بغداد – العباسية نيوز:إذا كان المشهد الانتخابي في المناطق والمحافظات ذات الاغلبية السكانية الشيعية قد استقر نسبياً عل ثلاث كتل اساسية تمثلت في ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر عبر كتلته (الاحرار) والمجلس الاعلى برئاسة عمار الحكيم وقائمته (المواطن)، فان الصورة الانتخابية في المحافظات السنية العربية لم تكتمل بعد رغم الاعلان عن ثلاث كتل انتخابية تبدو للمراقبين السياسيين انها الابرز وربما تحصد اصوات الناخبين السنة بنسبة\ متفاوتة، وهذه الكتل هي:
متحدون برئاسةاسامة النجيفي والعربية ويرأسها صالح المطلك وائتلاف الكرامة ويقوده رجل الاعمال المعروف خميس الخنجر الذي يوصف بانه (عراب) القائمة العراقية في انتخابات آذار 2010.
ووفق المعطيات السياسية والشعبية في المناطق والاحياء السنية بالعاصمة بغداد ومحافظات الانبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك ومناطق شمال محافظتي بابل وواسط واقضية البصرة السنية، فان كتلة (متحدون) و(العربية) لا تجدان تعاطفاً من الجمهور السني الذي يأخذ على زعماء الكتلتين انهم انصرفوا الى مصالحهم الشخصية ورتبوا أوضاعهم الخاصة والعائلية بعيداً عن ناخبيهم الذين خرجوا في آذار 2010 بكثافة ونجحوا في انتخاب 91 نائبا أغلبهم من السنة العرب.
ويتعرض زعيم ائتلاف (متحدون) رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي ورئيس كتلة (العربية) نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك الى انتقادات لاذعة من الجمهور السني العربي الذي ينظر اليهما كموظفين لدى رئيس الحكومة نوري المالكي انشغلا في الاستحواذ عل المكاسب الشخصية والامتيازات العائلية دون الالتفات الى ناخبيهم، فالنجيفي القادم من نينوى ثاني اكبر محافظة عراقية بعد العاصمة بغداد، تحول الى عبء ثقيل على السنة العرب، فهو يسعى الى زعامتهم ويطمح في تولي رئاسة الجمهورية في المرحلة المقبلة، ولكنه في المقابل فشل فشلاً ذريعاً في تمثيلهم سياسياً واخفق في التعبير عن آرائهم ومواقفهم، وهو ما انتج هوة واسعة بينه وبينهم حتى في مسقط رأسه (الموصل) التي تعد اكبر مدينة سنية عربية في العراق، فقد تهاوت اسهمه وتراجعت حظوظه ولم يعد ذلك الوجه الاجتماعي والسياسي البارز الذي كان الموصليون يبنون آمالاً عريضة عليه، بعد ان ظهر على حقيقته كشخصية مهزوزة ومترددة، رغم انه يتولى أرفع موقع تشريعي في البلاد كرئيس للبرلمان.
ويواجه صالح المطلك الامر نفسه مثل رفيقه السابق اسامة النجيفي، بعد سلسلة أخطاء سياسية قاتلة ارتكبها دون ان يعي آثارها السلبية، فهو قد قبل بمنصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، وهذا موقع رسمي يتيح له تقديم خدمات واسعة للمواطنين خصوصاً وانه المسؤول او المشرف على عشر وزارات خدمية، ولكنه خيب آمال الكثيرين من انصاره ومؤيديه بعد ان لاحظوا عليه أداءً ضعيفاً ومواقف خائفة انعكست عليه بشكل واضح، حتى بدا في كثير من المناسبات وكأنه لم يصدق نفسه وهو يتولى نيابة المالكي في شؤون الخدمات، رغم ان هذا الموقع –كما ثبت لاحقاً – صوري، حشر المطلك نفسه فيه بلا سلطات او صلاحيات.
واستناداً الى معلومات ميدانية وما تنقله صفحات التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) وما ينشره نشطاء ومثقفون في المحافظات السنية، فان حظوظ النجيفي والمطلك في هذه المحافظات تبدو سيئة تماماً، ففي الموصل وهي منطقة نفوذ النجيفي سابقاً، فان الاغلبية الساحقة من سكانها غير راضية عن أداء رئيس مجلس النواب وتسجل ملاحظات سلبية على مواقف واجراءات شقيقه محافظ نينوى اثيل النجيفي الذي بات يعترف في مجالسه الخاصة بان اداء اسامة السياسي وضعفه في ادارة مجلس النواب وخوفه من نوري المالكي، عوامل اثرت على موقعه كمحافظ لاكبر محافظة عراقية.
ويتوقع المراقبون السياسيون في محافظة نينوى ان يخسر ائتلاف (متحدون) مقاعد نيابية كان النجيفي قد حصل عليها في انتخابات آذار 2010، وبالتالي فان طموحه في زعامة السنة العرب قد يتلاشى تماماً، ويضيع حلمه في رئاسة الجمهورية التي قدم في التمهيد لها سلسلة من التنازلات للاحزاب الشيعية والكردية دون ان ينتبه الى حقيقة سياسية معروفة تتمثل في ان السياسي الذي يخسر جمهوره لا يمكنه ان يربح الآخرين.
وبالنسبة لنائب رئيس الوزراء صالح المطلك الذي كان يمتلك صوتاً فيه جرأة ملحوظة في الدورة الانتخابية السابقة (2006-2010) فانه يواجه سلسلة من الازمات على الصعيدين الشخصي والسياسي، فقد ثبت انه متذبذب النزعة والتوجهات ويفتقر الى العمق في التفكير والرصانة في اتخاذ القرارات، وكانت ذروة إخفاقاته السياسية انه عاد الى حضن المالكي متهالكاً رغم انه انتقده ووصفه بالدكتاتور، ومثل هذه المواقف تترك انطباعات سلبية لدى قطاعات واسعة من العراقيين خصوصاً الجمهور السني الذي ينظر الى المطلك وكأنه أنقلب على بيئته التي سرعان ما عاقبته بطريقة خشنة عندما ذهب الى محافظته (الانبار) في ذروة الحراك الشعبي وعومل بازدراء ولولا حراسه وافراد حماياته لكان وضعه في أسوأ حال.
عموماً.. من الصعب عل اسامة النجيفي وصالح المطلك احراز مقاعد نيابية في انتخابات نيسان 2014 تؤهلهما العودة الى موقعيهما كرئيس للبرلمان بالنسبة للنجيفي او نيابة رئاسة الحكومة بالنسبة للثاني، فالناخب السني العربي محبط منهما وغير مستعد لانتخاب مرشحيهما.
وياتي دور (ائتلاف الكرامة) الذي يرعاه الشيخ خميس الخنجر، فهو قد يقلب مزاج الجمهور السني العربي وينقله من الاحباط الى الأمل، اذا تمكن من زج وجوه جديدة معروفة في بيئتها بالنظافة والنزاهة والتمسك بالهوية السنية، ولان (ائتلاف الكرامة) ولد من حضن الحراك الشعبي – كما يقول مؤسسوه- فانه سيحظى بالتأكيد برضا الناخب السني الذي يريد تغييراً في الوجوه المستهلكة التي استغلت انتماءاتها السنية دون ان تقدم شيئاً ملموساً لجمهورها.
ورغم ان (ائتلاف الكرامة) وهو يخوض اول تجربة انتخابية ممثلاً عن الحراك الشعبي، فان راعيه خميس الخنجر الذي كان له الفضل في تشكيل (القائمة العراقية) في عام 2010 قبل ان تتشظى وتنقسم، يبني آمالاً واسعة على نجاحه في الانتخابات المقبلة باعتباره كتلة متماسكة سياسيا ومنسجمه في مواقفها المعارضة لسياسات المالكي ومتفقة على ضرورة ان يحصل السنة العرب على حقوقهم السياسية، كما هو حال الشيعة والاكراد بلا تهميش او اقصاء، وهذه المعطيات تشكل في حد ذاتها عوامل رئيسية في استقطاب الاغلبية الساحقة من الجمهور السني العربي الذي ينشد التغيير والاصلاح بعد عشر سنوات من الظلم والتنكيل والتقتيل وبما يؤمن له الحياة الكريمة والامن والاستقرار والتوازن الوطني والمشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات المصيرية.
وبالتأكيد فان مهمة الخنجر ليست سهلة وهو يواجه اثنين من (مافيات) العملية السياسية، اسامة النجيفي وصالح المطلك اللذين سيعمدان الى التصدي له والسعي الى ايذائه سياسيا من خلال تسخير ادواتهما الحكومية وامكاناتهما المالية وعلاقاتهما الوثيقة بحزب الدعوة ورئيسه المالكي وصلاتهما المتينة بايران ورجلها القوي الجنرال قاسم سليماني، لمنع مرشحيه من الفوز في مناطق يعتقد الاثنان انها تقليدية لهما، كالموصل بالنسبة للنجيفي، وبغداد بالنسبة للمطلك، غير ان المعطيات السياسية تؤكد ان بامكان الخنجر التفوق على النجيفي والمطلك دون عناء ودفعهما الى خارج الساحة السياسية، اذا احسن الاختيار ودفع بشخصيات تتميز بالجرأة والشجاعة ولها مصداقية مبدئية وتحظى بحضور اجتماعي في الاوساط السنية العربية التي لم تعد مقتنعة بالنجيفي والمطلك وابو ريشة وسعد عاصم الجنابي وسلمان الجميلي وجمال كربولي وغيرهم من الوجوه التي يطلق عليها السنة العرب صفة (المحروقة).
الصراع الانتخابي القادم سيكون ساخنا في الساحة السنية العربية اذا دخل (ائتلاف الكرامة) المعركة وهو متسلح بزخم الحراك الشعبي الذي شكل علامة فارقة في مسار السنة العرب على مدى السنوات العشر الماضية، وقد يحدث انقلابا في المزاج الشعبي السني الذي اصيب بالاحباط من المولد الانتخابي في عام 2010 ويدفعه الى المشاركة الكثيفة في انتخابات 30 نيسان 2014 واسقاط الوجوه السنية (المحترقة) أو تهميشها على الاقل وابرزها اسامة النجيفي وصالح المطلك ومن هم على شاكلتهما.
1055 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع