إيلاف/عبدالجبار العتابي من بغداد: على الرغم من مرور خمس سنوات على رحيل كامل شياع، الا ان السؤال الذي ما زال يملأ الافواه ويعلو في النفوس بالكثير من الحيرة والاستغراب هو: من قتل كامل شياع؟، يردفه سؤال حائر اكثر هو: لماذا ظل الملف مغلقا ولم تستطع اجهزة الان الكشف عن القاتل على الرغم من ان المكان الذي تعرض فيه الراحل للاغتيال كان ضمن الدائرة التي تدور في ارجائها وزارة الداخلية؟.
كانت الاسئلة تعيد صياغة نفسها مجددا مع حلول الذكرى الخامسة لاغتيال كامل شياع،مستشار وزارة الثقافة، وانطلقت مجددا على لسان اصدقائه ومحبيه، وقد أقامت مؤسسة (الروسم) للصحافة والنشر، احتفالا استذكاريا له جرت وقائعه في احدى قاعات فندق "قصر السدير" وسط بغداد، والجميع كان يرى ويسمع ويتكلم ولكن دون احاطة بالملامح التي استطاعت ان تمتد يدها لاغتيال الرجل الذي لم يختلف فيه اثنان، وهو القائل (أعلم انني قد اكون هدفا لقتلة لا اعرفهم ولا أظنهم يبغون ثأرا شخصيا مني...أي اوجاع سرية يورث المنفى..اي شفاء يحمل الوطن )،، وهناك في الفضاءات الساخنة يدور سؤال نيرودا: هل يبحث قلبه المقتول عن قاتليه هناك؟، فتحول الاحتفال الى تساؤلات تتفجر غيضا في القاعة ليهز الجميع رؤوسهم اسفا وحيرة، وقد عرض على هامش الاحتفالية الاستذكارية فيلم وثائقي عن الراحل، تناول سيرته وتضمن شهادات عنه لمثقفين عراقيين، الفيلم من اخراج صائب حداد، وسيناريو زعيم نصار، وقرأ التعليق أحمد المظفر.
افتتح الاحتفالية الشاعر إبراهيم الخياط ببيت من الشعر قال فيه:
مضى طاهر الأثواب، لم تبق روضة
غداة ثوى الا اشتهت أنها قبر
فيما قال وكيل وزارة الثقافة، طاهر ناصر الحمود: خمس سنوات مرت على رحيل شهيد الثقافة، المستشار البارز، صاحب البصيرة النافذة والرؤية الشاملة، العامل الدؤوب الذي ساهم بالأفكار التي صاغها وحولها الى عمل، الى حركة في الواقع الثقافي"، وتحدث عن احدى مزايا الشهيد الكثار "وهي ميزة المهنية التي تهمنا جميعا، المهنية بما تعنيه من انصراف الى العمل المؤدى بعيدا عن التأثيرات الجانبية، وهذا امر بديهي في العمل، بوصفه مسؤولا ورجلا سياسيا، وقد لا يبدو سهلا على الجميع، وكامل هو النموذج الذي لم أجده يوما يسقط قناعاته الإيديولوجية على عمله.
اما جاسم الحلفي فقال: ذات يوم وقبل بضعة اشهر من اغتياله، جاءني الصديق كامل شياع، ليحدثني عن ما آلت اليه اوضاع وزارة الثقافة، بسبب المحاصصة الطائفية، والتي عدها، كما نحن، نتيجة لأزمة النظام السياسي وانعكاسا لها، كان قلقا من تداعيات الازمة على جميع اوجه الحياة، اذ شكل القلق هاجسا كبيرا له عما تخبئه الأيام القادمة، وحاله كحال المفكر، بدأ بطرح اسئلته عن الجدوى من بقائه في الوزارة، وهو محاصر، دون ان يسهم في ارساء مشروعه الثقافي باتجاه الدولة المدنية الديمقراطية،ولأنه، وكما هو معروف، لا يتعنت برأيه، اقتنع حينما قلت له، ان مجرد وجود شخصية مثقفة، من طراز كامل شياع في الوزارة، هو مقاومة للأزمة، تشيع الامل في انفراجها، وتعضد المتطلعين الى الثقافة الانسانية الرحبة، ضد ثقافة التهميش والاقصاء والانعزال
واضاف: ستبقى أسئلتنا مفتوحة، مشرعة، تطالب بالكشف عن منفذي الجريمة، وغيرها من الجرائم التي طالت المواطنين الأبرياء، في الأسواق وفي الشوارع وفي المعامل وعلى الأرصفة، وعمال المساطر، وقادة العمل والفكر والضمير، الى متى يبقى القاتل مجهولا؟ نعم ليس الإرهابي، الذي تطاول على احد اهم قاماتنا الثقافية، وحده مجهولا في العراق، انما مصير البلد ومستقبله أصبح مجهولا أيضا، ولا احد يتكهن بمستقبله القريب، مادام المتنفذون في حال عناد شديد، وصراعهم المحموم من اجل السلطة وامتيازاتها وما توفره لهم من جاه ومال ونفوذ، على حساب دم العراقيين والجوع المتفشي في احزمة الفقر، في الحواضن الهامشية، احياء التنك.
وتابع: لا يمكن استثناء قاتل من الملاحقة، ولا سبيل غير القانون، فان كانت الدولة دولة المؤسسات والقانون، فان من واجبها الإمساك بالقتلة، دون أن تستثني أحدا منهم، وان لا تميز بين شهيد وشهيد، أو بين فقيد وفقيد.
وقال الشاعر والمترجم سهيل نجم: بودي أن نحتفي بكامل شياع لا أن نرثيه فمثل هذا الإنسان يحتاج منا إلى ما هو أكثر من رثاء لأن قيمته بالنسبة لنا تمثل تجربة رمزية خالدة من المفترض أن تدفعنا إلى خطوات أبعد من الرثاء والحزن. فمن الواضح أن قصة اغتياله هي محاولة فاسدة لعرقلة مسيرة الحرية والتقدم في العراق بعد أن رأى القتلة أن ضياء هذه الشخصية يمثل محوراً يجذب العقول المستنيرة ويتفاعل معها لخلق آفاقٍ لا مجال فيها للفاسدين والدوغمائيين وذوي العقول الاتباعية الذين لا يعرفون الفكر الحر.
واضاف: باعتقادي أن ميزة كامل شياع الأولى هي أنه قدم الناس والعراق على نفسه. كان يمكنه أن يبعد نفسه عن اللغط ويمتهن أشياء كثيرة فهو رجل متعدد المواهب، كان يمكنه أن يكون مترجماً جيداً بما لمسته منه من تمكن واضح بالانكليزية والعربية وكان يمكنه أن يكون باحثاً مميزاً كما دلت على ذلك دراسته المتقدمة للماجستير في الجامعة البلجيكية في الفكر الفلسفي، لاحظوا اختياره لموضوع بحثه وهو وكان يمكنه أن يكون أكاديمياً وكان وكان... ومن هنا أقول نحتاج إلى نبذل قصارى جهدنا لنكمل مسيرة هذا المثقف الخاص. لقد كرس كامل جل وقته في سبيل تأسيس بنية تحتية راسخة للثقافة العراقية وهذا ما لم يعجب سادة التخلف وعبيد الحالة السكونية لا بل عبيد العودة إلى الوراء بأقصى قوة.
الميزة الثانية لكامل أنه تخطى مرحلة الجمود الفكري وعبر إلى الرحابة الفكرية العقلانية المعاصرة التي تنظر إلى نفسها أنها مهما تسلحت من فكر وعلم فهي تحترم فكر الآخر ولا تدعي انفرادها بالعلم بالحقيقة التي هي في الأحوال كلها ليست مطلقة. لهذا تراه يستمع أكثر مما يتكلم وهو في الاستماع يصغي جيداً لمحاوره ولا يدعي الاستماع مثل كثيرين مقفلين على أيديولوجيا متخشبة فكان له أصدقاء من التيارات الفكرية كافة لاسيما تلك التيارات التي تؤمن بالحوار.
وقال الكاتب والاعلامي توفيق التميمي: هل هدأت احزاننا بخسارة كامل شياع؟ وهل نفدت كلمات الندب وعواء الروح؟ وهل اكتفى قاتله المأجور بجريمته ومضى دون أن يفكر بضحية اخرى سيقتنصها اكمالا لمخطط أسياده من المجرمين والمتوحشين، الذين يريدون أن تظل هذه البلاد مرتعا للوحوش، ومرابطة بعجلة الرعب، ومأسورة بزمن الدكتاتورية وظلامية عقائدها وعفونة رائحتها الكريهة التي زكمت أنوفنا لاربعة عقود متتالية؟.
واضاف: هل تركت لنا مساحات الصدمة والذهول الكبيرة فسحة للتفكر في أمر الجريمة وظروف نجاحها واستنطاق اهدافها القريبة والبعيدة؟ هل ستسعفنا رؤانا الثقافية وبصيرتنا باستشفاف الغيب القادم بتصور ملامح الضحية المقبلة كي نترصد القاتل قبل وقوع جريمة اخرى ضحيتها تنوب عن كل المثقفين العراقيين، وتختصر محنتهم وعزلتهم امام وحوش الغابة الجديدة.
وختم حديثه بالقول: اسئلة كثيرة تدور في ذهني بعد أن نضبت مشاعر الفجيعة، وبعد ان حضر الرعب كله منبها ومحذرا كل الذين يرومون الاصطفاف صفا واحدا لرفع رايات التنوير والحرية والسلام ضد فرق الظلامية والجهالة والوحشية.
1174 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع