وعـد صنا:أفخر ان اكون اول عراقي يحصل على اعلى شهادة تدريب لكرة القدم في أمريكا
لأنه عشـق كرة القدم الى ابعد الحدود، فلم يروي غليله اللعب في المنتخبات المحلية للجالية العراقية بديترويت، بل دفعه حبّه للكرة نحو تدريب الناشئين والهواة، وقادته هذه المهمة لما سيكون لاحقا نقطة التغير في حياته.
فقد انتهى الى تأسيس مخزنا لكل مستلزمات لعبة "كرة القدم" ابتداءا بالأحذية الخاصة (لابجينات) والملابس (دريسات) والشباك، وأعمدتها والكرات والصفارات وملابس الحكام، ليصبح بعد عدة سنين بثلاثة فروع تجارية موزعة في اطراف المدينة، ويتربع على عرش "اكبر" موزع للوازم كرة القدم في ولاية مشيكان الأمريكية، وضمن "خمسة" عمالقة في منطقة وسط غرب الولايات المتحدة، متذكرا مقولة رائد التجديد والكاتب الأمريكي نابليون هل:"الرغبة هي نقطة البداية في كل الأنجازات، فلا الأمنية ولا الأمل، بل الرغبة الجامحة المليئة بالحرص النابض، هي وحدها القادرة على تغيير كل شئ وجعله ممكنا".
البدايات ومفتاح السر
يصف السيد وعد صنا تلك البدايات بالقول: بعد وصول العائلة للولايات المتحدة اوائل الثمانينات، توجهت للعمل، وفي نفس الوقت سجلت للدراسة في "جامعة اوكلاند يونفيرستي"، اما كرويا فلعبت مع فريق "نادي الشبيبة الكلداني" ثم مع فريق "النادي العراقي"، وبعد فترة قصيرة تقدمت لمهنة التدريب، وفعلا حالفني الحظ بالتعيين لتدريب فريق كرة القدم في "اعدادية نوتردام".
بدأت حينها بالبحث وتهيئة المستلزمات والأدوات الرياضية المرافقة لمهنة التدريب الكروي، فصادفتني بعض العقبات، اذ ان المواد موجودة لكنها موزعة في عدة محلات وهذا بحد ذاته يستغرق وقتا طويلا لوضع الطلبيات ومن ثم استلامها، فلمع في ذهني السؤال القاتل: لماذا لا يوجد محل واحد لكل مستلزمات كرة القدم؟ فكان هذا السؤال مفتاح الســر لما ستكون عليه حياتي لاحقا ولليوم!
بدأت بحثي عن الشركات التي تهتم بمستلزمات كرة القدم – وبالمناسبة فهي ليست اللعبة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة في الولايات المتحدة بل استطيع القول انها الخامسة – وبعد جهد كبير وبحث متواصل توصلت لأهم الشركات الموردة وبدأت حينها بتأسيس محل خاص لبيع مستلزمات كرة القدم سميته ( ساكر وورلد – عالم كرة القدم)، وجرى الأفتتاح في العام 1986، واندفعت اكثر في العمل وأفتتحت الثاني ، ثم الفرع الثالث وأنا سعيد الآن بما توصلت اليه . في هذه الأثناء سألته عن ادارة هذه المحلات وعن حجمها والمناشئ التي يتعامل معها، فرد السيد وعد صنا بالقول: انا سعيد لأن لي عائلة تتفهم طموحاتي وتقف معي، وأذكر هنا زوجتي الغالية (تغريد - تيري) التي تدير احد المحلات، بينما يتفرغ اخي العزيز (رعد) لأدارة المحل الثاني وأنا اعمل في المحل الثالث، وبهذا فأننا نضمن ان تكون الأدارة (عائلية) كما يقولون!
من اهم المناشئ العالمية
اما حجم المحلات ، فهو بالحقيقة يتلائم وحجم المستلزمات الرياضية المتعلقة بكرة القدم وضرورة عرضها وعرض كل ما هو جديد من احذية وكرات وملابس وما الى ذلك، لكنها بالعموم متوسطة الحجم الى كبيرة. اما المناشئ، وهذا ردا على سؤالك: ان الذي يدخل في مضمار التجارة والعمل عليه ان يعمل الشئ الصحيح او ان لا يبدأ به، هذه هي فلسفتي في الحياة. كوني لاعب كروي ومنغمر في التدريب فأني على علم بأهم الشركات التي تهتم باللوازم الكروية وهي شركة "نايكي" الأمريكية، وشركتا "اديداس" و "بوما" الألمانيتان، ويسعدني ان اقول اني وكيلهم المعتمد في ولاية مشيكان الأمريكية. ولا يدخل محلاتي اي منتوج آخر، لأن الكفأة والمتانة والصدق في عملي هو اساس نجاحي. وطالما كان الحديث عن المناشئ فأود ان اشارك القراء الكرام هذه المعلومة (والكلام مازال للسيد وعد صنا)، ففي احدى المدن الألمانية هناك نهر صغير يشقها، وعلى احد الأطراف تقع شركة "اديداس"، وبالجهة الثانية تقع شركة "بوما"، وهذان العملاقان يسيطران على بيع المستلزمات الرياضية الكروية في العالم(بأستثناء سوق الولايات المتحدة التي تسيطر علية شركة نايكي)، الطريف في الأمر ، ان "ادي" و " بوما" هما شقيقان كانا قد بدءا مشوارهما التسويقي سوية وثم انفصلا، ورغم ذلك فهما يسيطران على السوق. اما مصدر كلمة "ادي داس" فقد جاءت من الأسم الأول لصاحب المصنع "ادي" و كلمة "داس" هي لقب العائلة، فصار اسم شركته "ادي داس".
الأول في ولاية مشيكان
منذ ان بدأنا العمل في بيع وتسويق كل مستلزمات لعبة كرة القدم من :العوارض، الشباك، الملابس، تخطيط الملاعب، ماكنات طبع الأسماء،الأرقام، اسماء اللاعبين وأسماء الفرق وأنواع الأحذية وأخر موديلاتها، فقد وجدنا الدعم من هذه الشركات وهذا ساعدنا على نيل ثقة المستهلك ، ونتيجة لذلك صرنا نعقد عقود التوريد مع الفرق المحلية، والأندية والمدارس والجامعات وحتى الأشخاص الذين لهم هواية كرة القدم، هذا العمل وفر لنا ارضية زيادة المبيعات، وزيادة ثقة الشركات مما منحنا مركزا كبيرا في سوق المبيعات فصرنا الرقم (1) في بيع مستلزمات لعبة كرة القدم في ولاية مشيكان، وضمن الخمسة الأوائل بالمبيعات في منطقة – وسط غرب – الولايات المتحدة الأمريكية، هذا الأمر يشرفني كعراقي!
وماذا عن التدريب
بعد ان عرفت الكثير عن عمله التجاري اردت ان افهم سـّـر حبه للتدريب ورحلته مع هذه المهنة المتعبة فقال: كما ذكرت فأن اول عمل تدريبي لي كان في العام 1982، بعدها دخلت عدة دورات في التدريب وأستطعت ان احصل على (4) شهادات عليا ، لكن اهم منجز حققته كان في العام 2000، عندما دخلت مسابقة اختيار افضل مدرب، وفعلا فزت بالمرتبة الأولى للمقاطعة الثانية من امريكا (الولايات المتحدة مقسمة في لعبة كرة القدم الى 4 مقاطعات) ثم ترشحت للمسابقة النهائية التي جرت في العاصمة واشنطن، وكنت انا و 3 متسابقين يمثلون المقاطعات الأخرى، وفعلا حققت حلمي بالفوز بالمرتبة الأولى في التحكيم الكروي على عموم الولايات المتحدة في العام 2000 الذي لا انساه، وأصبحت اول عراقي،كلداني يتشرف بهذا المركز، وجرى احتفال رسمي لتوزيع الجوائز والشهادات التقديرية، وانهالت علـّي آنذاك عقود العمل مع الفرق، الا اني آثرت البقاء في مدينتي ومع محلاتي التجارية، اذ ان العقود الكروية كانت ستعني مغادرتي والألتحاق بمدن اخرى. ان احرازي لهذا المركز، وتعلقي الشديد بالتدريب وفر لي فرصة تدريب نادي (ديترويت ارسنال) الأمريكي لكرة القدم ، وهو نادي درجة اولى ويصنف - شبه المحترفين – بين الأعوام 2003 – 2007 ويسعدني ان اقول بأن الفريق حاز على بطولة امريكا (3) مرات خلال الفترة، كما قدم الفريق لاعبين اثنين ضمن تشكيلة المنتخب الوطني الأمريكي لكرة القدم هما (آلكس لالس) و (براين ميزنوف) والذين لعبوا في نهائيات كأس العالم. وسألته بعدها عن اولوياته و فلسفته في التدريب فقال: انا من اشد المعجبين بالمدرسة الكروية الهولندية، والتي تعتمد على اللعب الجماعي اولا، وتركز على التكتيك في لعب الفريق، والتكنيك في اداء اللاعب الفردي ولي في فريق (اياكس) الهولندي خير مثال. اما عن تدريباته الأخرى للفرق فقال: ان مشواري مع التدريب بلغ (25) عاما دربت خلالها فرقا من المدارس الثانوية، ومن الكليات، ومن الأشبال والشباب وشبه المحترفين، ومعهم كان عندي مدربين مختصين باللياقة البدنية، وآخرين للمطاولة والركض، الطبابة والعلاج، رفع الأثقال ومدربين في التغذية ايضا، وكانوا يشكلون وحدة تدريبية متجانسة لكل احتياجات الفريق، وأنا سعيد جدا بما حققته في هذا المشوار.
زوار "عالم كرة القدم"
سألت السيد وعد عن طبيعة الزبائن والزوار وما ان كان بينهم نجوم استطاع التعرف عليهم فقال: يدخل محلاتي هواة ومحترفي اللعبة من كل الأعمار والأجناس، شبابا وشابات، وأحيانا التقي بنجوم رياضية يأتون مع اولادهم وبناتهم او حتى مع كبار رجال الأعمال، انه عالم ساحر، ولا ادري من سيعتلي منصات التتويج يوما، لكني سأكون سعيدا لأنهم كانوا يوما زبائنا لي! ولا يفوتني ان اذكر، بأن من هذه الأبواب كان لي يوما الشرف للألتقاء بالمدرب الرائع المرحوم عمو بابا اثناء مرافقته الوفد العراقي لبطولة كأس العالم وبصحبة حامي الهدف رعد حمودي، ويزورني ايضا اللواعيب العراقين الساكنين في ديترويت ومنهم الأساتذة فلاح حسن، ضرغام الحيدري، ثامر يوسف وآخرين غيرهم ، اعتبرهم اخوة وزملاء اعزاء علي جميعا، وهنا لابد ان اشير الى الأنسان الرائع الذي افتقدناه، اللاعب الدولي الراحل عبد كاظم.
سيرة ذاتية
ينحدر وعد صنا من عائلة ذات ارث وطني كبير، نالت جراء مواقفها الأنسانية الكثير من الأعتقالات والملاحقة والتوقيف ابان العهود الدكتاتورية، حتى انتهى بهم الحال الى ركوب الهجرة بحثا عن الأمان والأستقرار. لوعد شقيق هو الأخ رعد وشقيقتان هما سلام و وفاء، والدهم السيد جبرائيل صنا رحل منذ اعوام، وتنعم والدتهم الغالية ماكي ربان برفقة العوائل والأحفاد. ولد وعد في بغداد، ودرس الأبتدائية في مدرسة المحاسن، والمتوسطة في ثانوية بغداد وبعدها انتقل الى اعدادية الصناعة. يعمل كثيرا في مساعدة الفرق الناشئة ويقدم التبرعات من احتياجاتهم للمستلزمات الكروية، وبخاصة للفرق الأمريكية وللجاليات الأيطالية والألبانية وللعراقين من الوافدين الجدد، ويقدم للأطفال (الدريسات) لأشهر لاعبي كرة القدم العالميين.
هواياته لكرة القدم دفعته لمشاهدة عدة مباريات لبطولتي كأس العالم التي اقيمتا في المكسيك عام 1986، وفي الولايات المتحدة عام 1994.
من اقرب الفرق العراقية الى قلبه فريق "الطلبة"، اما المدرب الذي أثر على شخصيته وشجعه في هذا المضمار فقد كان الأستاذ "مقداد جرجيس ستو" اللاعب السابق في نادي الزوراء، ومن الفرق العالمية "الأرسنال"، اما المنتخبات الوطنية، "الهولندي"، وأحب لاعبين الى قلبه هما "دياكو مارادونا" و "ميســي".
امنيات
للكرة العراقية، اتمنى ان يهتموا بأجيال الناشئين، والنوادي الرياضية، وتوفير اللوازم الرياضية والساحات بأعلى المواصفات. اتمنى ان يبنى جيل رياضي بعيد عن مشاكل التفرقة والدين، وأن نرجع للعبارة العظيمة مبتدئين بالأطفال:" الرياضة، طاعة وحب وأحترام".
وللعراق: اتمنى ان يسوده السلام، وأن نبتعد عن التفرقة، فكلنا عراقين، وأتمنى ان يقوم جيل يدفن الطائفية للأبد، والعراقي يعيش في بلده مرفوع الراس، وأتمنى ان ارى العراق مرة اخرى، وأن امشي في شوارع بغداد الجميلة بلا رعب او خوف.
كمـال يلدو
آذار 2014
980 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع