قريباً في مكتبات الخليج، القاهرة، بغداد، عمان - هذا الكتاب الجديد - رؤية تحليلية لمذكرات الجنرال الأمريكي هويزر
* مجرد اختيار ضابط كهويزر وبهذه المواصفات البعيدة كل البعد عن طبيعة المهمة التي قام بها في طهران، وافتقاره إلى الخبرة والتجربة في دولة (الولايات المتحدة) لا تشكو من قلة ضباط أمن واستخبارات ذوو تجارب كثيرة في العديد من البلدان، مجرد اختياره (ويستبعد أن يكون هذا الاختيار عفوياً) ربما لمهة، لا يراد لها النجاح أصلاً.
* زج بهذا الضابط المحترف، للعمل مع سفير مخضرم (Carer Diplomat) يتوقع منها كل إداري حصيف أن لا يتفاهما، بل وأكثر من ذلك، فمنذ اليوم الأول لوصوله طهران، بدا التناقض الحاد غير خاف في وجهات نظرهما، في حين يفترض أن الخطة والهدف لن يتحققا ويتكاملا إلا باجتماع المسارين العسكري والسياسي معاً.
* من المؤكد أن البيت الأبيض أدرك منذ اليوم الأول، أن البعثة الأمريكية في طهران بشقيها السياسي / العسكري يعملان بأتجاهين مختلفين ومتناقضين إلى حد كبير. ورغم ذلك لم تبذل الإدارة الأمريكية (مصدر القرار السياسي) أية جهود، ولا حتى التوجيهات في فهم جذر هذا التناقض الكبير وأسبابه، والعمل على وضع توجه تعمل به البعثة في طهران، بل ربما لأنها كانت تديره وتديمه.
* كان الشاه مصاباً بالسرطان، ومرض رئيس البلاد من أسرار الدولة المهمة، والولايات المتحدة كانت تعلم بذلك وبأنه في مرحلة متقدمة(توفي بعد سنة وبخمسة شهورــ يوليو / 1980)، ولكن من المرجح أن خبر مرضه قد تسرب إلى المعارضة (الخميني بصفة خاصة)، وربما إلى جهات أخرى، إذ أدركت المعارضة أن كل ضربة مهما كانت بسيطة هي موجعة للنظام، ستؤدي إلى تفكك الدولة، وتزيد من قوة المعارضة.
* يلاحظ الإذعان التام للشاه للمبعوثين الأمريكان، لدرجة تلقي الأوامر، ومثله كبار قادة القوات المسلحة، وإنه لأمر محير حقاً، أن يتصرف قادة برتب عالية ومواقع قيادية كبيرة: رئيس الأركان المشتركة، قائد سلاح الطيران، قائد القوات البرية، قائد القوات البحرية، ..ألخ .. وكأنهم جنود لدى الموفد العسكري الأمريكي، وعلى هذه الدرجة من الضعف، والتردد وفقدان الرشد.
* في بداية المذكرات، هناك حقيقة واضحة، أن الإدارة الأمريكية كانت منقسمة بصدد الوضع في إيران في بداية الأزمة، مطلع عام 1978، بين الخارجية والسفارة في طهران وهي تدعو لحل يتجاوز الشاه، فيما يرى مستشار الأمن القومي والبنتاغون دعم الشاه ضد خصومه، ولكننا سنلاحظ أن الجهات الداعمة للشاه، ستسلم بخلعه، مقابل أنقلاب عسكري، فيما طور المعسكر الآخر: الخارجية والسفارة إلى القبول بمهدي بزركان، أو التعامل مع الخميني نفسه.
* كانت المخابرات الأمريكية (CIA) على صلة بالخميني وجهازه السياسي عبر عناصر عديدة، (صادق قطب زادة، إبراهيم يزدي وآخرون) عندما كان لا يزال في باريس، وكانت طائرته في رحلة في عودته إلى طهران بحماية الطائرات الأمريكية).
* كتبت صحيفة الهيرالد تربيون الأمريكية عن مهمة هويزلر: "على الجنرال هويزر أن يحول دون إنقلاب عسكري الذي يعده العسكريون الإيرانيون الذي خططوا له مع الشاه ". وبنفس المعنى ذهبت صحيفة البرافدا الموسكوية، وهذه الطبيعة للمهمة تكشف عن نفسها خلال مقاطع عديدة من مذكرات هويزر.
* من الصعوبة الاعتقاد أن الإدارة في واشنطن أشتغلت على هدفين متناقضين، عفوياً، وإلا ستكون إشارة على هزال غريب في أتخاذ القرارات السياسية / العسكرية وتنفيذها، وهو أمر لا يمكن تصوره في عمل إدارة كالإدارة الأمريكية " كانوا يريدون أن يرغموا المئات من كبار الضباط الإيرانيين على مغادرة البلاد، وعلى العكس من مهمتي في حثهم على البقاء ودعمهم. "
* عبر رئيس الوزراء السابق بختيار في مقابلة مع مجلة دير شبيغل الألمانية، بعد مغادرته إيران، معلقاً على مهمة الجنرال هويزر، أن الولايات المتحدة لم تكن تمتلك برنامجاً أو رؤية واضحة، ومهمة هويزر كانت مهمة مستحيلة. الجنرال والسفير سوليفان، عملا كل ضد الآخر " هويزر يعمل مع الجيش، وسوليفان مع الخميني ". وبدون تدخلاتهم كنا سنسيطر على الموقف ". ولكن واشنطن كانت تريد " ديكتاتورية عسكرية في إيران، من أجل إنقاذ الشاه " حسب رأي بختيار. بل والجنرال الكسندر هيغ (القائد العام لقوات الناتو/ وزير الخارجية لاحقاً) يصر على أن الحكومة الأمريكية كانت في الواقع تعمل على أن تسهل سقوط الشاه.
* أما الامبراطور المخلوع فيكتب في مذكراته " ترى ماذا يريد أن يفعل هذا الجنرال الأمريكي في إيران " تساءل الإمبراطور في نفسه، وسرعان ما وجد بنفسه الإجابة: لقد رأيته خلال إقامته بأكملها مرة واحدة فقط، عندما رافق السفير سوليفان في محادثته الأخيرة معي، وكان يبدو على كلاهما أنهما مهتمان بالإجابة على سؤال واحد: في أي يوم وأي ساعة سأغادر البلاد .. ! ".
* أحد الذين كان هويزر يلتقيهم يومياً تقريباً، وهو أيضاً صديق حميم له، هو قائد سلاح الجو الإيراني الجنرال ربيعي، عبر درامياً في مرافعته قبيل إعدامه أمام قضاء الخميني عن مهمة هويزر بقوله " الجنرال هويزر قذف بالإمبراطور كجرذ ميت خارج البلاد ".
* وبعبارة واضحة : كانت مهمة هويزلر الحقيقية تتمثل بمنع العسكريين من إنقلاب عسكري لمصلحة الشاة، الذي كانت الإدارة الأمريكية قد قررت رحيله أو خلق الظروف الموضوعية لرحيله، فيما كانت مهمة السفير سوليفان، الحيلولة دون تحرك سياسي يحبط هذا الهدف. وقد عملت هاتان الشخصيتان بدون إدراك دقيق لمهتهما، وبدون تنسيق، ولكن بمؤدى واحد كان واشنطن تحركه، ولكن من هي القوة التي كانت مرشحة في المقام الأول لتأسيس نظام يتولى قيادة إيران .....؟ .
* الحكومة الأمريكية كانت مدركة تماماُ أن الخميني سيعود فور مغادرة الشاه للبلاد، وهي قناعة مشتركة للسفير سوليفان، والجنرال هويزر، بل وحتى الإدارة في واشنطن، هل ترى لهذا السبب كان الإصرار على رحيل الشاه ...؟
* رغم أن هويزر لا تبدو عليه الرغبة بهتك أسرار الدولة، إلا أنه يعترف هنا بجوهر المسألة كلها بقوله: " سوليفان كان يعتقد بكل جدية، أن جمهورية إسلامية بقيادة الخميني أفضل من الحكم عسكري، وأنه لا ينتظر شيئاً من بختيار، وإننا يجب أن نقف مباشرة خلف الخميني وإسناده " فالمضي بسرد الأحداث التاريخية سيقود التحليل إلى حقيقة أهداف الولايات المتحدة.
* نعم الولايات المتحدة نفذت بدم بارد وبمسرحية ربما تنطلي على بعض المشاهدين، ما يطلق عليه في المستشفيات " بالقتل الرحيم " لنظام كان حليفاً لها، ينفذ أوامر ما تصدر إليه من توجيهات، ولكن لأسباب موضوعية وذاتية آن رحيل هذا النظام، فليأت نظام آخر:
ــ لا يكون موال لخصوم الولايات المتحدة.
ــ أن يهيج هذا النظام ويطلق عواصف وغبار ستغطس في المنطقة لعقود طويلة.
ــ سينجم عن كل ذلك ظروف عمل وتوسع مفيدة لنا.
ــ والنظام المقبل سيكون بحاجة لنا في توازنات المنطقة.
* هكذا في الواقع خططت الولايات المتحدة لحلول النظام الإيراني. وفي جرد بسيط لما جرى منذ عام 1979 وحتى الآن يشير بدقة وجلية إلى هذه النتيجة.
2183 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع