حسن البحار... النورس الذي يتصّيد رائحة الطين

      

      

          

                 حوار :عبدالرضاالخياط - خاص بالگاردينيا

          

تطوع أن يكون نورساً ، لذا فقد عشق البحر،ومنه تعلم الصلة بين الشعر والسرد ، ومن ماؤه كتب سطوره، ومن تموجاته اكتسب قصص فريدة ، لحالات أكثر إنسانية ، وقد أدى البحر دور مهماً من وظيفة مهمه أو جوهرية. بما يحويه من أسرار غريبة، وقصص عجيبة، دوراً مهماً في تجربة القاص والشاعر الروائي حسن البحار، فهو يقتنص من البحر بما يحويه من حكايات وأسرار، نواة أساسية لكتاباته ،حيث يتميز بالقدرة الكبيرة على التقاط التفاصيل ووضعها في قالب سردي جذاب، ما أسهم في منح إبداعه خصوصية مميزة، جاء على أثرها فوزه بجائزة  جواد الساعاتي،عن روايته " حكاية بحار" التي تعد اجناسيا من أدب الرحلات.والبحار غزير الإبداع والعطاء،أصدر عدة أعمال قصصية وروائية .هذا ويسر " الكاردينيا "إن تلتقيه في  حوار عن المشغل السردي وقضايا أخرى،مع التقدير له ولكل المبدعين.
س:تكتب الرواية والقصة القصيرة والقصيدة الشعرية ،أيهما اقرب أليك ؟

الواقع أنني اكتب في الرواية والقصة القصيرة والقصيدة الشعرية ،لكن حقيقة الكتابة السردية تستملي قلمي ومخيلتي أكثر ، وكتاباتي لاتخلو من نفس شاعري ،فهو  نتيجة إلى إمكاناتي في تشكيل اللغة ،وفي اعتقادي لامناص من تلك اللوحات الشعرية التي تنثال انثيالا عفويا إلى جانب الوصف ،للتخفيف من احتدام السرد ولخلق انفراجات داخل النص ،ربما تنحو أحيانا منحى الشعرية السردية.أما الشعر،فقد نشرت لي منه قصائد منها على سبيل المثال ،" بغداد على وجه يدي "و " قرابين العراق " و" غن لها "وغيرها.أكتب الشعر أو يكتبني في موضوعات شتى هي في طريقها إلى خلق تراكم إبداعي.وفي القصة القصيرة والقصة الومضة وكذا الرواية لي مؤلفات نشرت منها " مرام "و" الدردبيس ": مجموعة قصصية ،وهناك مؤلفات أخرى ستعرف طريقها إلى النشر قريبا في القصة والرواية والرحلة .في علاقتي المباشرة بكتابة السرديات لأتميز في الميل إلى فن دون أخر .

س:صدرت لك في الفترة الأخيرة رواية " بحر أزرق– قمر أبيض " ماذا أضافت لك؟
 "بحر أزرق- قمر أبيض" كان هذا المؤلف آخ الدار العربية للعلوم بيروت  طبعة 2014 ، وقد أحرز جائزة أدب الرحلات قبل ذلك سنة 2013 ، واحتفت به الساحة السردية العراقية وحضر في بعض المعارض العربية ، وما يزال موضوعا للكتابات النقدية إلى الآن . لقد تم تحديد نوعه إجناسيا ضمن أدب الرحلات نظرا لهيمنة بنية السفر وثيمتي التنقل والأمكنة ، لكنه فتح المجال للنقاش النقدي حول قضية النوع من منطلق انفتاح السردـ الرحلي على أجناس سردية أخرى إلى درجة تكاد تلغي الحدود . وأعتقد أن هذا التماس الذي جعل من الرحلة وعاء تنصهر فيه جماليات أرقى الأجناس السردية : الرواية والسيرة بأنواعها ، وبالتالي الانفتاح على المناصات الأدبية وغير الأدبية، إلى جانب استثمار بعض الآليات الفني بطريقة أكثر جرأة.

        

س:ماأهمية الرواية في ثقافتنا المعاصرة،وسط هذا الاغتراب الروحي الذي نعيشه الآن مع تمزق الأوطان ؟
إن ما يميز الرواية اليوم في عالمنا العربي وهي تواكب كل هذا الاغتراب الذي أصبح فيه الخوف وطنا للإنسان اليوم-على حد تعبير التوحيدي- واستحال الحزن في نفس الأديب من نقطة صغيرة معتمة سرعان ما تتسع مثل بقعة زيت على سطح الماء فيغرق الروح وتخسف بها.هكذا يصل الاغتراب حد القلق الوجودي،وهو ما نشأ عنه نوع من الوعي الشقي يعكس واقع الإنسان العربي في زمن تتمزق فيه الأوطان على وقع الحروب والفتن.وطبيعي جداً أن تعكس الرواية كما الشعر رؤيا الاغتراب هذه،ولكن " يظل الشعور بغربة الذات وضياع الإنسان أقوى دليلاً على حيوية الذات  وقوة نبضها " كما يقول الناقد عزالدين إسماعيل وهو محق في هذا التأمل والأمل،كما أن القضية في اغتراب الأدباء تنبع من الذات،ولكنها تنمو وتكبر وتعترش فروعا وأغصانا تمتد إلى آفاق واسعة،إلى حيث تلتقي الهموم الإنسانية،وعليه فالتعبير عن الاغتراب سواء ارتبط بالغربة المكانية أو النفسية أو الوجودية،هو إيذان برفض الكثير من مواضعات الواقع وقضاياه-بما فيها ما يعيشه الإنسان اليوم من الحيف والتمزق والظلم- تلك القضايا التي تشكل العصب الأساس في الهم الإنساني.إثر هذا المخاض على الرواية العربية في كنفه،فقد سعت مضامينها نحو التحرر،ما سعت إلى تدمير البنيه التقليدية للرواية نفسها سيرا على نهج الرواية الجديدة تأثيرا بما حصل في التراث السردي الغربي نفسه،بدءاً من تمزيق البنيه الزمنيه وليس انتهاء بتحطيم الشخصية لتحتفظ بعنصر واحد منحته كل الأهمية،هو اللغة.
س :ما المطلوب من الرواية تحديدا ،كشف الواقع أم طرح الأسئلة ؟
بعد هذا الجرد السريع الانتقائي،صرت أكثر ميلا إلى القول إن المطلوب من الرواية تحديداًهو تحرير الإنسان ذاته؛ويتمثل ذلك  في كل البنيات المحيطة به،والهدف من هذا التحرر أن يكون هو المحور والغاية،هذا الرهان هو منطلق الإبداع والتنمية،ويقتضي حيث تأتي الرغبة في الكتابة تشخيص الواقع واكتشافه ووضعه على محك السؤال بل الكتابة الروائية نفسها يجب إن توضع موضع تسأول مستمر.
س:أن حرية الراوي في اختيار أسلوب السرد ، ليست مطلقة من الضوابط الموضوعية والفنية ، ما مدى تلك الضوابط وتأثيرها في تشكيل الرواية ؟
الرواية تشكيل للحياة في بناء عضوي يتفق وروح الحياة ذاتها،ويعتمد هذا التشكيل داخل إطار وجهة نظر الروائي؛وذلك من خلال شخصيات متفاعلة مع الأحداث والوسط الذي تدور فيه هذه الاحداث،على نحو تصل في النهاية لنتيجة اجتماعية أو سياسية أو فلسفية،والرواية عموما فن نثر تخييلي تعكس عالما من الاحداث والمغامرات والعلاقات الواسعة تسمح بإدخال جميع الإجناس التعبيرية الأخرى أدبية فنية أو غير فنية.ينتظم المتن الحكائي في متواليات سردية تتولى اللغة تشكيلها الجمالي والفني؛فالمادة الحكائية تتجسد في اختيار الروائي تقنيات سردية متنوعة؛تتعلق بأنماط الرؤى السردية والشخصيات والتلاعب بالضمائر والأزمنة والفضاءات المكانية،وكل ما يتصل بمقتضيات المتن الحكائي والمبنى الحكائي.وعليه فحرية الروائي في اختيار أسلوب السرد  ليست منفلته من الضوابط والخصائص الفنية للسرد،بل لا بد ان يمتلك رؤية مستوعبة لما كان وما هو كائن وما يستجد على التجديد والتجريب،لا على فوضى الكتابة التي يجب يكون لها الناقد.
 س:لقد نالت الرواية العربية نصيبها الكبير من النجاح ، وكانت الاستجابة بمستوى الطموح ، ما مقياس ذلك النجاح ؟
الإبداع الروائي سواء على مستوى الكم أو الكيف أسهم فيما أحرزته الرواية العربية من النجاح- إن جاز أن نقول مع أدونيس ذلك – إن الحداثة الأدبية قد تحققت،لكنها نخبوية،بينما بقيت مخطاة في مجالات أخرى وما تزال رغم الجهود والتجارب القائمة.
س:كيف تنظر لمستوى الصحافة عن الفن القصصي،وما وجه الاستفادة منه ؟
الصحافة جسر لنشر الوعي ونقل الخبر وعلى مستوى الإبداع الأدبي،وخاصة فن القص فقد أسهمت الصحافة العراقية بكل أنواعها المقرؤة والسمعية البصرية في تغطية الفعاليات الثقافية، فكانت وسيطا لإبراز الدور الثقافي للأدباء ونشر إبداعهم كرافد للثقافة يساعد على توجيه ومراقبة تحولات الذوق والمزاج الاجتماعي،وبالتالي يكون الذي مايزال ورشا مفتوحا يضطلع به الإعلام مهم جدا كجسر لتحقيق التنمية الثقافية المنشودة..
س : كيف تصف علاقتك بالبحر ؟
البحر فضاء رحب باختصار هو فضاء التأمل والأبدع،من وحيه يتعلم المبدع التحدي والتجلد ويكتسب روح المغامرة.هو فضاء متحرك،فيه المد والجزر يستوحي من الإنسان الحركة والتجدد بما تعنيه من استمرار وينأى عن الثبات والتقليد،وموجز القول! البحر يعلم المبدع كيف يكون منتجا لايستسلم للرتابة والسلبية والجمود.هو مكان للحوار بين جدلية الداخل والخارج،بين الأنا والآخر،بين ثنائية الانغلاق والانفتاح.
س:تلعب المرأة دورا مهما في حياة المبدع،ماذا عن المرأة في حياتك ؟  
الإبداع بما هو خلق وابتكار يقتضي تجاوز القيود والمحظورات،لذلك فالمبدع رجلا كان أو امرأة  كما يحتاج إلى فضاء تتوافر له مقومات الإبداع،ويحتاج أن يكون من حوله أنسانا واعيا بحاجات المبدع أو المبدعة ليشارك في دفع عجلة الإبداع طواعية.هذا الفهم والاستيعاب لابد من ترسيخة بالتعبئة لا بالإكراه ورفع الزيف عن وعي المرأة حتى تبدع وتكون شريكا في الإبداع.أما واقع المبدع الآن في مجتمعاتنا فأشبه ما يكون بمن يقفز على الحواجز.وعموما لايسعني  الإ أن أقول إن  المرأة بكل  ما تقدمه من تضحيات تشكل قاطرة للتنمية والإبداع.  

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

882 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع