في رواية سعيد بنسعيد العلوي الأخيرة: « ثورة المريدين » أو البحث عن المهدي بن تومرت المفقود..!

                                  

في رواية سعيد بنسعيد العلوي الأخيرة:« ثورة المريدين » أو البحث عن المهدي بن تومرت المفقود..!

     

«ثورة المريدين» هي الرواية الثالثة التي يصدرها الأستاذ والباحث والروائي سعيد بنسعيد العلوي بحر هذه السنة بعد «مسك الليل» و«الخديعة». في هذا العمل الروائي الجديد، تتداخل الأزمنة والفضاءات، وتتعدد الشخصيات والأحداث والوقائع، وتتنوع أشكال التعبير و طرائق الحكي. فنحن أمام نص تخييلي يحتمل عدة قراءات وتأويلات مما يجعله نصا مفتوحا على كل الاحتمالات النقدية. في الحوار التالي، يتحدث لنا سعيد بنسعيد العلوي عن «ثورة المريدين» باعتباره كاتبها وقارئها الأول من حين الزمن..

                  

               حاوره: لحسن وريغ صحافي/المغرب

* :  بعد "مسك الليل " (القاهرة- 2010)، ثم  " الخديعة "( بيروت -2011)،  أصدرتم رواية جديدة تحت عنوان " ثورة المريدين" عن المركز الثقافي العربي ببيروت (لبنان) .ما هي حدود التشابه والاختلاف بين الروايات الثلاث باعتباركم كاتبها وقارئها الأول؟
**:أعتقد أن الأقدر على الجواب عن هذا السؤال هو القارئ. لكن ما دمت تعتبر الكاتب قارئا أول ( من حيث الزمن) - وهو ما أوافقك عليه فإنني أجيب كما يلي. هنالك بالفعل تشابه من جهة واختلاف، بين الروايات الثلاث من جهة أخرى . فأما التشابه فأجده ( بين الروايتين الثانية والثالثة على الأقل) من حيث تسخير الدين لخدمة أهداف دنيوية مصلحية (سياسية أساسا). فالشاب عدنان وأخوه جلال يقعان، كل على نحو ، في قبضة تنظيم جهادي سري . والشأن عند ابن تومرت وأتباعه أشهر من أن يوضح. و أما الاختلاف فأظنه ينطق بذاته من حيث البناء الروائي في العملين ، غير أني -  وفاء للمبدأ الذي التزم به - لا أضيف إلى هذا القول شيئا آخر ، فالشأن في ذلك يرجع للقارئ - الناقد ، و لا اعتبار لكلامي فأنا أصمت إذن.
* لماذا "ثورة المريدين "عنوانا لروايتكم الجديدة؟

**: العنوان مقتبس من ثورة فعلية قامت في الأندلس( غير بعيد من زمان المهدي بن تومرت - وعلى وجه التحديد أيام صاحبه علي بن عبد المومن الموحدي). قاد هذه الثورة أحد مشاهير دعاة التصوف في زمانه (هو أحمد بن قسي صاحب كتاب  "خلع النعلين "). والرجل قد تحايل على أتباعه بطرق شتى من التمويه والخداع فاجتمع حوله خلق كثير قبل خروجه مطالبا بالحكم في نواحي اشبيلية . بيد أن خروجه سيبوء بالفشل أولا ثم سينتهي به الأمر إلى أن يقتل بعد ذلك .غير أني أترك لقارئ الرواية  أن يتبين بمفرده أوجه الشبه بين ثورة ابن قسي وثورة المهدي بن تومرت. وقد يحكم ذلك القارئ بانتفاء الشبه بينهما.

* : في " ثورة المريدين "  تم الاشتغال على اللغة بشكل كبير ومتميز مما يجعل قراءتها واستيعابها أمرا غير متاح لجميع القراء . فهل كان هذا رهانكم أم إن طبيعة الموضوع فرضت عليكم اعتماد هذه اللغة الروائية في الحكي؟ **: يتعلق الأمر ، من الناحية الشكلية (أو من حيث بناء الرواية إذا أحببت أن تقول) ولعلك تلاحظ ذلك ، بنصين اثنين متداخلين على نحو يتعمده الكاتب. نص يرجع زمانه إلى القرن الميلادي الحادي عشر ، ونص آخر تدور وقائعه في أيامنا هذه.. فرق نوعي بين الزمانين : زمان عشته قارئا  على النحو الذي يرسمه به المؤرخون قبل أن تتدخل ذاتية الروائي لتصوغه كما شاءت له موجهات التخييل. وزمان ثان هو هذا الحاضر الذي ننغمس فيه.   أعلم أن قولي هذا لا يعد جوابا مقنعا عن السؤال ، بل ولا يعتبر تبريرا مقبولا لما قمت به بالفعل ، ولكنني أسايرك في اعتباري قارئا للرواية من بين قراء آخرين. والأحق بالتصديق هم كل القراء الآخرين، لا كاتب النص الروائي.

* :في هذه الرواية يسافر الكاتب بقارئه نحو ثلاثة أمكنة متباعدة في الزمن والمكان : الأندلس ، القاهرة  ومراكش ... فأي خيط يربط بين هذه الأمكنة الثلاثة؟

**:الأمكنة إيحاءات وليست بالضرورة تحديدا جغرافيا ولا تعيينا واقعيا. أفضل الحديث عن فضاءات ثلاث . عندها أجد أن لكل فضاء مرجعياته الخاصة به على النحو الذي تمثل به في وعي الروائي وربما في وجدانه أولا وأساسا.    ليس من الضروري أن يكون الخيط الرابط واحدا ، بل لعل الأقرب إلى التصور أن تكون هناك خيوط كثيرة متشابكة.القاهرة من حيث إنها " ميدان التحرير " بحسبانه فضاء يحيل في الوقت ذاته على الشباب ، والانتفاض ، والخوف ، والأمل ، والرغبة في التغيير - وبالتالي الرمزية التي  ينضح بها اسم الساحة الفسيحة في وسط القاهرة . أما الأندلس فهي ذات وقع مزدوج  في الأذن وفي الوعي معا .هي " الأندلس " ( بكل الحمولة الثقافية للكلمة في الوعي الثقافي العربي وعلى وجه أخص بكل الشحنة الوجدانية التي تصاحب وقع الكلمة عند الإنسان العربي) .وهي جنوب إسبانيا (المصيف والبحر والغرب الأوروبي وملجأ الشيوخ من دول أوروبا الشمالية وهولندة وبريطانيا خلال الفصول الثلاثة الأخرى).عن مراكش أقول : إنها الأصل ، منها الهرب ، ثم إليها العودة والانتماء العميق. ربما استوجب الأمر أن نضيف أيضا : وهي عاصمة الدولة العظمى التي أنشأتها دعوة المهدي بن تومرت.    دعني مرة أخرى أقول : إن المتحدث الآن هو قارئ للرواية من بين قراء آخرين واقعيين ومفترضين.   *: في كثير من  صفحات "ثورة المريدين " يقف القارئ عند فقرات تكشف له عن حدود العلاقة بين الحقيقة التاريخية والتجربة الروائية. هل معنى هذا أن الكاتب كان يريد أن يضع أمام قارئ روايته مجموعة من علامات التشوير حتى لا يتيه في قراءته بين الحقيقة والخيال؟

**:عند الدارسين ، وعند جمهرة الروائيين كذلك ، مواقف تتباين تباينا كليا بشأن العلاقة بين التاريخ وبين الرواية. شخصيا أبدي تحفظا شديدا بصدد التصنيف الذي يقضي  بإطلاق نعت " رواية تاريخية " على نوع من الكتابة الروائية.  كتبت ،  قبل سنتين على وجه التقريب ، نصا( أو قل  خطرات أو خواطر) تحت عنوان  "الروائي والمؤرخ " . الفكرة المحورية في النص المشار إليه هي  أن المؤرخ والروائي يقفان ( كل من الآخر ) على طرفي نقيض. يعتقد المؤرخ (على نحو يكشف الدرس المعاصر للعلوم الإنسانية عن خطئه) أنه يقول الصدق أو على الأقل يجعل من الصدق مثلا أعلى يتطلع إليه في كتابته التاريخية. أما الروائي فإن مثله الأعلى( ولنقل مع أرسطو إن فضيلته ، في المعنى الأصلي للكلمة اليونانية حيث تعني الفضيلة إتقان الوظيفة التي يقوم بها صاحبها) يكمن في توخي الكذب. ذلك أن الرواية تظل ، أولا وأساسا " كذبة جميلة " كما في القول الفرنسي السائر. ومتى اعتبرنا الأمر على نحو ما ذكرت فإن الروائي الذي ينشد كتابة التاريخ روائيا سيكون ، في الوقت ذاته ، مؤرخا سيئا( إذ إن إساءته للمنهجية التاريخية وللصرامة العلمية ستكون بالغة) وروائيا فاشلا( إذ أنه ، بالضرورة ، سيقيد جموح الإبداع التخييلي المطلوب منه ممارسته).أعترف لك ( ولعل الأمر لا يستدعي اعترافا لوضوحه)، أنني قد نهلت كثيرا من كتب التاريخ التي تتصل بزمان المهدي ابن تومرت ودعوته ومغامراته. غير أنني آليت على نفسي أن أنسى - جهد المستطاع - كل ما قرأت. أما ما ظل في الوعي الباطني(أو ما قبل الشعوري) ثاويا  فلا خيار لي فيه.هذه هي الصورة.

*: عندما انتهيت من قراءة "ثورة المريدين " وجدتني أمام سؤال مقلق ومحير: أين هو المهدي بن تومرت في رواية سعيد بنسعيد العلوي ؟ أليس المهدي بن تومرت هنا شخصية وهمية ؟

**:  لعل في جوابي عن سؤالك السابق ما يعتبر جوابا عن سؤالك هذا. ما تمكنني إضافته هو أن الأمر يتعلق ، ضرورة ، بالمهدي على النحو الذي يرتسم به في وعيي روائيا. أما المهدي " التاريخي " فليس يعنيني كثيرا. هناك فكرة تقض مضجع عبد النبي اليموري ( الشخصية المحورية في "ثورة المريدين ") هي احتمال وجود صيغة أخرى يتحدث بها البيدق( مؤرخ المهدي والمرجع الأساسي بالنسبة لكل الذين أتوا من بعده). تلك الصيغة يتضمنها مخطوط مفقود. الرواية ، بمعنى من المعاني ، بحث عن هذا المهدي مثلما أنها بحث عن المهدي الرمز (المهدي الضائع أو المفقود ، وربما المهدي الوهم).    *: هل "ثورة المريدين" رواية تاريخية أم أنها رواية تجريبية تتخذ من التاريخ عتبات للتفكير في الحاضر واستشراف للمستقبل؟

**:   الرأي عندي (قارئا، على نحو ما اشترطنا ذلك سوية في الجواب عن السؤال الأول ) أن " ثورة المريدين " رواية دون نعت أو مضاف . ربما كان للقارئ   "الثاني " رأي آخر ، ومسبقا دعني أقول لك إنني أقدر ذلك الرأي وأحترمه.

*: تتميز روايتكم الجديدة باعتمادها على العديد من تقنيات الكتابة الروائية لاسيما تقنية الوصف الدقيق للأمكنة وشخصياتها. بل هناك من يرشحها لأن تكون سيناريو عمل درامي حول شخصية المهدي بن تومرت. ما تعليقكم على ذلك؟

**: الحق أنني قد سمعت مثل هذا الكلام من  قراء آخرين. وقد أبلغني أحد الأصدقاء أصحاب الصفحات ( أو المواقع أو الصفحات الشخصية في الفيس بوك) أن هناك من وجه في هذا الصدد نداء إلى المشتغلين بالسينما يتحدث فيه عن وجود نص روائي قابل للتوظيف سينمائيا. لا أكتمك القول إنني قد فوجئت  بحكم وتقدير من هذا القبيل ، و لا أخفيك أيضا  أنه قول  وقع مني موقعا حسنا ، خاصة وأنه صادر من قارئ كريم لا أعرفه و بالتالي فلا أعتبره محض مجاملة وهو على حال رأي لا أستخف به.

*: ما  تبريركم لهذا الحضور القوي للعامية  المصرية في الصفحات الأخيرة من الرواية أمام  غياب للعامية المغربية؟

**:  لا تخلو الرواية من كلمات( وربما جمل أيضا) من اللسان المغربي الدارج. وفي جلسة قراءة للرواية لاحظ أحد الأساتذة أنني استعنت بهوامش لشرح دلالات الكلمات المغربية في اللسان الدارج في حين أنني لم افعل ذلك بالنسبة لحوار اتصل جملا بالعامية المصرية. ربما كان مرجع ذلك أنني قد اعتدت( في أحاديثي عن المغرب) تقديم شروح للقارئ العربي اعتبارا لكون اللسان المغربي الدارج محدود الانتشار في بلدان المشرق العربي وفي دول الخليج العربي في حين أن العامية المصرية أكثر قربا من مدارك القارئ في تلك البلدان لسعة انتشارها. ربما كنت مخطئا في هذا الظن.        

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

817 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع