتية، لا يرعاها الامريكان، فتبعثر الجهد الامني الاستخباري، وخسرت بسببه الدولة التي تقود المعركة الداخلية مبدأ حشد الجهد الاستخباري المطلوب لتفوقها على الخصم المدعوم من اكثر من جهة استخبارية اقليمية.
3. بطئ النمو المهني. ان قوة الدفع الميسورة لبداية التشكيل، لم تكن كافية لتقوية البنية المهنية لهذه الاجهزة، وجهود الاعاقة الحاصلة في جوانب الادارة، اصابت عموم الاجهزة بالضعف وبطئ النمو المهني الـلازم للتعامل مـع إتجاهات الخلل الموجودة فـي الأمن. إذ أن الملاحظ، وخلال فترة الست سنوات الاولى التي اعقبت التغيير، أن مستوى الاداء العام لعمومها يقيم كالآتي:
آ. لم تستطع أن تكون خبرات تلبي رغبة الحكومة، لملء الفراغ الأمني، وتأمين الجهد الاستخباري اللازم لمقاتلة الإرهاب.
ب. ارتكاب أخطاء، باتت تتكرر في مسألتي الإختيار، لإشغال المناصب الاستخبارية، والإيفاد إلى الخارج لتأهيل المنتسبين إلى أشغال أخرى، وكذلك في توزيع المهام.
ج. شحة التخصيصات المالية الاستخبارية، وإعاقة خطوات الصرف بالقدر الذي أضعفت عملية التجنيد الاستخباري، وتجميع المعلومات على أسس مادية، ذات الفاعلية الأعلى في المجتمع العراقي. حتى لوحظ خلال السني الاولى، عدم وجود ميزانية خاصة بالعمل الاستخباري، تحت تصرف المدير المخول بالصرف، لدى الأجهزة الأمنية، " باستثناء المخابرات"، وبدلاً منها تم التعامل مع الموضوع عن طريق السلف التي تتطلب موافقة الوزير المختص على تخصيصها، وهي في المؤسسة العسكرية بين الاعوام 2006 – 2010 على وجه الخصوص من أعقد المعاملات، بحجة الحد من الفساد عن طريق إكثار المفاصل المطلوب موافقتها والتدقيق فيها قبل الصرف، عليه يجد المدير في كثير من الأحيان حرجاً، وتأخيراً في الوقت المطلوب لمنح المكافئات لأغراض جمع المعلومات، وتحديد التخصيصات لأغراض التجنيد، وهذا ما لم يكن موجوداً في أي جهاز أمني في العراق السابق، وباقي دول العام.
5. التلكؤ في تحديد الاولويات. ان التحاصص، والتسابق للتغلغل داخل الاجهزة الامنية من قبل بعض الجهات الحزبية المبين سابقاً، جعل بعض تحركات هذه الاجهزة في مجال التحليل والاستنتاج ومن ثم تحديد الأولويات مُقيّد وصعب، وجعل الأهداف "عماد إنتاج الاستخبارات" بالنسبة إلى العديد من مفاصل تلك الأجهزة مرهون بالانتماء الطائفي، والقومي، مع بعض الانحراف القصدي احياناً في قضايا التحقيق الامني، والتحليل الاستخباري"خلل الانحياز التحليلي" تبعاً للاصول القومية والطائفية، فالضابط الكردي يحاول تجاوز ذكر اية تهديدات تأتي من كردستان، وكذلك يفعل الشيعي والسني، لما يتعلق بمناطقهما او بما له صلة بالارتباطات الطائفية بالخارج. خللٌ، قلل مع عوامل خلل اخرى من فاعلية الأجهزة الامنية، وقيد من قدرتها على التحرك في جميع المواقف والظروف.
6. ضعف التأثير في صياغة القرار. ان الوهن والقيد والانحياز، اضعف تلك الاجهزة، وحرمها من فاعلية التأثير المفروض وجوده استخبارياً في صياغة وإعداد القرار السياسي والأمني. وأكثر من هذا، الغاه في كثير من الأحيان، وبسببه خسرت الحكومة مصدراً، يعد من بين أهم المصادر في تعاملها مع عموم الأحداث، وبينها الجانب الأمني وحتى السياسي.
ان الضعف الحاصل على التأثير في المحيط، لم تتوقف سلبيته على المستويات العليا للحكومة، أي مجلس الوزراء، والقيادة العامة للقوات المسلحة، بعد ان أمتد عن طريق العدوى، والتقليد إلى الأجهزة التنفيذية للجيش، والشرطة التي تعودت بسببه، والقصور في مجال الإعداد والتأهيل عدم الاستجابة إلى الكثير من رسائل التحذير الأمنية التي تصدرها الأجهزة الاستخبارية، وعدم التقيد أو الأخذ بالمعلومات، التي ترسلها عن الأشخاص، والجماعات في أحيان ليست قليلة، والأكثر من هذا، أن المعنين بوضع الخطط الأمنية الأولى، والثانية وإلى حد ما الثالثة، كانوا يعلنون عن بدء الشروع بخططهم، قبل وصول التقارير الاستخبارية التي يفترض ان يستندوا إليها في تقديرات الموقف. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فان هذا النوع من الحرمان الحكومي قد ارتد عليها، اي انعكس سلباً على وضعها وعلى الدعم الحكومي لاعمالها، وعلى قدرة مراجعها في حسم ملفات ذات اهمية كبيرة في عملها، مثل التوزيع المهني للمهام الأمنية والاستخبارية فيما بينها. والالتزام بالرأي الامني في التنسيب لبعض المناصب الحساسة، وغيرها مهام لا يمكن الاستغناء عن تنفيذها في الدولة دون الراي الامني.
7. قلة المعلومات الامنية. لم تكن لدى غالبية الاجهزة الامنية الاستخبارية للسنوات الست الاولى من تشكيلها، باستثناء المخابرات، قاعدة معلومات أمنية ملائمة. اذ تبين الوقائع انها لم تمتلك حتى عام 2009 المعلومات اللازمة عن المنتسبين من العسكريين، والمدنيين مع بعض الاستثناءات البسيطة. وبسببها وضعف الاداء لم تستطع هذه الأجهزة الحد من تسلل العديد من المجرمين، وأفراد العصابات، والمنتمين الى قوى سياسية، ومليشيات حزبية، وطائفية إلى وحدات الجيش والمؤسسة الامنية. كما يتبين انها لا تمتلك آرشيف دقيق للمعلومات المطلوبة عن المتطرفين، والمشكوك بهم من بين الجمهور الواسع، جعل بعضهم يتجول ويعمل بالضد من الدولة بسهولة غير معهودة.
التأثيرات المعكوسة
إن ضعف تأثير الأجهزة الأمنية، في معركة داخلية "نفسية استخبارية" قوامها تحدي الخصم، والتحرك في ساحته المتداخلة لكسب المؤيدين، والمتعاونين ومن ثم المشاركين الداعمين لمشروعه في مقاتلة الدولة، أسهم في التلكؤ الخاص بتنفيذ مشاريع الدولة لتحقيق الأمن والاستقرار، واعاق خطوات البناء. كما إن قلة الكفاءة الامنية الاستخبارية، التي اثرت على وضع الخطط الأمنية، وتقديرات المواقف الاستخبارية، ودقة التنفيذ المهني، امتدت تأثيراتها معكوسة الى العدو في ساحة المعركة المتداخلة المعقدة. اذ اسس "العدو" على حالة الضعف خصوصاً للاعوام 2004- 2010 مجالاً الى التحرك بحرية أكبر، كون في المحصلة نوعاً من التحدي اسهم في إيجاد مزيد من الصعوبات أمام الحكومة في تطبيقق خططها الخاصة بحسم القتال بالوقت الذي تريد. من ما ورد أعلاه، وبالنظر الى التطور الحاصل في فاعلية عموم الاجهزة الامنية والاستخبارية، قريباً من عام 2012 يتبين ان الحكم على ضعفها وقوتها، ليس سهلاً، لانها جميعاً تشكلت حديثاً، ما زالت تنمو، وبذا سيكون التقييم او الحكم المنصف، وفي ظروف تشكيل وقتال صعبة، بحاجة الى المزيد من التدقيق.
معاضل التسليح لقتال داخلي
كانت هناك معظلة تسليح، قد واجهت المؤسسة العسكرية، والأمنية العراقية في قتالهما الداخلي، لبعضها علاقة بالسيادة الوطنية، إذ والى عام 2010 كانت قوات متعددة الجنسيات، تمتلك السلطة الفعلية على تحرك القوات العراقية في عموم الساحة الداخلية، وكذلك على خطط تسليحها وتجهيزها. وضع سياسي امني كون حالاً حرجاً وان كان مؤقتا، قوامه:
1. عدم اتساق السلاح ومهام القتال. ان ضيق منافذ التسليح، وعدم امكانية السيطرة على سلاح الجيش السابق، جعل تسليح الجندي في الميدان لا ينسجم وطبيعة مهامه في القتال داخل المدن، وجعل الاستنتاجات الآتية من تكرار حوادث الاختراق الامني، تذهب باتجاه يؤشر وكأن ادارة الاحتلال:
آ. قد وضعت قيوداً غير مكتوبة على التعاقد لشراء السلاح المتوسط والثقيل.
ب. اعاقت إمكانية الاستفادة من سلاح الجيش العراقي القديم، بعد أن غضت الطرف عن تهريب قسم منه، وتدمير القسم الآخر.
ج. لم تبادر للحصول على السلاح الملائم من الخزين الأمريكي الذي تم ايجاده في العراق والمنطقة.
د. وجود خطط او توجهات للحيلولة دون قيام وحدات من هذا الجيش الجديد للمشاركة في القتال بالضد من قوات متعددة الجنسيات.
مؤشرات، افضى وجودها إلى تفوق سلاح الخصم نسبياً في ميدان المعركة الداخلية، بداية القتال وخلال السنوات الثلاث الاولى لحصوله، من حيث العيار، والنوعية، والحداثة حتى كّون بين المنتسبين في حينها، شكا في أهداف المعركة، وما مطلوب تحقيقه بشكل عام. تسبب في وجود خلل في جوانب الثقة بالنفس، والسلاح اللازمة لإدامة القتال، وأثر سلباً على مستوى الدافعية في القتال. واعطى في ذات الوقت المجال ملموساً لتضخيم صورة الخصم في الذاكرة القريبة، لبعض المقاتلين أثرت، أي الصور المضخمة على مستوى أدائهم القتالي في الميدان.
2. مصاعب الحصول على الدعم السريع. اقتصرت عمليات الرصد والمراقبة، والمتابعة الالكترونية، وكذلك الاستطلاع، والدعم الجوي على قوات متعددة الجنسية لغاية عام 2010، مما تسبب في حرمان الوحدات والوحدات الفرعية في كثير من الأحيان، من إمكانية الحصول على الدعم السريع في قتال يحتاج إلى ذلك في معظم الأحيان. وتسبب ايضاً في ان تأتي الاستجابة لتلبية الحاجة إلى الدعم، والإسناد بأوقات متأخرة في بعض الأحيان، زادت فترتها عوامل الضعف في التنسيق، والتعاون وأختلاف قواعد الاشتباك بين القوات العراقية، وقوات متعددة الجنسيات. وتسبب كذلك في نشر بذور الشك في مساعي المحتل لدعم توجهات الحكومة في إنشاء جيش عراقي مهني قوي، قادر على الدفاع عن حدود البلاد، واجهزة امنية فاعلة لحماية الامن الداخلي للبلاد. شك أنعكس سلبا على فاعلية التعاون بين الجانبين في أرض المعركة الامنية الداخلية.
3. اختلال التوازن الناري. عدم يسرة السلاح، ومصاعب الحصول عليه، اخل بالتوازن الناري، للقوة القتالية، بدءً من الحضيرة التي يجب أن تتوازن قوة البندقيات فيها مع قوة النار الميسورة للرشاشة الخفيفة، وسلاح مقاومة الدبابات، لتأمين التناسب الصحيح ما بين تبادل أدوار النار، والحركة مروراً، بالفصيل صعوداً الى الفوج فاللواء والفرقة، التي تظهر في مجالها فاعلية العمليات، وتبادل الادوار مابين المعركة والمناورة، التي تحتاج الى قدر كاف من الحماية الجوية لتأمين حرية الحركة، ناهيك عن المتطلبات الادارية لتداول مواد تموين القتال.
4. الاجتهادات الكيفية بالتسليح. ان غياب القاعدة المادية للتسليح، والتجهيز لغاية عام 2010، والاستعجال الحتمي لتأمين الملائم من السلاح، دفع الى عدم خضوع خططها الى الدراسات المعمقة، التي توازن ما بين ماهية التهديدات المعادية، وساحات القتال أو العمليات، وطبيعة المقاتل العراقي ودرجة تعليمه أو ثقافته، ومدى أعداده ومستوى ضبطه العسكري. وعدم اخذها بالاعتبار ماهية البنى التحتية الواجب توفرها، لادامة حجم التشكيلات المقاتلة، والادارية، والفنية من الاسلحة، والمعدات والتجهيزات والاعتدة، وغيرها.
خسارة التوازن الناري
ان السلاح الذي يعد من بين أهم مستلزمات النجاح في المعركة، وكذلك التجهيزات الملائمة، كونت مصاعبه المذكورة، في السني الاولى للتشكيل معضلة حقيقية، خسر فيها الجيش الجديد، توازنه لما يتعلق بمصادر النيران، مع خصم يتواجد قريب من ثكناته، لأن القرار السياسي بتحديد نوع السلاح وكمه ومصدره، لم يكن بيد الحكومة العراقية حتى عام 2010، ولأن الحكومة مكبلة قدراتها في التأثير على المحتل في هذا الجانب، ولانها غير قادرة على مصارحة الشعب والعسكر في مجاله. وضع صعب، مع حالات الفساد التي أستشرت في المؤسستين العسكرية والامنية، ادى الى التهافت على شراء سلاح قديم، وغير ملائم، كونت جميعها مشكلة، كانت من أكثر المشاكل تأثيرا على سبل تنفيذ خطط القتال الامني الداخلي من الناحية المادية، حيث عدم التفوق على سلاح الخصم. والنفسية حيث التردد، وتدني مستوى المعنويات، والدافعية في تحدي ومقاتلة الخصم.
العامل السياسي في القتال الداخلي
في سوح القتال بينها الساحة العراقية بطبيعتها الخاصة، لا يمكن أن يكون العمل الأمني فيها ناجحاً، ومؤثراً بمعزل عن تأثير السياسية على المستويين الداخلي: الذي امتاز لما يتعلق بادارة الدولة، بخصوصية العمل التوافقي بين الحركات، والأحزاب، الممتدة إلى تركيبة إجتماعية عراقية غير متوافقة، اي غير متجانسة بالقدر الذي يسهل عملية القبول بقرارات حكومتها، كما مبين في أكثر من مجال. فمن الناحية الدينية مثلا، مازال هناك تفريق واضح في الحقوق والواجبات بين المسلمين الذي ينظر قسم منهم "الاصوليون على وجه الخصوص" الى ان المسيحين، والصابئة، والأزيدين كفرة. وينظر قسم من هؤلاء الى حقوقهم على انها قد ضاعت، وهم سكنة البلاد الاصليين. ومن الجوانب القومية، لم تتأمن الثقة بين العرب والأكراد والتركمان والكلدان، والآشوريين، والأرمن، والصابئة وغيرهم، ولما يتعلق بهم، لم يصدف ان حصل اي منهم على حقة الطبيعي في المكان الذي يشكل فيه أقلية، واحياناً حتى لو كان الاغلبية. ولم يشهد التاريخ الحديث، لاي من الاغلبية تغير في نظرتها المتعالية الى من يكون في صفوف الاقلية. وكذلك الحال لما له صلة بالمذهبية، التي لم يشف أطرافها الرئيسيين من الشيعة والسنة من داء المطالبة بالحكم، والسعي لاظهار الاحقية، بعيداً عن الاستحقاقات الوطنية، وآراء الاغلبية. وامتاز في جوانبه الاجتماعية اللازمة لانجاح الادارة في الحكم، بالافتقار إلى نضج حضاري ملائم لقبول الآخر، وبتوجهات التفضيل الذاتي للمصلحة الشخصية على العامة في كل المستويات والطبقات، والإصابة الحادة بداء الطائفية المفرط، وبالتمادي في سلوك الاستحواذ على اي شيء يقع في المجال، وخرق المعايير القيمية، والتجاوز على العدالة الاجتماعية. وامتاز، في مجالاته النفسية، بالقلق شبه المستمر، وبعدم الاطمئنان للجانب الآخر، على مستوى الفرد الفاعل، والكيان المكون، الذي دفع كل طرف في معادلة التماسك، بالسعي لامتلاك قدرات التأثير على الطرف الآخر.
ان الخصائص المذكورة، وان لم تحسب مطلقة من الناحية العلمية، ويصعب الجزم بتعميمها، (أي لا يمكن الادعاء ان جميع العراقيين الذين يعيشون هذه الفترة الزمنية، تنطبق عليهم الاوصاف المذكورة، وبنفس الوقت، لا يمكن انكار وجود قدر منها في النفوس، تظهر او تكون فاعلة في تشكيل السلوك بالموقف المحدد، عندما يعيش اصحابها تحت الضغط المباشر، وعندما يكونون في موقف تهديد لذواتهم)، فان وقائع العيش واحداثه لمرحلة ما بعد التغيير، تؤكد وجودها خصائص على المستوى الجماعي باتت واضحة، ومؤثرة، كذلك فاعلة من حيث التأثير على مجتمع متحول في ظروف سياسية غير أعتيادية. وتؤكد ان مقادير وجودها انعكست سلباً على طبيعة العيش والحياة، وعلى التفاعل السياسي والاجتماعي، بين الأفراد والجماعات، مكونة بالممارسة، وتداخل الماضي بالحاضر، حالات اعتراض من قبل البعض لتوجهات الحكومة الامنية تبعاً للعلاقة السياسية والطائفية بها، وبالمكونات التي تشكلها. فالاجراء المتخذ من قبل قواتها المسلحة بمدينة السماوة، لتطبيق منع التجوال لنصف نهار، بسبب تسلل مجموعة ارهابية على سبيل المثال، يكون الاعتراض عليه شبه حتمي من الكتل السياسية التي لا ينتمي اليها القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء، ونفس الاجراء الذي يتخذ، ولنفس السبب في نينوى على سبيل الافتراض سيكون الاعتراض عليه من جميع الكتل السياسية التي تشكل مجلس المحافظة، ويمتد احياناً الى الناس العاديين، لانه اي القائد العام وربما القائد العسكري الميداني ليس من طائفتهم، وهذا أمر وبالوقت الذي تسبب بوجود عراقيل امام القرار الامني، فانه دفع الى تكوين قدر من الانحياز المسبق بالضد من الاجراء الصحيح، في بعض الاحيان، والى الشك في الاهداف والخطط، التي تعلنها الحكومة وتنوي تطبيقها للتعامل مع الواقع السياسي والأمني المتردي. يصب بنهايته في غير صالح الدولة، التي تكون الحكومة احد مؤسساتها، وفي غير صالح الجماعة، والمدينة والمنطقة، التي يجري التعامل والعمل في محيطها الاجتماعي والجغرافي، لان رفضهم القائم على الشك والتوجس والخوف دفعت صاحب القرار احياناً الى التريث والتحسب، قبل القرار على فعل ما في محيطهم، وان كان من النوع الذي تقتضي الضرورة الاستجابة له فورياً. ودفعت بعضهم بالمقابل كمعنيين إلى الابتعاد والتجنب، والإنشغال بالهموم الشخصية أكثر من التقرب الى الدولة واجهزتها العسكرية والامنية، والوقوف معها طرفاً في خططها الأمنية التي لا يمكن ان تنجح، اذا لم يكن المواطن طرفا ايجابيا في ساحة القتال الموجود فيها.
ثم المستوى الخارجي. الذي يشار من خلاله الى ان التجانس في التركيبة الاجتماعية للعراق اذا ما وصف بالضعف داخلياً، فانه وعلى المستوى الاقليمي، المحيط بالعراق النافذ الى داخله، يمكن وصفه بالمضطرب، فايران المحكومة شيعياً "ولاية الفقيه" لا يحس غالبية الناس العاديين من سكنة الوسط والجنوب العراقي الشيعي بالعداء لمواقفها المعلنة، في حين يضع غالبية أهل الوسط وشماله وغربه السني، كل ما يصدر عنها، ويأتي منها في خانة الشك العدائي المسبق. واذا ما تركنا ايران واتجهنا الى السعودية، المحكومة سنياً "الوهابية" فان الامر ينعكس تماماً، حيث الشك المسبق لما يرد عنها يأتي سريعاً من غالبية المناطق الشيعية، والتأييد المسبق لها يأتي سريعاً ايضا من معظم المناطق السنية "العربية"، وهذا واقع يمتد بنفس القياس الى المنطقة الكردية العراقية، التي تدخل ايران وتركيا طرفاً في انقسامات أحزابها الرئيسية بين مواقفها التعبوية والاستراتيجية. وهذا توازن في دائرة الصراع التقليدي يمكن وصفه بالتوازن المقلوب الذي يكون فيه واقع التجانس الخارجي، الطائفي القومي المذهبي، يأتي متطابقاً مع الجزء العراقي الداخلي من جانب ومتناقض مع الجزء العراقي الآخر من جانب آخر، مما تسبب في زيادة ضعفه، لان مقاديره في ميزان التوازن الخارجية، جاءت معكوسة مع مقاديره الداخلية ومتناقضة في الاهداف العامة.
فالسنة العرب المحيطين بالعراق مثلا يتفوقون عددياً، وكذلك في جوانب السياسة والاعلام والمال، على الشيعة المحيطين، في الوقت الذي يتفوق فيه الشيعة في الداخل عددياً على السنة المنحدرين الى الاقليم السني المتفوق عددياً، والدول العربية السنية النافذة الى الداخل وان كانت الاغنى، تقابلها ايران الشيعية الممتدة الى الداخل هي الاقوى، وتركيا التي تحاذي الشمال الكردي، الراغبة بالعودة الى المنطقة العربية سنياً، تدفع بالتركمان الى الامام ليكونوا بوابتها في الدخول الى العراق، وان كانوا في معايير التوازن الداخلي هم الاضعف. وضعٌ في التجانس الخارجي، يمكن اعتباره مخل ومؤثر على التجانس الداخلي باتجاه اضعافه، حتى جعل اطرافه كتلاً وطوائف غير قادرين على حسم المواقف الصعبة، وابعد كل طرف منهم عن احتمالات السيطرة على الاخرين، وفرض توجهاته على الباقين، بطريقة وفرت ارضية خصبة لاثارة الاضطراب من الداخل والخارج ببساطة، اذ أشرت ازمة تشكيل الحكومة عام 2010 مثالاً واضحاً لتأثير عامل التوازن المقلوب في موضوعها، واشرت في وقتها، تسارع جميع الكتل والاحزاب السياسية بالتوجه الى الخارج للاستقواء بدوله على باقي الاطراف الموجودة في الموقف التفاوضي.... تأثير امتد الى عام 2012 في ازمة اتهام نائب رئيس الجمهورية، السيد طارق الهاشمي بالارهاب، وازمة مساعي سحب الثقة من حكومة السيد المالكي. وهكذا تطورت الاحداث الى حد الاقتناع التام، بأن أي من اطراف الخارج، ومن خلال امتداداته الى الداخل قادر على اثارة مشكلة خرق أمني في أي مكان داخل العراق، لكنه بنفس الوقت غير قادر على حسم النتائج للمشاكل التي يثيرها الى صالحه أو صالح الممتدين اليه.
أن مشكلة ضعف التجانس الخارجي المؤثرة على وضع العراق الامني داخلياً، تتجاوز الاختلاف المذهبي والقومي، وتمتد الى حدود الأهداف الاستراتيجية للدول المحيطة بالعراق وصاحبة النفوذ في المنطقة، التي تسعى جميعها الى الوصول اليها على حساب الوضع الامني للعراق. فايران على سبيل المثال، لا ترغب في اي وجود للامريكان داخل العراق، وعلى اساسه سعت الى التأثير على امكانية بقائهم بكل الوسائل، بينها اثارة مشاكل امنية لهم كمحتلين، بقصد تكوين عوامل ضغط، تدفعه باتجاه عدم البقاء. وعندما تحقق هدفها هذا، اثر الانسحاب الامريكي، وجدت انتعاشاً في مشاعر القوة وفراغاً أمنياً، سارعت الى اشغاله بكل الطرق الممكنة، بينها الضغط على الحكومة العراقية، وعلى الساعين لاشغاله سواء من العرب الاغنياء او من الاتراك الراغبين والقادرين على اشغاله. ضغط تطور بالتدريج الى صيغة صراع خفي "غير معلن" بين الاتراك السنة، ومعهم العرب الاغنياء السنة، في مقابل الايرانيين الشيعة، ومعهم مجتمعات ذات أمتدادات لكتل بشرية شيعية مثل سوريا والعراق، ولبنان والجانب الشرقي من السعودية والبحرين واليمن والقليل في دول الخليج، ستتعاطف مع ايران اذا ما تطور موقف الصراع حد التوتر. تعاطفٌ يسهل دفع انفعالات اصحابه باتجاه اثارة مشاكل للدولة التي تقف بالضد من ايران، لزيادة تعقيد الصراع.
اما سوريا المجاورة لغرب العراق، التي تتوافق حكومتها مع ايران في النظرة للوجود الامريكي، قد حاولت على اساس هذا التوافق قبل 2010 ان تفتح حدودها للغير في اثارة المشاكل للامريكان وللحكومات العراقية، التي عدتها سائرة بالفلك الامريكي، معتقدة ان بقاء الجندي الامريكي ليوم اضافي، سيكلفها ثمناً اضافياً من امنها القلق، واصبحت بالتالي عامل تأثير في الداخل. وهي وان ضعفت بعد ذلك العام، اثر وصول هيجان التغيير العربي "الربيع العربي" الى اراضيها، وأصابتها بذات الداء الذي اصاب العراق من قبلها، لكن ضعفها الذي كان مطلوبا من قبل، لم يأت لصالح العراق الآن، بل وعلى العكس منه، اذ ان اي نجاح سيتحقق بالضد من نظام الحكم القائم في سوريا، سيفسح المجال الى وصول التيار الاسلامي السياسي السني المتطرف الى الحكم، مما يزيد من مشاكل عدم التجانس الخارجي بالنسبة الى العراق، ويفتح أبوب اضطراب إضافية. حقيقة، أشعرت الحكومة العراقية والطرف الشيعي فيها بقلق الوصول، واحتمالات مساهمته في فتح باب الارهاب من الحدود السورية ثانية او قد يدفع الى تطور الامر الى صراع مسلح بين البلدين لحسابات دولية تدفع باتجاه اشعال صراع طائفي شيعي سني في عموم المنطقة، يفضي حصوله الى اعادة ترتيب اوضاعها من جديد. لكنه قلق وفي اطار عدم التجانس يؤشر عدم اخذه بالاعتبار من باقي العراقيين، السنة والاكراد. ويؤشر ايضاً ان سورية التي كانت مواقفها في التدخل مشكلة للتجانس العراقي، ابان قوتها، اصبحت مواقفها في تجنب التدخل، كذلك مشكلة له، في وقت ضعفها.
ان التجانس من اكثر العوامل تأثيراً على الوضع الامني العراقي، والتوجه بسبب ضعفه الى التوافق اسلوب في ادارة الدولة والمجتمع، احد عوامل الاعاقة في تنفيذ خطط القتال الامني الداخلي، لان الافكار التي تكونت في عقول المتوافقين، باتت تُحركْ سلوكهم بالاتجاه المعاكس للاستقرار، وبسبب عدم إكتمال خطى الديمقراطية، وجاهزية القوى الأمنية الضابطة، ونتيجة إلى مساعي التدخل السافر من قبل الكتل، والأحزاب السياسية في شؤون المؤسستين الامنية والعسكرية، ودوائرهما الاستخبارية والأمنية احياناً، وكذلك نتيجة إلى الامتداد الطائفي المصلحي خارج حدود العراق، وتأثير الإعلام المحيط به، أصبح من الصعوبة تأمين دعم داخلي كافٍ لإنجاح مشروع واضح لفرض الأمن قد يفقد البعض في حال نجاحه قدر من الهيمنة، والمنافع الخاصة.
ان صيغة الضعف الملحوظ في التجانس يمكن أن تمد أو تغذي حالة التوتر الموجودة بمستوى يزداد تدريجياً مع اي تأزم محتمل مع ايران وسوريا، وربما في الخليج لاحقاً، وصيغة التوافق المتبعة لتجاوز حالة الضعف، ستبقى عامل اعاقة لخطوات الحكومة في فرض الامن والاستقرار، ولخطوات البناء وارساء قواعد الديمقراطية الصحيحة.
العامل الشعبي في القتال الداخلي
تأسس الامن في العراق، لما بعد التغيير على فعاليات عسكرية، وأستخبارية بالضد من جهات مسلحة تقوم بخروقات امنية، واشخاص خارجين على القانون ينفذون اعمال خرق لحسابهم او لحساب جهات ارهابية، وسط مشاركين في العملية السياسية منقسمين بين وطنيين قادمين لغرض البناء والتطوير فعلياً، وآخرين حاضرين بالقدر الذي يحقق لهم المنفعة الذاتية، ويسمح لهم بالوقوف المبطن ضد خطوات البناء الفعلية، وتجنب المسؤولية، او اللوم الآتي من متطرفي الطائفة ومنافذ التدخل الخارجية. وجمهور متعب، يعيش اصحابه حالة عوز مادي ونفسي. يسيرون في شوارع مزدحمة. يقيمون في مناطق سكنية مكتظة. يعملون في اماكن غير مناسبة، وسط تجمعات بشرية تنعزل عن بعضها من جهة، وتتداخل اصولها المذهبية مع بعضها الآخر من جهة ثانية. تستند غالبيتها في افكارها واتصالاتها على مفاهيم غير صحيحة لدوافع ونتائج التغيير، وتعتمد في تعاملاتها مع موضوع الاحتلال على تقديرات غير صحيحة، منذ اللحظات الاولى للاحتلال، حتى انسحابه المتفق عليه مع الحكومة العراقية.
المواقف الشعبية من القضايا الاستراتيجية
عند الرجوع الى الصفحة الاولى من الاحتلال التي تركزت على تغيير نظام الحكم البعثي عن طريق الحرب "استخدام القوة" نجد ان المواقف والاتجاهات من حصوله على المستوى الشعبي، تمثلت آنذاك، بارتياح شيعي وتأييد كردي ورفض سني،جاء بضوء المواقف من حكومة صدام، وتعامل الحكومة القسري مع مواقف الضد منه، لكن هذه المواقف كانت آنية سرعان ما تبدلت، بعد فترة قليلة، وبالتحديد بعد انتقال الحكم الى العراقيين، وفي مجاله بدأت بوادر اعتراض شيعي على الوجود الامريكي "الاحتلال" بالظهور العلني من قبل المواطنيين العاديين، وكذلك من السياسيين الموجودين في اعلى سدة الحكم، وبدأت اتجاهات لتغير ملموس في الموقف السني باتجاه قبوله بالنسبة الى الناس العاديين والمشاركين بالحكم، تحت ضغط الشعور بقلق التهديد الشيعي. وخشية الاستهداف المقصود للسنة. في حين بقي الموقف الكردي على حاله مؤيداً. وتكرر الحال اي التبدل في المواقف والاتجاهات الشعبية، عند مناقشة الانسحاب عامي 2009 و2010 برزت في حالته آراء على السطح وبتطرف اكثر، اذ اصر الشيعة على الانسحاب الكامل، وتأمل السنة في تأخير الانسحاب لحين ارساء قواعد مشاركة فاعلة في الحكم، واعترض الاكراد على تنفيذه، لاعتقاد منهم باحتمالات استهدافهم من قبل المركز مستقبلاً. انها افكار واتجاهات دفعت البعض الى ان يكونوا ادوات خرق للامن، بقصد التعجيل بالانسحاب او التخويف من عقبات حصوله. وهذه اذا ما وضعت في خانة واحدة مع عوامل الاثارة الداخلية، والخارجية، وخصائص الشخصية، والقيم السلبية واخطاء الادارة المركزية والادارات المحلية، يكون ناتج تفاعلها: ولاء شعبي ضعيف ومنحرف. والتزام وطني ضعيف ومشوش. ومفهوم امني منحاز الى الطائفة والقومية، بعيداً عن الحكومة او قريب منها تبعاً لهامش الانحياز الموجود في الذاكرة.
ان ناتج التفاعل هذا اسهم في اضعاف الحس الامني، وحال دون الالتزام بضوابطه على مستوى الانسان العادي، وحتى المسؤول في احيان ليست قليلة. وبهذا الصدد كان واضحاً ان مؤسسات الدولة العراقية، وبينها الحكومة قد واجهت طوال السنوات التسع التي اعقبت التغيير سلوك شعبي انفعالي، منحاز، غير مستقر، فيه:
1. التقديرات الخاصة بالخطأ والصواب، تستند في الغالب على اساس مذهبي وقومي.
2. التأييد وتقديم الدعم والامتناع عن تقديمه في الاعم، يرجع الى الجانب الطائفي.
3. الالتزام الوطني الذي يعتمد على كم المشاعر الوطنية المخزنة في العقل الشعبي قليل نسبياً، وغير كاف لتكوين دافع المشاركة في اجراءات الامن، ودعم القائمين عليه.
4. التحرك الشعبي، في غالبه اما نفعياً، او سعياً لتجاوز الخطر على الذات المعنية.
5. السلوك في بعض جوانبه متطرفاً، تغيب فيه العقلنة والتسامح، والتعاون، وكذلك عدائياً حيث السعي لاستخدام العنف أو الرغبة في أستخدامه اسلوباً لحل المشاكل التي لا تستحق استخدامه.
6. التفكير بالانتقام وسيلة حصرية للتنفيس عن الانفعالات البسيطة المستثارة في الموقف الآني، والتي لا يتطلب مستواها التفكير بذلك في المواقف الطبيعية.
وهذه بحد ذاتها تشكل ثغرات لخروق أمنية، او مجموعة خروق أمنية.
انتقال الانحياز الى هيكل المؤسسة
ان الانحياز المخل بالامن انتقل بعض منه الى هيكل المؤسسة الامنية والعسكرية المسؤولتان عن تنفيذ اوامر السياسة لضبط الامن، فقلص من مساحة المصلحة العامة في عقول البعض من المنفذين، وجعل البعض من العسكريين ورجال الامن يتأرجحون بين التأييد المطلق والرفض المطلق، بغياب الوسط العقلاني، غير مكترثين بمعايير المهنة، وقيمها الضابطة، التي تحتم بقائهم في الوسط المحايد. واصاب البعض بنرجسية النظرة الى الذات، فباتوا يحسون انهم الاصلح والانسب من الاخرين السائرين معهم في الطريق الى المصلحة العامة. انها تناقضات، بسببها وعوامل اخرى، فقد من يقاتل في الساحة الداخلية شرطياً كان ام جندياً فرصة المساندة الشعبية، وفقد الدعم الطبي الطارئ في حال التعرض الى اصابة تحتاج الى تطبيب سريع، وفقد ايضاً الاسناد النفسي اللازم لتقوية الصمود حتى الوصول المفترض للتعزيزات القتالية او الطبية. وبسببها حصل العكس من المفروض حصوله وطنياً:
- سَهلَّ البعض أثناء التناحر الطائفي تسلل ارهابيين الى ساحة المعركة، وسهل خروجهم منها بالوقت الحرج.
- تستر البعض على مجرمين، وقدم البعض اسناد ميداني في القتال.
- اعاق البعض وصول التعزيزات والدعم الاداري، وشوش البعض الآخر على القادة والمنتسبين اعلامياً.
- بقي قسم غير قليل من الجمهور في وضع الفرجة على الحياد، واذا ما حصل الخرق الامني قريباً منهم، ينتظرون تطورات الموقف، وسنوح الفرص الملائمة لزيادة الكسب، وتقليل الخسارة، ومن ثم التوجه صوب الاتجاه الذي يقربهم من الحكومة المعنية بالامن أو يبعدهم عنها.
مصاعب التعامل مع الجمهور المتأرجح
إن الموقف الشعبي وتأرجحه طوال السنوات التي اعقبت التغيير،خاصة في ذروة الازمة بين الاعوام 2005 – 2008 أثر سلباً على مستوى الاداء القتالي في الميدان، وعلى الوضع النفسي للمقاتل في الساحة، وموقفه من المعركة ذاتها. حتى واجه بعض المنتسبين الشيعة حيرة وتردد في قتال مليشيات شيعية، ونفس الشيئ بالنسبة الى بعض المنتسبين السنة في مناطق سكناهم، وبذا فقدت المؤسسة العسكرية "بسبب مواقف انحياز البعض من منتسبيها" تأييد ومشاركة المواطنين في الحي والمنطقة طرفاً في القتال والخطط الأمنية. وفقدت الحكومة مجالات تأييد شعبية لازمة لدعم مواقفها ومشاريعها لبسط الامن بقوة السلاح التي يحتاج نجاحها اعلى درجات التأييد شعبياً. وعلى هذا يمكن التأشير الى ان المؤسستين العسكرية والامنية، واجهتا ومازالتا تواجه مصاعب جدية في التعامل مع الجمهور القريب من المطلوب قتالهم، زاد هذه المواجهة تقييداً، ضعف التفريق والفرز اللازم بين الارهابي والمواطن العادي. وانعدام الجهد الاستخباري على المستوى التعبوي، وكذلك النفسي المعني بالتحصين، وتعزيز الحيادية المهنية، الداعم للمعنويات. واضطراب العلاقة مع الجمهور القريب من ساحة المعركة وفي العمق خارجها بعد أن تأثر البعض من العسكر في الميدان بالدعاية المشبوهة وباعمال الحرب النفسية المثيرة بالضد من جمهور الطائفة والمنطقة، وتأثر الجمهور بذات الدعاية المبالغ فيها عن انحياز الجندي في قتاله داخل محيط الطائفة. ولهذا أبتعد الطرفان بعضهما عن البعض، أو بالمعنى الأدق خسر الجندي ورجل الامن، تعاون الجمهور سواء في حياديته أو في إمكانية الدلالة على مصدر الخطر. وخسر الجمهور إنسانية الجندي في التعامل مع ابناء قومه في ظروفهم الصعبة. وغيرها أمور كثيرة، كان يمكن أن تقوم بها الدوائر الفنية، والخدمية إلى الجندي والجمهور في آن معاً، يوحي غيابها بوجود حاجز نفسي حاد بين الجندي الذي يقاتل في الأمام وبين قياداته العليا من جهة، وبينه وبين مجتمعه الكبير من جهة أخرى، الأمر الذي أضعف أداءه في تنفيذ الخطط، وأخل بوضعه المعنوي والنفسي في غالب الأحيان.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/32922-2017-11-25-20-42-49.html
433 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع