محاضرة جذور المشكلة الكردية
قلنا أن معركة جالديران عام 1514 كانت فاصلة في التاريخين الفارسي والعثماني. وإذا ما كان للكرد أن يفخروا به إنهم قاتلوا مع السلطان العثماني "سليم الأول" الملقب "بسليم ياوز" أي (الصارم).؟ وكانت مشاركتهم على أساس المذهب الديني السني الذي يتبعهُ الكرد ضد المذهب الشيعي للشاه إسماعيل الصفوي.
وقد لا يكون المذهب هو السبب المباشر الذي أخذ به المقاتلين الأكراد للانحياز إلى الدولة العثمانية ... حيث أن الواقع أن الإمارات الكردية (الملحق أ) وهي وراثية كانت تحت سيطرة الاقطاعيين والأغوات الكرد الذين زينوّا لرجال الدين أن الضرورة تقضي لمعاونتهم في بسط السيطرة على العموم من الناس لنيل الحقوق القومية للكرد. وأمام سطوة الإقطاعيين والأغوات الكرد المتنفذين، كثيراً ما اشتكوا للسلطان العثماني أن بعض أمراء الإمارات الكردية هم من "القزلباش الآذريين" الذين يتبعوهن المذهب الشيعي الصفوي الطائفي، وهي النقطة المركزية التي حمّلت السلطان العثماني سليم الأول لإعادة الاعتبار للأمراء الكرد (السنة)، وبقاء الحكم الوراثي مقابل دفع الرسوم السنوية كرمز لعائدية هذه الإمارات للدولة العثمانية، وأن يشارك الكرد في القتال إلى جانب الجيش العثماني في فتوحاته، وعليهم ذكر اسم السلطان العثماني على المنابر (في المساجد) خلال خطبة صلاة الجمعة كما كان عليه الخليفة العباسي الجالس على عرش الخلافة في بغداد.
ولكن وبعد مرور أربعة عقود من زمن الفتوحات العثمانية في الشرق والغرب، ظهرت التحديات الأوروبية للدولة العثمانية بعد محاصرة "فينا" عاصمة النمسا عام 1529، وتوغل الأساطيل البحرية البرتغالية والهولندية والفرنسية في الخليج العربي بين 1500 – 1750، وهناك دعّوة برتغالية لمعاونة الملك أو الشاه الفارسي لضرب "مكة" قبلة المسلمين وضريح النبي محمد (ص) في المدينة المنورة. وتلك ما دعت روسيا القيصرية التي وجدت الفرصة لحماية الأرمن التدخل في شوؤن الدولة العثمانية. وتبعتها إنجلترا الاستعمارية باعتبارها الوسيط الموثوق لحل المشاكل لمنع الجهاد الإسلامي ضدها في منطقة الخليج.
وفي الشرق، واجه السلطان العثماني تحدي آخر تمثل في دولة المماليك وحاكمها "قانصوه الغوري" في بلاد الشام ومصر. وحسب قول اسطنبول، أن رسائل كثيرة وردّت إلى السلطان العثماني تدعوهُ لبسط السيطرة على بلاد الشام ومصر بعد انتشار الفساد وظلم الشراكسة الحاكمين، والضرائب التي أثقلت كاهلهم. واعتبرها السلطان العثماني أن أن شريعة الإسلام تفرض عليه أن يقاتل الأعاجم الذين يتحكمون على رقاب المسلمين، فهاجمهم الجيش العثماني في معركتي "مرج دابوق" قرب حلب 1516، و"الريدانية" على أطراف القاهرة 1517 .
وأمام حجم التحديات والحروب المستمرة ضد سلطة سلاطين الدولة العثمانية، وجد السلطان العثماني سليمان القانوني أن عليه أن يتفاهم مع الشاه الفارسي "طهماسب" حول مناطق النفوذ العثمانية ومنها مدينة "تبريز" عاصمة الصفويين للتوقيع على معاهدة "أماسيا" عام 1555م. وكانت علي حساب الكرد في مناطق كردية مثل شهرزور وقارص، وبايزيد. واستمر النزيف العثماني من جراء المعارك على جبهة أرض بلغت (20) مليون كم2 تمتد من أوربا إلى مراكش، الأمر الذي جعل السلطان العثماني "مراد الرابع" التوقيع على معاهدة "زهاو" عام 1639 لتنظيم الحدود بينهما (الدولة العثمانية والدولة الفارسية)، وكانت هناك قبائل كردية على جانبي الحدود بينهما على ولاء مع الشاه الفارسي أو السلطان العثماني حسب مقتضيات القوة، أو الغلبة بينهما لهذا الطرف أو ذاك. وبأدراك فارسي لما تحملتهُ الدولة العثمانية من نزيف بالأموال والدماء، ظهرت معاهدة ارضروم الأولى 1823، والثانية 1847، واتفاقية طهران عام 1911. والدولة العثمانية في معارك متواصلة مع الروس حول شبه جزيرة القرم عام 1854، وأماكن أخرى على الحدود بهدف تقويض حكم الخلافة الإسلامية وتعطيل الجهاد الإسلامي في خانات آسيا الوسطى الإسلامية.
واستدرك أمراء الكرد أن حرب الدولة العثمانية مع خصومها الفرس والروس، والأرمن، وبلدان أوربا الشرقية (دول البلقان) قد أخذ من قوة الكرد الكثير، فهي أي الدولة العثمانية تريد أن يشتبك الكرد مع الأرمن، كما هي تشدّد باسم الدين الإسلامي ومذهبه السني ضرورة مقاتله الصوفيين ولكن في النهاية هي (العثمانيين) ليست على استعداد لإعطاء أي حقوق للقومية الكردية. وزاد الطين بّله عندما وقت الدولة العثمانية مع بلاد فارس اتفاقية الحدود المعروفة "قصر شيرين / زهاب عام 1639 وهي كافية لإحباط أي توجه كردي في كردستان إيران وإحباط أي توجه كردي في كردستان تركيا ...
* جذور المشكلة الكردية في العصر الحديث
بدأت المشكلة الكردية بصورة واضحة في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الصفوية الشيعية والعثمانية السنية عام (1514م) في معركة جالديران التي كانت كبيرة وغير حاسمة، كان من نتائجها تقسيم كردستان عمليًّا بين الدولتين الصفوية والعثمانية.
فقد كانت كردستان قبل سنة (1514م) تسود فيها إمارات مستقلة مشغولة بتنظيم شئونها الداخلية، لكن سوء معاملة الشاه إسماعيل الصفوي، إضافةً إلى الاختلاف المذهبي جعل سكان إمارات الأكراد وبلاد الجزيرة في انتظار من يخلصهم من الحكم الصفوي، بالإضافة إلى جهود الشيخ إدريس البدليسي الذي ندبه السلطان العثماني لإقناع أمراء الأكراد ورؤساء العشائر وحكام المقاطعات بالانقلاب على حكم الشاه؛ لكل هذا بدأت المدن الكردية تثور على الحكم الصفوي مثل: ديار بكر، وبدليس، وأرزن، وميافارقين، وكركوك، وأردبيل.
* تقسيم كردستان
في عام (1515م) بعد معركة جالديران قام العلامة إدريس البدليسي، بعد تفويضه من قبل السلطان العثماني، بعقد اتفاقية مع الأمراء الأكراد، يتضمن اعتراف الدولة العثمانية بسيادة تلك الإمارات على كردستان، وبقاء الحكم الوراثي فيها، ومساندة الأستانة لها عند تعرضها للغزو أو الاعتداء مقابل أن تدفع الإمارات الكردية رسوم سنوية كرمز لتبعيتها للدولة العثمانية، وأن تشارك إلى جانب الجيش العثماني في أية معارك تخوضها الإمبراطورية، إضافة إلى ذكر اسم السلطان والدعاء له من على المنابر في خطبة الجمعة.
وقد تضمن هذا الاتفاق اعترافًا من الدولة العثمانية بالسلطات الكردية، ولم يكن ذلك شيئًا يسيرًا في مسيرة الأكراد؛ إذ قدَّم لهم اعترافًا بوجود المشكلة الكردية، يقتضي حلها، حتى لو كان الحل وقتيًّا!!
ومنذ ذلك الحين تغيرت مخططات الأكراد لمستقبلهم، وصاروا يتطلعون إلى الانفصال عن كل الدول التي يعيشون فيها، وإقامة دولة كردية تقوم على وحدة العِرق الكردي، وليس على أية رابطة أخرى، ومن ثَمَّ الانفصال عن الخلافة الإسلامية الكبرى القائمة في عصرهم وهي الخلافة العثمانية.
ولكن في عام (1555م) عقدت الدولتان العثمانية والصفوية اتفاقية ثنائية بين السلطان العثماني سليمان القانوني والشاه طهماسب عُرِفت باتفاقية "أماسيا"، وذلك بعد ثلاث حملات عسكرية قام بها السلطان سليمان القانوني، واستولى فيها على مدينة تبريز عاصمة الصفويين، وعديد من المدن؛ ولكن في كل مرة كان الصفويون يستغلون عودته (السلطان سليمان القانوني) لبلاده، ويهجمون على هذه المدن مرةً أخرى، وفي آخر حملة وصلته رسل طهماسب وهو في مدينة أماسيا التركية؛ فقبل أن يوقع المعاهدة هناك رغبةً في التفرغ للميادين الأخرى التي كان يواجه فيها صعوبات شتىّ، وتُعدُّ هذه المعاهدة أول معاهدة رسمية بين الدولتين. وتمَّ بموجبها تكريس تقسيم كردستان رسميًّا وفق وثيقة رسمية، نصت على تعيين الحدود بين الدولتين، وخاصة في مناطق شهرزور، وقارص، وبايزيد (وهي مناطق كردية صرفة)؛ مما شكَّل صفعة لآمال الأكراد في الحصول على استقلالهم.
وقد تمَّ توقيع عدة معاهدات تالية لتلك الاتفاقية؛ منها معاهدة "زهاو" أو تنظيم الحدود عام (1639م)، وتم التأكيد على معاهدة أماسيا بالنسبة لتعيين الحدود؛ مما زاد من تعميق المشكلة الكردية، ثم عقدت بعد ذلك معاهدات أخرى مثل معاهدة "أرضروم الأولى" (1823م)، و"أرضروم الثانية" (1847م)، واتفاقية طهران (1911م)، واتفاقية تخطيط الحدود بين الدولتين: الإيرانية والعثمانية عام (1913م) في الأستانة، وكذلك بروتوكول الأستانة في العام نفسه 1913.
اتفاقية أماسيا 1555 هي أول معاهدة رسمية بين الدولتين الصفوية والعثمانية، وتم بموجبها تعيين الحدود بينهما، وتقسيم كردستان في مناطق "شهر زور" و"قارص" و"بايزيد" وهي مناطق كردية تماماً. كما حددت المعاهدة حدود قواطع بغداد وتبريز وأذربيجان.
وجاءت بعد هذه المعاهدة معاهدات أخري منها معاهدة قصر شيرين (زهاب) ومعاهدة أرضروم الأولى والثانية وصولاً لاتفاقية طهران 1911 واتفاقية تخطيط الحدود عام 1913 وكل هذه المعاهدات كرست تقسيم كردستان ثم كانت اتفاقية سايكس بيكو 1916، التي حطمت آمال الأكراد بتدويل القضية.
أسهمت هذه المعاهدات في تكريس تقسيم إقليم كردستان، وقد زاد من حدة مشاعر الغضب الكردية بدء الأفكار القومية في الانتشار في الشرق مع بدايات القرن التاسع عشر؛ حيث بدأت الدول الأوروبية تحتك بكردستان عن طريق الرحّالة الأجانب والإرساليات التبشيرية، وكذلك عن طريق بعض القنصليات، وأهمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأميركية.
وقد مارست كل هذه الجهات أدوارًا مهمةً في تحريض العشائر الكردية ضد الدولة العثمانية خاصةً، ثم الإيرانية، لكي يحصلوا على مزيد من الامتيازات، أو يزداد نفوذهم في الدولة العثمانية خاصة؛ وذلك بغية تحقيق هذه الدول الأوروبية مآربها في إثارة القلاقل داخل الدولة العثمانية؛ لتتمكن من إضعافها عن طريق إثارة المشاكل الداخلية.
دخلت القضية الكردية منعطفًا جديدًا مع اشتداد الصراع الدولي في المنطقة، وخاصةً بين بريطانيا وروسيا؛ إذ أخرج هذا الصراع القضية الكردية من الحيز الإقليمي إلى النطاق الدولي، فقد بدأت روسيا ثم بريطانيا في وقت مبكر اتصالاتهما بالأكراد كما حاولت فرنسا الأمر ذاته.
كما كانت أمريكا موجودة في المنطقة على عكس ما كان شائعًا من تطبيقها لمبدأ "مونرو" الذي يؤكد على عدم التورط في المشاكل السياسية خارج أمريكا.
في ذات الوقت التقت رغبات الدول العظمى بمحاولات بعض الأكراد التقرب من الأجانب، من أجل البحث عن حلٍّ للقضية الكردية؛ حيث كانت جهود الدبلوماسي الكردي شريف باشا واضحة في هذا المجال، إذ حاول الاتصال بالإنجليز عام (1914م) لكي يعرض خدماته، لكن الحكومة البريطانية لم تستجب له.
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م لم يكن للأكراد مصلحة فيها، وبرغم ذلك وجد الأكراد أنفسهم وقد جرفتهم أحداث الحرب للاشتراك في القتال على الجبهتين: القوقازية والعراقية؛ فقد انضم الأكراد إلى جانب تركيا في الحرب، حيث تمكن الأتراك من توجيههم لقتال الأرمن والأثوريين (الأشوريين) الذين خانوا تركيا، وتمردوا عليها، وانضموا إلى جبهة الحلفاء المعادية. وقد أُصيب الأكراد بخسائر فادحة شأنهم في ذلك شأن الشعوب الأخرى التي تورطت في الحرب، ولكنهم قد أثبتوا أنهم مفيدون للأتراك في أداء المهمات التي أُنِيطت بهم.
ضُرِبَت الجهود الكردية للاستقلال على إثر اتفاقية سايكس بيكو عام (1916م)؛ حيث اجتمع وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت الاتفاقية تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم، وهذا الوضع الجديد عمَّق بشكل فعّال من تعقيد المشكلة الكردية؛ حيث تُعَدُّ معاهدة سايكس بيكو أول معاهدة دولية اشتركت فيها ثلاث دول كبرى، وحطمت الآمال الكردية في تحقيق حلمهم في تقرير المصير.
* ما بعد الحرب
تحرك الأكراد لاستثمار الظروف الدولية وهزيمة الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى لنيل مطالبهم والاستفادة من مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون بحق الشعوب في تقرير المصير، وقد تحرك الأكراد وبذلوا جهودًا مضنية لإيصال صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس عام (1919م)، ولا سيما بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية ويدرو ويلسون بحق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة، ولم يكن للأكراد كيان سياسي مستقل حتى يشارك وفدهم رسميًّا في ذلك المؤتمر، شأنهم شأن القوميات والشعوب المضطهدة الأخرى، ولذلك خَوَّل الشعب الكردي من خلال العشائر والجمعيات السياسية شريف باشا لتمثيلهم والمطالبة بالمطالب الكردية المشروعة.
بدأ الأكراد يركزون جهدهم لمطالبة الهيئات الدولية التي احتلت الأستانة بتوحيد المناطق الكردية ومنحها حكمًا ذاتيًّا؛ فراجعوا اللجان الأوروبية والأمريكية التي تكونت لاستفتاء الشعوب التي انفصلت عن الإمبراطورية العثمانية لهذا الغرض، كما رأى مفكرو الأكراد وجوب الاتجاه بمساعيهم الوطنية إلى خارج الدولة العثمانية بعد أن رفضت وزارة فريد باشا منح الاستقلال الذاتي للأكراد. وقد ركز الأكراد اهتمامهم نحو مؤتمر الصلح الذي انعقد في باريس في مارس 1919م، خاصة وأن هذا العام قد حفل بالآمال بالنسبة للأكراد والعرب والأرمن، فقد أقبلت هذه السنة ومعها وعود ويلسون بتقرير مصير الشعوب.
وقد أصدر الحلفاء بعد استكمال تحضيراتهم للمؤتمر في باريس قرارًا في شهر يناير1919م نص على ما يأتي: "… إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية".
وانطلاقًا من هذا القرار قدم الممثل الكردي شريف باشا مذكرتين مع خريطتين لكردستان إلى المؤتمر، إحداهما بتاريخ (21/3/1919م)، والأخرى يوم (1/3/1920م). كما طلب من القائمين على شئون المؤتمر تشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات، لتصبح كردستان المناطق التي تسكن فيها الغالبية الكردية، وإضافة إلى ذلك فقد جاء في المذكرة الأولى "إن تجزئة كردستان لا يخدم السلم في الشرق…".
كما جاء في المذكرة الثانية "إن الترك يتظاهرون علنًا بأنهم مع المطالب الكردية، وأنهم متسامحون معهم، لكن الواقع لا يدل على ذلك مطلقًا…". كما طلب شريف باشا رسميًّا من رئيس المؤتمر جورج كليمنصو أن يمارس نفوذه مع حكومة الأستانة لمنع اضطهاد الشعب الكردي، وجاء في رسالته إلى رئيس المؤتمر: إنه منذ أن تسلمت جماعة الاتحاد والترقي (العلمانيون) السلطة، فإن جميع الذين يحملون آمال الحرية القومية قد تعرضوا للاضطهاد المستمر، وإنه من الواجب الإنساني في المجلس الأعلى أن يمنع إراقة الدماء مجددًا، وإن السبيل لضمان السلم في كردستان هو التخلي عن مشروع تقسيم هذه البلاد (أي كردستان).
ودل كل ذلك على أن المشكلة الكردية تقدمت خطوة كبيرة إلى الأمام في أعقاب الحرب. وعندما رأى شريف باشا أن تعاطف الدول الأوروبية كبير نحو القضية الأرمنية - ربما بسبب الانتماء الديني للأرمن- استطاع عقد معاهدة ائتلافية بينه وبين نوبار باشا رئيس الوفد الأرمني في ديسمبر سنة 1918م بباريس لحل المسائل المتنازع عليها بين الأكراد والأرمن حلاًّ سلميًّا بدون ترك فرصة للتدخل فيها من القوى الأخرى، وعلى أساس أن تكون كردستان دولة مستقلة عن الدولة الأرمنية المزمع تأليفها.
* الأكراد من القرن السابع حتى القرن العاشر
* قبائل أكراد الجبال خزستان، لورستان وفارس
في الجبال كانت تدخل المناطق الكردية" كردستان ايران" المعاصرة، وجزء من "كردستان العراق". وكما هو الحال في الوقت الحاضر، كان الأكراد يعيشون في السلاسل الجبلية الواقعة إلى الشمال من همذان وحتى حدود أذربيجان، ويدعى الإقليم الواقع بين كرمانشاه وأذربيجان (آردلان)، في عهد الإسلام الأول كانت ديناور مع دارتا معروفة ب"ماه الكوفة" ونهاوند بـ"ماه البصرة" ويكتب الأكاديمي ف. ف. برتولد بهذا الصدد انه في عهد السيادة الساسانية شكلت آردلان ونهوند إقليم "ماه" (منطقة ميدي القديمة) التي كانت مقسمة في عهد الإسلام الأول، بين ولاة الكوفة والبصرة العرب. لهذا فان القسم الشمالي من اقليم ديناور أصبح يدعى بـ" ماه الكوفة" أما القسم الجنوبي بما في ذلك نهوند فيدعى بـ "ماه البصرة".
لعب الأكراد في حياة الجبال دوراً نشطاً، ويذكر المؤلفون العرب للقرنين العاشر والحادي عشر أكراد شهرزور (قرماسين)، (همذان، نهوند)، ومناطق أخرى.
كانت مدينة شهرزور، في المرحلة المعينة، تعد مركزاً عسكرياً وسياسياً للمنطقة التي تحمل نفس الاسم و الذين كان سكانها، بحسب شهادة المؤلفين العرب يتألفون من الأكراد وكان الإقليم يقع بين أربيل وهمذان، لقد نشط أكراد شهرزور في القرنين التاسع والعاشر الميلادي لدرجة أنهم لم يكونوا يخضعون للسلطة المركزية، ويذكر أبو دلف انه قد قضى فصل الشتاء هناك ستمائة ألف أسرة من قبال أكراد الجلالية اليبسان (عند ياقوت البسيان) الحكمية والسلفية التي امتلكت كذلك حقولاً للزراعة كانت شهرزور، وفق معطيات الجغرافيين العرب تضم مدناً وقرى، وأكبر مدينة مركز من الأقاليم، حسب معطيات أبي دلف، في القرن العاشر كانت تسم غزراي (أي شهرزور) وقد كان أهل هذا المركز لا يخضعون للخليفة. كانت المدينة واقعة في الصحراء وكان عرض أسوارها ثمانية أذرع أما ما يخص التسمية فإنها تعود لأصل إيراني. فمن المعروف أن الفرس كانوا يطلقون على شهرزور اسم نيم راه (نصف الطريق) وذلك أن المدينة كانت تقع في منتصف الطريق بين العاصمة الساسانية مثل طيسفون وشيز، حيث يوجد في شيز الواقعة في جنوب اذربيجان، معبد النار الرئيسي للزرادشتية الذي يحتفظ حتى الآن بأطلاله "تخت سليمان" ويذكر ابن حوقل والأصطخري أن شهرزور مدينة صغيرة. كان الأكراد يملكون مناطقها المجاورة حتى حدود العراق ولم يكن لديهم أمير على الرغم من أن هذا الإقليم كان غنياً مترامي الأطراف وجميلاً .
كانت مدينة (سُهْرَوَرد) تقع إلى الشمال من همان في الطريق إلى الزنجار ويكتب ابن حوزقل أن هذه المدينة كانت تشبه مدينة شهرزور وهي في الأساس مدينة كردية. أما سكانها فقد كانوا من الخوارج ثم يضيف الجغرافي قائلاً ان جبالاً عالية تمتد من شهرزور وحتى أميد وأذربيجان في الجزيرة فالموصل، و فوق مساحات الأراضي هذه. حسب اعتقاده، كانت تقطنها "الحميدية" "العومة" أو (العلوية) "المهرانية" وقبائل أخرى من أكراد شهرزور .
في هذه المرحلة تميزت القبيلة الشهرزورية المحاربة "الجلالية" بنشاطها الحيوي التي كثيراً ما كانت تظهر في المناطق المجاورة. فكما سبق القول، ففي النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي، اشتركت هذه القبيلة مع القبيلة الشهرزورية "الشمرولية" في حركة الخوارج في الموصل.
في شهرزور، مثلما هو الحال في كل إقليم الجبال، كان انتشار القبائل الكردية كبيراً جداً، حيث كان مشروطاً بالأساس بمتطلبات تربية الماشية. ففي هذه المرحلة أضحت معروفة لنا كذلك قبائل كردية كانت تعيش في مناطق قرماسين، شهرزور، ديناور، نهوند، وفي أذربيجان المجاورة لجبال، وهذه القبائل هي "البرزيفية" (أو البرزِكان) "العيشانية" "المشزيجان" الكوخية "وقبائل أخرى. بالإضافة إلى ذلك يخبرنا ابن حوقل أن الأكراد في القرن العاشر الميلادي قد نشروا على مدينة أبهار والمناطق الواقعة بين قزوين وزنجان.
تتحدث المصادر عن وجود الأكراد في خزستان منذ الفتوحات العربية وحتى القرن العاشر الميلادي، فهنا غالباً ما تذكر قبيلة "اللورية" والتي يستخدم المؤلفون العرب بخصوصها مصطلح "كرد". بهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن أصل اللوريين وكذلك البختياريين، هم من الأصل الكردي. فكما يبدو أن هذه القبائل التي كانت تعيش في هذه الأصقاع كانت من أصل كردي قبل الفتوحات العربية و في حديثهم عن لورستان يذكر الجغرافيون العرب إنها دخلت أولاً في حدود خزستان ومن ثم ضمت إلى إقليم الجبال ويكتب ابن حوقل الإدريسي أن لورستان بلاد غنية حيث يعيش فيها الأكراد ويذكر الجغرافي الشهير ياقوت الحموي أيضاً أن "اللور" قبائل كردية تعيش في جبال أصفهان - خزستان. هذه المناطق، كما يؤكد ياقوت الحموي، تدعى باسم قبيلة (اللور) - بلاد اللور - أو لورستان و يخبرنا أبو الفداء وغيره عن أكراد لورستان كل هذا، برأينا، قد مثّل سبباً لأن يذكر شرف خان بدليسي اللوريين بمثابة واحدة من أربع مجموعات كردية أثنولغوية على الرغم من أن بين أخبار الجغرافيين والمؤرخين العرب معطيات عن فقدان الوحدة اللغوية بين اللوريين و الأكراد. (وثبت عدم صحة ذلك بالدراسات الحديثة).
ويسوق ابن حوقل والأصطخري معلومات عن لغات سكان خزستان فيذكرون أنهم كانوا يتكلمون العربية والفارسية ولغة يقال لها "اخوزي" وهذه كانت تعد لغة مستقلة وكانت منتشرة في خزستان المقدسي ويطلق عليها "لغة الشياطين" ويتضح، من أخبار المؤلفين العرب، أن مصطلح "كرد" في أقاليم خزستان ولورستان، لم يكن يستخدم على الدوام كمصطلح إثني، فهو يحمل معنىً اجتماعياً.
يشير إلى البدو الرُّحَل مربي الماشية، وعن إطلاق هذا المصطلح على بعض القبائل البدوية الجبلية في كرمان، والمصادر تذكر أن هذه القبائل"جنس من الأكراد" التي بلغ عددها عشرة آلاف إنسان عدا عن ذلك فان المصادر العربية تدعو البلوجيين والكوفيين بالأكراد (حرفياً "كالأكراد") إن هذه الدلائل تشير إلى التشابه بين الأكراد والقبائل البدوية الإيرانية في رعاية اقتصادها ونوعية أعمالها. أن المصادر العربية كثيراً ما تذكر أن الأكراد عند صياغة أحداث القرون السابع - العاشر الميلادي في الإقليم التاريخي العراق - فارس، والذي كان يتألف من خمس مناطق .
فوفقاً لأخبار المؤلفين العرب في القرنين التاسع والعاشر تم إحصاء خمس مستوطنات كردية في هذه المنطقة الكبيرة. التي يدعونها بـ ("روم" أو "رام") الأكراد (جمع: رموم الأكراد) وزم. الأكراد (جمع "زموم" الأكراد) هذه المستوطنات لم تصبح حتى الآن موضوعاً للبحث .
إن ف. ف. مينورسكي في مقالته "كردستان والأكراد.." وكذلك بعض المؤلفين الآخرين قد تعرضوا سطحياً لهذه المسألة في أعمالهم التي استندت إلى أخبار المصادر العربية فتفسير مصطلح "زمْ" لأول مرة يقابل عند الجغرافي الإيراني الذي يتحدث بالعربية ابن خرداذبه "زم" برايه تعني "مستوطنة كردية" ونفس الأمر يتكرر أعمال ابن الفقيه والإدريسي مثل هذا التفسير نجده كذلك عند المؤلفين الآخرين، فمثلاً يؤكد ياقوت الحموي في قاموسه الجغرافي أن ("روم و"عزه رام) باللغة الفارسية تعني مستوطنات وقرى كردية ويذكر الدمشقي كذلك أن هذه الكلمة تعني "منطقة - إقليم - ناحية"، إن المصطلح المشار إليه لا نجده في مؤلفات علم المعاجم القروسطية، مما يمكننا تفسيره وفق كل الاحتمالات، ففي المصادر العربية، كما سبق القول، يظهر المصطلح المذكور على شكلين، "رم" و " زم" ويكتب ف . ف. مينورسكي أن الأصح هو "رم" التي يزعم إنها كلمة فارسية تحمل معنى "جماعة" معشر وعند حديثه عن الأكراد يذكر العالم العربي جرجي زيدان في كتابه( تاريخ التمدن الإسلامي) إن "زم". حسب رأيه - ترجع في أصلها إلى الكلمة العربية زمام "قيادة، رقابة وهلمجراً" وآخذين بعين الاعتبار أن مثل هذه التحريفات والتصنيفات في كتابة حرفي "ر" و "ز" ظاهرة عادية في المخطوطات العربية .
يمكن الافتراض أن الكلمة في البداية كانت "زوم" وعند فقدان النقطة من على حرف "ز" في بعض المخطوطات تحولت الكلمة إلى "روم" منشئة في نفس الوقت تصنيف جديد للكلمة، لذا فمن حق "دي-غويه" أن يقارب الكلمة المشار إليها بالمصطلح الكردي"زوما" و الاعتراف في نفس الوقت بشكل "زوم" كأول شكل ظهر للكلمة وباتفاقنا مع رأي (دي-غويه) نزعم انه يجب أن نضيف أن الكلمة "زوما" مؤسسة اجتماعية معروفة في الواقع الكردي، مرتبطة بشكل محدد بممارسة الاقتصاد الرعوي.
ويذكر مصطلح "زوما" في أعمال م. م.بيازيري، س. يفيازاروف وآخرين وفي الوقت الراهن فان كلمة "زوما" ترادف مصطلح "أوبا" ذا المنشأ الكردي. زد على ذلك أن المصطلح الأول نقابله فقط عند (الذي يدين) الذين احتفظوا بنمط الحياة القديم، ويمكن الافتراض أن زوما التي أضحت فيما بعد مؤسسة رعوية، كانت شائعة عند الأكراد منذ القدم، وصارت تفقد بالتدريج معناها الأول بعد الفتوحات العربية، وبدأت تظهر في المصادر بمعنى وحدة اقتصادية وإدارية.
إن معلومات المصادر العربية عن عدد المستوطنات الكردية في فارس، والتي كانت تدعى بأسماء زعمائهم وقبائلهم، متناقضة. بعضهم يكتب عن أربع مستوطنات في نفس الوقت الذي يؤكد فيه آخرون عن وجود خمس مستوطنات.
يورد ابن خرداذبه قائمة بأربع "زموم" "زوم" الحسن ابن جَيلْويُة الذي يدعى البازنجان على بعد أربعة عشر فرسخاً من شيراز "زوم" أروم ابن جواناح على بعد ستة وعشرين فرسخاً من شيراز "زوم" الحسين بن صالح والذي يدعى الصوران على بعد سبعة فراسخ من شيراز واستناداً على ابن خرداذبه يورد ابن الفقيه أيضاً أسماء أربعة زموم باختلاف لا يُذكر ويذكر المؤلفون الأكثر تأخراً، الإدريسي والدمشقي، انه في فارس وجدت أربع مستوطنات كردية. بيد أن أسماء الرموم، أو "الزموم" التي يوردها الإدريسي في قائمته، تتميز عن الأسماء التي دونها ابن خرداذبه وابن الفقيه.
ووفق معطيات الأصطخري وابن حوقل والمقّدسي وآخرين فقد عاشت في فارس خمس مستوطنات، ويكتب الأصطخري ان أكبرها كانت مستوطنة الجيلويه والتي كانت تدعى الزنجان (عند الإدريسي - الراميجان) والمستوطنة الأكبر حجماً كانت تدعى مستوطنة أحمد بن ليث، التي كانت تدعى اللزالجان، ثم تأتي مستوطنات الحسين بن صالح-روم الديوان (يضيف الإدريسي أنها تدعى كذلك "روم الصوران") ثم روم الشهريار والتي كانت تدعى كذلك روم الباذنجان (عند الإدريسي الحازنجان). وأخيراً، روم أحمد بن الحسن، التي كانت تدعى بروم القرينة (الفرنية). ويتحدث المقدسي كذلك عن خمس زموم كردية في فارس بيد أنه يورد فقط أسماء ثلاثة منها وحسب أخبار المصادر العربية فان مستوطنات الأكراد في فارس، والتي نتعرض لها بالبحث كانت تتألف من قرى مختلفة ونقاط سكنية. وكان الزعيم الكردي يقوم بجمع الضرائب. وكان يعنى برخاء دائرته ويحافظ على الطرق وتنقل القوافل.
بالإضافة إلى ذلك تشير المعلومات التي وصلتنا إلى أن المستوطنات الكردية كانت تدعى"مماليك"- ممتلكات وهي متناثرة في كل أنحاء إقليم فارس. يقول الأصطخري أن مالكي (زعماء) الزموز (الروم) الكردية كان لهم حرس دائم يبلغ قوامه ثلاثة آلاف رجل. ويتحدث عن نشاط هؤلاء المالكين فيذكر أن روم الجيلوية، على سبيل المثال، يحمل اسم زعيم روم الجيلويه الذي ترأس "روم" بعد موت سالم بن الرزبية. ويلاحظ الأصطخري أن زعيم روم الديوان كان المدعو آزادمرد بن كشهاد الذي انتفض ضد الخليفة ومن ثم هرب إلى عمان وتوفي هناك. وانتقلت السلطة بعده إلى حسين بن صالح وأولاده الذين كانوا أكراداً أيضاً. لكن الحاكم "عمرو بن صَفر انتزع منهم هذه المستوطنة وسلمها للكردي ساسان بن قزوان الذي ظل يحكم هناك حتى أيامنا، كما كتب الأصطخري .
بالاعتماد على أخبار المصادر العربية وبصفة رئيسية على ما أورده الاصطخري يمكن القول أن زعماء كل المستوطنات الكردية كانوا كرداً وغالباً ما أُطلقت أسماؤهم على هذه أو تلك من المستوطنات وكانوا يجبون مختلف الضرائب من "الزوم الكردية" الخراج مقاسمة. المساحة .. الخ واستناداً إلى ما تم قوله، من الصعب الاتفاق مع رأي الأكاديمي ف. ف. برتولد في أن المستوطنات الكردية في فارس قد حملت قطعاً طابع البداوة و تربية الماشية. وبهذا الصدد يكتب: أن جغرافيي القرن العاشر الميلادي يوحدون كل البدو الرحل الإيرانيين تحت تسمية "الأكراد" وفق اسم اكبر القبائل عدداًن ومثل الدوائر الخمس للسكان المستقرين كانوا يميزون في فارس خمس دوائر للبدو الرحل على الرغم من أن حدود كلا النوعين من الدوائر لم تكن متطابقة، أن أماكن ترحال كل قبيلة كان يجب أن تشمل منطقة واسعة جداً.
ذلك أن كل القبائل كانت تمضي فصل الصيف في الجبال، والشتاء على شاطئ البحر ولتحديد معنى دائرة البدو الرحل كان يستخدم مصطلح "زوم". توجد كل الأسس للاعتقاد أن مستوطنات الأكراد في فارس، حيث زرعوا مختلف أنواع المزروعات كانت في جوهرها ممتلكات إقطاعية، ومن حيث الشكل كانت تحمل تسمية قديمة تعني وحدة مربي المواشي "زوما" على الرغم من أن تربية الماشية بالطبع، لعبت دوراً كبيراً في الحياة الاقتصادية لهذه المستوطنات.
ويسمي المؤلفون العرب في كتاباتهم مربي الماشية والبدو الرحل لإقليم فارس ببساطة أكراداً، مستخدمين أثناء ذلك مصطلح "حي" فكل الجغرافيين، وعلى رأسهم ابن حوقل والأصطخري كانوا يكتبون عن أحياء الأكراد المائة. ويضيفون أن في كل أنحاء فارس كان يعيش أكثر من خمسمائة ألف أسرة (خيمة) كردية، زد على ذلك أن في كل خيمة كان يعيش حتى عشرة أشخاص(من الرجال).
في مؤلفات الجغرافيين كانت ترد قائمة بأسماء الأحياء الثلاثة والثلاثين التالية:
الكرمانية، الرامانية، مدثر، محمد بن بشر، البقلية، البندادمهرية، محمد بن اسحاق، الصباحية، الإسحاقية، الأذركانية، الشهركيّة، الطهمادهنية، الزبادية، الشهروية، البندادكية، الخسروية، الزنجية، الصفرية، الشهريارية، المهركية، المباركية، الاشتامهرية، الشاهونية، الفراتية، السلمونية، الصيرية، الآزاددختية، البرازدختية، المطلبية، الممالية، الشاكانية، الكجتية، الجليلية، يكتب الأصطخري انه في كل حي بلغ عدد الفرسان المسلحين نحو مائة سنة وبحسب رأي ابن حوقل ألف فارس.
خلاصة القول: لا يمكن نفي وجود الأكراد في خزستان ولورستان وفارس بالرغم من أن عدهم الوارد في المصادر يثير الارتباك. ويستنتج انه في فارس في القرن العاشر بلغ عدد الأكراد نحو عدة ملايين وهو العدد الذي يتجاوز العدد الكلي لسكان الإقليم في الوقت الراهن لا شك أن عداد السكان الأكراد وخاصة في فارس مبالغ فيه، وهو ما يفسر دور المصادر الشفهية للمعلومات وعدم سعة اطلاع ناقلي هذه المعلومات.
* الكرد وكردستان في العهود الإسلامية
هؤلاء الطغاة
أصحيحٌ يا ربي
أنهم مروا من بين أنامِلك الشفيفةِ
وتحملتهم؟!
عدنان الصائغ
قصيدة من ديوان تأبط منفى( )
1. الكرد في العهد العباسي:
تم فتح أو احتلال المنطقة الكردية (كردستان) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. فبتوجيه منه أرسل سعد بن أبي وقاص جيشاً بقيادة هاشم بن عتبة لاحتلال جلولاء( ). ويشير السيد صلاح الدين الجوزي فيقول: "دخل الكرد في الإسلام بعد فتح بلادهم على يد الصحابي الجليل عياض بن غنم رضي الله عنه الذي فتح معظم بلاد الكرد من جهة الجزيرة (سنة 18 هجرية)، وكان القعقاع بن عمرو رضي الله عنه قد فتح حلوان الواقعة في جنوب كردستان قبل ذاك (سنة 16 هجرية)" ( ). ولم يكن الفتح سهلاً ولا المقاومة ضعيفة، إذ دافع سكان هذه المناطق عن أرضهم بصلابة فائقة قدموا الكثير من التضحيات. وكان الفاتحون والمحتلون الجدد قساة على سكان هذه المناطق بسبب دفاع القبائل الكردية عن أرضها، تماماً كما حصل في المعارك التي قادها خالد بن الوليد في العراق وفارس.
وتشير الكاتبة (جغالينا) إلى حقيقة المقاومة ضد المحتلين الجدد من العرب المسلمين بقولها: "لم يتقبل الكرد الدين الإسلامي مباشرة. فقد قاوموا الفتوحات العربية بقوة، بالرغم من أن هذا الدين الجديد قد راق وأعجب المحاربين الكرد. كما أعجب من قبلهم الكرد القاطنين على أراضي القبائل العربية. وأصبح الإسلام يحاصر تدريجياً المعتقدات الدينية التي كانت سائدة في الأوساط الكردية قبل ذلك"( ). ومنذ بدء احتلال هذه المنطقة وقعت معارك دامية وكثيرة، بما فيها العديد من الانتفاضات الشعبية والمسلحة في محاولة من سكانها للتخلص من الهيمنة التي فرضت لعيهم وجور الحكام، وخاصة في العهود التالية لحكم الخلفاء الراشدين. وتدريجاً، وعبر عمليات وإجراءات كثيرة دخلت النسبة الأكبر من الكرد في الدين الإسلامي بعد أن كانت تدين بالزرادشتية، كما في ديانة الكثير من الشعوب الإيرانية حينذاك، في حين حافظ الكرد الأيزيديون على ديانتهم (الأيزيدية) التي تعتقد بالثنائية في الواحد بخلاف الديانة الزرادشتية التي تفصل بين الاثنين، أي بين الخير والشر، بين أهورامزدا وأهريمان، باعتبارهما قطبين متناقضين ومتقاطعين وتنظر إليهما بشكل مستقل عن بعضهما. وأصبحت المنطقة الكردية أو كردستان الحالية بكل أجزائها تقريباً خاضعة للدولة الأموية، ومن ثم للدولة العباسية. وفيما بعد كان الصراع حولها بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية دموياً وقاسياً عانى منه بشكل خاص الشعب الكردي الأمرين، إذ كانت ساحته الأساسية كردستان بالذات ووقوده الشعب ذاته. وفي الوقت نفسه عانت القوميات والطوائف الدينية الأخرى كثيراً من الحكم العثماني أو الحكم الفارسي، بسبب السياسيات الشوفينية مرة والدينية المتعصبة مرة أخرى أو الاثنين معاً وكانت المعاناة عندها أشد وأقسى.
وفي العهد العباسي تسلم العديد من المرشحين للخلافة العباسية قبل توليهم الخلافة الولاية على هذه المنطقة الكردية الحساسة مثل أبو جعفر المنصور، الذي ولي على الجزيرة وكردستان وأذربيجان في زمن الخليفة أبو العباس السفاح. أما الخليفة المهدي فنصّب هارون الرشيد والياً على كردستان وأذربيجان وسائر البلاد الغربية.( ) وكانت هذه المنطقة مليئة بالأحداث. وكان الكرد يشكلون الغالبية العظمى من السكان مع قوميات مختلفة وخاصة الآشورية والكلدانية التي كانت تؤمن بالمسيحية، وهم من سكان البلاد الأصليين أيضاً، إضافة إلى وجود العرب والفرس. وكانت غالبية سكان البلاد، وقبل الاحتلال العربي الإسلامي لها، تؤمن بالديانات العراقية والفارسية والكردية القديمة، ومنها العقيدة البابلية والآشورية والزرادشتية والزرفانية والأيزيدية والمثنوية والمانوية، التي سادت مناطق إيران وأجزاء من العراق حينذاك قبل دخول الديانة اليهودية والمسيحية والإسلامية إلى المنطقة، إضافة إلى استمرار الديانة الأيزيدية. ولهذا السبب كان المدونون لتلك الحقبة الزمنية يتحدثون عن التداخل والتشابك في العادات والتقاليد والطقوس الدينية التي كانت تمارس من قبل السكان.( ) وجدير بالإشارة أن الميديين، وهم كما أشرنا سابقاً من القبائل الكردية، كانت تؤمن بالزرادشتية وكانت تفصل كما هو الحال عند الفرس في حينها بين الخير والشر. وتشير المؤرخة جغالينا استناداً إلى المؤرخ الإيراني رشيد ياسيمي إلى "أن الكثير من التقاليد التي يتميز بها الزرادشتيون، وترتبط بعبادة النار، لا تزال موجودة في الأوساط الكردية حتى يومنا هذا. ولا تزال عبادة الأشجار المقدسة والأصول تمارس حتى الوقت الحاضر في أوساط الكرد المسلمين. فهناك العديد من الأشجار تتدلى منها قطع أقمشة صغيرة (خليع)، ويتردد الناس عليها ليصلوا لها ويتباركوا منها، كما أن غالبية السكان في المناطق الكردية في إيران لا تراودها الشكوك في صحة الطابع المقدس لمثل هذه الأماكن".( ) ويمكن تأكيد ذلك بالنسبة لكرد كردستان العراق وكردستان تركيا وكردستان إيران. فمن عاش هناك ومرَّ بالمناطق الجبلية والغابات سيجد على بعض الأشجار هذه الظاهرة المتوارثة عبر الأجيال أيضاً. وعند بقية المسلمين في بقية أنحاء العراق يجد الإنسان الكثير من العادات التقاليد الدينية العراقية القديمة منذ عهود السومريين والأكديين والبابليين والآشوريين والكلدانيين ما تزال مستخدمة وتتداخل مع الطقوس الإسلامية دون أن يميز الإنسان في ما بينها وكأنها متكاملة مع بعضها البعض.
وقبل دخول الإسلام كانت اليهودية والمسيحية قد وجدتا طريقيهما إلى المنطقة أيضاً حيث اعتنق الآشوريون والكلدانيون الديانة المسيحية على تنوع مذاهبها فيما بعد، في حين حافظ الكرد على ديانتهم القديمة (الزرادشتية). وعند دخول الإسلام إلى المنطقة اعتنقت غالبية الكرد وعلى مدى سنوات طويلة وبطرق مختلفة الديانة الإسلامية واحتفظت غالبية المسيحيين بديانتها، كما احتفظت غالبية الكرد الأيزيديين على ديانتها القديمة التي ما زالت عليها حتى يومنا هذا، رغم الإجحاف الكبير والاضطهاد اللذين تعرض لهما أتباع هذه الديانة القديمة المتداخلة عند أتباع الديانة الأيزيدية( )، والتي تعبر عن قدم وأصالة السكان الكرد في المنطقة. وفي فترات مختلفة حتى الوقت الحاضر نجد في كردستان ديانات ومذاهب وطرق دينية أخرى كثيرة مثل الكاكائية (أهل الحق)، والـ"علي اللهية" أو الشبكية، على سبيل المثال لا الحصر.( )
كان سكان هذه المناطق من الكرد وغيرهم يعانون من صعوبات العيش ومن الاستغلال. وكان بعض حكام المنطقة الأقوياء يحاولن انتزاع حقهم في الحكم في منطقتهم والاستقلال عن الخلافة العباسية. وفي مقابل هذا كان الخلفاء يشنون الحروب ضدهم وينزلون عند تحقيق النصر أقسى العقوبات بالحاكم وبالقوى الكردية التي ساندته. وغالباً ما منح الحكام الكرد الأمان ليستسلموا للمنتصر، ولكنهم تعرضوا لأبشع ميتة بعد تسليم أنفسهم. ويقدم كتاب شرفنامة أمثلة صارخة على ذلك. كما كان الكرد يتمردون على الحكم العباسي لا بهدف فرض الاستقلال فحسب، بل لرغبتهم في عدم دفع الضرائب العالية التي كانت ترهق كاهلهم، وقبل ذاك كاهل الناس الفقراء. وشهدت هذه المنطقة حركات سياسية تمردية وثورية كبيرة، كما كان بعض المتمردين يقطعون الطرق على المارة بين بغداد والموصل أو بين مختلف المدن الكردستانية أو باتجاه فارس أو تركيا، تماماً مثلما كانت تقوم به العشائر الأخرى غير الكردية في المناطق الأخرى. ويمكننا هنا الإشارة إلى بعض من تلك الحركات التي لازمت حكم العباسيين من بدايته حتى نهايته، وكانت في الوقت نفسه السباقة لمواجهة اجتياح المغول وحكم العائلة الإيلخانية في العراق.
يشير (محمد أمين زكي) في كتابه "خلاصة تاريخ الكرد وكردستان"، استناداً إلى الكثير من المصادر، على أن الكرد اشتركوا "في الثورات والقلاقل التي نشبت في كردستان وهمذان أيام (أبي جعفر المنصور)"( ) وثار الكرد في عهد (المعتصم) في المناطق المحيطة بالموصل بقيادة جعفر بن مهر حسن (مير حسن) في عام 225 هجرية/ 840 ميلادية وكذلك في عهد (المقتدر بالله) أو في فترة (حكم البويهيين).( ) ووقعت في هذه المناطق معراك غير قليلة بين جيوش الخلافة وقوى الكرد.( )
وكان القادة العسكريون ينظمون أبشع الجرائم ضد الكرد المنتفضين والثوار بعد اندحار تلك الحركات بأمل تلقين الكرد درساً قاسياً وشرساً يكفون بعدها عن القيام بأعمال مماثلة. وبرهنت الأحداث على أن الكرد لم يكفوا عن ذلك واستمروا في المقاومة ورفض الهيمنة عليهم، كما أن الحكام المستبدين لم يتعلموا من إصرار الكرد على طلب الحرية وضرورة تمتعهم بها، بل واصلوا فرض الهيمنة بالقوة وتنظيم الحملات العسكرية والمجازر الدموية ضد السكان الأكراد.
وعند تتبع الخاصة بفترة (حكم آل بويه) يلاحظ بأنه لم يكن للكرد عهد راحة واستقرار، بل تميز باشتداد الخلافات والتوترات مع مركز الخلافة. كما أن الاختلاف (المذهبي بين البويهيين الشيعة الزيدية والكرد السنة) لعب دوره في تشديد تلك النزاعات ونضال الكرد ضد الهيمنة البويهية. يشير محمد أمين زكي في هذا الصدد نقلاً عن ابن الأثير إلى أن مقاطعة شهرزور كانت مسرحاً للقتال والفتن مرات كثيرة أرسل على أثرها (معز الدولة) جيشاً بقيادة سبكتكين في عام 344هـ 954م وحاصرها فترة غير قصيرة ثم اضطر إلى رفع الحصار عنها. وتكرر إرسال الجيش إلى كردستان والاستيلاء على مدنها من جانب عضد الدولة في عام 368 هـ/ 978م ودحر قوات أبي تغلب (فضل الله بن ناصر الدولة بن حمدان) والذي قتل في عام 369 هجرية (978م). كما أرسل عضد الدولة جيشاً آخر لمحاصرة شهرزور في عام 369 هجرية (978م) من أجل الفصل بين الكرد وعشيرة بني شيبان العربية التي كانت متفقة مع الكرد ومختلطة بهم، والتي انتهت بهرب بني شيبان وتعقبهم. وقتل منهم خلق كثير، كما يشير إلى ذلك ابن الأثير. وبعد عام واحد فقط (370 هجرية) 979م أرسل عضد الدولة جيشاً للقضاء على إمارة حكاري، إذ حاصر الناس فيها ثم تفاوض مع المحاصرين و"أعطاهم الأمان والمواثيق للتسليم والخضوع وبعد أن خضعوا حسب الشروط غدر بهم وقتلهم عن بكرة أبيهم( )، وهو ديدن غالبية الحكام المستبدين والمحتلين. وعن صفات هذا الحاكم المستبد الجائر والسفاح يتحدث ابن الأثير وكأنه لا يتحدث عن سفاح بل عن "إنسان سويّ السيرة فاضل السلوك" حيث يقول: "كان عاقلاً فاضلاً حسن السياسة كثير الإصابة شديد الهيبة بعيد الهمة ثاقب الرأي محباً للفضائل وأهلها باذلاً في موضع العطاء مانعاً في أماكن الحزم ناظراً في عواقب الأمور".( )
وفي الفترة الواقعة بين 990-1096م أقيمت الدولة المروانية الدوستكية في القسم الشمالي من كردستان وكانت عاصمتها ميافارفين (سليفان اليوم)( )، وكذلك الدولة الحسنوية البرزيكانية في القسم الشرقي من كردستان (من نهاوند شرقاً إلى شهرزور غرباً في الفترة الواقعة بين (950- 1096)، وكانت عاصمتها دينور.( )
* الجذور التاريخية
السؤال الجدلي حول منشأ الأكراد الذي كان ولا يزال موضوعا ساخنا للنقاش تدور حول فرضيتين:
•جذور الأكراد نشأت من الشعوب الهندو – أوربية.
•جذور الأكراد نشأت من شعب مستقل ليست هندية ولا أوروبية وتسمى شعوب "جبال زاكروس" التي كانت تقطن كردستان منذ فجر التاريخ وهم شعوب "لولو، كوتي، كورتي جوتي، جودي، كاساي، سوباري، خالدي، ميتاني، هوري، نايري" وإنظم الى هذا الشعب حسب اعتقاد هذا التيار الشعوب الهندو- أوربية التي هاجرت إلى كردستان في القرن العاشر قبل الميلاد، واستوطنت كردستان مع شعوبها الأصلية وهم "الميديين والكاردوخيين".
من المفارقات في تأريخ هذا الجدل إن الغرض الأساسي منه لم يكن أكاديميا بل سياسيا حيث كان الهدف منه إثبات إن منشأ الأكراد يرجع إلى مناطق خارج بعض الدول التي يستوطنوها في الوقت الحاضر ونتيجة لانعدام الغرض العلمي في هذه المناقشات الغير مثمرة فقد نشأت 3 تيارات فكرية:
•تيار مكون من القوميين العرب و أصحاب حضارة وادي الرافدين القديمة وبعض المستشرقين والمؤرخين مقتنعون بأن أصول الأكراد هي الهندو أوربية وإنهم قدموا من مناطق خارج البقعة الجغرافية التي يقطنونها حاليا.
•تيار مكون من القوميون الأكراد مقتنعون إنهم شعب مستقل بذاته ولهم خصائص تميز عن بقية الشعوب وقد حافظوا على جميع مظاهر هذه الخصوصية من الزي واللغة والعادات والتقاليد وعلى الرغم من التشابه في بعض النواحي اللغوية مع الشعوب المجاورة ويورد الأكراد الاحتفال بعيد نوروز كمثال فعلى الرغم من احتفال الشعوب المجاورة بهذا العيد إلا إن الأكراد لهم مفهوم مختلف تماما عن هذا العيد مقارنة بمفهوم إيران وأفغانستان ألبانيا وباكستان لهذا العيد.
•تيار مكون من الأكراد أنفسهم مقتنعون بأن أصول الأكراد الهندو أوربية وهذا التيار نشأ كردة فعل لما اعتبره هذا التيار تهميشا ومحاربة من قبل الشعوب المجاورة فولد هذا التيار الذي يحاول إرجاع أصول الأكراد إلى عروق آرية أو أوروبية.
لإتباع المنهج الأكاديمي في البحث عن جذور الأكراد لجأ الباحثون وعلماء الآثار إلى البحث عن شعوب قديمة في المناطق التي كانت مسكونة من الأكراد منذ القدم وفكرة البحث كانت التعرف على الشعوب التي كانت مستقلة من ناحية اللغة وكانت تربط أفرادها خصائص مشتركة تميزهم عن بقية الشعوب المعروفة في بلاد ما بين النهرين وتم من خلال هذه الأبحاث التعرف على بعض الشعوب التي قد تكون عبارة عن الجذور القديمة للأكراد, وهذه الشعوب هي:
•الشعب الذي سكن منطقة تل حلف التي كانت موقعا لمدينة - الدولة الآرامية غوزانا وتقع هذه المنطقة شمال شرق سوريا، في محافظة الحسكة وتعود تأريخها إلى العصر الحجري الحديث وتقع بالقرب من نهر خابور. توجد مخطوطات في أرشيف الملك الآشوري عداد نيراري الثاني أن هذه المدينة - الدولة كانت مستقلة لفترة قصيرة إلى أن سيطر عليها الملكة الآشورية سميراميس في سنة 808 قبل الميلاد.
•الهوريون أو شعب هوري الذي كان يقطن شمال الشرق الأوسط في فترة 2500 سنة قبل الميلاد ويعتقد إن أصولهم كانت من القوقاز أو ما يسمى القفقاز التي هي منطقة آسيو - أوروبية بين تركيا وإيران والبحر الأسود وبحر قزوين وسكنوا أيضا بالقرب من نهر خابور وشكلوا لنفسهم ممالك صغيرة من أهمها مملكة ميتاني في شمال سوريا عام 1500 قبل الميلاد. ويعتقد إن الهوريون إنبثقوا من مدينة أوركيش التي تقع قرب مدينة القامشلي في سوريا. استغل الهوريون ضعفا مؤقتا للبابليين فقاموا بمحاصرة بابل والسيطرة عليها في فترة 1600 قبل الميلاد ومن هذا الشعب انبثق الميتانيون أو شعب ميتاني ويعتبر المؤرخ الكردي محمد أمين زكي (1880 - 1948) في كتابه "خلاصة تاريخ الكرد وكردستان" شعبي هوري وميتاني من الجذور الأولى للشعب الكردي. كانت نهاية مملكة شعب هوري على يد الآشوريين.
•ذكر المؤرخ اليوناني زينوفون (427 - 355) قبل الميلاد في كتاباته شعبا وصفهم "بالمحاربين الأشداء ساكني المناطق الجبلية" وأطلق عليهم تسمية الكاردوخيين الذين هاجموا على الجيش الروماني أثناء عبوره للمنطقة عام 400 قبل الميلاد وكانت تلك المنطقة استنادا لزينوفون جنوب شرق بحيرة وان الواقعة في شرق تركيا. ولكن بعض المؤرخين يعتبرون الكاردوخيين شعوبا هندو-أوربية انضمت لاحقا إلى الشعب الكردي الذي باعتقاد البعض يرجع جذوره إلى شعوب جبال زاكروس الغير هندو-أوربية.
* تاريخ الأكراد كما ورّد في موسوعة ألمانية
الأكراد هم شعب بحد ذاته. يبلغ عدد نفوسهم حوالي 45 إلى 50 مليون نسمة. وعدد الأكراد الذين يعيشون في تركيا يتراوح ما بين 20 إلى 23 مليون نسمة. ويعيش منهم 13ملايين نسمة في إيران و 10 ملايين في العراق و 4.5 مليون في سوريا و 1.7 مليون نسمة أوروبا الغربية و 1,2 مليون نسمة في دول الإتحاد السوفييتي السابق. كما يعيش عدد قليل من الأكراد في لبنان وإسرائيل.
* أصل الأكراد
يحتمل أن أجداد (أسلاف) الأكراد سكنوا أثناء الحركة (الهجرة) الثانية الكبيرة للآريين الهندوجرمانيين في حدود الألفين سنة قبل التاريخ الميلادي في منطقة غرب إيران التي أطلق عليها فيما بعد كردستان.
يتكون الشعب الكردي من عدة شعوب وقبائل، وان ثقافتهم ولغتهم وأساطيرهم متأصلة بالثقافة الإيرانية.
توجد ثلاث نظريات حول منشأ و أصل الأكراد مع مراعاة اختلاط الشعوب الذي حصل طيلة هذه الفترة الزمنية.
1-أسس أجداد الهوريين (الحوريين) مملكة ميتاني Mittaniسنة 1500 قبل الميلاد تقريبا، أطلق عليها الإسم: خورّي أو كوري Churri وتبعا لهذه النظرية، إشتق منها الإسم الكوردي. إن منطقة إستيطان الهوريين مطابقة بالضبط مع حدود كردستان.
2-والمنشأ الثاني من الميديين، حيث اشتقت كلمة كورانج من كور/كورد ومانج لميدي. ومعظم الأكراد يعتبرون أنفسهم من سلالة الميديين. تعززت هذه النظرية من خلال الكلمة الميدية تورد/كورد والتي تعني "قوي". يجد المرء هذه الصيغة في الكورمانجية، إحدى اللهجات الكوردية، على أن الترجمة الميدية تكون" ميدي قوي".
3-أما النظرية الثالثة فإنهم من أصل الإسكيتيين Skythen.
يذكر كسونوفون Xenophon الإغريقي الفيلسوف والمؤرخ المولود في أثينا عام 444 قبل الميلاد، وهو أحد تلاميذ سقراط – (الباحث) في كتابه عن حملته العسكرية من البحر إلى الأراضي الآسيوية المرتفعة الذي أصبح فيما بعد عملا تاريخيا بعنوان الرقي أو الصعود Anabasis، المجلد الثالث صفحة 5، 15، أن أصلهم من الكاردوخيين Karduschen.
إلا أن معظم المؤرخين وعلماء الآثار يشكون عن صحة هذه المعلومات القائلة أن أغلب الإسكيتيين سكنوا في المنطقة التي ظهر فيها الشعب الكردي، لأن وطن (بلاد) الإسكيتيين كان في كازاغستان وفي جنوب روسيا وأوكرانيا. فلم تثبت صحة هذه النظريات علميا. أن الاسم الجغرافي لكردستان ظهر للمرة الأولى في المراجع و المصادر العربية و السلجوقية.
* تاريخ الأكراد فجر التاريخ
فمن وجهة نظر الأكراد، كان العصر المزدهر لهم في القرن السابع قبل الميلاد في مملكة الميديين. وفي القرن الثاني عشر أسس صلاح الدين الأيوبي من قبيلة هدباني، الدولة الأيوبية في سوريا.
امتدت هذه الدولة إلى شرق وغرب كردستان وخراسان ومصر واليمن. ولم تكن الدولة الأيوبية مملكة كردية بأي حال من الأحوال، حيث كان معظم سكانها عربا وشعوبا أخرى. إنها كانت دولة إسلامية، لأن سكانها كانوا يطلقون على أنفسهم مسلمين، وليس كعرب وأكراد.
* القرون الوسطى (العصر الوسيط)
إن المعركة في سنة 1514م عند مدينة جالديران Caldiran بالقرب من فان Van بين العثمانيين والصفويين كانت نقطة تحول كبيرة، حيث خضع شاه إسماعيل الأول الصفوي تحت حكم (إمرة) السلطان ياوز سليم ألأول Yavuz Selim I وبعد ذلك أصبحت كل منطقة شرق الأناضول تحت سلطة العثمانيين. وفي غزوته على شرق تركيا قتل السلطان عند مدينة سيواس Sivas أربعين ألفا من العلويين الذين أغلبهم يشكلون مجموعات تركية وكردية (أغلبيتهم من الأتراك) إحتمالا لمنعهم من العمل مع الصفويين.
وفي سنة 1596 ألف شرف خان Serefhan أمير منطقة بيدلس (بيتلسBitlis ) وابن إدريس البتليسي سفرا تاريخيا بخط رائع عن تاريخ الأكراد من ملاطيا (ملاتياMalatya ) إلى بحيرة أُومرية Umriasee إن صحة تواريخ الأحداث لهذا السفر التاريخي يشك فيها.
* القرن العشرين:
تميز الوعي الكردي قبل الحرب العالمية الأولى بالانتماء إلى القبائل من ناحية و من خلال المذهب السني من ناحية أخرى. كما تأثر الأكراد بأفكار الأوروبيين وتطور شعورهم القومي الذاتي. ومن خلال قوات الحلفاء المنتصرة التي وعدتهم بادئ الأمر بإنشاء دولة كردية مستقلة (كردستان). غير أن منطقة استيطانهم وزعت (قسمت) على خمسة أقاليم لدول مختلفة التي منحتهم حقوق سياسية قليلة واعترفت بهم بأنهم أقليات صغيرة.
وفي تركيا قذفوهم و نعتوهم (أي أطلقوا عليهم اسم (أتراك الجبل)، ولم يسمحوا لهم باستعمال اللغة الكردية إلى وقت قريب.
وبتاريخ 22/1/1946 تأسست الجمهورية الكردية في شمال غرب إيران، عاصمتها مهاباد وكان رئيسها القاضي محمد.
والإتحاد السوفييتي كان يهدف من خلال تأسيس كردستان وأذربيجان على الأراضي الإيرانية أن يؤثر في المنطقة.
وبعد انسحاب السوفيت من إيران تمت إعادة السيطرة على الجمهوريتين من قبل الجيش الإيراني.
بعد مرور ثلاثة عشر شهرا تم بتاريخ 31 مايس 1947 إعدام القاضي محمد مع وزراء آخرين في ساحة جوار-جرا Car Cira Platz التي منها أعلنت الجمهورية الكوردية.
تمتع الأكراد بجزء من الإدارة الذاتية (الحكم الذاتي) والمشاركة بالحكم في العراق في الفترة الواقعة مابين 1970 ولغاية 1974.
وبعد حرب الخليج الثانية 1991 حددت الأمم المتحدة في العراق منطقة آمنة شمال خط عرض 36 درجة للأكراد.
وقد شاركت القوات الكردية في حرب الخليج الثالثة عام 2003 مع أمريكا لاحتلال المدن العراقية الشمالية. ومنذ ذلك التاريخ يتمتع الأكراد العراقيون بصفة خاصة كحلفاء لأمريكا.
بيد أن هدف الأكراد العراقيين للحصول على حكم ذاتي أكثر استقلالا و تأثيرا، يجابه باستنكار ورفض من تركيا، لأن تركيا تخشى أن يؤثر هذا الحكم الذاتي المستقل على الأكراد في تركيا.
* الجذور القومية الكردية
يمر الأكراد بفترة إعادة يقظة عميقة لوعيهم القومي كشعب. بالتأكيد أصبحوا مدركين لأنفسهم كشعب ومجتمع لأكثر بكثير من آلاف السنين – لغوياً مختلفين بشدة عن جيرانهم العرب والأتراك وفرع لغوي مختلف بين الشعوب الإيرانية المتعددة. في أواخر القرنين التاسع عشر والعشرين طالب أكراد العراق وإيران وتركيا في أوقات مختلفة بحقوقهم القومية أو المحلية. دخل أكراد تركيا (إضافة إلى أكراد العراق وإيران) مرحلة جديدة من وعي قومي.
أنبعث الإصرار الشعبي في سياق الدولة الوطنية من العالم الحديث,حيث انتشار حقوق الإنسان وحق تقرير المصير والديمقراطية, وزيادة الاتصال بين الأكراد أنفسهم, وزيادة التوقعات السياسية. وانبثاق صحوة ذاتية سياسية كردية هذا تطور سياسي كبير لا رجعة فيه: فالمرء لا ينسى بسهولة انتمائه العرقي الذي تعلمه.
* انبعاث قومي متأخر
لماذا يكون الأكراد، والذين يشكلون أكبر كتلة عرقية بعد العرب والفرس والأتراك في الشرق الأوسط, نسبيا متأخرين في تطوير حركة قومية حديثة؟؟ طبعا عايشت شعوبٌ عديدة ونماذج مُختلفة من النمو القومي, بما يتوافق مع ظروفها التاريخية والجغرافية. نتجَ تأخر الكرد في تطوير حركةٍ قومية كردية من عوامل عديدة. تترأسها الجغرافية كشعبٌ يسكن منطقة جبلية بالأساس, كان الأكراد مبعثرين ومنعزلين بعضهم عن بعض, وبدون بنية دولة مركزية قوية كتلك التي تطوَرت في السهول الكبرى لنهري دجلة والفرات أو في وادي النيل في مصر. عَززت الجغرافية وأسلوب الحياة البدوية لفترات طويلة تشعب لهجاتٍ كردية متعددة، العديد منها غير مفهوم بشكل متبادل بين الكورد أنفسهم بسهولة اليوم.
وفي الظروف السياسة, على الأقل إلى السنوات المائة الأخيرة, قـُِسَم الكورد بين الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية, إما في السبعين سنة الماضية فقد قسُِموا أكثر وذلك بين دول تركيا إيران العراق سوريا. هذه التقسيمات السياسية, بدون مبالغة, شاملة أكثر, وبنفس الوقت كانت الدول المعنية تبُيَتُ بشكلٍ واضح نية تثبيط القومية الكردية داخل حدودها.
كما إن الأكراد عاشوا عموما في المناطق الأكثر عزلة في أكبر الإمبراطوريات مثل الفارسية وأثناء الخلافة العباسية لبغداد والعثمانية, أيضا الانعزال عن مراكز الإمبراطوريات أبطأ تطورهم كشعوب غير متحدة أو مدركة بقوة لوعيها الذاتي.
ساهمت العزلة ونمط الحياة الريفي في العديد من المناطق لتطور بنية قبلية وعشائرية والتي بدورها كرَست التقسيمات المناطقية والسياسية. وخلال فترة السلطنة العثمانية, كان الأكراد, جنبا إلى جنب بقية المسلمين جزءا من نواة إسلامية سنية واسعة ضمن الإمبراطورية المتعددة الأعراق. كانت الإمبراطورية العثمانية مدركة تماما لأقلياتها - لكنها عَرفتهم وفق شروط الدين, وليس الأثنية. وهكذا بالتالي أعُترِفَ قانونيا بوجود أقليات مسيحية ويهودية كبيرة .
بالنسبة للمجموعات الأثنية المسلمة, على أية حال, فأنه حقاً لم يوجد مفهوم حالة أقلية ضمن شروط قانونية: كانت النواة الإسلامية الدينية والاجتماعية للإمبراطورية العثمانية مكونة من ترك وعرب وكورد ...الخ. حتى لو اختلفت ثقافاتهم ولغاتهم, فأن مفهموهم بشكل أساسي لم يختلف: كان جميع السنة متساوون، وبعبارة أخرى: كانوا بشكل متساوي (مسلمين ومؤمنين), كانت الاختلافات الأثنية واللغوية بينهم بدون أهمية قانونية .
كان الأكراد, كجزء من المجتمع السني للإمبراطورية العثمانية, قد عُِملوا مسبقا كمجموعة متمايزة من قبل السلطان العثماني في القرن السادس عشر, عندما كانت مجموعة من الإمارات الكوردية المستقلة مُؤسَسة, والتي اُستعملت من قبل السلطان لضمان ثبات استقرار الحدود, كانت هذه الإمارات مستقلة في شؤونها الذاتية والداخلية. وفي مقابل هذه الاستقلالية، اشترطوا تأمين الجنود والضرائب للسلطان, بالرغم من إن العلاقة بين الأمراء الكورد والسلطان لم تكن تخلوا من مشاكل, أستمر هذا النظام إلى القرن التاسع عشر( ).
بالتأكيد كانت هذه العشائر والقبائل الكردية مُدركة بشكلٍ جيد لتمايزها الثقافي واللغوي, ولكن ذلك لم يكن ذلك العصر الذي كانت فيه مفاهيم "القومية" قد تكونت بشكلها الحالي, أيضا لم يكن القادة الأكراد المستقلين عطوفين بشكل خاص مع سكان أماراتهم.
بشكل عام, عُِرَف الأكراد مع المجتمع العثماني الأكبر، لكن, الأكثر أهمية بكثير, على المستوى المحلي عُِرَف حدوده مع جماعات دينية مختلفة أو مجموعات قبائلية. هذه التجمعات العشائرية كانت غالبا في صراع مع بعضها البعض, مشكلة أنماطا متغيرة من الاتحادات, وعجباً فهو قانون الانشقاق الاجتماعي البدائي بين القبائل المتحاربة والفلاحين المتحضرين( ).
بحلول القرن التاسع عشر، رسخت عوامل جديدة التغير الاجتماعي السياسي التدريجي في العلاقة بين الأكراد والإدارة العثمانية. زيادة التدخل الاستعماري في المناطق الكردية, فرض الجندية القسرية, بسبب الحرب بين روسيا, إيران, والإمبراطورية العثمانية والتي كانت المناطق الكردية مسرحا لها وزيادة التحديات لامتيازات الأسياد الأكراد والنموذج الخارجي للعصيان ضد الحكم التركي في كل مكان من الإمبراطورية (كالصربي والبلغاري)( ). قـُبلتَ محاولات الإمبراطورية في تثبيت المركزية بإضرابات متزايدة في المناطق الكردية, بعض منه كان نتيجة لتهور من قبل زعامات العشائر الكردية والتي كانت عازمة على مواصلة توسعها من بين هؤلاء الزعماء المتمردين مير محمد باشا الرواندوزي وبدرخان بك في جزره كانت الأكثر شهرة. قـُمِعَت هذه الثورات الكردية على حساب أرواح كثيرة من الشعب الكردي. كان هناك ما مجموعه 50 عصيانا مُسلحا كردياً ضد الدولة العثمانية. شارك فيها العديد من أكراد العراق الحالي( ).
على أية حالة, هذه الثورات الكردية, لم تكن ذات طابع قومي في الخصائص وفي قمعها قادت إلى تقوية قيادات المشايخ والطرق الصوفية (TARIKATLAR)، والذين فيما بعد سوف يلعبون دورا مهما في كمد (استمرار) ثورات جديدة إلى حد كبير. الأمراء الإقطاعيين التقليدين في المناطق الكردية, الأغوات, اعتبروا أنفسهم "بالأساس رعية مسلمين سنة من إمبراطورية إسلامية وليس لهم مصلحة في كيانٍ كردي لا يمكن التنبؤ به" والذي يمكن من خلاله أن يتغير وضعهم الخاص نحو الأسوأ( ). فأن تبدد ثروات الإمبراطورية في نهاية القرن التاسع عشر إضافة للنشاطات القومية للأرمن في الأقاليم التي يسكنها الأكراد وبعض الأسباب الأخرى لخيبة الأمل الكردية. مع صعوده للعرش في 1876, سعى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لترسيخ أرضية الدولة العثمانية من خلال التأكيد على طابع الهوية الإسلامية للإمبراطورية. وبين هذه الأمور يجب اختيارها كانت الزعامات والنخبة الكردية. حتى الآن, وبنفس الوقت أيضا كانت بذور الفرقة تزرع من قبل الدولة, وبين أولى الأمثلة للفرقة والتدخل المباشر في المنطقة الكردية من الدولة الامبريالية في استانبول كانت إنشاء الألوية الحميدية في 1891 المرتزقة الأكراد أو الموظفين أو ما عرف بـ الفرق الحميدية في زمن السلطان عبد الحميد. ُصِمَمت للحفاظ على النظام في المقاطعات الكردية الشرقية, واستخدمت هذه الكتائب في نهاية المطاف من قبل الدولة العثمانية في حملتها ضد الأرمن. في غضون ذلك, أصبحت الكتائب (الألوية الحميدية) المنظمة عشائريا والمسلحة مصدر للشقاق الذي ترعاه الدولة ضمن المجتمع الكردي كون هؤلاء الأكراد يستفيدون من رعاية سلاح الدولة وسوف يخاصمون و يقمعون هؤلاء الذين لم يأتمروا بما تمليه الدولة. أيضا سيمثلون محاولة غير مقصودة من قبل الدولة من الممكن لزرع الشقاق بين الأكراد وغير الأكراد, بما فيهم الأتراك( ). قوّت قوات الفرق الحميدية، تماما بشكل مشابه لنظام حماة القرى بعد قرن من الزمان, الروابط العشائرية بين الكرد( ) ولئن كانت هناك مناقشة حول درجة الوعي الأثني من قبل الأكراد خلال الجزء الأخير من القرن السابق, وذلك بزيادة النشاطات السياسية في استانبول وغيرها, فأنه من الواضح أن شيئا ما كان على قدم وساق, كانت الإمبراطورية نفسها تعاني من هزة في الصميم, كانت لجنة الاتحاد والترقي بدأت تطالب وتتكاتف لعودة الحكم الدستوري الذي كان السلطان العثماني قد ألغاه. وكانت خلال هذه الفترة أن أول صحيفة كردية قومية (كردستان)KURDSTAN ، كانت مطبوعة في مصر عام 1898 من قبل منفيين أكراد في القاهرة (بدرخان), حيث انتقلت فيما بعد إلى جنيف ثم إلى انكلترا, وبالفعل, انتقل الكثير من النخبة الكردية إلى المنفى في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط, تركيا, وأوربا( ). ومع ثورة الشباب الأتراك في 1908 ظهر اتجاهان متناقضان: من جهة استعيضَ بالتركيز على الإسلام بالعلمانية ونظام الحكم الدستوري, وفي خضم الجو الناشئ عن الليبرالية ازدادت النشاطات "الكردية" عندما رأها العديد من المفكرين الأكراد والذين فقدوا الأمل في جدية الليبرالية العثمانية والحكم الدستوري كأفضل وسائل لتحقيق الحقوق القومية الأكبر. ازدهرت المجتمعات الثقافية والسياسية الكردية, ليس فقط في اسطنبول أيضا في المدن الكبيرة للجنوب الشرقي الكردي.
كانت المنظمة القومية الأولى, (الجمعية الكردية) للنهوض والتقدم, مشكلة في 1908. لكن ُقمَع "ربيع القسطنطينية" بسرعة في 1910. ومن الجهة الأخرى وبينما خَدمَ الرجوع إلى الدستورية العناصر الأكثر عصرية للنخبة الكردية, فإنها قادت إلى رد فعل معادي للنظام بين المشايخ والطرق الدينية الأكراد. البعض منهم انخرطوا في عصيان مفتوح. تحول نظام تركيا الفتاة، واجداً نفسه محاصرا داخليا ودوليا, بشكل مفرط إلى نظام قومي تركي الطابع كوسيلة لترسيخ سلطته, وفي النهاية, عندما جَرَ الشباب الأتراك الإمبراطورية العثمانية إلى الحرب العالمية الأولى, أثبت الكورد كونهم رعية مخلصين فقاتلو معاً والى جانب الجيوش العثمانية.
أوجدت هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى عام 1914-1918 وتوقيع معاهدة سيفر في 1920 نقطة تحول للأكراد. فقد أحتل الحلفاء المنتصرين على أجزاء كبيرة من الإمبراطورية العثمانية بغرض تقطيع أوصالها. معاهدة سيفر نفسها لم تكن فقط تعني إقامة دولة أرمنية موعودة تستخرج من أراض مستقطعة من الإمبراطورية العثمانية لكن أيضا "تصور لحكم ذاتي مؤقت للمناطق ذات الأغلبية الكردية من تركيا مع احتمال استقلال تام إذا أراد سكان تلك المناطق هذا" (ولاية الموصل الكردية)( ).
هذا, بطبيعة الحال, لم يطبق لأن الحركة القومية التركية, بقيادة مصطفى كمال أتاتورك, انقلبت على السلطان العثماني والقوى الغربية المحتلة. وفي تقدم هذا العصيان, كان مصطفى كمال أتاتورك ناجحا في تجنيد الأكراد في مسعاه. في بداية حرب الاستقلال (لتركيا الحديثة)، ناشد مساواة الكورد والترك, والتشارك في النضال, وإخوة كلا الشعبين( ). في خطابه الأول للبرلمانيين المنتخبين حديثا في 1920, تحدث مصطفى كمال بأن البرلمان لم يكن مكونا من ممثلين للترك, الكرد, الشركس, اللاز, ولكن بالأحرى ممثلا لمجتمع إسلامي موحد بشكل قوي. حتى إن كمال أتاتورك تخيل, بحسب بعض تعليقاته لخطاباته وحديثه للصحفيين, بأن: في أي مكان يكون الأكراد فيه أغلبية سوف يحكمون أنفسهم ذاتيا( ). لم يستطع كمال اتاتورك وقواته الثائرة, مواجهين نقص الرجال والعدة تحمل ذلك أن ينفر الأكراد بذلك: احتاجوا للتعاون الكردي لينفذوا الحرب ضد الغزاة الأجانب. بذل الأكراد جهودهم على أساس وجود قضية إسلامية مشتركة ضد التدخل الغربي, وأن دولة مستقبلية ذات أثنية تركية/كردية مشتركة سوف تنبثق. ومع ذلك, ثار بعض الأكراد ضد مصطفى كمال أتاتورك: بين هؤلاء الثورات, كانت الأكثر أهمية تلك التي في kocgirin في 1920, كونها أجبرت كمال ليحول قواته من ساحة العمليات الرئيسية للحرب ليتعامل مع ما كان يمكن (بشكل كامن) أن يقود إلى تقسيم جدي ضمن الصف الكردي/ التركي.
الدكتور
عبد العزيز عبد الرحمن المفتي
عمان، نيسان، 2013
3384 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع