صبيحة شبر...الحنين ألذي يأخذني إلى الشجرة الأولى
خاص بالگاردينيا:لست بحاجة للتعريف بالكاتبة والقاصة والروائية صبيحة شبر، ولكن ينبغي علينا أن نلقي بعض الضوء على مسيرتها النضالية ومنجزها الإبداعي ، من خلال الوقوف على بعض محطاتها المليئة بثمار الأدب والسرد والتجارب الغنية التي مرت بها ، فهي امرأة دوؤبة تعمل بصمت وجدٌ، بدأت مشوارها في الكتابة ونظم الشعر منذ وقت مبكر جدا، وقد نشرت لها الصحف العراقية عام 1960. غادرت العراق عام 1979 إلى الكويت بسبب مواقفها السياسية المعارضة للنظام ، بعدما اشتدت الهجمة المسعورة على القوى الوطنية والتقدمية. ومن ثم ما لبث أن غادرت إلى المغرب العربي لتستقر هناك ، إلى أن سنحت لها الفرصة لتعود إلى أحضان الوطن عام 2011 .صدر لها أربع روايات ، وسبعة مجاميع قصصية، بالإضافة إلى مجموعة قراءات فكرية وأدبية وفلسفية. لذا يسرنا أن نتوجه إليها بالأسئلة مع التقدير لها وللمرأة العربية سلفا.
س: ماذا أضافت روايتك الأخيرة " أرواح ظامئة للحب " إلى تجربتكِ الإبداعية ؟
الرواية الأخيرة يمكن أن نسميها بأدب السيرة ، فهي تتحدث عن طفلة صغيرة تعيش في الريف ، تقوم بأشغال النساء الكبيرات رغبة منها إن تكون مثلهن بالتمتع بالحقوق والحرية ، والطفلة تجهل أن المرأة في بلادنا لا تحظى بالحقوق، ويمكن للأطفال أن يتمتعوا بكثير من الرعاية والاهتمام يحرم منهما الكبار،تظل بطلة روايتي الطفلة تقلد الكبيرات حتى ينقذها والدها الذي ينضم إلى حزب يساري يدعو إلى المساواة بين الجنسين ، ويخبرها الوالد إن حقوق الإنسان يمكن أن نصل إليها عن طريق النضال ، وانه لا فرق بين الذكر والأنثى الاثنان بشر يسعون إلى تغيير العالم نحو الأفضل والأكثر جمالا ، كنت أنا تلك الطفلة في معظم الأحداث التي روتها الرواية، الذي أضافته لي الرواية إنني استطعت أن أتخلص من سلطة الرقيب القابع داخل أنفسنا لإرضاء القارئ ومن نحمل لهم عاطفة لا نود خسرانها لم أقل كل ما كنت أفكر به أثناء طفولتي ، بل قلت الكثير، وكانت هناك أحلام كبيرة يود الطفل أن يحققها ، وهي من المستحيلات.
س : بدأت تجربتك الأدبية منذ أكثر من أربعة عقود ، وقد بدأتها بالشعر التقليدي ،كيف ترين تلك البداية ؟
كانت بدايتي الأدبية في الشعر العمودي والقصة الخيالية تحظى بالتشجيع الكبير ،اقرأ قصائدي على مسامع التلميذات والمعلمات ، فيقابل المستمعون تلك القصائد بالتصفيق ، وكثيرا ما كنت احمل على الأكتاف من قبل الطالبات ، التشجيع ذاك كان يشد أزري ويدفعني إلى التجويد في القصيدة وجعلها تتضمن معاني كبيرة مثل العراق والوحدة الوطنية والعدالة ، والنضال من اجل التقدم ونيل الحقوق والتشجيع ضروري جدا ، موقف المتلقي يدفع المبدع إلى الاستمرار ، والموقف اللآمبالي قد يجعل المبدع يتوقف عن الإبداع ، هذا التشجيع كنت ألقاه في المدرسة كثيرا وفي المنطقة التي أسكن فيها ومن الأسرة ، وحين بدأت النشر عام 1960 في الصحف العراقية مثل صوت الأحرار كنت أجد التشجيع من قبل الجميع..
س: صدرت لكِ عدة مجاميع قصصية وروايات ، كيف ترين واقع الأدب الحالي ؟
المجموعة القصصية الأولى كانت بعنوان (التمثال) صدرت عن مطبعة الرسالة في الكويت ، عام 1976تلقاها النقاد بشكلين مختلفين ، الموقف الأول وقف بجانبها عادا إياها تجديدا في القصة العراقية ، والموقف الثاني وقف معارضا لها معددا الأخطاء التي وقعت فيها ، لأنني استعجلت في إصدار المجموعة ، اليوم وبعد مرور هذه السنوات ، أجد الموقفين ضارين ، فالإصدار الأول يجب أن يستقبله نقد حذر ، منصف بناء ، يبين المحاسن كي نكثر منها ، ويذكر المساوئ كي نتخلص منها في الكتابات القادمة ، اليوم أجد الكثير من الإصدارات ، لا تحظى بما تستحقه من دراسات نقدية ، وهذا يضر بالحركة الأدبية في بلادنا. هناك تصفيق كبير قد لا يستحقها المبتدئ ، وموقف لامبالي يسيء إساءة بالغة..
س :هل ثمة أسئلة فلسفية معينة تسعين إلى طرحها من خلال كتاباتك ؟
أسعى إلى الدفاع عن الفكرة التي أبرزها في كتاباتي ، أقف بجانب المظلومين والمهشمين والمناضلين من اجل حياة أفضل ، وأحب أن تصل كتاباتي إلى القارئ العراقي أولا والى القارئ س : العربي ، فأنا اكتب مدافعة عن القيم الإنسانية التي يجري الاعتداء عليها من الكثيرين ، والأدب شكل ومضمون ، يسعى الأدباء إلى فكر ذي قيم نبيلة وشكل جميل..
س : تجلت صورة المرأة في الكثير من أعمالك، فهل هي المحرك الأساسي لما كتبت؟
أجد إن المرأة في العالم العربي والإسلامي تتعرض إلى ظلم كبير، وتسلب منها الحقوق ، ولا تطبق القوانين التي وضعت من اجل إنصافها ، والمرأة العراقية يمكن أن تكون أكثر النساء حرمانا من الحقوق وتعرضا للاضطهاد ، رغم إن العراقيات عرفن بنضالهن الطويل من اجل مصلحة العراق كله ، كانت نزيهة الدليمي أول وزيرة في العالم العربي ، أجد اليوم إن وضع المرأة العراقية في تراجع ، بسبب سياسة العنف واشتعال الحروب ، وحين تغير النظام كان المرجو أن تشرق شمس العدالة على أرض الرافدين الجميلة ، ولكن الأعداء يتربصون بنا ،وهذا لا يعني إن المرأة هي الوحيدة التي يصيبها الظلم في بلادنا ، فهناك الكثير من المظلومين
والمسلوبة حقوقهم ، أدافع عن الإنسان الذي تقف قوى كثيرة وكبيرة للحيلولة دون وصولها إلى تحقيق أهدافه.
س : ما الذي يدفعك إلى الكتابة ؟ وهل ثمة رسالة تلح عليك في الاستمرار بالكتابة ؟ أصبحت الكتابة مثل الدواء ، لا يمكنني البرء من الداء ، أن لم امسك قلمي واعبر عن معاناتي التي سرعان ما اشعر إنها زالت حين انجح في خلق شخصياتي المقنعة للقارئ، والكتابة ذات رسالة ، يجب أن تكون حاملة لتطلعات القارئ مدافعة عن طموحاته ، أفرح كثيرا حين يخبرني احد انه وجد قصتي تتحدث عن ألمه الكبير وعن فرحه القليل ، وقد أخبرتني بعض قارئات قصصي إنهنَّ وجدّنَّ القصة التي اكتبها : تتحدث عن شخصياتهن ، وتدافع عن مواقفهن في الحياة..
س: تكتبين الرواية والقصة القصيرة ،أيهما أقرب إليك ؟ وكيف ترين المواجهة بينهما كجنس أدبي ؟
اكتب الاثنين واكتب المقالة والبحث والقصة القصيرة جدا ، ورغم إن القصة والرواية تتميزان بخصائص السرد ومميزاته ، فان هناك فروقا كبيرة بين الاثنين القصة القصيرة تتحدث عن فترة قصيرة من الزمن وبطلها واحد أو اثنان ، إما الرواية فتتحدث عن زمن طويل قد يكون عقدا أو أكثر ، وأبطالها متعددون ، القصة مكثفة بعناية ، إما الرواية فلا تتطلب التكثيف ، ولا أجد مواجهة بين الاثنين ، فهما يعيشان في حب دائم.
س: تعتمدين في بعض رواياتك كثيرا على الحوارات الداخلية للشخصيات وسبر نوازع النفس الإنسانية بشفافية وعمق لماذا ؟
لأنني أجد إن الإنسان فكر وعاطفة لا يمكن للشخصية أن تستقيم وتكون متوازنة بدونهما ، الحوار الداخلي ضروري جدا في القصة الحديثة ، والقارئ يتطلع إلى معرفة بطل قصته كيف يفكر ، وكيف يحب ويكره ويواجه الناس ويتلقى ضربات الحياة وأهوالها.
س : انتشرت في الفترة الأخيرة روايات السيرة الذاتية بصورة كبيرة ما سبب ذلك ؟
روايات السيرة ليست حديثة تماما ، أيام طه حسين سيرة ، عرفتنا إلى ما عاوناه الأديب الكبير طه حسين وكيف ناضل من اجل العلم والانتصار على عاهته فأصبح بفضل إصراره أحد بصرا من المبصرين. ويوميات نائب من الأرياف لتوفيق الحكيم تعتبر من أدب السيرة ، وفي معترك الحياة رواية لمكسيم غوركي من أدب السيرة ، وكل قصة أو رواية تتضمن جزءا من شخصية الكاتب ، والكاتب لا يمكنه الكتابة إلا عن تجربة أدبية وتعني كل ما عاشه الأديب أو قرأه ، أو سمع عنه..
س : هل توافقين على من يطرح مصطلح الأدب النسوي ؟ وما خواص هذا التميز الأدبي ؟
مصطلح الأدب النسوي لم يُتفق بعد على معناه، بعضهم يقول انه الأدب الذي يدافع عن المرأة ويقف مناصرا لحقوقها ، وبهذا التعريف يمكن أن نعتبر الأدب الذي يكتبه الرجل مناصرا قضايا النساء أدبا نسوياً كذلك الذي تكتبه النساء مدافعات عن حقوقهن والبعض يرى إن المصطلح يعني الأدب الذي تكتبه المرأة رغم أن القضايا والأغراض التي تكتب عنها النساء متنوعة ومتعددة، وأرى إن الأدب بوصفه معبرا عن الفكر والعاطفة لابد أن يتضمن فروقا أسلوبية شكلية ومعنوية بين أديب وآخر ، وكل أدب لابد أن يتبنى قضايا الإنسان وحقوقه..
س: يلعب الرجل دورا مهما في حياة المبدعة ، ماذا عن هذا الدور بالنسبة إليك ؟
الرجل يلعب دورا بالغ الأهمية في حياة المرأة ، أنا وقف والدي بجانبي دائما ، منذ الصغر حين نظمت القصيدة العمودية شجعني ، وحين كتبت أولى مقالاتي ورغبت في نشرها ، اقترح أبي الصحيفة التي يجب أن أرسل إليها كتاباتي ، وفعلا تم النشر في صحيفة (صوت الأحرار) التي كنت أرسل إليها بواسطة البريد وأول من هنأني هو أبي الذي جلب لي الجريدة وهو يعلن عن فرحته ، وبقي يشجعني على القراءة والكتابة ، حين أخبرته أنني كتبت مجموعة من القصص القصيرة في دفتر صغير حرص أبي أن يقرأ قصصي تلك قاص وصحفي هو الأستاذ جليل العطية ، الذي اخذ ينشر قصصي في الصحف العراقية والكويتية ، تلك الأيام كانت كتاباتنا تحظى بالتشجيع والاهتمام الذي يحتاجه كل مبدع ،الآن وبعد هذه التجربة الطويلة أجد نفسي بحاجة إلى التشجيع والاهتمام اللذين أفتقدهما كثيرا..
س: كلمة أخيرة لابد منها ؟
أتمنى أن يعم الأمن والسلام على ربوع الوطن المنسي الذبيح،وطن الحضارات والتعايش والمحبة والإيمان.كما لايفوتني إن أقدم جلَ شكري وتقديري لهيئة تحرير مجلة " الكاردينيا " الغراء، وهي تتابع هموم الوطن والناس .
631 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع