المدى/بغداد/ عصام القدسي:وأنا اكتب هذا التحقيق أضع صورة محافظ بغداد (خادم بغداد ) نصب عيني ومجلس المحافظة وأمانة بغداد وكل الجهات المسؤولة عن عاصمتنا وخدمتها وتطويرها لعلهم يطلعون على ما اكتبه ويجدون فيه مثابة بسيطة تضاف الى توجهاتهم واهتماماتهم ومشاريعهم التي رسموها لخدمة عاصمتنا وتغييرها نحو الأفضل" يعتز الفرد بمدينته فهي مرتع أحلامه ومرافئ ذكرياته وتظل نابضة بالحياة في داخله اذا ما فارقها .
وإذا ما غاب عنها وطرأ ذكرها تحدث عنها بحماسة ملؤها المحبة بل يلمس المصغي فيما يسرد عنها حديث العاشق عن معشوقته حتى يوحي للآخرين بأنها مدينة أسطورية ساحرة .. في دول العالم المتحضرة يسهم المجتمع أفرادا وجماعات في صيانة مدينته والمحافظة عليها ويحرص على رونقها وجمالها ،على بهاء واجهات بيوتها ومحالها وساحاتها وحدائقها. ترى لو استعرض الفرد العراقي تاريخه معها وسنوات العمر التي قضاها في أحضانها ما الذي قدمه من أجلها وما الذي أعطاها وقد اخذ منها الكثير .
النظام أهم دساتير المدن
ناجي سلمان 56 سنة يقول : في الدول المتقدمة يحافظ الفرد على مدينته وبنائها وحدائقها ونصبها وكل ما تضم ولا يتهاون مع من يفرط بالنظام الذي يحفظ لها كينونتها ووجودها ، مهما اضطر الى ذلك ويتصرف في الذود عنها كما لو كانت ملكا صرفا له ولأسرته، وهذه الفكرة فيها الشيء الكثير من الحقيقة ،لان المدينة فعلا ملك مواطنيها وما يصيبها من تألق أو انطفاء مردوده يعم على سكانها وينعكس على سلوكياتهم وحالتهم المعيشية والاجتماعية عموما . ومراعاة السكان تتناسب طرديا مع درجة الوعي الذي يتمتعون به ومع اهتمام الجهات الحكومية بالمدينة وجهودها في رفع مستوى ازدهارها..
إلزام السكان بالذوق العام
هناء حسن 28 سنة مساح أراض تقول : من السخرية إن النظام والقوانين التي تتعامل مع الصالح العام اذا ما حاسبت أصحاب المحال لرمي النفايات وأصحاب البسطيات والباعة كافة أو الفوضى التي يتسببون بها، تتهاون مع أصحاب البيوت ولا تعرج على ما يعد إساءة للمدينة فكثيرا من البيوت تزدحم سطوحها بالأثاث التالف والأجهزة العاطلة المهدمة والخرق وبقايا مخلفات يحتفظ بها صاحب المنزل على مدى عقود طويلة ولا يفكر بالتخلص منها، وترى واجهة المنزل بشكل عشوائي مشوهه وأمام الباب كوم من السكراب والنفايات والأزبال لا تهتم بها الأمانة ولا تعرج عليها ومحاسبة صاحب الدار لأنه يسيء الى منظر المدينة وجماليتها بينما يجب أن تكون هناك أنظمة مراقبة ومحاسبة لصالح ساكن الدار والمدينة بصورة عامة تلزمه بالترتيب والنظام وصبغ واجهة المنزل وغيرها للمساهمة بجعل المدينة حضارية وتمحو عنها وجه الابتذال والإيحاء بالتخلف والرثاثة.
حادثة لا أنساها
ويواصل ناجي قائلا : مما أتذكره إنني في الثمانينات ذهبت الى لندن للعلاج على نفقة الدولة ، وقد وضعت سيارة تحت تصرفي أتجول فيها أنى أشاء . سكنت مع عائلة وتعرفت على ابنتهم الجميلة كانت ترافقني في مشاويري وذات يوم كانت السماء تنزل قطرات خفيفة من المطر والفتاة الى جانبي بالسيارة اقتربنا من حديقة عامة وهممت بإيقاف السيارة بقربنا والجلوس على مصطبة ولكنها طلبت مني إيقاف السيارة في موقف الحديقة قلت لها سنجلس دقائق ثم ننصرف فأصرت على أن أطبق النظام واضع السيارة ببارك الحديقة الذي يبعد عشرات الأمتار والعودة للجلوس بالوقت الذي يعجبنا ولكنني رفضت وجلسنا ما يقارب الربع ساعة ثم عدنا الى البيت .
الحفاظ على شكل المدينة
في اليوم التالي صباحا طُرقت بابي ولما خرجت وجدت شرطيين سلماني وصل غرامة باسمي وطلبا مني عدم تكرار المخالفة والوقوف في الأماكن غير المخصصة للوقوف وإلا ستكون العقوبة تسفيري وإعادتي على أول طائرة الى بلدي ،حينما انصرف الشرطيان ظللت دقائق واجما كيف حصل وان اكتشفت الشرطة مخالفتي وإيقاف سيارتي بعيدا عن موقف الحديقة ولما التقيت بصاحبتي الجميلة أخبرتني إنها هي التي بلغت الشرطة قلت لها والعلاقة التي بيننا والحب أجابتني لاعلاقة له بما فعلت فالمدينة لو استهان كل فرد بنظامها ستنتهي كمدينة متحضرة وتعم فيها الفوضى، أما نحن فلا احد يراعي للمدينة وتنظيمها حرمة فالذي يقود سيارة في شارع وواجه ازدحاما يصعد على الرصيف ويسير عليه ليجتاز باقي السيارات .
لا صيانة للبنايات
وسن سعدون موظفة 30 سنة : بنايات حديثة تبنى هنا وهناك ونراها تشمخ جميلة بهية بعدها تفتح فيها محال ومتاجر بواجهات ولافتات على احدث الطرز ولكننا للأسف بعد عقد من السنين نرى البنايات وقد تغيرت واجهاتها واغبرت وفقدت ألوانها الجذابة وبريق لافتاتها، وأصبح الرصيف أمامها تعمه الفوضى لتكدس البضائع عليه حتى تكاد تسد الطريق للمرور من أمامها ثم تسقط حروف من لافتاتها ونرى شرفات الشقق فوق العمارة قد ازدحمت بمكيفات الهواء الصدئة وبملابس منشورة وخرق وكارتون وأغراض خردة تحجب النوافذ، وتظل تتدهور وضعية البناية حتى ينطفئ إشراقها ولا احد يفكر لا من مستأجري المحال ولا من سكان الشقق على أن يجري صيانة عليها أو إعادة النظر بالفوضى التي أصابتها أما صاحب البناية لا يهمه ما آلت إليه فالمهم لديه استلام الإيجارات كما ليس هناك قوانين أو أنظمة تطبق تلزم المالك بإعادتها الى ما كانت عليه من عنفوان، وهكذا يستمر الحال مثلما هو عليه لتصبح مثل البنايات الأخرى للمدينة تفتقر الى الجمالية والرونق، فكل ما في مدينتنا يكون متألقا حال تشييده ولا احد يفكر بصيانته أو تجديده بعد أعوام أو حتى بعد مرور عقود أي نحن نفتقر الى نظام صيانة بنياننا ، علما لو إن كل مالك يلزم بتجديد رونق ملكه لرأينا المدينة بهية حافلة بالبهجة وباعثا للسرور والانشراح ومدعاة للفخر والزهو .
شوارع وحدائق وساحات
جمعة سلمان 59 سنة كاسب : حين تشيد أمانة العاصمة شارعا وتخططه وتصبغ أرصفته وتنشئ حديقة وتقيم ساحات (على قلة ما تنشئ وتشيد) فإنها لا تعود إليها من اجل صيانتها وتجديدها إلا ما ندر فعلى سبيل المثال هناك حفر ومطبات رهيبة في بعض شوارعنا لا أبالغ اذا ما قلت إنها موجودة منذ أكثر من عشرين عاما لم تعالج ،والكثير من المواطنين عايشوا هذه الحفر والمطبات وعانوا منها طويلا حتى بات سائقو المركبات يحفظون أماكنها عن ظهر قلب ويتجنبونها بالليل ووسط الظلام الحالك مثلما بالنهار لأنهم يحفظون مكانها وحجمها عن ظهر قلب ، والحدائق تصدأ اسيجتها وتتهدم مقاعدها وتتلف مزروعاتها وتنجرد حشائشها ولا تهتم الجهة المسؤولة في إعادة رونقها وصبغ ما صدأ وإصلاح مقاعدها التي أصبحت عرجاء مثيرة للسخرية وتحطم أجزاء منها بالتقادم، وأعمدة الإنارة اصبحت بحالة بائسة ومصابيحها مكسورة لا احد يستبدلها وبذا ينضم مشهد هذه الشوارع والحدائق والساحات والأعمدة وغيرها الى المشهد المزري للمدينة ويسهم في تجسيد صورة رثاثتها وتخلفها.
أكشاك وباعة وبسطيات
أبو سلوان 60 سنة بائع صحف : للأسف ليس هناك ضوابط ولا تنظيم للفوضى التي تعم عاصمتنا فهناك الآلاف من البسطيات والباعة الذين يفترشون الأرض حيثما شاءوا ،وعربات البيع تنتشر في كل مكان وأكوام النفايات التي يلقي بها أصحاب المحال قرب محالهم ومتاجرهم ،إذ يجب تنظيم هذا المشهد وبالوقت نفسه مراعاة مصالح هؤلاء الباعة الذين يعيلون أسرهم بعمل الأكشاك الجميلة الملونة لهم ، تتوفر فيها الشروط الصحية وتوزيعها بشكل جميل ومنتظم على الأمكنة والشوارع وبإيجار سنوي زهيد لأصحاب البسطيات والعربات والبائعين لراحتهم وتخفيف معاناتهم التي يقاسونها بالعمل تحت أشعة الشمس اللاهبة صيفا وزمهرير البرد شتاء وتجنيبهم الشعور بالمهانة ، وبالوقت نفسه محاسبتهم وإلزامهم بشروط النظافة والتدقيق حتى بالبضائع التي يبيعونها ومدى سلامتها ومنع تداول البضائع التي تضر بالمجتمع مثل بائعو الأدوية وما شابه ومحاسبة أصحاب المحال والمتاجر والتأكيد عليهم بعدم مصادرة الأرصفة بنشر بضائعهم عليها وعدم رمي نفاياتهم كيفما اتفق والعمل بمساعدة أمانة العاصمة لهم على تخلصهم منها عن طريق رفعها أولا بأول للمساهمة في إظهار مدينتنا بأجمل صورة كي نستطيع تطبيق المقولة التي تروج لها أمانة العاصمة عبثا (حافظ على نظافتك) دون المساعدة على تحقيقها.
ولاية بطيخ
جعفر علي 33 سنة موظف بلدية : عاصمتنا يصدق عليها المثل (ولاية بطيخ) لأنها نهبا للنزوات والاجتهادات والتصرف كيفما اتفق من قبل بعض المواطنين، فأصحاب المهن الحرة كل واحد يتصرف على هواه ومن هذه الظاهرة فتح ورش للنجارة والحدادة وتصليح السيارات داخل الأزقة والى جانب البيوت إضافة الى مناطق مثل شيخ عمر والمناطق الصناعية لتصليح العربات، ووجود ورش النجارة والحدادة في هذه المناطق غير خاضعة للتنظيم والالتزام بشروط النظافة وسلامة العمل ،فهي تشكل إزعاجا للسكان و مضايقات على الطريق العام فتراها تضج (بالسكراب ) والنفايات والزيوت تنتشر على الأرض ،أصحابها وعمالها يعملون كما لو في العراء وليس في وسط المدينة بينما كان يتوجب على الحكومة إعادة تنظيم عملها بحيث يكون داخل ورشها وتتجنب إشاعة الفوضى وتلتزم بالنظافة ،اجل يجب أن تتدخل الحكومة ولا تترك الحبل على الغارب كما هي الحال البائسة التي نشهدها للمناطق الصناعية في عاصمتنا والورش في الأزقة والأحياء الشعبية بدوي آلاتها وفوضى عددها والمواد التي تستعملها للعمل.
فوضى بحاجة الى اهتمام حكومي
عمر صديق 44 سنة موظف : للأسف تعيش عاصمتنا حالة من الفوضى وتتصف بالتشوهات بسبب إهمال المواطن وتجاهل الحكومة .فالمواطن كثير من تصرفاته مسيئة للمدينة التي يجب عليه المحافظة عليها لأنه يسكنها ومصدر عيشه وملاذه ومقصد رفاهيته أما الحكومة فإنها تتجاهل تصرفاته هذه من ناحية ولا تضع الأنظمة والقوانين التي تعاقب على إساءته كما تفعل بعض الدول المجاورة التي تحاسب وتغرم المواطن لعدم رميه النفايات بالمكان المخصص والإساءة للطريق وللمحلة والزقاق بغرامة كبيرة على سبيل المثال . فحكومتنا يتوجب عليها إصدار الأنظمة والقوانين بهذا الشأن والمساعدة على التخلص من النفايات بنشر الحاويات وتسيير الدوريات لمنع التجاوزات ومراقبة سلامة الطرق وخطوط الهاتف وأسلاك الكهرباء ومنظوماتها وأنابيب المياه وإصلاح التسريبات التي تحدث ومنع أصحاب الأغنام والمواشي من التجوال في الأزقة والمحلات لما تسببه من تكاثر الذباب ونشر الأمراض وتشويه صورت المدينة أكثر مما هي عليه الآن وعدم السماح بممارسة القصابة عند نواصي الشوارع وتجمع مخلفات الحيوانات التي يذبحونها بعيدا عن المسلخ الحكومي والرقابة الصحية ومنع ممارسة المهن التي تشوه الأمكنة وتسيء للذوق العام وإقامتها في غير الأماكن المخصصة لها مثل بيع الفواكه والخضر وإنشاء ورش النجارة والحدادة داخل الأزقة.
على الحكومة فعل الكثير
عبد الله محمد 37 سنة باحث اجتماعي : ليس على الحكومة بإزالة الثآليل عن وجه المدينة فحسب بل عليها تطويرها بإزالة مناطق بأكملها هي باقي مناطق سكنية كانت قبل عقود طويلة متألقة حافلة بالحياة وصيرها القدم الى أنقاض وإنشاء البنايات الفخمة وأماكن للترفيه متطورة وحدائق حديثة ومتنزهات ومراكز ثقافية واجتماعية أسوة بمدن العالم الجميلة ومنح الحريات للمواطن للتمتع بجمالها وممارسة أنشطته الاجتماعية وتحقيق رفاهيته وعدم خنق تلك الحريات باجتهاد قوانين تنفذها جهات متطرفة فجزء من تألق المدينة ، رفاهية مجتمعها وسعادة مواطنيها لتكتمل صورتها المشرقة.
809 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع