الدكتور/ أكرم المشهداني يكتب عن نصر أكتوبر

       

               بين نكسة حزيران 1967 ونصر أكتوبر 1973

  

                    

مازلت أتذكر ذلك اليوم الرمضاني البهيج، من عام 1973، حيث أيقظني من رقادي الرمضاني، هاتف من صديق عزيز (رحمة الله عليه) وهو يبلغنى بشرى عبور الجيش المصري قناة السويس وتحطيم أسطورة خط بارليف وتقدم المصريين في سيناء لتحرير الأرض المغتصبة...

   
ياالله! لا يمكن أبداً أن أنسى (عصرية) يوم السبت العاشر من رمضان (6 أكتوبر 1973).. وأنا أتساءل مع نفسي حينها: هل فعلا نجح العرب في محو عار نكسة حزيران 1967؟ وهل نصدق البيانات العسكرية الحماسية.. أم أنها تكرار لمهزلة بيانات حزيران 1967؟

ففي 6 حزيران 1967 وكنت ما زلت طالبا بالكلية ونؤدي إمتحانات نهاية العام، استيقضنا صباحا على البيانات العسكرية والمارشات ونشيد (الله أكبر) تبشرنا بالنصر العربي الباهر، وان اليهود في طريقهم للرمي في البحر، وبدأنا نعد أعداد الطائرات الصاسرائيلية التي اسقطتها الطائرات العربية على جبهات القتال:  (20) ثم (30) ثم (50) ووصل العدد لـ (80) طائرة... ونحن نعيش الأمل بأن فلسطين عادت، وان اسرائيل بادت.. وان العرب حققوا الحلم...

        
ولكن تبين الزيف والخداع العربي الاعلامي، فقد تغافلوا ان يذكروا لنا اعداد الطائرات العربية التي دمرت في الجو واكثر منها تلك التي دمرت في المدارج؟ وتغافلوا ان يذكروا لنا سقوط القدس العربية بيد اليهود، وتقدم اليهود لاحتلال الضفة الغربية بالكامل، وتقدم اسرائيل على هضبة الجولان!!
وحقيقة كنت أخشى أن مهزلة إعلام أحمد سعيد قد عادت وبيانات الخيبة تكررت... حتى جاءتنا الأفلام الحقيقية عن تقدم القوات المصرية وعبورها القناة وتحطيمها خط بارليف الاسطوري... وتبين ان الانتصار تحقق صباحا وتأخرت البيانات العسكرية لحين استجلاء الموقف..
لقد تعلم العرب من نكستهم في حزيران.. وخرس الإعلام الدجال وظهر إعلام الحقيقة الموثق بالأفلام والمشاهد الحية..
كانت حرب يونيو مخزية مخجلة حطت من كرامة العرب على مدار أجيال يصعب محوها من صفحات التاريخ.

   
ها نحن كل عام نتحدث عن واقعة 6 أكتوبر، والإنتصار العربي الأبرز في العصر الحديث، وإنهاء أسطورة الجيش الصهيوني الذي لايقهر!. ولايمكن أبداً أن نعتبر تكرار الحديث عن انتصار 6 أكتوبر، إجتراراً للماضي، أو أنه بات قديماً ومستهلكاً، لأن هذه الحرب في وقائعها ومعناها ودلالاتها، ما زالت تبعث في الأمة الأمل ومازالت ذكراها طرية، يكفيها أنها حررت الأرض المغتصبة، وأنهت أسطورة الجيش الذي لا يقهر التي حاول الإسرائيليون ترويجها، والأكثر من ذلك أن الأمة العربية شهدت خلال حرب أكتوبر 73 وبعدها حالة رائعة وراقية من "التضامن العربي" الحقيقي، الذي ما زلنا نشتاق ونشعر بالحنين إليه، حيث إفتقدناه.

    
إذا ذكرت حرب اكتوبر 1973 لابد أن يذكر معها عار حزيران 1967، نكبة 5 يونيو 1967 ذلك الحدث الذي غيرَ مجرى الحياة العربية, وأحدث صدمة هائلة للامة ولملايينها التي لم تصدق ما حدث, وحاول سياسيو (النكبة) ان يصوروها بانها (نكسة) أو انها كبوة او انها خسارة معركة لا خسارة حرب, وغيرها من التبريرات الفجة التي لم يهضمها العقل العربي.
أسموها (حرب الستة أيام!!) كذبا وزورا حيث تبين انها (حرب الست ساعات)!! إن حرب العام 1967, هي أكثر الحروب المعاصرة في التاريخ الحديث غرابة ودهشة, وأشدها إثارة للسخرية والتساؤل, لأن أحداً لم يُجب بطريقة رسمية وموضوعية: كيف حدث هذا? ومن المسؤول عنه? كيف انهارت منظومة كاملة من الدفاعات والمعاهدات العسكرية المشتركة, أمام دولة صغيرة الحجم كانوا يسمونها (دويلة), عدوانية الوجود منذ نشأتها? كيف لم تستعد دول المواجهة للدفاع عن أرض وطنها وكرامة شعبها, كما كانت مستعدة, بزمجرة وعيدها وتهديدها وشعاراتها وخطبها الطنانة, التي ملأت أذان العرب من المحيط إلى الخليج? وأغان تهدد بإلقاء اليهود في البحر ويا أهلا بالمعارك, وشهد سكان المدن والقرى كيف يفر قادة الألوية والكتائب والفرق العسكرية والضباط من الميدان قبل وصول القوات الغازية إلى ساحة المواجهة? فمنهم من ركب حماراً سلبه من احد المدنيين, ومنهم من أطلق العنان لسيارته العسكرية في هروب جنوني, ومنهم من فر راكضاً نحو الأمان, ومنهم من بحث عن رداء يستر به نفسه من أعين الأعداء.

   
كانت حرب يونيو حرباً مخزية مخجلة بكل معنى الكلمة, حطت من كرامة العربي على مدار أجيال وأجيال, يصعب محوها من صفحات التاريخ العربي, وإن كان هناك قد حصل قتال في أرض المعركة عام1967, فإنه قتال استبسل فيه أفراد, قادة وجنود أبطال, من منطلق مسؤوليتهم الشخصية, فكانوا أمناء للأمة, أما الجيوش الرسمية, كقرار سياسي ومؤسسة عسكرية, فإنها لم تقاتل, وإنما أدارت ظهرها لتسجل عار الهزيمة النكراء للأجيال العربية.
أما حرب اكتوبر 1973 فإنها معركة غيّرت وجه التاريخ العربي، حيث ان أبطال القوات المسلحة العربية أعلنوا عزمهم عدم الخنوع ورفضوا الإستسلام لمنطق الهزيمة فشحذوا الهمم، وأعيد بناء القوات المسلحة العربية تمهيداً ليوم نصر آت لامحالة، وبعدها بدأت حرب الاستنزاف في سبتمبر 1968ومعها معركة إعادة بناء الجيش العربي تمهيدا ليوم الثأر، وفي رمضان/ أكتوبر 1973 تكاملت التحضيرات والاستعدادات على الجبهتين المصرية والسورية، وبتنسيق عال ومحكم إنطلقت الجحافل العربية ظهر يوم السبت العاشر من رمضان المبارك (6 أكتوبر) فعبرت القطعات المصرية قناة السويس ورفعت العلم المصري على الجانب الآخر الذي كان بشهادة كل الخبراء العسكريين في العالم من التحصين بحيث كانوا يعتبرون إقتحامه ضرباً من المستحيل، كما كان إختيار اليوم 6 أكتوبر (يوم الغفران عند اليهود) ضربا من ضروب التنسيق الإستخباراتي والخداع الإستراتيجي، فكان مفاجأة صاعقة للإسرائيليين لم يكونوا يتوقعونها، وتوغل الجيش السوري في الجولان، وكان من أروع ما في هذه الحرب هو الحشد العسكري الرائع وإشتراك قطعات عربية من مختلف الدول العربية (العراق، الجزائر، السعودية، الكويت، ليبيا، وغيرها) في هذه المعركة التاريخية.

   

دور العراق في حرب اكتوبر 1973:
خلال التحضيرات المصرية لشن حرب على إسرائيل أوفدت القيادة المصرية رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق سعد الدين الشاذلي الى العراق يوم 26 تموز 1972  حيث قابل الرئيس العراقي أحمد حسن البكر وطرح مشاركة العراق في حرب محتملة ضد إسرائيل وكان الجانب العراقي يرى أن العراق حينها كان  يواجه مشكلتين رئيسيتين الأولى هي النزاع مع إيران حول شط العرب في الجنوب والثانية الثورة الكردية في الشمال وأن على العراق الاحتفاظ بقواته قرب هذه المناطق لكنه على استعداد أن يرسل قوات عسكرية حال نشوب الحرب، أما عن طائرات الهوكر هنتر التي كان مقررا حسب اجتماع مجلس الدفاع العربي في نوفمبر 1971 أن ترسل للأردن فقد أبدى العراق رغبته للشاذلي أن يتم إرسال الطائرات لمصر وذلك بعد تجديدها وإصلاحها.
في فبراير 1973  زار رئيس أركان القوات المسلحة العراقية الفريق عبدالجبار شنشل العاصمة المصرية القاهرة لتبدأ بعد ذلك الطائرات العراقية بالتوافد إلى الجبهة المصرية. وقد وضعت الحكومة العراقية سبعة ملايين جنيه استرلييني في حساب باسم الحكومة المصرية في لندن لتتمكن الحكومة المصرية من شراء ما تحتاجه من معدات كما ابلغت الحكومة المصرية بزيارة الرجل الثاني في الحكومة العراقية انذاك صدام حسين إلى فرنسا لشراء معدات عسكرية للجانب المصري وطلبت منها ان تبلغها باحتياجاتها في نهاية آذار 1973  وصل من العراق السرب المقاتل التاسع والعشرين (طائرات هنتر) والسرب المقاتل السادس (طائرات هنتر) وبلغ مجموعات طائرات الهنتر العراقية التي وصلت مصر 20 طائرة استقرت في مطار قويسنا بمحافظة المنوفية وقد ساعد وصول الطيارين العراقيين والفنيين في فترة مبكرة قبل بدء العمليات، علي اندماجهم مع رفاق السلاح الجوي المصري ومن الناحية العسكرية أتاح لهم وصولهم المبكر قبل بدء القتال بشهور فرصة التعرف علي طبيعة الأرض التي سيطيرون عليها، والعلامات الأرضية التي سيراها الطيارون أثناء تحليقهم، والواجبات التي سيقومون بها، ومصطلحات الطيران، و كلف السرب العراقي بالواجبات القتالية التالية :

 ضرب مواقع صواريخ هوك في سيناء (الجدي، الطاسة، سمارة)
 ضرب مواقع المدفعية المعادية عيار 175 ملليمتر شرق الشط
ضرب وتدمير دبابات العدو في المحور الأوسط من سيناء ومنطقة الطاسة.

الضربة الجوية
شاركت الطائرات العراقية في الضربة الأولى في 6 أكتوبر وقامت الطائرات العراقية بمهاجمة العدو في مجموعات قتالية مكونة من 3 إلي 4 طائرات، وفي بعض الأحيان كانت الطائرات الهوكر هنتر يطير جنباً إلي جنب مع الطائرات الميغ 17 المصرية وذلك ليسهل علي رجال الدفاع الجوي المصري التعرف عليها، خاصة وان الهوكر هنتر غير مستخدمة في صفوف القوات الجوية المصرية، كما ان شكلها الأمامي يشبه طائرة الفانتوم الأمريكية، وقد تمكن الطيارون العراقيون من تدمير مواقع الصواريخ هوك، ومواقع مدفعية العدو في الطاسة، وتعطيل عدد كبير من دبابات العدو..

أما عن نهاية الحرب فقد تدخلت الولايات المتحدة والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وتم إصدار القرار رقم 338 الذي يقضي بوقف جميع الأعمال الحربية بدءاً من يوم 22 أكتوبر عام 1973، وقبلت مصر بالقرار ونفذته إعتبارا من مساء نفس اليوم، إلا أن القوات الاسرائيلية قامت بخرق وقف إطلاق النار، فأصدر مجلس الأمن قرارا آخر يوم 23 أوكتوبر يلزم جميع الأطراف بوقف إطلاق النار.
وكان أروع ما في الموقف العربي هو إجتماع وزراء النفط العرب يوم 19/10/1973 حيث أصدروا قرار خفض انتاج النفط، بواقع 5% شهريا ورفع أسعار النفط من جانب واحد، واعلان حظر على صادرات النفط الى الولايات المتحدة الامريكية لقيامها بتعويض إسرائيل عن خسائرها وصرفها مساعدة عاجلة لإسرائيل بمبلغ 2،2 مليار دولار، وهو ما أدى إلى أزمة طاقة خانقة في امريكا والغرب.
ما أجمل ذكرى نصر أكتوبر فقد بقيت رمزا للتضامن العربي المفقود، ودليلا على أن العرب قادرون على تحقيق النصر إن امتلكوا إرادتهم وتوحدت كلمتهم.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1164 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع