العباسية/عرض وتعليق: منغانا الحاج:يُمثّل كتاب «نازك الملائكة.. طريدة المتاهة والصوت المزدوج (دراسة في ديوان شظايا ورماد»، لتوفيق صايغ، الذي حرره وحققه وقدم له محمد مظلوم، مُدونات ومخطوطات غير منشورة..
عمل الكاتب محمد مظلوم على تحرير بعضها وإصدارها، عازفاً عن مخطوطة كان قد كتبها صايغ قبل نصف قرن، تناول فيها بالنقد كتاب الشاعرة العراقية نازك الملائكة «شظايا ورماد»، والذي صدرت طبعته الأولى في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.
عهد محمود شريح بالمخطوطة التي تسلمها من عائلة صايغ الى الشاعر والناشر خالد المعالي، الذي سلمها بدوره الى محمد مظلوم ليعمل هذا الأخير على قراءتها وتحريرها ووضع تعليقاته وشروحاته عليها..
وحبك نصها في بنية مُتماسكة، بعد ان كانت صفحات مُتفرّقة ومقاطع مُتناثرة هنا وهناك بين مُسودات أوراقه. أرفق مظلوم دراسة صايغ لديوان «شظايا ورماد» بقراءة نقدية لديوان الشاعر رشدي المعلوف، والد الروائي أمين معلوف «أول الربيع». وكان صايغ قد تركها ضمن مسوداته عن نازك الملائكة.
وأهمية الكتاب تتجلى في كونه يُعيد الكشف عن جانب مخفي من الجدل الذي أثير في اوائل النصف الثاني من القرن العشرين، حول تيارات التحديث في الشعر العربي. وهو امر لم يلق العناية الكافية، كما يوضح مظلوم في مُقدمة الكتاب، بسبب الانشغال بمظاهر الصراع التقليدي بين الشعر العمودي وقصيدة التفعيلة.
ويكشف في سياق قراءته التمهيدية لأعمال توفيق صايغ عن تقدمه على غيره من الشعراء في كتابة قصيدة مُتحررة من الوزن والقافية بشروطها الشكلية والمضمونية.
ويستشهد مظلوم بما قاله جبرا ابراهيم جبرا عن صايغ، وكان بداية جدل حول القصيدة الحديثة، واصفاً شعره بأنه أحدث ثورة على عمود الشعر وإيقاعه الغنائي.. وعلى أساليب الشعر المتبعة «يأخذ بيديه طينة أخرى غير ما نص ّ عليه غيره من اصحاب النحت، ويُحيل منها ويُشكّل بها صورا لم تعرفها الأعين من قبل».
ويتابع محمد مظلوم سبر خفايا ما قيل عن صايغ في تلك الفترة، مُعيدا الى دائرة الضوء الإشكالية التي تبنتها مجلة شعر حول الشعر الحديث، ودخول شُعراء الحداثة في مُباراة طالت ارتداداتها كوكبة من شعرائها، ليخلص الى القول ان الشعر الحر تبعا لرأي جبرا هو ما يكتبه صايغ، في اشارة مُضمرة الى نقض صفة «الشعر الحر» عن ما يكتبه السياب أو نازك الملائكة.
ومن الأسباب الأخرى التي حرّضت الكاتب على التصدي لتحقيق هذا العمل، حسب قوله، رغبته في الكشف عن ماهية التجربة الوجودية التي طبعت شعر صايغ، آسفاً لكون هذا الاغتراب مُستمراً، والرجل في عالم آخر. وهذا ما حاولت سلمى الخضراء الجيوسي الإشارة إليه مُتبنية ما نبّه اليه جبرا، حول تلازم النفي الشخصي بالنفي التوراتي في شعره، ذلك في إشارة الى ما كان يُعانيه من قلق الهوية الوطنية.
فالشاعر وُلد من أب سوري وأم فلسطينية وتجسّد عطاؤه الأدبي لُبنانياً. وفي تقصّيه لنواحٍ هي على صلة بحياة صايغ، يعرض المؤلف للمأزق الذي واجهته مجلة «حوار» التي أصدر أعداداً قليلة منها، إذ توقفت قبل أيام من هزيمة حزيران عام 1967..
ويتضح لاحقاً أنها مُمولةٌ من أموال المخابرات الأميركية، ذلك من دون علمه. وحول مُسودة توفيق صايغ لديوان شظايا ورماد، الذي أصدرته نازك الملائكة أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، يوضح مظلوم «أن تدخله في تحرير الكتاب كان تدخلاً دقيقاً وحذراً، بل بالكثير منه، ربما عبر كلمة هُنا، وإعادة صياغة عبارة هناك، دون المساس بفحواها الأصلية».
يُعيد مظلوم اعتماد صايغ في دراسته – المخطوطة على مراجع مكتوبة باللغة الإنجليزية، أو مُترجمة إليها، إلى طبيعة ثقافته الانغلوسكسونية الرصينة.
1081 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع