قراءة في كتاب (مُذَكَرات آمر لِواء مشَاة في زَمنِ الحربْ)
أصدر اللواء المتقاعد فوزي جواد هادي البرزنجي كتابه الموسوم (مذكرات آمر لواء في زمن الحرب) أعادتني قراءته الى ذلك الزمن، والى صفحات مآثر لا تنسى لجيشنا العراقي، سطرها اللواء فوزي بطريقة تستحق أن تكون شاهداً حياً لتاريخ يريد له البعض أن ينسى. تناول وقائعها بأسلوب قدمها الى القارئ خبرات عمليه له ضابط مشاة من الطراز الأول كانت له حصة في سفر هذا الجيش بين العام 1964 الى عام 2008 .
لقد استلمت الكتاب هدية ثمينه، قلبت صفحاته مستعجلاً، ماراً على وقائع كنت قد عشت أحداثها لانتمائي وإياه الى الفترة الزمنية ذاتها والى دورة الكلية العسكرية الرابعة والأربعين ذاتها، وكذلك الى صنف المشاة، والعمل سوية في فرقة المشاة الأولى عند تخرجنا من الكلية العسكرية العراقية بداية حياتنا العسكرية العملية في 6- 1 -1967
عاودت قراءة الكتاب بإمعان، ركزت على أحداث ووقائع عشناها معاً صديقين لعقود تجاوزت الخمس، تجولت بين فصوله بدوافع نبش الماضي مرة والاستزادة من المعرفة المهنية مرة أخرى فوجدت نفسي مدفوعاً لتقديمه كتاباً قيماً للقارئ الذي تهمه العودة الى حقبة زمنية كانت صعبة في تاريخ الجيش العراقي حيث المشاركة في حروب بدأت في شمال العراق وزحفت الى فلسطين ولم تستقر على الحدود مع ايران ولا مع السعودية والكويت. شريط سينمائي، فصول ملؤها حقائق كتبت بدقة متناهية وعرضت بإمعان، حتى وجدت نفسي في نهاية مطاف القراءة وكأني في حيرة من أمري عن أي الفصول أتكلم ومن أين أبدأ،فتيقنت أن جميعها شهادة دقيقة وعرض لجوانب من التاريخ العسكري ترقى أن تكون هدية من جيل أعطى الى أجيال من بعده تستحق العطاء. وتيقنت أن البداية الأسلم ستكون بتقديم الكاتب الى جمهور القراء بعده جزء من هذا التاريخ وصاحب جهد سيخلده التاريخ.
وكاتبنا المبدع وصديقي العزيز اللواء المتقاعد فوزي جواد البرزنچي هو من مواليد بغداد/ الأعظمية عام ١٩٤٦.
دخل الكلية العسكرية عام ١٩٦٤ وتخرج منها برتبة ملازم عام ١٩٦٧، مثابراً طالباً الاستزادة من العلم والمعرفة، فاتجه وخلال خدمته العسكرية لدراسة القانون وحصل على شهادته في هذا المجال عام ١٩٧٦.
كاتبنا اللواء فوزي من ضباط المشاة المتميزين، تقلد مناصب عدة في ربوع الصنف متسلسلاً من آمر فصيل صعوداً الى قيادة لواء مشاة خلال الحرب العراقية الإيرانية والى ما بعد انتهائها بسنة عام ١٩٨٩، فترة زمنية تعد طويلة نسبياً أكسبته خبرة جيدة في دراسة الحرب وفن إدارة الوحدات والتشكيلات في ظروفها الصعبة، ميزته عن الآخرين، كان يسجل كل الأحداث التي يمر بها أو تمر به ويثبت الملاحظات التي تمخضت عن إصدار هذا الكتاب الذي يعد فريداً في تناول أحداث الحرب وبعض تفاصيلها، وحياة عسكرية فاعلة لم تتوقف الى حين إحالته على التقاعد عام ٢٠٠٣. ليكمل عليها أربع سنوات خبرة إدارة في ظروف كانت كذلك صعبة عندما عاد الى الخدمة العسكرية في مقر وزارة الدفاع من العام ٢٠٠٤ الى العام ٢٠٠٨. ليبدأ بعد هذا التاريخ ومثل غيره مئات الضباط وآلاف المواطنين مهاجراً يتنقل بين هذا البلد وذاك كمن يفتش عن وطن في داخله لم يجده حتى الآن.
أحسست في بداية تقليب صفحات هذا الكتاب، أن إهداءه الى الشهداء وعوائلهم قد تجاوز فيه اللواء فوزي حدود المألوف، وفضل شهداء العراق كل الشهداء على غيرهم ممن كانت له حصة في تسطير أحرف هذا التاريخ. وتمتعت حقاً في نصوص السرد لوقائع وشواهد أخذت خمسمائة وثلاث صفحات تنقل خلالها المؤلف من حدث وشاهد الى آخر، يعزز رأيه بالصور ويثبت وجهات نظره العسكرية بالخرائط التي جاءت في مكانها دليلا على حسن العرض والاثبات، قدمها متسلسلة في أبواب ثلاثة تجمع بين سيرة حياة عسكرية بدأت من أول يوم التحاق الى الكلية العسكرية في ١٧/١٠/١٩٦٤ وانتهت عام ٢٠٠٨، وبين سرد لصفحات تاريخ عسكري، جله حروب واستعدادات للحروب، وخبرات في الادارة وقيادة رجال استمرت متواصلة لخمسين عاماً. قاسمها المشترك حقائق من الميدان أبتعد فيها الكاتب البرزنچي عن الصيغ التقليدية في التأليف وعن مثيرات السياسية التي أسهمت في خلق تاريخ للجيش العراقي لا يخلوا من الصعاب.
لا يسعني في نهاية العرض سوى النصح في قراءة هذا الكتاب ليس من قبل العسكريين المحترفين فقط، بل وكذلك من المدنيين وذوي الشهداء والأرامل والأيتام الذين كان لجميعهم حصة في وقائع وتاريخ هذا الجيش ومسيرته التي تقترب من المائة عام.
وقبل أن أنهي ما بدأته في عرض هذا الكتاب القيم أود تسجيل انطباعاتي الشخصية عن اللواء فوزي البرزنچي لتكون هي كذلك جزءً من هذا التاريخ وشاهداً من شواهده التي ستبقى حصة للأجيال، وبصدده أقول كان أخي وصديقي اللواء فوزي ضابط مشاة مهني من الطراز الأول، كفوء، نزيه، هادئ ودود، يشهد له بهذا أبناء جيله من الضباط وكذلك آمريه وطلاب له ترك في سلوكهم بصمة ضابط مشاة قدير.
شهادة أردتها مكتوبة ضمن هذا العرض البسيط أكثر من الغوص في أبواب الكتاب وفصوله التي لا يحس بفائدتها وطعم قراءتها والمشاهدة الا من يضع الكتاب بين يديه ويقلب صفحاته كما قلبتها مأسوراً بالمحتوى
1204 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع