أكلت الحروب أكثر من ثلثي ثروة العراق من النخيل، لكن المبادرات الفردية تعيد النخلة إلى كل بيت وبستان، ما رفع حجم إنتاج التمور العراقية، فتوقف الاستيراد، إذ أقبل الناس على التمر المحلي، وصدر التجار ما فاض في مخازنهم إلى الخارج.
إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: في الوقت الذي تؤكد فيه هيئة النخيل في العراق أن بغداد شرعت في تصدير المنتوج الفائض من التمور بعد اكتفاء منذ بداية العام 2012، فإن العراقيين مستمرين في الاهتمام بزراعة النخيل بشكل لم يسبق له مثيل طيلة عقود، والسبب في ذلك يعود إلى عوامل اقتصادية وجمالية واجتماعية، إضافة إلى آثار الدعم الحكومي لأسعار التمور.
وبحسب مدير عام هيئة التمور كامل مخلف، لم يستورد العراق أي تمور من الخارج في العام الماضي، بل هو في طريقه إلى تصدير التمور بعد إنقطاع عن السوق الاقليمية دام لسنوات. واشار مخلف إلى أن الاعوام السابقة شهدت تعزيز اعداد معامل تعليب التمور، "وهناك خطط لزيادة اعدادها، وهناك قروض ومعدات ستقدم لمشاريع تعبئة وتعليب التمور".
يقول حسن الصائغ، من مديرية زراعة بابل، أن المحافظة تحتل منذ سنوات المركز الأول بإنتاج نحو ثمانين ألف طن من التمور في حين يبلغ انتاج محافظة كربلاء حوالي 60 ألف طن.
ويقول المزارع توفيق الحجي من المحمودية، الذي زرع نحو أربعين فسيلة نخل في مزرعته الواسعة، إن الاهتمام عاد إلى زراعة النخيل بسبب القروض التي بدأت تُمنح للمزارعين، فضلًا عن توفر فسائل النخل بجودة عالية، إضافة إلى حاجة المزارع إلى النخيل كغطاء نباتي وظل لمزرعته، حيث تزرع تحت ظلال اشجار النخيل الكثير من المحاصيل الزراعية.
مبادرات فردية
يشير المهندس الزراعي فوزي تركي إلى أن انتشار الأدوية والمستلزمات الزراعية من آلات ومكائن، اضافة إلى اقبال السوق والتجار على زراعة التمور، شجع الكثير من الفلاحين على التركيز على زراعة النخيل من جديد.
وبحسب تركي، فإن الرعاية التي تحظى بها النخلة جعلها تنتج حوالي 150 كيلوغراماً من التمر للنخلة الواحدة، بينما لم يتعد إنتاجها في السنوات السابقة ستين كيلوغراماً.
ويخمن تركي أن العراق ينتج في الوقت الحاضر نحو 400 صنفاً من التمور، بينها تجارية يرغبها المستهلك خارج العراق وتمتاز بالمحافظة على جودتها لفترة طويلة.
الجانب الايجابي في ما يخص زراعة النخيل وتسويق التمور يؤكده التاجر سيد علي الشريفي، قائلاً إن الاسواق في إيران وتركيا والاردن ومصر تطلب حاجتها من التمر العراقي المعروف بمذاقه ونوعيته الجيدة وقدرته على الصمود بوجه آثار الزمن والظروف الجوية.
وتعاقد الشريفي مع تجار اتراك وإيرانيين على تصدير عشرات الاطنان إليهم، صنفت على فئتين، الاولى بسعر 500 الف دينار للطن والفئة الاخرى الاقل جودة بسعر 400 الف دينار عراقي.
كما اصبح السوق المحلي مركزاً استهلاكياً كبيراً للتمور، حيث اضمحل استيراد التمر الأجنبي منذ نحو سنتين بسبب إزدهار الانتاج وزيادة اعداد معامل تعبئة وتعليب التمر وفق طرق عصرية. ويؤكد المواطن احمد العيتاوي انه ازدهار المبادرات الفردية في زراعة النخيل في البيوت والمزارع الصغيرة كان له الأثر الكبير، "فمن النادر اليوم في العراق أن تجد عراقياً لم يزرع شجرة نخيل في حديقة بيته".
إقبال على المحلي
تشير الناشطة في قضايا التراث والفولكلور العراقي سمية حميد إلى أن عودة التمر العراقي إلى السوق والمائدة العراقية من جديد يمثل انعطافة كبيرة نحو الامام تعزز الشعور بالثقة بالنفس، لاسيما أن السوق العراقي يحفل اليوم بأجود انواع التمور العراقية، "كما أن المواطن بدأ يسأل اليوم البائع قبل أن يشتري بضاعته من التمر في ما اذا كانت مستوردة او محلية، نظراً لحرصه على تناول التمر المحلي".
وابرز الظواهر على ازدياد الرغبة في زراعة النخيل هو الانتشار الواسع للمشاتل التي تبيع الفسائل، حيث تُفضل الفسائل العراقية على الاجنبية. ويقول عماد رسن، صاحب مشتل في منطقة القناة في بغداد، حيث تزدهر الكثير من المشاتل، إن البغداديين في المناطق المختلفة، لاسيما أولئك الذين يمتلكون حدائق في منازلهم، يزرعون نحو ثلاث إلى أربع من الفسائل في حديقة البيت على امل أن تنمو لتصبح شجرة كبيرة.
كان في العراق خلال الخمسينيات والستينيات الماضية نحو ثلاثين مليون نخلة، انخفض عددها إلى نحو سبعة ملايين في نهاية التسعينيات بسبب الحروب.
وتقول الأستاذة الجامعية سمية حسن: "قصدت المشتل أنوي زرع ثلاث فسائل في البيت، فهذه الشجرة مباركة وزراعتها تتعدى قضية الحصول على التمر والجمالية".
في بابل، يشير احمد حمزة، صاحب معمل تصنيع مواد غذائية، إلى تزايد الطلب على التمر العراقي المعبأ. يقول: "في السابق كان التمر المستورد هو الطاغي، أما اليوم فجودة التمر العراقي الطازج إكتسح الاسواق، وتاجر التمور صار يتفنن في حفظ وتعبئة التمور بحكم التجربة".
843 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع