محاضرة أصل الأكراد / ثانيا

  


                  محاضرة أصل الأكراد(2)

                               

               الفريق الركن الدكتور عبد العزيز المفتي

           


أقول مأثورة عن الكرد
* من أقوال الزعيم الهندي (جواهر لال نهرو) قال:

[أستغرب كيف أن الأتراك الذين ناضلوا من أجل حريتهم يقمعون بهذه الوحشية؟ الشعب الكردي الذي يناضل من أجل الهدف نفسه ـ أي الحرية ... كما هو غريب أن تتحول قومية أعلنت احترامها لحقوق الإنسان إلى قومية عدوانية بهذا الشكل ... وأن يتحول نضالها من أجل الحرية إلى محاولة لاستبعاد الآخرين .... ونسمع عن المآسي التي يتعرض لها الشعب الكردي الذي استقر في عدة دول، ولم تتيح له الظروف التاريخية أو السياسية تشكيل دولة تضم قوميته (الكردية)]
جواهر لال نهرو
*[وهكذا فالأتراك الذين لم يمض إلا وقت قصير على كفاحهم من أجل حريتهم عمدو إلى سحق الكرد الذين سعوا بدورهم إلى نيل حريتهم. ومن الغريب كيف تنقلب القومية المدافعة إلى قومية معتدية، ويتغلب الكفاح من أجل الحرية إلى كفاح من أجل التحكم بالآخرين. ففي عام 1929 نشبت ثورة أخرى عند الكرد. إلا أنها سحقت من جديد، مؤقتاً على الأقل. ولكن كيف يسمح أحداً أن يسحق شعباً يصر على نيل حريته وحقوقه القومية وهو على استعداد لدفع ثمنها ...]
جواهر لال نهرو
* وصف الكاتب التركي س. أوستونغل:
[نشاهد القرويين عائدين من مراكز الشرطة والجندرمة وهم على قيد الحياة رغم أن الكثير منهم كانوا مثخنين بالجراح، أما بالقسوة تجاه الشعب الكردي فقد فاق الكماليون السلاطين العثمانيين. المخضبة أيديهم بالدم الكردي. إنهم يثقفون بالقسوة التي ينتهجونها إزاء الأكراد والأقليات الأخرى. التي يحاولون تتريكها بالقوة. لقد أرحلوا القبائل الكردية عن أوطانهم وهم يجهزون على الكرد بالجملة، مثلما فعلوا بالأرمن تماماً..... ].
وصف الكاتب التركي س. أوستونغل
 
* نلسون مانديلا:
[سأل أحد الصحفيين السيد نلسون مانديلا عن سبب رفضه لجائزة أتاتورك ... قال مانديلا: (حاول أن تكون كردياً ساعة واحدة ثم أخبرني عن شعورك وستعلم لماذا رفضت جائزة أتاتورك) ]
نلسون مانديلا
* من أقوال الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق الأسبق( ):
1- (إن القضية الكردية هي مشكلة العراق الأساسية المرتبطة بوجودهُ، ولن يتأتى له الاستقرار إلا إذا حلها حلاً عادلاً ينصف الأطراف المعنية كلها، فتتحقق نتيجة ذلك وحدة الشعب الكردي).
من كتابه (العراق من الاحتلال إلى الاستقلال)
2- (القضية الكردية ليست وليدة فترة زمنية متأخرة أو حصيلة وضع سياسي معين، أو نتيجة تحريض شخص أو بضع أشخاص، كما يتوهم بعض العراقيين اليوم، وإن تأكيد هذا الأمر أصبح في الوقت الحاضر ضرورياً لأن بعض المسؤولين لم يدركوا بعد حقيقة هذه المشكلة الكردية في العراق، ولم يتح لهم أن يسبروا عمق أغوارها).
من كتابه (العراق من الاحتلال إلى الاستقلال)
3- (الشعب الكردي لا يريد الانفصال ولا يريد إلا الحفاظ على وجوده، ونحن مستعدون أن نعترف بالوجود الكردي وأن نعترف بالذاتية الكردية كقومية متميزة لها لغتها وتراثها وأمجادها، ومن حقهم الحفاظ عليها).
في 15/6/1966م (ندوة تلفزيونية)
* الدكتور (الطبيب) فهمي الشناوي:
في كتابه (الكرد يتامى المسلمين أم ضحاياهم)
1-إن الأكراد هم يتامى المسلمين، وأنّ ثرواتهم الطائلة قد قام عليها إخوتهم المسلمون الآخرون، ونهبوها لأنفسهم دون الوريث المستحق الأصلي (ص8).
2-الأكراد الخمسة والثلاثون مليوناً يملكون منابع أنهار الشرق الأوسط، ويملكون معظم نفط هذه البلدان، يملكونه أصلاً، ولكنهم محرومون منه فعلاً. يملكون المياه والنفط ولكن ملكياتهم منهوبة عند إخوانهم وجيرانهم (ص41).
3-وأقصى ما وصل إليه وازعٌ ضمير المغتصب، هو أن يعطي الأكراد في مناطقهم ما يشبه (الحكم الذاتي ...) ولكن لا يتمتّع صاحب هذا الحكم الذاتي برسم السياسة، أو الاشتراك في الحكم، ولا توجيه الدولة حرباً ولا سلماً ولا تفاوضاً مع الأجنبي بأي حال، لأنه غير مؤتمن على الدولة، فوضعهم مثلُ وضع عرب فلسطين تحت الحكم الإسرائيلي (ص15).
4-"الحكم الذاتي ما هو إلا رقّ واسترقاق سياسي" (ص16).
5-"كل من حول الأكراد يتباهى بالوطنية صباح مساء، ويجعل منها أيديولوجيا، ويتغنى بتراب الوطن، ويتشدّق بالموت في سبيل الوطن، حتى إذا طلب الأخ الكردي أن يكون له وطن مثلهم لا أكثر ولا أقل، أنكروا عليه ذلك، واعتبروه معتدياً على ما في يدهم" (ص20).
6-فالقومية العربية لا تكفُّ عن التباهي والتفاخر، ولها مؤسساتها، سواء فاشلة أو ناجحة، ويجعل زعماؤها منها ديناً مقدساً، ... فإذا طلب الأكراد أن يكون لهم قومية استنكروا فهم هذا (ص21).
*صدام حسين:
[كردستان جنة الله على الأرض].
صدام حسين

* نزار بابان (كاتب ومناضل كردي):
[كردستان جنة الله وجحيم أمة].        
نزار بابان
 
محاضرة أصل الأكراد
    
إلى وقت قريب كان شائعاً بأن الأكراد من أبناء (الكاردوخيين) الذين شاهدهم كزنفون واتصل بهم في سنة 401 ق.م. عندما قاد عشرة آلاف من اليونانيين. تغير هذا الاعتقاد في الفترة الأخيرة حيث أن بعض العلماء قسمهم إلى قسمين الذين لهم علاقة بهذا الاسم أي القسم الأول (الكادروخيين) يقولون أنهم ليس من أصل آري. ولكن يعتبرون الكورتيين الذين يعيشون في الشرقي من بلاد الكادروخيين هم أجداد الأكراد ومهما يكن نجد هذا الشعب عاش في جبال كردستان قبل الميلاد لعدة قرون وعليه فإن الأكراد ليسو آريين من حيث اللغة لأن لغتهم من عائلة إيرانية وكذلك وطنهم في الشرق. والنظرية الأخرى عكس ذلك بأنهم مستقلون (الأكراد) عن العائلة الإيرانية( ). ولكن نعلم بأن الوجبة الأولى من هجرة الآربين حدث حوالي بداية القرن السابع ق.م عندئذ يجوز الاعتقاد بل والتأكد على أن هذه الفترة التي فيها قضى الميديون مع حلفائهم في سنة 607 ق. م. على آشور قد زحف عدد كبير من الأكراد نحو الغرب.
عرف الجغرافيين الإغريق في أوائل القرون الميلادية بصورة جيدة مناطق (الكوردوئين) وهي لا تزال قائمة على نهر دجلة ويسمونها (فينيك) وعليه يمكننا المقارنة بين كلمة (كوردوئين) وكلمة (كورجيا) بلاد الأكراد المذكورة من قبل الأرمن (الأزشاكيين) وكانت الأقسام الجنوبية الشرقية من كردستان المركزية كانت واقعة تحت حكم أسرة (هايكان الأرمنية وكانت مستقلة ولا تدخل ضمن دولة (الأخمينين)، ثم خضعت للاسكندر الكبير والأرمن الأرشاكيين وللاسكندر بن مارك انطوني وكليوباترا وللبارثين وللرومان وللساسايتين (أردشير وشابور) والأباطرة والرومان من جالبيري إلى جوليات وللساسايتين مرة أخرى. وللإمبراطورية البيزنطية فيودوس وللعرب الذين غزوا الأمارات الأرمنية وأخيراً للأسرة الكردية الأولى المروانية المستقلة التي حكمت من 990 – 1096م. إذاً تلاحظ عدم استقرار المنطقة الكردية حيث حدثت فيها غزوات كثيرة، ففي القرن الحادي عشر استولى السلجوقين على المنطقة ثم اضطر الأكراد أن يناضلوا ضد المغوليين، وفي القرن الثالث عشر ضد هولاكو خان (وتيمور لنك) حوالي سنة 1400م وأخيراً في القرن السادس عشر ظهر غزاة آخرون من الغرب (الأتراك العثمانيون)، وفي سنة 1514م كان مصير الأكراد وكردستان مرتبطاً بالعثمانيين. وأناط السلطان سليم أدارة كردستان بعد احتلالها إلى القريب منه المؤرخ الحكيم إدريس وهو من أبناء تبليس. وفي الشرفنامة( ) كانت الضفة اليسرى من نهر الفرات الغربية وجميع مناطق الضفة الشرقية من (مرادسو) تقريباً تحت حكم الإمارات الكردية وكانت (إمارة تبليس) أكبر الإمارات الكردية وأميره هو مؤلف كتاب (الشرفنامة). نلاحظ عدم تمكن السلاطين العثمانيين في السيطرة على الإمارات الكردية، ولكن هذه الحالة انتهت في القرن التاسع عشر عندما رفض المصلح التركي الكبير السلطان محمود الثاني قرار السلطان سليم حول الأكراد أي أراد احتلال كردستان وقد تم ذلك سنة 1834م حيث قاد الحملة (محمد رشيد باشا) وأصبح الأكراد فيها بعد مواطني المملكة العثمانية بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
لا يزال هناك نقاش حول أصل الأكراد، وإن كان أغلب الباحثين متفقين على أنهم ينتمون إلى المجموعة الآرية Indo-European. كذلك اختلف الكتّاب حول أجدادهم وربطوهم بعدة شعوب تاريخية. وقد يكون من المفيد أن نتتبع أصل تسميتهم أولاً، أي كلمة (كرد). وهنا نجد الباحثين قد اختلفوا في أصل هذه التسمية أيضاً. وهناك نظريتان راسختان في تفسيرها، الأولى ترجع الكلمة إلى (كَوتو) Guto، والثانية ترجعها إلى ((كيرتي)) Kyrti أو ((سيرتي)) Cyrtii.
وتربط النظرية الأولى الأكراد بشعب ((كَوتو)) Guto وهم الأقوام الذين عاشوا في مملكة (كَوتيام) Gutium الواقعة على الضفة الشرقية من نهر دجلة، بين نهر الزاب الصغير ونهر ديالى. ويعتقد الدكتور سافراستيان وكتّاب آخرون أن تلك الكلمة مأخوذة من الكلمة الآشورية كَورتو Gurtu وقد تطورت إلى شكلها الحالي بانصهار حرف الراء ® بعد الواو القصيرة (U) (أي Gurtu أصبحت Gutu)، وإن مثل هذا الانصهار هو قاعدة لغوية تنطبق بصورة عامة على أغلب اللغات الهندية- الآرية، وخاصة اللغات الشرقية منها، كاللغة الكردية والأرمينية والسنسكريتية واليونانية.( ) وكانت كلمة كَورتو الآشورية تطلق على أولئك الأقوام الذين يسكنون المنطقة التي يحتلها الأكراد حالياً.
أما النظرية الثانية فتربط الأكراد بالكرتيين Kyrtii وهم قوم كانوا يعيشون أصلاً في المنطقة الجبلية في غربي بحيرة وآن، ويعتقد (نولد كه Noldeke) أن الكرتيين كانوا قد تفرقوا بصورة واسعة في بلاد إيران وميديا وبقية المناطق التي يقطنها الأكراد في الوقت الحاضر، كما يعتقد أيضاً أن كلمة (كيرتي) Kyrtii قد تطورت إلى كلمة (كورتو) Qurtu أو كاردو Kardu أولاً، ومن ثم إلى كلمة (كرت) Kurt،( ) وهي كلمة أصيلة وليست صفة لهذا الشعب كما هو حال كلمة (كرد) الفارسية التي تعني الشجاع.
أما (درايفر Driver) الذي قام بأبحاث واسعة في أصل الكلمة الفيلولوجي (الفقهي) فإنه وإن اتفق مع (نولدكه) في ربط الأكراد بالكرتيين إلا أنه يرجع كلمة (كرد) إلى أصل فارسي. ويعتقد (درايفر) أن الفرس الذين إما أن يكونوا سمعوا بالكرتيين أو تعاملوا معهم فعلاً قد أطلقوا على الكرد اسماً قريباً من اسمهم الأصلي من ناحية اللفظ ومنطبقاً على طباعهم الباسلة في الوقت نفسه.
فالكلمة الإيرانية (كرد) Kurd، والتي قد تكون ذات أصل مشترك مع الكلمة البابلية (كاردو) Qardu أو (كَاردو) gardu، تؤدي معنى (الشجاع)، أو (الباسل) أو (المحارب). ولعل الكلمة الفارسية كرد أي الشجاع أو الباسل أو المحارب انتقلت فيما بعد إلى الكتّاب العرب ومنهم إلى الكتّاب الأوروبيون.( )
ويلوح الباحث أن النظرية الأولى قد تكون أقرب النظريات إلى الواقع. فلعل كلمة (كرد) تطورت من اللفظ الآشوري لكلمة (كَوتو) Guto، أي من كلمة (كورتو) Qurtu، فقد كان الآشوريون من بين أقدم الشعوب التي قاست من هجمات الكَوتيين Guti، وكذلك شأن السومريين من قبلهم، وربما نقل الآشوريون هذا الاسم إلى الفرس. والواقع أن من المحتمل أن يكون الكَورتيون Gurtu الكرد والكرتيين Kyrtii الكرد من شعب واحد كردي أيضاً، وإن كانوا من قبائل مختلفة. فمناطقهم التي وصفها السومريون والآشوريون والفرس هي المناطق الحالية لكردستان، بما فيها كردستان الشمالي وكردستان الجنوبي. وقد يكون من المحتمل أيضاً أن كلمة كورتو Qurtu التي تطورت إليها كلمة كيرتي قد تبناها الآشوريون مع قليل من التحريف فلفظوها كَورتو Gurtu.
أما أول شكل لكلمة (كرد) شبيهة باللفظ الحالي ومنطبقاً على الشعب نفسه في ذات الوقت، فهي كلمة (كاردوخي) Kardouchi التي ذكرها زينفون Xenephon اليوناني في مذكراته عن تقهقر العشرة آلاف عام 401 قبل الميلاد.( ) ويرجح (سافراستيان) أن يكون أصل الكلمة التي استعملها زينفون هو كلمة (كَورتو) Gurtu الآشورية مضافاً إليها علامة الجمع الأرمينية (KH) (Gurt-kh)، وربما انتقلت هذه الكلمة إلى اليونانيين عن الأرمن. وكذلك من المحتمل أن يكون اصل تلك الكلمة كلمة gardu (كَاردو) التي تطورت إليها كلمة Kurtii (كيرتي) مع إضافة علامة الجمع الأرمينية. ثم تطورت تلك الكلمة إلى أشكال عديدة على أقلام الكتّاب اليونانيين القدماء ككلمة كوردوني Gordueni وكَوردين Gordyene وكَوردياى Gordyoei وكوردونس Korduence وكوردينس  Kordyens وكاردني Hardeni وكارداوى Qardaiwye  الخ.( )
ولكن مهما كان (أصل الكاردوخيين) الذيت ذكرهم زينفون، أكانوا الكَورتو (الشعب الكَوتي) Gurtu أم الكرتيين Kyrtii أم غيرهم، فلا شك أنهم أجداد الأكراد الحاليين كما تدل جميع الدلائل.
أما كلمة (كرد) فقد ظهرت في الكتابات الفارسية للمرة الأولى في كتاب مدون باللغة البهلوية، فقد ذكر (ارتاخشير بابكان) مؤسس الدولة الساسانية عان 226 ميلادية اسم (ماكَي) Magi ملك (الكردان) Kurdan من بين أعدائه.( ) ومن المحتمل أن يكون الكتّاب العرب (كالمسعودي) و(الطبري) قد نقلوا الكلمة عن الفارسية إلى العربية، وقد نقلت بلفظ (بكاردا). ولا بد من الإشارة هنا إلى أن لاتفاق على أصل تسميتهم لا يقتضي بالضرورة الاتفاق حول أصلهم، فقد تكون تلك التسمية قد أطلقت على شعوب سابقة كانت تستوطن كردستان.
أما أصل (السلالة الكردية) فهو موضوع لم يستوف حقه من البحث العلمي أيضاً. فلقد ذكرت (الشرفنامه)، وهي أولى المصادر الكردية التي بحثت في الأكراد، إن بعض الناس يعتقدون أن الكرد هم سليلو الفتيان الذين أنقذوا من الهلاك على يدي الطاغية الضحاك. وتروي الأسطورة أن الضحاك الذي كان يتربع على عرش إيران في زمن ما كان يأمر باستحضار مخ شابين كل يوم ليعالج بها مرض مزمن. لكن الشخص المسؤول عن تنفيذ هذا الأمر كان يقتل شخصاً واحداً ويهرب الآخر إلى الجبال. واجتمع عدد عظيم من أولئك الشبان في الجبال وكونوا شعباً متنوع الأجناس أطلق عليه اسم (كرد).( )
وهناك أسطورة إيرانية تزعم أن الأكراد هم أحفاد طائفة من الجواري ابتاعهم سليمان الحكيم من أوروبا فاعترض الأبالسة طريقهم في الجبال، وتزوجوا منهم، فكان نسلهن الأكراد.( )
ويدعي بعض المؤرخين العرب كالمسعودي، وكذلك بعض الأكراد، أنهم من أصل عربي. ويرجعون أصلهم إلى ربيعة بن نزار بن معاد، أو إلى مضر بن نزار بن معاد، وهي قبيلة كانت تقطن ديار ربيعة (منطقة الموصل)، أو في ديار مضر (منطقة الرقة)، ويزعم هؤلاء أيضاً أن الأكراد كانوا قد انفصلوا عن قبيلتهم لخلاف حدث فيما بينهم، فهاجروا إلى الجبال واختلطوا بعناصر أخرى فنسوا لغتهم.( ) كذلك اعتقد بعض الرحالة والكتّاب في القرن السابع عشر والثامن عشر أن الأكراد هم من نسل الكلدانيين. فقد أشار كتّاب الزمن القديم إلى أن الكلدان قد سكنوا منطقة كردستان الشرقية.
أما النظريات الجدية عن أصل الأكراد فتستند إلى ثلاث أسس:
1. تقاليد الشعب الكردي ومميزاته الاجتماعية.
2. الدلائل اللغوية (الفلولوجية).
3. الدلائل التاريخية والاجتماعية واللغوية.
أولاً- أما تقاليد الشعب الكردي ومميزاته الاجتماعية فهي أساس نظرية العلامة مار Marr ويعتقد مار أن الأكراد هم السكان الأصليين لجبال آسيا الصغرى شأنهم شأن الجورجيين والخلديين والكارتفاليين، وأنهم لم يفدوا من أي مكان آخر، فعادات الأكراد الاجتماعية شبيهة بعادات العناصر السابقة لهم، كعادة الزواج من بنات العم مثلاً وعادة الغناء المنطلق من الحنجرة وكثير من العادات الدينية. ومع أن العلامة مار يعترف أن لغة الأكراد الحالية هي لغة آرية، لكنه يعزو هذا المظهر إلى تأثير العنصر الهندي- الآري على الأكراد، ويقول مار أن اعتبار الأكراد آريين لمجرد تشابه لغتهم مع لغة الآريين أمر غير صحيح، فاللغة الكردية في جوهرها هي لغة السكان الأصليين للمناطق الكردية وتتميز بكثير من الخواص الأصلية التي تشابه لغة الجورجيين والخلديين( ).
ثانياً- أما النظرية القائمة على براهين فلولوجية فيؤيدها العّلامتان نولد كه Noldeke وهارتمان Hartmann وهي تعتقد أنهم مجموعة الأقوام الآرية. وتربط هذه النظرية الأكراد بالكرتيين. وهي تحاول البرهان على أن كلمة (كيرتي) Kyrtii قد تطورت إلى كلمة (كاردو) Qardu، ثم إلى كلمة (كاردوخي) Kardouchi التي ذكرها للمرة الأولى القائد اليوناني زينفون( ). وبما أن الكاردوخيين يعتبرون بإجماع الآراء الأكراد الحاليين، وبما أن المرجح أن الكاردوخيين من أصل هندي- آري، فلا بد أن يكون الكرد الحاليون إذن من نفس الأصل. والواقع أن هذه النظرية لا تستند إلى البراهين اللغوية فحسب حيث تثبت أن لغة الكرتيين والأكراد هي لغة آرية وأن هناك تشابه واضح في لغة هؤلاء الشعبين، بل إلى المشابهة في منطقة السكنى وفي العادات بين الكرتيين والكاردوخيين أيضاً. فلقد ذكر الكتّاب القدماء أن الكرتيين يقطنون في إيران قرب جبال زاكَروس في المنطقة التي كانت تسمى ميديا والتي سميت فيما بعد ببلاد فارس. وقد وصف العلاّمتان سترابو وبوليبس وليفي الكرتيين أنهم يشتغلون بالنهب والسلب ويبرعون في رمي الحجارة بالمقلاع ويتميزون بشجاعة عظيمة، وهذا الوصف نفسه يماثل تماماً وصف زينفون للكاردوخيين، كما أن مناطق سكنى كلا الشعبين متماثلة، ومن الواضح أن هذه النظرية تستند إلى حجج قوية. ولعل أهم نقاط الضعف فيها- كما يذكر مينورسكي- أنها لا تفسر كيف استطاع الكرتيون (أو الكرد) الانتشار في مناطق غربي جبال طوروس وانتي طوروس وأن يتوغلوا حتى الحدود السورية.( ) لكن الرد على هذا الاعتراض ميسور، فالكرتيون قوم رعاة، وطبيعة حياتهم تدفعهم إلى الانتشار في مناطق واسعة جرياً وراء الكلأ.
وهناك جماعة أخرى من العلماء اعتقدوا أيضاً بأن الكراد هم من المجموعة الآرية ومنهم العالم الروسي (كونيك) الذي استند إلى وثائق تاريخية في البرهنة على أن هناك صلة قوية بين الأكراد وبقية الشعوب الآريية التي سكنت قديماً في آسيا الوسطى. كذلك اعتمد في بناء نظريته على تشابه لغتهم مع اللغة الإيرانية. وأيده في رأيه (رينان ولرش) وعلماء آخرون.
ثالثا- أما النظرية الثالثة فيؤيدها مينورسكي وهي تقوم على معلومات تاريخية ولغوية، وتقول بأن الأكراد مزيج من عناصر آرية وعناصر أصلية.
ويعتقد مينورسكي أن الأكراد ينحدرون عن أصل آري، إلا أنهم قد امتزجوا بعناصر أخرى. وهذه النظرية في الواقع تشترك مع (نظرية نولدكه) في وجوه كثيرة، وهي ذات أسس تاريخية ولغوية واجتماعية في آن واحد. فهي تستنتج عن طريق الأبحاث اللغوية أن اللغة الكردية ترجع إلى المجموعة اللغوية الآرية الإيرانية، وبما أن اللغة دليل هام على أصل المتكلمين بها، فلا شك إذن أن أصل الأكراد آري. ومن المعلوم أن كتّاباً آخرين من دارسي اللغات الشرقية قد برهنوا على ذلك من قبل، ومنهم ليهمان بوت Pott وروديجر Rodiger اللذان أثبتا علاقة اللغة الكردية باللغة الفارسية الحديثة وباللغة الزندية. ويستنتج مينورسكي أيضاً بواسطة البحث التاريخي الطريق الذي سلكته هذه الموجات الكردية، وهو عبر جبال القوقاز (طريق الموجات الآرية). ولكن هذه النظرية تجد في نفس الوقت شبهاً كبيراً بين عادات الأكراد وعادات الأقوام الأصليين مما تستدل به على تمازج الأقوام الكردية الوافدة بالأقوام الأصلية.
وعلى أية حال فالنظريات المذكورة ما تزال في حاجة إلى بحث دقيق وبراهين مقنعة. وستكون الأبحاث الأركيولوجية والمقاييس الانثروبولوجية الدقيقة للأكراد كفيلة في المستقبل بالكشف عن معلومات جديدة عن أصل الأكراد. ويبدو للباحث أن النظريات التي ترجع أصل الأكراد إلى المجموعة الآرية هي الراجحة، كما أن المعلومات الجديدة تكشف باستمرار عن دلائل مؤيدة لها. ويقول العلامة كون Coon أن الموجة الآرية الأولى التي حملت الكرد إلى مناطقهم الحالية آتية بهم من أواسط آسيا قد حدثت حوالي 2000 قبل الميلاد.( ) ويحتمل أن تكون أقوام ذات مميزات آرية قد سادت آنذاك المنطقة الممتدة من بحر آيجة إلى جبال زاجروس، ومن شمال القوقاس وبحر الخزر إلى الخليج العربي. وربما شملت تلك الأقوام الشعوب الكردية التاريخية المعروفة كالحيثيين والكوتيين والمينانيين والكاشيين والعيلاميين.( ) وبما أن تلك الموجة الآرية كانت موجة غازية، فقد صهرت السكان الأصليين وفرضت عليهم لغتها وديانتها. ولكن الانصهار التام لم يتم على أية حال إلا بعد أن قدمت موجة أخرى من الآريين، ربما عبر القوقاس، بعد مرور حوالي ألف عام واحتلت المناطق المذكورة.( ) ومن المحتمل أن يكون الكاردوخيون الكرد الذين ذكرهم زينفون أحفاد الموجة الثانية أو السلالة التي نتجت عن اختلاط أقوام الموجة الثانية بالسكان الأصليين الذين كانوا يقطنون بلاد كوردونس Corduence، وهو اسم أطلقه اليونانيون على المنطقة الواقعة على الضفة اليسرى من نهر دجلة بين الخابور والزاب الكبير. وكانت الموجة الآرية الأولى قد صهرت إلى حد كبير السكان الأصليين، فاستطاعت الموجة الثانية أن تصهرهم كلياً، عدا بعض الجماعات المنعزلة. وتدل أوصاف زينفون على أن الكاردوخيين الكرد كانوا يتميزون يومئذٍ بمميزات آرية وخاصة من النواحي الاجتماعية. ولا بد لنا على أية حال أن نؤكد بأن بعض المميزات العنصرية للسكان الأصليين القدماء لا تزال متمثلة بين بعض الأكراد حتى الوقت الحاضر. كذلك تظهر بين نفر آخر من الأكراد بعض الصفات العنصرية للأقوام المجاورة والتي تعزى في الحقيقة إلى زحف الأكراد على المناطق المجاورة أو إلى توغل تلك المجموعات العنصرية في الأراضي الكردية. ومن المعلوم أن الجبال هي مناطق حماية دائماً.
ولقد برهنت القياسات الانثروبولوجية التي قام بها العلامة (فيلد) أن ثمة فروق إحصائية واضحة بين أكراد العراق وسكان الأهوار العرب والاوستس من سكان الققاز.( ) ومن جهة أخرى فإن أوصاف الكرد الشماليين القاطنين في تركيا وفي شمال غربي إيران التي سجلها الكتاب والرحالة وتكشف عن مميزات آرية واضحة كالرأس الطويل والقامة الطويلة وعناصر الشقرة كالشعر الأشقر والعيون الزرق. أما أكراد كردستان الجنوبي فيمتازون ببشرة داكنة وشعر داكن، وبأغلبية ساحقة من العيون البنية، وبقامة متوسطة الطول ورأس أقرب إلى الاستدارة. لكن هذا التفاوت في الصفات الجنسية بين أكراد الشمال وأكراد الجنوب، لا يعني ، الأكراد يتألفون من عناصر شتى، فهو تفاوت بسيط ناتج عن تأثرهم بالعناصر المجاورة، وقد برهنت مقاييس (فيلد) للأكراد من مختلف أنحاء كردستان العراقي أن الأكراد ينتمون إلى جنس واحد. ويمكن للباحث أن يستنتج مما يتوفر من قياسات انثروبولوجية ومن أوصاف الرحالة أن الأكراد ينتمون إلى العنصر الألبي من المجموعة الآرية، لكن الشماليين منهم يكشفون عن تأثيرات أرمنية قوية، في حين أن الجنوبيين يكشفون عن تأثيرات عناصر البحر المتوسط (وخاصة تأثيرات الساميين).
ومن المواضيع التي يتناقش فيها الباحثون أيضاً الشعب التاريخي الذي يمكن أن يعتبر أجداد الأكراد، ومع أن هناك عدة نظريات حول أجداد الأكراد، لكن النظرية المتغلبة هي تلك التي تربطهم بالميديين Medes الكرد على أساس أن الكَوتيين الكرد قد اندمجوا بالميديين الكرد بعد سقوط نينوى عام 660 قبل الميلاد.( ) والواقع أن كتّاب التاريخ القديم يتفقون على وجود شعب كان يسمى بالكَوتيين حوالي 2000 سنة قبل الميلاد، وقد عاش في منطقة تشكل الآن إحدى مناطق الأكراد الرئيسية وهي المنطقة المحصورة بين دجلة والزاب الأسفل ونهر ديالى، ولكنهم يختلفون في وجود شعب باسم الميديين الكرد ذي مقومات عنصرية متميزة، ولو وجد هذا الشعب حقيقة لكانوا أجداد الأكراد فعلاً. ويدلل الدكتور (سافراستيان) على وجود قوم باسم الميديين بما كشفت عنه الأختام المسمارية من أن كلمة ميدا Meda. وقد قال البابليون الذين ورثوا الثقافة السومرية فيما بعد في معنى كلمة ميديا أنها اسماً لبلاد معينة أو لقومية من القوميات، واستطاعوا أن يحددوا تلك البلاد بالضبط أو أن يعينوا ذلك القوم. وورث الآشوريون حدود منطقة ميديا من البابليين، كما ورثه الإيرانيون واليونانيون عن الآشوريين، وورثه الكتّاب الأوروبيين عن الكتّاب اليونانيين القدماء.( )
أما ما يتعلق بالشعب الكَوتي الكردي فالدلائل على وجوده كثيرة، وهي تحدده كعنصر واضح متميز، ولعل أقدم إشارة إلى الكَوتيين هي تلك التي عثر عليها في الكتابات السومرية، وكان السومريون يشكون من قوم محاربين اسمهم الكَوتي، قد اعتادوا الانحدار من جبالهم ومهاجمة المدن السومرية، واعترف السومريون وكذلك الأكديون بمملكة الكَوتيين الكرد التي كانت عاصمتها (ارابخا)، وربما وجدت هذه المدينة قرب كركوك.( ) وحدد بعض الكتّاب موقع المملكة الكَوتية في المربع الواقع بين الزاب الصغير ونهر دجلة وتلال السليمانية ونهر ديالى.( )
وقد كان الكَوتيون يهددون البابليين دائماً، وكان البابليون يسمونهم كَارود Gardu أو كاردو وقد أعلنوا عليهم الحرب مراراً عديدة دون أن ينجحوا في إخضاعهم. وقد وصفوا بلادهم أنها الجبال الواقعة شرق نهر دجلة بين الزابين ونهر ديالى (البلاد الكردية)، فليس من المستبعد إذن أن تكون ميديا نفسها امتداداً لبلاد كَوتيوم Gurium والتي قد تكون واقعة في شمال غربي إيران وتسكنها نفس القبائل في الوقت الحاضر. والحقيقة أن الطريقة التي وصف بها هيرودتس قصة تكوين المملكة الميدية الكردية - وهو المصدر الأول عن الميديين( ).
كذلك فإن تاريخ هذه المملكة محاط بالغموض. ولكن هذا لن يغير على أية حال الحقيقة التي تؤكد بأن الأكراد الحاليين كانوا يعيشون في البلاد التي دعيت ميديا، وأنهم يعتبرون لذلك أحفاد الميديين، وإن لم يكن هناك سلالة معينة باسم الميديين. ولو وجد قوم باسم الميديين لكان الأكراد أحفادهم. ويمكن أن نستنتج من الدلائل المتوفرة حتى الآن أن الأكراد أحفاد الكَوتيين، وهم القوم الذين نتجوا من التزاوج بين سكان جبال زاكَروس الأصليين وبين الموجات الأولى من الآريين التي اكتسحت منطقتهم( ).
* ظهور اسم (كرد)
في عهد الملك الخامس والأخير من الملوك السومريين شوسين الابن الثاني لشولكَى بن أورنمو (2036- 2028ق.م) أقبلت الدولة على الزوال رغم قيامه بهجمات على سكان كردستان لتوطيد حكمه فيها كأبيه وجده إذ انفصلت منها منطقة ديالى وتأسست فيها حكومة (اشنونا) في السنة الثالثة من حكمه فأصبحت حاجزاً بينها وبين مناطق ما وراء سلسلة حمرين وكذلك انفصلت منها (سوسة) وغيرها إلى أن تحولت بلادها إلى (نظام دويلات المدن) وقضى العيلاميون سكان لورستان الصغرى بالتعاون مع سكان مناطق أخرى من كردستان مجاورة لهم على (أبي سين) واحتلوا عاصمته (اور) والتفاصيل في كتاب (أبي سين) للدكتور فوزي رشيد الذي يعتقد أن اسم الكرد ظهر لأول مرة في عهد هذا الملك وهو (كَرْدا) وكان اسماً لمنطقة  قريبة من كرمانشاه على عكس ما تصوره سابقاً علماء آثار من أنها كانت تقع في جنوب غرب بحيرة (وان) وقد ذكر اسم (كردا) (Karda) في نص مسماري عبارة عن أمر صادر من (أبي سين) بتعيين (ايرنَنّار) حاكماً على منطقة (سو) ومنطقة (كردا) ويوجد النص في ص27 من الكتاب المذكور، وهناك صورة لها.
نستخلص من المعلومات السابقة أن الدولة السومرية التي عاشت مائة وبضع سنين حكمت حوالي خمسة وثلاثين عاماً مناطق من كردستان الجنوبية حكماً غير مستقر أو كما قال المرحوم طه باقر في مقدمته ص387 (لم تخضع الأقاليم الشرقية خضوعاً تاماً لإمبراطورية سومر) علماً أن سكان تلك المناطق حاولوا مراراً مهاجمة الدولة السومرية واحتلال العراق ولم يحدث خلال حكمها أي تغيير قومي للكرد في مناطق خانقين وكركوك وأربيل وغيرها.
إلى وقت قريب كان شائعاً بأن الأكراد من أبناء (الكاردوخيين) الذين شاهدهم كزنفون واتصل بهم في سنة 401 ق. م. عندما قاد عشرة آلاف من اليونانيين.
تغير هذا الاعتقاد في الفترة الأخيرة حيث أن بعض العلماء قسمهم إلى قسمين الذين لهم علاقة بهذا الاسم أي القسم الأول (الكادروخيين) يقولون أنهم ليس من أصل آري. ولكن يعتبرون الكورتيين الذين يعيشون في الشرقي من بلاد الكادروخيين هم أجداد الأكراد ومهما يكن نجد هذا الشعب عاش في جبال كردستان قبل الميلاد لعدة قرون( ) وعليه فإن الأكراد ليسو آريين من حيث اللغة لأن لغتهم من عائلة إيرانية وكذلك وطنهم في الشرق. والنظرية الأخرى عكس ذلك بأنهم (الأكراد) مستقلون عن العائلة الإيرانية( ).
ولكي نعلم بأن الوجبة الأولى من هجرة الآريين حدثت حوالي بداية القرن السابع ق.م عندئذ يجوز الاعتقاد بل والتأكد على أن هذه الفترة التي فيها قضى الميديون الأكراد مع حلفائهم في سنة 607 ق. م. على بلاد آشور وقد زحف عدد كبير من الأكراد نحو الغرب( ).
لقد كتب الكثير من الباحثين عن كردستان وعن موطن الأكراد منهم من قال عنها:
1- كلمة كردستان مصطلح جغرافي ظهر لأول مرة في القرن الثاني عشر الميلادي في عهد السلاجقة فقد فصل (السلطان السلجوقي سنجار) القسم الغربي من إقليم الجبال ووضعه تحت حكم قريبة (سليمان باشا) وكان هذا القسم يضم الأراضي الممتدة من أذربيجان - لورستان - همدان - كرمنشاه بالإضافة إلى المناطق الواقعة غرب جبل زاكروس - شهر زور وكويسنجق( ).
2- وكلمة كردستان تعني بلاد الأكراد وهي منطقة واسعة لا حدود سياسية لها وكانت هذه المنطقة تضم عدة ولايات تفصل بينها سلسلة جبال زاكروس( ).
3- ينتشر الأكراد حالياً بين اذربيجان وارمينيا في الاتحاد السوفيتي (سابقاً) أو شرق تركيا وشرق وشمال العراق وغربي إيران وشمال وشرق سوريا بين خطي عرض (34 – 39) وخطي طول (30 – 40) شرقاً و(37 – 48) غرب( ).
4- الأكراد في العراق يقطنون محافظات (السليمانية - إربيل - دهوك – كركوك - وفي أجزاء كبيرة من محافظتي ديالى والموصل).
لقد اختلف الباحثون حول أصل الأكراد وربطوه بعد شعوب وصاغوا حوله نظريات كثيرة منها( ):
1- أصل الأكراد إلى وقت قريب كان شائعاً بأن الأكراد من أبناء (الكاردرخيين) الذين شاهدهم كزنفون واتصل بهم في سنة 401 ق.م عندما قاد عشرة آلاف من اليونانيين. تغير هذا الاعتقاد في الفترة الأخيرة حيث بعض العلماء قسمهم إلى قسمين الذين لهم علاقة بهذا الاسم أي القسم الأول (الكاردوخيين) يقولون أنهم ليس من أصل آري ولكن يعتبرون الكورتيين الذين يعيشون في الشرقي من البلاد (الكاردوخيين) هم من الأجداد الأكراد. ومهما يكن نجد هذا الشعب عاش في جبال كردستان قبل الميلاد بعدة قرون( ).
2- أن قرية (جومر) الواقعة في جم جمال قرب السليمانية هي أقدم قرية في الشرق الأوسط وكذلك موقع (برده بلكه) ومغارة (هزار ميرد) في نفس المنطقة ومغارة (شاندري) قرب رواندوز التي كشف فيها أول هيكل عظمي لإنسان العصر الحجري في العراق. إذ هذه المنطقة كانت مسكونة قبل آلاف السنين وكذلك لافا (عرفا) في كركوك هي حضارة أثرية إلى الاكديين( ).
3- أن السجلات السومرية لا تترك شكاً بأنه منذ (2000) سنة ق. م كان هناك شعب يدعى كوتو اوكوتي سماهم الاشوريون (كرتي) فيما بعد وسكنوا منطقة أواسط دجلة من منطقة (بوتان) وجبل (جودي) إلى سلسلة جبال (زاكروس) شرقاً أما (مينورسكي) فيقول أن الأكراد ينحدرون من أصل (آري) إلا أنهم امتزجوا بعناصر أخرى( ). أما (سدني شميت) الخبير البريطاني في شؤون الآثار القديمة فيقول (الشعب الكردي) هو أحد الأقوام الهندية الأوروبية قدم إلى كردستان في الوقت الذي قدم فيه (الميديون الأكراد) إلى ميديا (والإيرانيون الفرس) إلى إيران ويستند (سدني شميت) إلى النقوش الأشورية والتي يرجع تاريخها إلى 650 ق. م( ).
4- إن البحث عن أصل الشعب الكردي( ) هو واحد من الأمور التي كادت تنهك أفكار المؤرخين لمدة نصف قرن من الزمن، لقد قُدمت نظريات كثيـرة بهذا الصدد، إلا أن الموضوع ما زال معقداً، فبعض الكتـاب الـروس، ولاسيما ف. ف. مينورسكي، باسيل نيكتين وفيلنشيفسكي حاولوا إلقاء ضوء على الموضوع تبعاً لدراسات واستناداً لبعض البحوث العلمية الأخرى. وسنحاول بدورنا إيجاد الطريق من خلال الحجج التاريخية والآثار القديمة واللغة وعلم أصل الإنسان وسوف لا نتوقف عند النهاية التي تقول بأن أصل الأكراد جاء من عدة فروع أنصهر بعضها مع بعض بفعل مرور الزمن، أو بتأثير العوامل التاريخية ونمط حياتهم الاجتماعية التي جعلت لهذا الشعب طابعاً مميزاً واضحاً ومجتمعاً وطنياً فريداً.
5- الكرد ليسو هندو – أوروبيين: يحتاج (مار) من أجل أن يثبت مواقعه، إلى التعرض لمشكلة أصل الكرد وربطهم بمجموعة الأعراق التي يطلق عليها (الآسيوية) أو (الآلارودية)، أو حسب اصطلاح (مار) نفسه (الجافيتية)( ) التي تضم الخالديين والمانيين والعيلاميين والأرمن والجيورجيين، هذه العناصر المرتبطة كلها تاريخيا بآسيا القديمة، والتي لا يمكن تشخيصها بوصفها هندو-أوروبية (آرية) أو سامية( )، دون أن يكون هناك اتفاق على تحديد خصائصها المشتركة. وبذلك يبقى الجدل بشأن التفاصيل مفتوحا. ومنذ أن تطرقنا لهذه المواضيع استطاع القارئ أن يطلع حتى لدى المتمسكين بنظرية الأصل الهندو – أوروبي للكرد على بضع الشكوك بهذا الخصوص، مما ترك فيهم ثغرات مفتوحة أمام النظرية الآسيوية.
وقد استفاد مار من ذلك ليقول لنا إننا استعجلنا كثيرا في تأييد القول بالخصوصية الهندو – أوروبية للغة الكردية الحالية. وقد ذكرنا في حينه التحفظات التي أبداها هو في هذا المجال. ويضيف أيضا انه يغيب عن نظرنا أن هناك لدى الكرد طبقتين أو عرقين مختلفين. فهل يمكن القول بالنظرية الهندو – أوروبية؟ لا يعير مار ذلك اهتماما كبيرا. صحيح أن علماء أوربيين من المراتب العالية كـ(ميكائيليس) و(ستولوتزر) و(فريدريك) و(هيرن) شككوا في الأصل الهندو – أوروبي للكرد، حتى ثبتت تلك النظرية من قبل كل من (لاسين) و(كارل ويتر)، فأكد (أرنست رينان) آنئذ أنها نظرية مقبولة الآن بوجه عام. لكن القبول العام لهذه النظرية لا يعني دائما الصحة المطلقة للرأي العلمي. أو لم يقبل بوجه عام أن الطبقة الهندو – أوروبية هي الأصل والأساس للأرمن، بل أكثر من ذلك أليس هناك من يريد إنكار وجود مجموعات عرقية جداً قديمة غير آرية ولا سامية، كالجورجيين والشعوب الأخرى القريبة منها، ويهمل بذلك هذه الشعوب ويضعها جانبا، في الوقت الذي يتصدى فيه لحل قضايا ينبغي عليه أن يضع حلها نصب عينيه، قبل كل شيء، المعلومات الأساسية المهمة التي تضعها تحت تصرفه الآثار الباقية في الأماكن التي يحقق بشأنها.
إن القول بالأصل الهندو – أوروبي للشعب الكردي ليس من الأمور التي لا يمكن التعرض لها مطلقا. وقد حاولوا أن يكتشفوا في اليزدية (التي يمزجها مار مع مبدأ كون اليزديين كردا، وهذه هي نقطة الضعف في استدلاله)، بعضا من خصائص السامية، ولكنهم لم يجدوا أي نجاح في هذا المضمار على أي حال( ). وفي الوقت الراهن يظل شيء واحد واضحا كل الوضوح، وهو أننا نجد في الديانة اليزدية بقايا عقيدة يزدية جداً قديمة في هذه المناطق. وكلما اكتشفنا في هذه الديانة روابط تربطها بالعقائد الموصوفة بالابتداع وبوجه عام بالاعتقادات الخفية الشعبية الصرفة. وجدنا الدليل على أن نرى فيها عبادة إله محلي من العصر ما قبل الآري المضطرب، إله غلب على أمره، فكان يستعين بجمهور العامة للدفاع عن نفسه وللنضال السري ضد الديانات الأجنبية التي ظهرت حديثا وسادت الساحة وكان لها إسناد رسمي وعلني. إن هذه العلاقات تقودنا إلى الطريق الصحيح الذي كانت الحملات تأتي عبره تارة من بلاد ما بين النهرين وأخرى من أرمينيا.
يقول المؤرخ سدني سميث: كان الأكراد (linke only registered users can see) في موطنهم يتمتعون بالحرية والاستقلالية الكاملة وذلك في القرن السابع قبل الميلاد.
أما المؤرخ مينورسكي يقول فلا يشك أبداً في أن (الكاردشوي) هي نفسها بلاد الكارد وتشكل هذه البلاد مع شعوبها الأصل والأساس لأكراد اليوم وموطنهم مثلما أن كلمتي (خالدي) و(كردايي) هما تسميتان لشعب واحد هو الشعب الكردي.
 ويذهب المؤرخ ريسك إلى أن كلمتي خالدي وكردايي لهما معنى واحد وحسب اللغة الكردية من الشعوب المجاورة للإيرانيين ولكن الكثير من الإيرانيين كانت لهم علاقات متينة مع الشعب الكردي أدت إلى الإختلاط معهم كما اختلطوا مع شعوب أخرى وتمكن البعض من هذه الشعوب من القفز إلى سدة الحكم والتحكم بمقدرات البلاد الكردية.
ويقول المؤرخ الكردي محمد أمين زكي بك: أن الأكراد القدماء هم من الشعوب القوقازية ولكن نتيجة اختلاطهم مع الميديين الأكراد الجدد أدى الى اقتباسهم اللغة الميدية الآرية وتحولوا من ثم الى آريين (هندو-أوربين).
أما شرف خان البدليسي فيقول: بأن الأكراد هم أحفاد أولئك الهاربون من مصاص الدماء المدعو (أزدهاك) الى رؤوس الجبال ثم تناسلوا هناك وبهذا المعنى فالأكراد ينحدرون من أصلاب أولئك الثوار المتمردين على حكم الطاغية ازدهاك ولكن أجزم بأن هذا غير صحيح. وحسب الآراء الحديثة للمؤرخين.
ويستطرد حاكم بدليس شرف خان البدليسي قائلاً: يذهب البعض الى أن الأكراد نظراً لشجاعتهم الفائقة لقبوا بالكرد (البطل) أو الشجاع وفي الحقيقة فقد ظهر من بين هذا الشعب أبطال ذائعوا الصيت أمثال (رستم) و(فرهاد) و(كوركين) وفي موضع آخر يقول شرف خان البدليسي أن الأكراد كلهم من نسل البجن والبخت ويتدخل هنا (أبو الفداء) ليقول بأن (الكرد والديلم والجيل) هم ثلاثة أخوة في الدم وكل واحد من هؤلاء أصبح أباً لشعب وحسب روايته يكون الأكراد من أصل إيراني أو من الشعوب الإيرانية ويقال للأباء الثلاثة وأنسالهم (الفرس). هذا وقد انتشر الأكراد في سفوح جبال زاغروس وحكموا إيران مرات عديدة أما المؤرخون العرب فيقولون.أن الأكراد هم عرب جاوروا الأعاجم فنسوا لغتهم العربية وتكلموا الكردية وانصهروا في بوتقة المجتمعات المجاورة ولكل منهم رأيه في وضع الأكراد على خانة العرب ولكن من الجائز أن يكون أحد عظماء ومشاهير العرب قد أطلق على نفسه اسماً كردياً حتى اختلط على هؤلاء الأمر ولذلك فمن المفروض أن يكون الأكراد قد وجدوا قبله حتى تسنى له أن يتخذ لنفسه الاسم الكردي متأثراً بهم مثلما يسمي الأكراد أطفالهم فارس وشركس وتتر وجاجان وعرب أما المؤخرون الترك فيذهبون الى أن كلمة كرد جاءت من (قورد-غور) التركية وأنهم أتراك جبال وقد أضاعوا لغتهم بعد اختلاطهم مع شعوب أخرى.
كما يدلي المؤرخون الفرس بدلوهم ويقولون: بأن الأكراد هم جزء من الشعب الفارسي وأحد أقسامه واللغة الكردية هي لهجة من اللهجات الفارسية ولكن فقط الألفاظ غير متطابقة مع اللغة الفارسية كما يزعم الآشوريون والكلدان والأرمن بأن الأكراد منهم ولكن الملاحظ أن أحداً لم يقل أنه من الأكراد. وإذا كان الأكراد حقيقة تركاً أو عرباً أو فرساً (إيرانيون) لكانت الدول العربية وتركية وإيران قد انتصرت لهم ولطالبت بالأخوة العربية - الكردية والفارسية والتركية ويرفع الظلم والحيف عنهم مثلما ينتصر العرب لإرتيريا ودول الخليج وكما يدعم الأتراك بني جلدتهم القبارصة الأتراك وكما يطالب الفرس بجزر الخليج العربي فأين هؤلاء من حقوق إخوانهم الكرد كما يزعمون. والآن جاء دوري لأقول: إن الشعوب كلها من أصل واحد وقد افترقت شيعاً وأحزاباً حسب تباين لغاتها والأسماء التي أطلقتها على نفسها وكان للانعزال وطبيعة الأرض دور كبير في تباين الشعوب وبعد تطورها وانخراطها في لجة المدنية واختلاطها ببعضها فلم يبق هناك مجال للإدعاء بالنقاء العرقي أو اتخاذ الدم أو اللون أساساً لتصنيف الشعوب كما لا يمكن للدين أن يكون الأساس للتصنيف ولكن اعتماداً على اللغة الكردية يمكن اعتبار الأكراد أبناء عمومة للشعوب الآرية وخاصة الفرس والأفغان والبلوج والهنود وهم بالتالي أقرب إلى الشعوب الأوربية الآرية ولذلك فإننا نصادف الكثير من المفردات الكردية ضمن لغات هذه الشعوب وقد افترق الأكراد منذ القدم عن أبناء عمومتهم هؤلاء فنشأت لغة خاصة بهم كما أقاموا دولاً وإمارات عديدة فوق أراضيهم واستطاعوا أن يعرفوا العالم بشعب وأرض اسمهما الكرد وكردستان وعلينا أن نشير الى أن الأسماء العديدة التي أطلقت على الكرد يعود إلى سببين الأول هو أن العشائر الكردية قد أقامت دولاً متعددة فوق أراض معينة عرفت بها وبأسمائها مثل سوبارو، سومر، ميتان، حور، ماد، نايري، كاردو، كاشو، لولو، غوتو، كاردوخي، كوردين أما في العهد الإسلامي فقد عرفوا بـ/بختان، بابان، بادينان، هكاريان، غرزان، مرداني، شدادي، برزكاني، لوري، بختياري، شادنجاني، كاكويي ... ويبدوا السبب الثاني، هو أن القدماء الذين أطلقوا هذه الأسماء على الأكراد كانوا عديمي الاطلاع على أحوال الكرد ويجهلون لغتهم وثقافتهم وقد اقتبسوها من ألفاظ أطلقها أعداء كردستان أنفسهم ولكن الأكراد يشكلون اليوم شعباً له ثقافة متميزة ورقعة أرض واقتصاد ومسيرة تاريخية ولهم تطلعات نحو الاستقلال والحرية وإنشاء دولتهم على أساس من السلام والود والتفاهم مع الشعوب المجاورة الشقيقة. وألحو دون إراقة الدماء وخلق المشاكل. وينشدون المحبة والسلام للجميع. وسيأتي يوم يعيش فيه العالم كله بسلام وتفاهم على كوكب واحد هو الأرض وستصبح الكرة الأرضية موطناً لكل الشعوب المتآخية وسيعم الخير والنوايا الطيبة عليها وسيحارب الناس كلهم معاً ويناضلون ضد الجوع والأمية والظلم والمرض وإزالة آثارها على كوكبنا والى الأبد. وبدون شك أن للأكراد علاقات ومداخلات مع شعوب الشرق الأوسط وتعيش بين ظهرانيهم الكثير من الشعوب التي لها امتدادات تاريخية ولا تزال تحافظ على بقاياها حتى اليوم ونحن شعوب كردستان نستطيع أن نكون يداً واحدة ونشكل معاً وحدة أخوية شريفة حرة وطوعية نكون فيها سواسية ونخدم جميعاً وطننا لنعيش أعزاء مكرمين نسير بخطوات ثابتة نحو العزة والمجد والحضارة أخوة سعداء تجمعهم المحبة والسلام.
هذا ويظهر من مقتطفات أوردها مؤرخوا الشرق الأوسط على أن الأكراد قد سكنوا أراضيهم الحالية قبل الإسلام ببضع مئات من السنين والكثيرون منهم استقروا في الأرض الواقعة بين إيران والعراق وفي مناطق (هزو) وحصن كيف ومرعش والأكراد ويمتدون غرباً حتى البحر المتوسط وقد وجد البعض منهم أيضاً في الشام ومصر والحجاز واليمن ولا يزال الكثيرون منهم يحتفظون بهويتهم القومية ولغتهم وثقافتهم إلى اليوم ولكي أطمئن المثقفين الأكراد فسأورد بعض الآراء حول ما ذكر.
يقول ابن الأثير الجزيري: كانت زوجة (بهرام جوبين) تسمى بإسم كردي وأسماء أخواتها هي أسماء كردية وعندما توفي بهرام جوبين تزوج (كسرى) ملك الفرس هذه المرأة ولكن إذا ادعى البعض أن هؤلاء ليسوا أكراداً بل فقط لهم أسماء كردية استعاروها من الأكراد فحتى هذا الكلام يدل على أنه كان هناك شعب كردي عريق أعطى أسماءه لباقي الشعوب مثلما تظهر في بلادنا حتى اليوم أسماء مثل فارس جاجان وتتر وعرب...الخ ويستطرد ابن الأثير فيقول عندما فتح (أردشير بابك) بلاد المدائن (طيسفون) ووضع التاج على رأسه وطالب بالملكية والحكم عندئذ أرسل له شاه إيران رسالة يقول فيها: أيها الكردي ابن الكردي من سمح لك بوضع التاج على رأسك وتماديت حتى أمرت ببناء المدن فأنت تحفر قبرك بنفسك وتستعجل موتك.
ويقول القاضي بيضاوي: إن الذي أوحى بفكرة إحراق النبي إبراهيم هو من أكراد فارس وقال عبدالله بن العباس إن هذا الشخص كان واحداً من عرب بلاد الفرس فسأله أحدهم هل كان في بلاد فارس عرب آنذاك فأجاب عبد الله بن العباس أكراد بلاد فارس هم عرب بلاد الفرس وهو يقصد بكلامه الأكراد الرحل.
ويقول المسعودي في سنة 332 هجري أن (شاه جان) هي عشيرة كردية تسكن همدان (دينور) كما سكنت عشيرة ماجردان في كنجاور وعشيرتا الهزبني والسرات سكنتا أذربيجان كما استقرت عشائر شاه ونجان ولابازفي الري وعشائر مادنجان، باريسان، خالي، الجلالي، جباركي، جاواني، والمسطك ان كلها استقرت في جيا (الجبال) كما استقر الدبابلة في الشام وأما العشيرتان الكرديتان اللتان تنصرتا واعتنقتا الديانة المسيحية هما (اليعاقبة والجوزقان) فقد سكنتا جبل جودي. كما يذكر المسعودي في كتابه التنبيه والإشراف أن عشيرة بازنجان هي كردية أيضاً ويقول الإصطخري في سنة 340 هجري في معرض ذكره للعشائر الكردية فيعدد منها ماشوبرا، بوزكان، كيكا التي تسكن اليوم حول مدينة (مرعش) التركية. ويتابع الاصطخري في الصفحة 282 من كتابه ليقول أن مناطق سكنى الأكراد هي بلاد فارس، كرمان، سجستان، خراسان، أصفهان، جيا، ماه كوفة، ماه بصرة، ماه سبندان همدان ،شهرزور، دارا بفورد، صامخان، أذربيجان، أرمنيستان، دوين على نهر آراس، أران، باب الأبواب ، باب الأكراد، برزئة، بليقان، دربند، الجزيرة، الشام ،صخور.
ويعدد الاصطخري أسماء خمس مناطق تسكنها القبائل والعشائر الكردية وكل منها تسمى رام بالفارسية وتعني منطقة وهي :
1. رام جان أو رام جيلويه وتمتد بين أصفهان وخوزستان.
2. رام لواليجان وتقع بين شيراز وسواحل خليج هرمز.
3. رام ديوان وتقع في كورة أو منطقة سابور.
4. رام كاريان وتقابل كرمان.
5. رام شهريان وتقع قرب أصفهان ويقال لها بازنجان وقد هاجر عدد كبير من سكانها الى مدينة أصفهان. وهناك رام هرمز ورام احمد ويعتقد بأنهما وجدتا بعد وفاة الاصطخري إذ لم يعثر لهما على ذكر في كتبه. والرام كما أسلفنا كلمة فارسية تطلق على المناطق التي يسكنها الأكراد والجمع رموم. هذا ويتابع الاصطخري في استطراداته ويقول: إن كلاً من هذه الرموم كانت لها عاصمة وحاكم يدير شؤونها مستقلاً في مملكته ويأتي هذا الجغرافي على ذكر أثنين وثلاثين من العشائر الكردية كانت تسكن بلاد فارس وهي الكرماني، راماني، مودسر، محمد بني بشير، أويركاني، بيقلي، بردامهري، محمد بني اسحاق، سوباهي، اسحاقي، شهراكي، طهمداني، زبادي، شهردي، بانداوكي، خسروي، زنجي، سفري، شهياري، مهراكي، مباركي، اشتامهري، شاهونين فراتي، سلموني، ميري، آزادوختي، مطلبي، برازدوختي، ممالي، شه كاني، كجني، جليلي.
ويستمر الإصطخري في كلامه ليقول. لقد حصلت على هذه الأسماء من ديوان الصدقات وكانت هذه العشائر تمتهن حياة البداوة والترحال وتتخذ من بيوت الشعر مساكن لها وكان عددها يبلغ نصف مليون مسكن كما أنه يعد عشائر لورستان ضمن العشائر التي سكنت بلاد فارس ويعتبرها عشائر كردية سكنت هذه المنطقة.
أما ابن البلخي فيقول: في سنة 500 هجري. إن العشائر الكردية تلك قد أبيدت في معظمها أو جميعها في عصر صدر الإسلام وضاع أثرها ولم ينج منها سوى شخص واحد يدعى (علك) احفاده يتواجدون في هذه المناطق حتى سنة 500 هجري والأكراد الذين يقطنون اليوم بلاد فارس قد جلبوا إليها منذ أيام عضد الدولة من أصفهان. هذا إذا اعتبرنا أكراد لورستان في عداد الأكراد القاطنين بلاد فارس كما يقول الإصطخري فعندئذ يمكن عدم تصديق صحة ماذهب إليه ابن البلخي. ويمتدح البلخي عشيرة (شفان كاره) الكردية ويقول في السنين الأخيرة من حياة الدولة البويهية كانت هذه العشيرة لها جيش قوي وتشكل جبهة صلبة في وجه أعدائها وشرف خان وحده لم يذكرها ضمن الأكراد الإيرانيين أو العشائر الكردية الإيرانية ولكنه ذكر اسم راماني كأحد أجداد هذه العشيرة أو فخذ من أفخاذها.
ويقول ياقوت الحموي :زوزان وطن جميل جداً يقع بين أرمنيستان وخلاط وأذربيجان ويمتد حتى مدينة ساماس وقد استقر فيها الأكراد والأرمن. أما ابن الأثير فيقول: زوزان موطن واسع جداً يقع إلى الشرق من نهر دجلة على بعد مسيرة يومين أو (120) كم من مدينة الموصل ويحاذي حدود خلاط وأذربيجان ويصل حتى مدينة سلماس وتكثر فيه القلاع ويخضع بكامله لسيطرة الأكراد البجنويين والبختيين كما أن الجرقة والبشير تخضعان لحكم أكراد البجنوي أيضاً ورئيسهما يدعى (أئيلي) الذي يسكن قلعة (جردقيل) وتقع مناطق بازل الحمراء، في أروخ، باخوخة، كنفورة، الطيره، خوشاب. في أيدي قبائل البختان الكردية.
ويقول القلقشندي في كتابه (صبح الأعشى) نقلاً عن مسالك الإبصار لفضل الله العمري في سنة  814هجري. يتألف الأكراد من شعوب عديدة ولكنهم شكلوا شعباً واحداً ومستقلاً في شؤونه وينتشرون بمحاذاة الحدود العربية ولم يتداخلوا أو يختلطوا كثيراً مع العجم كما أنتشرت بعض العشائر الكردية في الشام واليمن وفي مناطق أخرى من العالم وأكثرها في المنطقة الواقعة بين العرب والعجم حيث استقرت هناك . ويتابع القلقشندي ويقول. القصد من الجبال (جيا) هي تلك الجبال الواقعة بين العراق العربي. البصرة والكوفة وبلاد خراسان. ويستمر القلقشندي ليقول، سأبين أسماء بعض العشائر الكردية المشهورة والمعروفة لدي وأسماء العائلات الكبيرة وزعماؤها. وسأبدأ بأكراد جبل همدان في شمال شهرزور وأربيل وحتى الجزيرة وكوار والموصل.

* لمحة مكثفة عن أصل الشعب الكردي
- ميديا
هذه الريح الشوكية تأكل السنابل ومآقينا معاً تأكل أناملنا وغصن الشعر وجدائل الحوريات( )
من ملكوت حلم ميديا وثدي آناهيتا عذارى ميديا يتطلعن كل يوم كالبزوغ وعلى قاماتهن القمر والورد والضياء ينتظرن صهيل الخيل ونداء مردوخ واهتزاز الملك طاووس
شيركو بيكه س
تعتبر المسألة الكردية واحدة من الإشكاليات الكبيرة التي تواجه شعوب منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في تلك البلدان التي اقتسمت أرض كردستان فيما بينها. والإشكالية الحقيقية تبرز في أن شعوب المنطقة كلها تقريباً أسست خلال القرن العشرين دولها المستقلة الجديدة، والشعوب العربية كونت في منطقة الشرق الأوسط خمس عشر دولة بعد انعتاقها من السيطرة العثمانية البغيضة، رغم وقوعها تحت الهيمنة البريطانية والفرنسية، وبعضها أقام دوله المستقلة الصغيرة جداً في النصف الثاني من القرن العشرين، كما في الخليج والتي لم يتجاوز نفوس بعضها عشرات الآلاف من البشر، ويقل اليوم عن 600 ألف نسمة (قطر) أو أقل من 700 ألف نسمة (البحرين) كما أن هناك دولاً إفريقية أعضاء في الجامعة العربية يقل نفوسها عن 700 ألف نسمة (جيبوتي)، علماً بأن نسبة عالية من سكان الدول الخليجية من المهاجرين الباكستانيين والهنود والبنغاليين والإيرانيين الذين يقيمون مؤقتاً فيها ثم يعودون بعد سنوات إلى أوطانهم ثانية ليأتي غيرهم( ). وفي نوفمبر من عام 1917 منحت بريطانيا يهود العالم وعداً بإقامة دولة عبرية في فلسطين (وعد بلفور). ومارست بريطانيا انتدابها المباشر على فلسطين لتسمح لليهود بالقدوم المكثف إليها ومواجهة نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال البريطاني بالحديد والنار. وفي عام 1947م ساهمت الدول الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين هما: إسرائيل لليهود وفلسطين للعرب. وتضمن القرار توزيع الأراضي الفلسطينية إلى 51% لإسرائيل و49% للدولة العربية. ولكن إسرائيل توسعت تدريجاً ومن خلال اغتصاب واحتلال المزيد من أراضي فلسطين العربية حتى أصبحت نسبتها اليوم 78% من كل الأرض الفلسطينية قبل قرار التقسيم، و23% من حصة فلسطين العربية، ولكن حتى هذه النسبة ما تزال محتلة من القوات الإسرائيلية وأقيمت فيها عشرات المستوطنات لليهود المهاجرين من مختلف بقاع العالم. ولم يكن عدد اليهود في فلسطين عندما منحوا هذا الوعد يزيد عن 20 ألف مواطن فلسطيني يهودي. ولكن ماذا عن الكرد؟ منح الكرد أثناء الحرب العالمية الأولى وعداً بإقامة دولتهم المستقلة أو حكماً ذاتياً على الأرض الكردستانية التي كانت مقسمة على دولتين، الدولة العثمانية والدولة الفارسية. ولكن السلطات البريطانية والفرنسية نكثتا هذا الوعد وتخلتا عن التزاماتهما إزاء الشعب الكردي. وهكذا تُرك الشعب الكردي دون دولة مستقلة رغم أن نفوسه قارب حينذاك 10 ملايين نسمة واليوم يترواح نفوس الشعب الكردي في مختلف أجزاء كردستان بين 40- 45 مليون نسمة، ولكنه بلا دولة مستقلة على أرض وطنه كردستان الممتدة والموزعة على أربع من دول المنطقة. وهذه الإشكالية غير العادلة التي يواجهها الشعب الكردي والتي تؤرقه كثيراً، تدفعه لخوض النضال العادل في سبيل تحقيق طموحاته المشروعة. ولكن هذه الطموحات لا تجد حتى الآن التفهم العقلاني والإنساني من جانب الحكومات والنظم السياسية في المنطقة أو من جانب الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، إذ لا يبدو في الأفق القريب من الناحية الجغرافية السياسية أي حل جذري متوقع لهذه المشكلة لصالح الأمة الكردية. والإشكالية الأكثر قسوة وظلماً تكمن في أن غالبية القوى القومية المتعصبة واليمينية المتطرفة، سواء كانت عربية أم فارسية أم تركية، ترفض حتى الآن بواقع وجود شعب كردي كان وما يزال محروماً من حقه في تقرير مصيره على أرض وطنه المستقلة، كما أن بعضها يرفض حتى الاعتراف بحق هذا الشعب في إقامة اتحاد فيدرالي في إطار الدولة القائمة أو حتى إقامة الحكم الذاتي، بغض النظر عن الواجهة القومية أو الدينية التي يسعى البعض إلى التستر بها لتغطية الروح الشوفينية التي تميز سياساته ومواقفه لحق الشعب الكردي والأمة الكردية. والبعض الآخر يعترف بوجود شعب كردي ولكن ينكر عليه حقه في تقرير مصيره. كما أن البعض الآخر ينسى تماماً أن الشعب الكردي يعتبر واحداً من أقدم شعوب المنطقة، كما كانت لأسلافه يوماً دولة عامرة، وكانت له فيما بعد إمارات كثيرة وفي مختلف العصور، ولكنه خضع أيضاً، كما في حالات شعوب أخرى للهيمنة والاضطهاد والظلم والقهر المتنوع. والغريب بالأمر أن عدداً لا يستهان به من مثقفي اليسار الديمقراطي والشيوعي في بعض الدول العربية ولا يريدون الاعتراف بحق هذا الشعب الكردي في تقرير مصيره ويصرون على أن هناك شعباً كردياً في العراق ولكنه يعيش على جزء من الوطن العربي. وبهذا يتنكرون للمبادئ التي آمنوا بها وعملوا من أجلها، ولكنهم يتخذون موقفاً آخر عندما تتعلق القضية بالدول العربية. وهذا الموقف لا يشمل المسألة الكردية فحسب، بل وكذلك لهم نفس الموقف من شعب الجنوب في السودان والشعب الأمازيغي في الجزائر والمغرب. وتجلى هذا في الموقف الذي اتخذه المثقف المصري المعروف السيد محمود أمين العالم في اللقاء التلفزيوني الذي أذيع من محطة تلفزيون كردستان التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني والذي أكد بصورة غير مباشرة على عروبة كردستان حيث تحدث عن منطقة الشمال (كردستان العراق) جزء من العراق وهو جزء من الوطن العربي( ). ويبدو أن هذا الموقف ناجم عن أحد أمرين كلاهما سيء ومر، وهما: أن هذا المثقف العربي البارز المصري محمود أمين مازال يجهل تاريخ وتراث وطبيعة هذا الشعب الكردي ويجهل المنطقة التي كان ومازال يعيش فيها منذ آلاف السنين أولاً، وأما أن يكون موقفه لا يختلف بقليل أو كثير عن ذوي النزعات القومية العربية الشوفينية والمتطرفة. ومن الغريب حقاً أن يتورط مثل هذا المفكر العقلاني الحصيف بموقف غير عقلاني ومخالف لكل المواثيق والعهود الدولية.
إن تاريخ الشعب الكردي عريق في المنطقة وعلى الأرض التي يعيش عليها اليوم. فالتنقيبات الأثرية المكتشفة عن عهد الملك الآشوري توكولتي- ننورتا في أواخر القرن الثالث عشر ق.م. تشير إلى وجود قبائل في المنطقة أطلق عليها في أحد الألواح كوتي وفي لوح آخر كورتي (وحرف الراء الزائد بسبب تضعيف التاء في جميع اللغات)، وإن هذه القبائل الكردية تنحدر من جبال زاغروس الكبرى أثناء العهد السومري، وكان أول ملوك هذه القبائل الكردية المتداخلة هو "أي أناتوم" الذي حارب العيلاميين، وكان ملكاً على لكش، ثم الملك "لوكال- زاكيزي" الكوتي الذي حكم في أوروك (الوركاء) وسومر.
ومن ملوك هذه القبائل أيضاً "انو بانيني" فاتح هالمان أو حلوان الواقعة بين قصر شيرين (زهاب) وكرمنشاه. ووفق دراسات المتخصصين فإن الشعب الكوتي الكردي كان يعيش في بلاد سومر قبل أن تؤلف الحكومات فيها بزمن غير قصير. وأن آخر ملوكهم كان أتريكان الكوتي. وجاء ذكر بلاد الكرد عند كزينوفون Xenophon( ) في كتابه الموسوم “Anabasis” أنا باسس والمشهور برحلـة كزينوفون، إذ يتحدث فيه عن عودة الجيش اليوناني الناكص على أعقابه والمكون من عشرة آلاف مجند في عامي 401-400ق.م( )، ومروره ببلاد الكرد الجبلية المتاخمة لأرمينية وتعرفهم على أولئك "الكاردوخ Kardukh"، أي الكرد، الذين أثاروا المتاعب لقواته.
ومن المعروف أن الكرد لم يكونوا عشيرة واحدة بل كانوا وما زالوا عشائر كبيرة، كما هي حال بقية شعوب العالم حينذاك وبعضها الكثير ما يزال حتى يومنا هذا يتعامل على أساس عشائري. ومن المعروف أيضاً أن القبائل الكردية الميدية أو الميذية كانت من أصل كردي. وجميع القبائل التي عاشت في هذه المنطقة قد اختلطت ببعضها وتداخلت في ما بينها، سواء الكوتية والميدية أم غيرها من القبائل الكردية، لتشكل سوية ما يطلق عليه منذ زمن بعيد بالكرد أو الشعب الكردي أو الأمة الكردية الراهنة التي تقيم على أرض كردستان.
ووفق التقسيم الدولي الشائع عن الأنساب في العالم فإن الكرد ينتسبون بغض النظر عن مدى صواب هذا التقسيم الدولي أصلاً، إلى الأقوام الآرو- هندية. ويقال نفس الأمر عن الشعب السومري. وتداخلت قبائل وشعوب المنطقة بسبب عيشها المشترك منذ آلاف السنين بالأقوام السامية وتفاعلت الحضارات في ما بينها لتنتج الثقافة الراهنة للشعب الكردي في مختلف الأجزاء التي يعيش فيها. ولا تختلف الفوارق المحدودة الموجودة بين الشعب الكردي في العراق والشعب الكردي في تركيا أو في إيران بكثير أو قليل عن الفوارق القائمة بين الشعب العربية في المنطقة، وربما هي أقل من ذلك بكثير، بسبب عيش نسبة غير قليلة منهم في المناطق الجبلية الوعرة أو في الزراعة ولم تدخل الحضارة الحديثة إلى مناطق واسعة من كردستان بسبب سياسات الحكومات التي هيمنت أو ما تزال تهيمن على تلك المناطق. فمثلما العرب يعودون لأمة عربية واحدة، فالكرد في وطنهم الموزع يعودون إلى أمة كردية واحدة. وإذا كان أسلافنا العرب قد جاءوا إلى العراق مع الفتح الإسلامي، فأن الكرد عاشوا في المنطقة التي ندعوها اليوم كردستان العراق قبل ذاك بقرون كثيرة.
ورد ذكر الكوتيين الكرد في أحد الرقم السومرية في عهد الملك سرجون الأول (حوالي 2330- 2280 ق.م) وكتبت هذه الوثيقة بإذن سرجون الأول في عام 2340 ق.م إذ جاء فيها قوله بفخر كبير، بأنه غزا بلاد الكوتيين الكرد( ). ويتطرق الدكتور زهدي الداوودي إلى هذا الموضوع فيكتب ما يلي:
"ونسب أحد الملوك الذين جاءوا من بعده لنفسه أنه قمع إحدى انتفاضات الكوتيين".( ) كما يشير الدكتور كمال فؤاد إلى أن كلمة (كردكا Ka- Kar- da) وردت "في لوحتين سومريتين يرجع تاريخهما إلى حوالي 2000 ق.م. كاسم لبلد يمكن تحديد موقعه بمناطق الروافد العليا لنهري دجلة والفرات"( ).
والمعلومات التاريخية الموثقة تشير أيضاً إلى قيام تحالف سياسي- عسكري بين الميديين الكرد والبابليين، وكان الكلديون قد أسسوا لتوهم دولتهم الجديدة، الدولة الكلدانية أو الدولة البابلية الحديثة في 626 ق.م، وتمكنوا معاً من احتلال مدينة آشور (نينوى) سنة 612 ق.م. واستمرت قوات التحالف الميدي (الكردي- البابلي أو الكلدي) في مطاردة فلول الجيش الآشوري حتى حران وقضت عليها. واختفت بذلك واحدة من أكثر الإمبراطوريات العراقية القديمة سطوعاً وتوسعاً وتركت آثاراً ستبقى خالدة باعتبارها جزءً من الإرث الحضاري البشري. ووفق الدراسات التاريخية تم اقتسام مناطق الدولة الآشورية بين الكلدانيين والميديين الكرد فكانت منطقة جنوب بلاد ما بين النهرين وقسم من شمالها من حصة الكلدان، في حين كانت حصة الميديين هي الأجزاء الشمالية والشمالية الشرقية.( )
وجاء ذكر الكرد في كتابات الجغرافي اليوناني سترابو في القرن الأول قبل الميلاد حين كتب يقول:
"بالقرب من دجلة بلاد الكرد الذين سماهم القدامى "كوردوك" ومن مدنهم "سريزا" و"ستالكا" و"بيناكا"( ) وهي محصنة جداً وفيها آكام مسورة بسور خاص يجعلها تكون ثلاث مدن، غير أن ملك أرمينية استولى عليها ثم استولى عليها الرومان بهجوم خاطف. إن الكرد بارعون جداً في العمارة والريازة والتحصينات الحربية وفنون المحاصرة والاستيلاء".( ) ثم كتب يقول: "يبدو أن الميديين الكرد هم الذين كانوا يصممون الأزياء للأرمن وقبلهم للفرس، الذين خلفوهم في السيطرة المطلقة على آسيا...."( ).
وتمكن كورش، إمبراطور الفرس القضاء على الدولة الكلدانية ودخول بابل في عام 539 ق.م. ولكن قضى قبل ذلك على مملكة ميديا وألحقها بفارس ثم أخضع آسيا الصغرى قبل أن يدمر الدولة الكلدانية ويحتل أراضيها( ). ويشير الدكتور كمال فؤاد إلى أن "أقدم وثيقة تذكر اسم (الكرد/أكراد) بشكله الحالي كتعبير عن مجموعة بشرية، يرجع إلى صدر الإسلام، فقد ورد ذكر (الكرد) مرتين في الرسائل المتبادلة بين الإمام علي بن ابي طالب (استشهد عام 661م) وعامله في البصرة زياد بن أبيه بن أبي سفيان).( )
وجاء في مقدمة كتاب الشرفنامه قراءة سريعة "في أنساب الشعوب الكردية وشرح أطوارهم" ما يلي: "الشعب الكردي أربعة فروع كبيرة تتخالف لهجات لغتهم وسحنتها وآدابها: أولهم (كرمانج) وثانيهم (لر- اللر - اللور) وثالثهم (كلهر- كلور) ورابعهم (كوران- الجوران)"( ). ويرى حدود كردستان كما يلي: "وتبتدئ حدود (كردستان- البلاد الكردية) من واطئ (أسفل) (بحر الهرمز) الملاصق (للبحر الهندي) ممتدة بخط مستقيم حتى ولايتي (ملاطية)، (مرعش)، وفي الجانب الشمالي من هذا الخط ولاية فارس و(عراق العجم) و(آذربيجان) و(الأرمينيتان)، الصغرى والكبرى ويحدها جنوباً (العراق العربي) و(الموصل) و (ديار بكر)"( ).
هناك أثر تاريخي قديم يعود إلى الدولة اليونانية وهي في أوّج نفوذهـا الجغرافــي عام 401 (ق.م). وفيها أن قائد الحّملة اليونانية زينوفون وهو يقود عشرة آلاف من الجيش اليوناني ضد الفرس، قد دوّن في ملاحظاته الشخصية أنهُ شاهد على الطبيعة أقوام صحيحيّ البنيّة أشداء، وأطلق عليهم اسم "كاردوخي". ثم تطورت كلمة "كاردوخي" عند أهل اليونان إلى كلمة "كوردوني" وكوردين وكودياي، وكوردني.
وطالما ظهرت الدول القوية على ضفاف الأنهار ومنها نهر دجلة، فقد ذكرت كلمة كوتو Guto وكورتو عند أهل الدولة الأشورية. أما الدولة الفارسية التي استخدمت كلمة كرد Kurd، فقد نوّرها لنا الباحثون أن أصل الكلمة مأخوذه من الكلمة البابلية (كاردو أو كاردو) ومعناها الشجاع أو الباسل.
وهناك نظريتان يتكلمان عن أصل الكرد، فمنهم من اعتبر الأكراد هم شعب كوتو Guto، وهم الأقوام الذين استوطنوا على ساحل نهر دجلة الأيسر بين نهر الزاب الصغير ونهر ديالي، وشكلوا مملكة كوتيام Gutium. أما النظرية الثانية فتربط الأكراد بالكرتيين Kyrtii، وهم أقوام استوطنوا في المنطقة الجبلية في غرب بحيرة "وان".
أما الكتاب الغربيون، ومنهم المستشرقين مثل الألماني "نولدكه" Noldeke، فقد عبر عن فلسفة روّجها للآخرين بالقول، أن كلمة كيرتي Kyrtii قد تطورت بمرور الزمن إلى كلمة كورتو Qurtu أو كاردو Kardu، وإلى كلمة كرت Kurt وهي كلمة أصيلة وليست صفة لهذا الشعب الكردي.
ويأتي المستشرق الآخر "درايفر" Driver، الذي اتفق مع "نولدكه" في ربط الأكراد بالكرتيين إلا أنهُ أعاد كلمة كُرد إلى معناها في اللغة الفارسية ومعناه الشجعان. أما "مينورسكي" وهو باحث روسي، فأنه يرى أن الكرد يَنّحدرون من الأصول "الآرية" أي النبيلة. ولما كان الحال أن يمتزجوا بالأقوام التي تزرع وتربى الأبل، بأقوام يسكنون بلاد فارس، والقوقاز، والاتراك والعراق حتى جاء استنتاج "مينورسكي" أن الشعب الكردي قد هاجر في الأصل من شرق بلاد فارس إلى موطنهم الحالي كردستان. وخلاصة أفكاره، أن الكرد مزيج من قبائل متعددة متنقلة ومن دم واحد أو أرض واحدة.
هذا المزيج من قبائل متعددة، ربما ما يفصحُ عنها المميزات الاجتماعيةة والتقاليد التي كانت سائدة في جبال آسيا الصغرى أي تركيا الحالية شأنهم في ذلك شأن أهل جورجيا في الغناء والزواج من بنت العم والعبادات التي تتصل بالكواكب (الشمس والقمر). ويقول المستشرق "مار" Marr أن اللغة الآرية التي يتكلم بها أهل الجبال هي بسبب تأثير العنصر الهندي ـ الآري. ولكن بمرور الزمن بأن لبعض الكتاب المستشرقين أن اللغة المتداولة بين معظم الكرد ليست معتمدة على الحروف الأوردية (الهندية) وهي لغة خاصة تشابه لغة الجورجيين، وعندما سأل مينورسكي الذي يتمتع بدراية وخبرة في شوؤن سكان آسيا الوسطى والصغرى، قال، إن اللغة الكردية ترجع إلى المجموعة الآرية ـ الإيرانية، وأيدهُ في ذلك دارسي اللغات الشرقية اليهمان، ورود يجر" اللذان أثبتا من خلال مقارنة الحروف الصوتية، أن لغة الكرد لها علاقة باللغة الفارسية، ولكنها ليست لغة فارسية، حتى وأن اشتراك الكرد والفرس بعيد النوروز الذي يصادف 21 آذار من كل سنة .... وفيه يتم إيقاد النار على مرتفع بعد أن أطفأها الإسلام في القرن السابع الميلادي كونها رمزاً للعبادة والعبودية دون عبادة الله في زمن الزرادشتية ... لكن عيد نوروز لدى الكرد هو بداية السنة الكردية (بعد تحررهم) من الطاغية ضحاك، وليس كعبادة الشمس مثلما يتصور عند البعض.
وأما الطوفان في اجتهادات المستشرقين الأجانب حول أصل الكرد ولغتهم، وقد تكون لأسباب سياسية للانفصال بعيداً عن جيرانهم واستثماره ضد (الفرس والترك والعرب والأرمن)، فقد أظهر المؤرخ العربي المسعودي في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" ليقول أن الكرد أجناس، وأن الناس تنازعوا في بداية استقرارهم شأنهم في ذلك القبائل الأخرى على النفوذ والسطوّة. وعن نسب الكرد، قال إنهم يعودون إلى "ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان" ولكنهم تفرقوّا منذ القدم وسكنوا الجبال والأودية وصارت لغتهم أعجمية لأنهم تباعدوا عن العرب وهذا تفسير ثبت خطئه بموجب الدراسات الحديثة ... لأن الشعب والقومية الكردية مستقلة تماماً ولا علاقة لهم بالعرب بأي شيء سواء الدين الإسلامي ... كما سنراه في أدناه هم من (شعوب جبال زاكروس).
ويجد الدكتور جاسم محمد الخلف وهو أحد المهتمين المعاصرين للقضية الكردية. أن الكرد يعودون إلى أجناس البحر الأبيض المتوسط، وميزتهم الظاهرة ضخامة الجسم والوجه العريض والروؤس الضخمة، وهم دون مواربه ليسوا إلا جزءاً من شعوب جبال زاكروس، اللذين توطنوّا في جنوب بحيّرة وأن قبل آلاف السنين. أما الدكتور "محمد السيد غلاب" فيجد بالمقارنة مع ما كبت عن الكرد من مختلف المصادر، أن الكرد هاجروا إلى كردستان العراق من وسط آسيا، وهم من سلالة الميديين الدولة الميدية (الكرد القديمة) أي هم أجداد الكرد التي ظهرت في الألف الأول (ق. م)، يتحدثون لغة هندو أوربية ويقطنون اليوم الحدود الجبلية المشتركة بين العراق وإيران وتركيا والاتحاد السوفيتي.

الدكتور
عبد العزيز عبد الرحمن المفتي
عمان، آذار، 2013

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1984 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع