محاضرة المشكلة الكردية .. وأهمية الحوار

  


    محاضرة المشكلة الكردية..وأهمية الحوار

  

        

                              


             الفريق الركن الدكتور عبد العزيز المفتي

     
            أقول مأثورة عن الكرد

* من أقوال الزعيم الهندي (جواهر لال نهرو) قال:
[أستغرب كيف أن الأتراك الذين ناضلوا من أجل حريتهم يقمعون بهذه الوحشية؟ الشعب الكردي الذي يناضل من أجل الهدف نفسه ـ أي الحرية ... كما هو غريب أن تتحول قومية أعلنت احترامها لحقوق الإنسان إلى قومية عدوانية بهذا الشكل ... وأن يتحول نضالها من أجل الحرية إلى محاولة لاستبعاد الآخرين .... ونسمع عن المآسي التي يتعرض لها الشعب الكردي الذي استقر في عدة دول، ولم تتيح له الظروف التاريخية أو السياسية تشكيل دولة تضم قوميته (الكردية)]
جواهر لال نهرو
* [وهكذا فالأتراك الذين لم يمض إلا وقت قصير على كفاحهم من أجل حريتهم عمدو إلى سحق الكرد الذين سعوا بدورهم إلى نيل حريتهم. ومن الغريب كيف تنقلب القومية المدافعة إلى قومية معتدية، ويتغلب الكفاح من أجل الحرية إلى كفاح من أجل التحكم بالآخرين. ففي عام 1929 نشبت ثورة أخرى عند الكرد. إلا أنها سحقت من جديد، مؤقتاً على الأقل. ولكن كيف يسمح أحداً أن يسحق شعباً يصر على نيل حريته وحقوقه القومية وهو على استعداد لدفع ثمنها ...]
جواهر لال نهرو
* وصف الكاتب التركي س. أوستونغل:
[نشاهد القرويين عائدين من مراكز الشرطة والجندرمة وهم على قيد الحياة رغم أن الكثير منهم كانوا مثخنين بالجراح، أما بالقسوة تجاه الشعب الكردي فقد فاق الكماليون السلاطين العثمانيين. المخضبة أيديهم بالدم الكردي. إنهم يثقفون بالقسوة التي ينتهجونها إزاء الأكراد والأقليات الأخرى. التي يحاولون تتريكها بالقوة. لقد أرحلوا القبائل الكردية عن أوطانهم وهم يجهزون على الكرد بالجملة، مثلما فعلوا بالأرمن تماماً..... ].
وصف الكاتب التركي س. أوستونغل
* نلسون مانديلا:
[سأل أحد الصحفيين السيد نلسون مانديلا عن سبب رفضه لجائزة أتاتورك ... قال مانديلا: (حاول أن تكون كردياً ساعة واحدة ثم أخبرني عن شعورك وستعلم لماذا رفضت جائزة أتاتورك) ]
نلسون مانديلا
* من أقوال الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق الأسبق( ):
1- (إن القضية الكردية هي مشكلة العراق الأساسية المرتبطة بوجودهُ، ولن يتأتى له الاستقرار إلا إذا حلها حلاً عادلاً ينصف الأطراف المعنية كلها، فتتحقق نتيجة ذلك وحدة الشعب الكردي).
من كتابه (العراق من الاحتلال إلى الاستقلال)
2- (القضية الكردية ليست وليدة فترة زمنية متأخرة أو حصيلة وضع سياسي معين، أو نتيجة تحريض شخص أو بضع أشخاص، كما يتوهم بعض العراقيين اليوم، وإن تأكيد هذا الأمر أصبح في الوقت الحاضر ضرورياً لأن بعض المسؤولين لم يدركوا بعد حقيقة هذه المشكلة الكردية في العراق، ولم يتح لهم أن يسبروا عمق أغوارها).
من كتابه (العراق من الاحتلال إلى الاستقلال)
3- (الشعب الكردي لا يريد الانفصال ولا يريد إلا الحفاظ على وجوده، ونحن مستعدون أن نعترف بالوجود الكردي وأن نعترف بالذاتية الكردية كقومية متميزة لها لغتها وتراثها وأمجادها، ومن حقهم الحفاظ عليها).
في 15/6/1966م (ندوة تلفزيونية)
* الدكتور (الطبيب) فهمي الشناوي:
في كتابه (الكرد يتامى المسلمين أم ضحاياهم)
1- إن الأكراد هم يتامى المسلمين، وأنّ ثرواتهم الطائلة قد قام عليها إخوتهم المسلمون الآخرون، ونهبوها لأنفسهم دون الوريث المستحق الأصلي (ص8).
2-الأكراد الخمسة والثلاثون مليوناً يملكون منابع أنهار الشرق الأوسط، ويملكون معظم نفط هذه البلدان، يملكونه أصلاً، ولكنهم محرومون منه فعلاً. يملكون المياه والنفط ولكن ملكياتهم منهوبة عند إخوانهم وجيرانهم (ص41).
3-وأقصى ما وصل إليه وازعٌ ضمير المغتصب، هو أن يعطي الأكراد في مناطقهم ما يشبه (الحكم الذاتي ...) ولكن لا يتمتّع صاحب هذا الحكم الذاتي برسم السياسة، أو الاشتراك في الحكم، ولا توجيه الدولة حرباً ولا سلماً ولا تفاوضاً مع الأجنبي بأي حال، لأنه غير مؤتمن على الدولة، فوضعهم مثلُ وضع عرب فلسطين تحت الحكم الإسرائيلي (ص15).
4-"الحكم الذاتي ما هو إلا رقّ واسترقاق سياسي" (ص16).
5-"كل من حول الأكراد يتباهى بالوطنية صباح مساء، ويجعل منها أيديولوجيا، ويتغنى بتراب الوطن، ويتشدّق بالموت في سبيل الوطن، حتى إذا طلب الأخ الكردي أن يكون له وطن مثلهم لا أكثر ولا أقل، أنكروا عليه ذلك، واعتبروه معتدياً على ما في يدهم" (ص20).
6-فالقومية العربية لا تكفُّ عن التباهي والتفاخر، ولها مؤسساتها، سواء فاشلة أو ناجحة، ويجعل زعماؤها منها ديناً مقدساً، ... فإذا طلب الأكراد أن يكون لهم قومية استنكروا فهم هذا (ص21).
*صدام حسين:
[كردستان جنة الله على الأرض].
صدام حسين
* نزار بابان (كاتب ومناضل كردي):
[كردستان جنة الله وجحيم أمة].          
 نزار بابان

         
     محاضرة المشكلة الكردية وأهمية الحوار

نحن الشعب الكردي نعيش وسط شعوب فارسية وتركية وعربية منذ آلاف السنين. وعلينا أن نقول الحقيقة ولا نخجل في أن الشعب الكردي لم يكونوا هم الأكثرية بين تلك الشعوب. غير أن ذلك لا يمنعنا أن نكون جزء من أمتنا الكردية، ولا يمنع أن يتمتع أو (نتمتع نحن الكرد) بشخصية معنوية مستقلة بين بقية الأمم أو القوميات الأخرى التي تعتز بتاريخها ورموزها وخاصة الكرد الذين أنشدوا ودافعوا عن الإسلام مثل القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي ضد الموجات الصليبية في القرون الوسطى.
في كل الأدبيات والكتب التي تناولت القضية الكردية وخاصة في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921م، كان الحديث الرسمي والشعبي يذهب إلى التآخي بين القوميتين الكردية والعربية. وأحياناً إلى ضرورة (إعطاء حكم ذاتي للأكراد) ضمن حدود الدولة العراقية. وقد تكون مثل هذه الوعود التي كتبت في التاريخ عن الكرد هي ما أثقلت كاهل الأكراد في العيش ونظرتهم بصورة مستمرة إلى مركز الحكم في بغداد. بل وانعدام الثقة (ثقة الكردي) في أي مسؤول عراقي يجلس على كرسي الرئاسة في بغداد. ويجد الكرد أن تقسيم كردستان في القرن الخامس عشر بين الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية في (معركة جالديران 1514) بعض العذر لأن لا يقع اللوم على كاهل العرب دون الفرس والأتراك، خصوصاً وأن العرب والكرد كانوا ضمن حدود دولة العراق قد خضعوا معاً للمحتل الأجنبي التركي والإنجليزي منذ سقوط بغداد على يد (المغول) عام 1258 وحتى قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958. وهي فترة ربما قاربت السبعة قرون من الزمن، ولم يكن هناك من يصنع القرار لتأسيس دولة كردية مستقلة.
كان تناوب الأتراك والفرس على حكم الولايات العراقية الثلاث (البصرة، بغداد، الموصل) على فترات متباينة من الزمن هو من أرهق حالة التآخي بين العرب والكرد، وهما لا ينكران ذلك لأن متطلبات الحكم أجبرتهما على إتباع سياسة (الثأر والضغينة) لإبعاد أحدهما على الآخر، وقد ترسبت بمرور الزمن حالة من الشك والريبة. وكان المستعمر البريطاني – الذي وطأت أقدامهُ ولاية البصرة في عام 1914م (الحرب العالمية الأولى)، هو الآخر (بريطانيا) على معرفة تامة بطبيعة المجتمع العراقي (السنة والشيعة والعرب والأكراد) ومطالب الكرد (المشروعة) في المناطق الكردية الجبلية (كردستان العراق) في نيل الحكم الذاتي.

              

وربما وجدها الشعب الكردي بزعامة القائد الكردي الشيخ محمود الحفيد عام 1919 الفرصة لنيل الحقوق القومية للأكراد في ولاية الموصل والمتكونة من (كركوك، السليمانية، أربيل، وقضاء دهوك وأجزاء من الموصل) بتفاهم مع المستعمر البريطاني وليس التمرد عليه طالما استجابت وزارة الخارجية البريطانية لتأسيس دولة للعرب في العراق كقومية، وأهملت مطالب القومية الكردية وهي القومية الثانية في البلاد.

                           

وقد يكون العيب كل العيب هو في السياسة البريطانية التي أثقلتها مشاكل اليهود في أوروبا، وقادت إلى إعدام الملك الإنكليزي شارل الأول عام 1649، دون أن يتمكن محام إنكليزي من إنقاذ حياته. وهو ما حدث في فرنسا وسببت إلى إعدام الملك لويس السادس عشر وزجتـه ماري إنطوانيت عام 1879. وكان يقيناً هو ما دفع لندن وباريس لتبني اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 لتقسيم ولايات الدولة العثمانية بينهما لإسكان اليهود وجمعهم في وطن مستقل لهم (فلسطين)، ولكن دون ولاية نفطية مثل ولاية الموصل في العراق ومسجد سليمان في إيران لحاجة بريطانيا إلى الإمبراطورية في حكم الشرق الأوسط بعد أن خسروا المستعمرة الأمريكية عام 1776. وإذا كان اليهود والنفط هما مصدريّ القلق في لندن، فإن العامل الأيدلوجي (الفكري) هو الآخر قد أضاف عبئاً جديداً تمثل في قيام ثورة أكتوبر الشيوعية في روسيا عام 1917م، وكانت سبباً إلى توقف القتال ضد الدولة العثمانية في الشرق، وربما وجدتهُ بريطانيا أن الخطر الشيوعي سيكون هو الذي تخشاهُ بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في قادم الزمن وليس الدولة العثمانية القابلة للنكوص والاندحار.
لم يكن الكرد أو العرب على إدراك تام بالسياسة الدولية والإقليمية وامتدادهما في ذلك الوقت. وإذا ما أدرك الكرد بعضاً من هذه السياسة، وخاصة المتعلق بدول الجوار بلاد فارس وتركيا، وإن المستعمر البريطاني هو صاحب الخبرة السياسية في شبه القارة الهندية ومشاكلها القومية والأثنية قد أذعنت للسياسة البريطانية منذ منتصف القرن التاسع عشر. وأن (العرب والكرد والتركمان) ليسوا أكثر عسراً وتعقيداً من مشاكل الهندوس والمسلمين في شبه القارة الهندية، حتى بوجود ثورة شعبية في الفرات الأوسط عام 1920، وانتفاضة كردية في كردستان العراق للاستقلال عام 1919 بقيادة الشيخ محمود الحفيد في السليمانية. وتأثيرهما، يوحي إلى إضافة أعباء على الدولة المهزومة في حرب تركيا (الإمبراطورية العثمانية) أي لأن تحتضن دولتين على ترابها في معاهدة سيفر عام 1920 هما كردية وأرمينية. وبقدر ما استفاد القائد التركي مصطفى كمال أتاتورك من المقاتلين الكرد الشجعان لهزيمة الجيش اليوناني، إلا أنه سرعان ما تنصل من وعوده للكرد فأصبحت المعاهدة (سيفر 1920) ليست أكثر من أوراق تعب عليها موظفي وزارة الخارجية البريطانية.
إن مشكلة اسمها ولاية الموصل بين بريطانيا وتركيا عام 1918 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قد رتب للمنتصر في الحرب (بريطانيا) أن يأخذ منها مادة النفط، كما رتبت (بريطانيا) لها بقاء محمية الكويت منفصلة عن ولاية البصرة النفطية منذ عام 1899 لضمان سير شريان النفط مستمر لبريطانيا وقد أصبحت الخلجان والموانئ البحرية في الخليج مضمونة لرسّو الأسطول البحري الإنكليزي فيها ونقل النفط إلى مستعمرتها الهند (درة التاج البريطاني) . ومثل هذا التفكير الإستراتيجي البريطاني الذي ينظر إلى مصالح بريطانيا بالدرجة الأساس ليس بوسعه في ذلك الوقت إغضاب إيران النفطية، ولا تركيا العلمانية التي تدافع عن مصالحها ضد الخطر الشيوعي الروسي. وتصبح انتفاضة بارزان الأولى 1931-1932 بقيادة الشيخ أحمد البارزاني، وبارزان الثانية بقيادة الملا مصطفى البارزاني 1943-1945 للاستقلال (من وجهة النظر البريطاني) ليسا أكثر من تمرد على سلطة في العراق الحديث ومصالح بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 وقد وصفوا رموزها بالخونة يعملون لصالح الألمان. (وهذا غير صحيح لأنها كانت حركة وطنية وتطالب باستقلالية القرار والسيادة في العراق).
شعر العشب الكردي في كردستان بالفخر والاعتزاز القومي لزعيمنا الخالد الملا مصطفى البارزاني الذي عاد إلى الوطن بعد ثورة 14 تموز 1958، خصوصاً وهو يستمع من الزعيم عبد الكريم قاسم أن العرب والكرد شركاء في الوطن. ولكن في واقع السياسة الدولية، أن العراق الذي تخلص من الاستعمار البريطاني، قد رهن أمرهُ إلى حد ما بسياسة شيوعية وهو ليس شيوعياً. ذلك لضمان تدفق السلاح السوفيتي إلى العراق أولاً، والوصول إلى منطقة الخليج النفطي ثانياً.

             

ولعل ما كان في تفكير موسكو التي مهدت لعودة الزعيم والقائد الكردي الملا مصطفى البارزاني أن يكون البارزاني الساعد الأيمن للزعيم عبد الكريم قاسم في سياسته لإخماد أي تمرد عشائري في المنطقة الكردية الجبلية الوعرة. وفهمها عبد الكريم قاسم بأن يؤدي الملا مصطفى البارزاني وعائلته وعشيرته والشعب الكردي التحية العسكرية له أينما حل، وأن شعار الكرد والعرب شركاء في الوطن ليس أكثر من شعار أملتهُ الظروف السياسية لتجنب حدوث انقلاب تقوم به القوى القومية على سياسة عبد الكريم قاسم الملونة تارة مع الشيوعيين وتارة مع القوميين. وأفرزت أحداث 11 أيلول عام 1961 (الثورة الكردية في العراق)، كيف حمل عبد الكريم قاسم على الكرد وإنكار وجودهم القومي، الأمر الذي أجبر الزعيم والقائد الكردي الملا مصطفى البارزاني على مقاتلة وحدات الجيش العراقي التي أرسلها عبد الكريم قاسم إلى كردستان العراق. وقد وصلت رسالة الحاكم في بغداد، أن لا حكم ذاتي للكرد حتى وهو على غير وفاق مع سياسة طهران وأنقرة.
يعتقد زعماء وقادة الكرد والشعب الكردي ولا يزالون يؤمنون بلغة الحوار والتفاوض والمناقشات مع بغداد قبل لغة السلاح. ولعل ما جرى من حديث بين جلال الطالباني والرئيس المصري جمال عبد الناصر ما يمكن وصفهُ بحديث القلب للقلب عام 1963. والكرد إذ يمجدّون الرئيس جمال عبد الناصر وهـو رائد للقومية العربية كما انه زعيم مرموق بين الرؤساء من مؤسسي حركة عدم الانحياز، فإنهـم (زعماء حركة عدم الانحياز) أبعد ما يمكن من العنصرية.

  

ولكن للأمة الكردية حقوق مشروعة ينبغي التشاور بها، وهي فضلاً عن كونها معنوية والرئيس جمال عبد الناصر يستمع إلى مطالب وحق الكرد في اللغة والتعليم والمشاركة في صنع القرار إلا أنها في النهاية لا تمثل واقعاً على الأرض والرئيس العراقي عبد السلام عارف – التواق للوحدة مع مصر – بحاجة إلى إعادة الثقة بمفاوضيه الأكراد للوصول إلى أرضية متفق عليها، وليس أرضية لحشد الدبابات والمدفعية لضرب المكوّن الثاني الكرد بعد العرب. وكان بالإمكان تعويض ذلك بحسن النية تجاه الكرد لإطلاق سراح كل المعتقلين والسجناء بسبب الثورة الكردية، ليجد من قادة الكرد ما يمجد موقفه الإنساني، وهي صفة متأصلة في نفوس الكرد عامة في رد الجميل، وليس الغدر كما يفعل به ساسة اليوم.
ربما هناك من السياسيين من وصف لقاء جلال الطالباني مع جمال عبد الناصر عام 1963م، انه لقاء قدر له لإضافة شعبية لجمال عبد الناصر في للقضية الكردية التي آن لها أن تُعرف على صعيد الرؤساء العرب والشعوب العربية، ذلك قبل أن تصل أذنيّ جمال عبد الناصر، أن الوحدة الفكرية التي يتمتع بها الشعب المصري هي ليست ذاتها في العراق، وان إعطاء حقوق للكرد وميزانية قد يطالب بها الشيعة في الجنوب (العراق) طالما كان حاكم بغداد عربي سني. ولكن ذلك لم يعطل الحوار ومطالبة الكرد بحقوقهم المشروعة بعد هجوم الربيع ضد الكرد عام 1964، (نلاحظ سوء نية الحكومة وهي تتفاوض مع قادة الكرد وفي نفس الوقت تتهيأ لشن هجوم كاسح على الثورة الكردية) لتظهر بنود التاسع والعشرين من حزيران 1966 على يد رئيس الوزراء المدني الدكتور عبد الرحمن البزاز قبل أن يجبرهُ العسكريون المتنفذون في الحكومة على الاستقالة. والحق الذي يجب عدم إغفاله، أن ما وضعهُ الدكتور عبد الرحمن البزاز من قاعدة للتفاوض قد مهدت لأن تجتاز الثورة الكردية بعض العقبات ومنها قبول الكرد في الوظائف العامة والكليات العسكرية والبعثات بما يتناسب وعددهم بموجب إحصاء عام 1957.
وربما مثل هكذا قرار جريء يصدر من بغداد لا يعجب ساسة طهران وأنقرة، وهو كذلك منذ اتفاق عام 1926 بين الدولتين، وهو موجه بالدرجة الأساس لتحجيم الحركة الكردية وحصرها في أضيق نطاق.
إن الأثر النفسي الذي تركتهُ حرب 5 حزيران 1967 بين العرب وإسرائيل كان كبيراً. ورغم تبدل بعض القيادات العربية بأخرى، إلا أن يد العسكريين في مركز القرار كانت هي المسيطرة، وهناك من تطرّف في الحديث عن الكرد وقياداتهم بأنهم أحد أسباب النكسة، وهو ما يحمل في ثناياه أن لا عودة للحديث عن حكم ذاتي أو (الحوار) وأن نكون منصفين ما علاقة الكرد بخسارة الجيوش العربية ضد إسرائيل. وقد يكون الصحيح هو بالعودة إلى ما طرحهُ الكرد في مناسبات عدة، ماذا لو اعتمد العرب عامة والعراق بصفة خاصة على مبدأ الديمقراطية للعراق والحقوق القومية للأكراد داخل الخيمة العراقية. أليس ذلك ما كان يضمن ولاء كل العراقيون (العرب والكرد) لبلدهم دون الخشية من المعارضة ومراقبة من يخالف ويعارض رأي حاكم بغداد، وهو ليس نبياً معصوماً. والواقع أن ما يجتهد به الكرد لحل المسائل العالقة وتطوير البنية التحتية كثيراً ما يفسر بسوء النية، وأحياناً أن الأجنبي هو من لقنهم! وعساهُ الملقن وهو يذكر في صحفه وأجهزة إعلامه أن ملايين الكرد باتوا محشورين بين الجبل والسهل دون حقوق مشروعة تجعلهم يشعرون بعدم حقهم في المواطنة والمشاركة في صنع القرار السياسي. وقد لا أكون منحرفاً في حديثي، عندما أقول أن الكثير من الحكام العرب يستهويهم مشورة الأجنبي وهم يواجهون مأزقاً صعباً أو هم يريدون إزاحة أو تكبيل المعارضة لاستحقاقات كرسي الحكم. ولم يكن اتفاق (بيان) 11 آذار عام 1970 بين الكرد وحزب البعث الحاكم في بغداد أبعد مما ذهبنا إليه وطالبنا به نحن الكرد ليظهر للعالم العربي والإسلامي والدولي أن بغداد أظهرت حسن النية تجاه الكرد، ولكن رفضهُ الكرد، والكثير من الشعب العراقي وخاصة من الأخوة العرب لا يعلموا بأن البنود المتفق عليها في 11 آذار 1970 لم يتم تحقيقها أو أخذها بنظر الاعتبار من قبل حكام بغداد في 11 آذار عام 1974 أي أصبحت مجرد حبر على الورق، وكان الرد المناسب أن بغداد لازالت تمارس لعبة تجنيد الكرد للتجسس على أبناء جلدتهم. وأن دين الإسلام الذي يؤمن به الكرد قولاً وفعلاً لا يقبل على ذلك .... وعليكم أن تتصوروا كيف يمكن أن تكون المشاركة في القرارات المصيرية التي تهم الوطن؟

   

وهنا لابد لي من الإشارة إلى مسألة اتفاقية السادس من آذار 1975 في الجزائر المعروفة باتفاقية الجزائر عام 1975 بين النائب صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي. وبموجبها حصلت إيران على نصف شط العرب وأراضي عراقية في سيف سعد وزين القوس، وضربت الأكراد وحركتهم المطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الكردي في إطار العراق الديمقراطي. والحق الذي لا أتحرج منهُ، أن لو كان اتفاق 11 آذار عام 1970 رصيناً وزاكياً للكرد لما تحرّج كرد العراق في الوقوف إلى جانب صدام حسين لإثارة كرد إيران على الشاه والأخير يمقت العرب، ويمقت جمال عبد الناصر، ويمقت صدام حسين، هذا هو ما كنّا نقول به عن المشاركة في القرارات المصيرية، وما نجدهُ للديمقراطية لأن تنمو على حساب الديكتاتورية التي ضيعت الوطن في وقت لاحق من الزمن. ونقول، هل الصحيح أن نضيع الوطن (وطننا العراق) في متاهات الحروب ولا نصغي إلى مطالب الكرد المشروعة في كردستان العراق وهم جزء من الشعب والوطن العراقي، ومصطفى كمال أتاتورك (القائد التركي) ما كان له أن يحول هزيمة تركيا إلى نصر ضد اليونان عام 1922 لولا مساعدة المقاتلين الكرد المؤمنين بالله أولاً ورغبتهم الصادقة في معاونة الأتراك ومن يقف إلى جانبهم، وهم أهل عزة وعُرف لاستجارة من يلجأ إليهم وفق قواعد الدين الإسلامي الحنيف والحق والعدل. ودون تحميلهم وزر أخطاء قرارات الحرب العالمية الأولى، وعواقبها الجسيمة والصعبة كما حدث في غزو الكويت في 2 آب عام 1990.
وإذا من قائل أن يقول بأن العراق قُسم إلى دويلة شيعية، ودويلة سنية وأخرى كردية، فإن حاكم بغداد وحدهُ من يتحمل وزر المسؤولية مهما قيل عن انتفاضة للشيعة وأخرى للكرد عام 1991وهي تحصيل حاصل للكرد الذين حوصروا مرات بين الجبل والسهل، بل وبعد اتفاقية الجزائر في 6 آذار عام 1975 باتوا على قمم الجبال خشية جحيم قصف الطائرات بالنابالم والكيماوي والتهجير القسري والإبادة الجماعية، وجحود سياسة أنقرة وطهران تجاه الأقليات، ومنهم الكرد في تنسم هواء الحرية، والحرية لها ثمن بعد أن تم تدمير 90% من ريف وقرى كردستان كانت (تدمير (4500) قرية كردية) وهجر سكانها قسرياً إلى معسكرات تشبه معسكرات النازية في الحرب العالمية الثانية. فضلاً عن حملات الإبادة الجماعية فيما سميّ بحملات "الأنفال" السيئة الصيت (تهجير 182 ألف كردي) والله لا ينصر إلا من نصرهُ، وهو يجازي من يقتل عبثاً، لقوله: "ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً" ولم الشمل للشعب الكردي، وظهرت المنطقة الآمنة في كردستان العراق، لتأسيس برلمان وحكومة كردية في مايو/أيار 1992 من مؤيدي الحزبين الرئيسين الديمقراطي والاتحاد الوطني وآخرين تحملوا وزر المسؤولية التاريخية لبناء إقليم كردستان الفيدرالي، وهو نواة لدولة كردستان الكبرى.

الدكتور
عبد العزيز المفتي
عمان أيلول 2013



  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1335 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع