أ. ف. ب.:حاملًا شعار السلام للشرق الأوسط، وصل البابا بنديكتوس السادس عشر ظهر الجمعة إلى لبنان، في زيارة تستمر ثلاثة أيام وتنطوي على حساسيات كبرى في هذا البلد الذي تخيم عليه الأزمة السورية.
بيروت: دعا البابا بنديكتوس السادس عشر في الإرشاد الرسولي الذي وقعه مساء الجمعة في بازيليك القديس بولس في حريصا في لبنان، المسيحيين والمسلمين واليهود الى "استئصال الاصولية الدينية" التي تشكل تهديدا "قاتلا"، في وقت يشهد الشرق الاوسط اضطرابات إثر الاحتجاجات على فيلم مسيء للاسلام.
وكتب البابا "أوجه دعوة ملحة الى كل المسؤولين الدينيين اليهود والمسيحيين والمسلمين في المنطقة لكي يسعوا (...) الى بذل كل الجهود لاستئصال هذا التهديد الذي يطال من دون تفرقة وبشكل قاتل المؤمنين من كل الأديان".
ويتضمن الارشاد الرسولي توصيات السينودس حول الشرق الاوسط الذي عقد في تشرين الاول/اكتوبر 2010 في الفاتيكان. وقد وقعه البابا مساء الجمعة في حريصا قرب بيروت.
واعتبر البابا ان هذه الاصولية "تصيب بالألم كل المجموعات الدينية وتنكر العيش المشترك العلماني" الذي طبع بايجابية دولا مثل لبنان.
وجاء في الارشاد أن "التقلبات الاقتصادية-السياسية وقدرة التلاعب لدى البعض والفهم المنقوص للدين، بين اسباب اخرى، تشكل مهدا للأصولية الدينية".
واعلن البابا عند وصوله الى بيروت الجمعة حيث يبدأ زيارة تستغرق ثلاثة ايام أن "التوازن اللبناني الشهير" يمكن أن يشكل نموذجا لكل الشرق الاوسط وللعالم بأسره.
وقال البابا في كلمته خلال الاستقبال الرسمي الذي نظم له في مطار رفيق الحريري الدولي ان "التوازن اللبناني الشهير والراغب دائما ان يكون حقيقة واقعية سيتمكن من الاستمرار فقط بفضل الارادة الحسنة والتزام اللبنانيين جميعا، آنذاك وحسب سيكون نموذجا لكل سكان المنطقة والعالم بأسره".
واضاف البابا ان "التعايش السعيد اللبناني كليا يجب ان يظهر للشرق الاوسط بأكمله ولبعض العالم انه من المستطاع ايجاد داخل امة ما، التعاون بين مختلف الكنائس ... وفي الوقت ذاته التعايش المشترك والحوار القائم على الاحترام بين المسيحيين واخوانهم من الاديان الاخرى".
وتابع "هذا التوازن الذي يقدم في كل مكان كمثال هو في منتهى الحساسية وهو مهدد احيانا بالتحطم عندما يشد كوتر القوس او عندما يخضع لضغوط، غالبا ما تكون فئوية او حتى مادية معاكسة وغريبة عن الانسجام والعذوبة اللبنانيين".
وقال البابا "جئت الى لبنان كحاج سلام (...) ومن خلال بلدكم أتيت اليوم وبطريقة رمزية الى جميع بلدان الشرق الاوسط كحاج سلام وكصديق لجميع سكان دول المنطقة مهما كانت انتماءاتهم او معتقداتهم".
وقد استقبل الرئيس اللبناني ميشال سليمان البابا عند نزوله من الطائرة وبعدها بدأت مراسم الاستقبال الرسمي حيث اطلقت المدفعية 21 طلقة، بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالاضافة الى شخصيات رسمية اخرى ودينية.
وفي كلمته الترحيبية بالبابا قال الرئيس اللبناني إن "الكرسي الرسولي ولبنان ارتبطا بعلاقة تاريخية واليوم اذ تستقبلكم العائلة اللبنانية فإنها ترحب بقداستكم وشئتم ان تعلنوا للعالم اجمع مدى أهمية وطننا كنموذج وتؤكدوا مدى اهمية الوجود المشترك من اجل الحفاظ على دعوة لبنان في خضم التحولات العربية الكبرى التي تفرض علينا توحيد الرؤى وتوحيد الصفوف".
واضاف سليمان "شئتم من زيارتكم للبنان ان تعلنوا للعالم مدى اهمية وطننا كنموذج ومثال في تنوعه ووحدته ورغم حجم المخاطر لتؤكدوا مدى اهمية الوجود المسيحي الاسلامي للحفاظ على دعوة لبنان التاريخية في خضم التحولات الكبرى التي تطاول عالمنا العربي والتي تفرض توضيح الرؤى وتوحيد الصفوف لبناء مجتمع قائم على الحرية والعدالة والمساواة".
البابا لحظة وصوله إلى مطار بيروت
ووصل البابا الى مطار رفيق الحريري الدولي ظهر الجمعة ليبدأ زيارة رسمية وراعوية الى بيروت تستمر ثلاثة ايام حيث يتوقع أن يوجه رسالة تدعو الى التعايش بين المسيحيين والمسلمين. وحطت طائرته عند الساعة 13:40 (10:40 تغ) في المطار حيث ينظم له استقبال رسمي قبل ان يتوجه الى حريصا على بعد 29 كلم شمال شرق بيروت حيث يوجد مقر السفارة البابوية. وتوافدت الشخصيات الرسمية والدينية الى مطار رفيق الحريري الدولي الجمعة لاستقبال البابا.
وفي الطريق الى المطار نصبت اعلام الفاتيكان ولبنان والبطريركية المارونية مع صور البابا والرئيس اللبناني ميشال سليمان. كما نصبت صورة عملاقة عليها صورة البابا مع شعار "سلامي اعطيكم" بالعربية والايطالية بالاضافة الى لافتات الترحيب.
وفي مدرج المطار نصبت منصة رسمية زينت بالابيض والاصفر وضع عليها كرسيان للبابا والرئيس اللبناني وفي المقابل جهزت مقاعد الرسميين لاستيعاب حوالى 200 شخصية من رسميين وممثلي الطوائف.
وفي اجواء فرح كان الشبيبة ممثلو الحركات الرسولية يرددون هتافات مرحبة بالبابا حاملين الاعلام مع النشيد الوطني ونشيد الفاتيكان. ورفعت لافتة كتب عليها "لبنان اكثر من وطن، انه رسالة" مستعيدة كلمات البابا الراحل يوحنا بولس الثاني خلال زيارته الى لبنان في 1997. ويرافق البابا وفد كبير من الكرادلة.
وتعتبر زيارة البابا زيارة دولة تأتي تلبية للدعوة الرسمية التي وجهها اليه الرئيس اللبناني ميشال سليمان وزيارة راعوية تلبية لدعوتي مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك ومجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان على أثر انعقاد السينودوس حول الشرق الأوسط في تشرين الاول/اكتوبر 2010.
واستكمل لبنان التحضيرات لاستقبال البابا في زيارته "التاريخية" الى لبنان التي تنطوي على تسع محطات أساسية: ثلاث منها خاصة بزيارة الدولة، وأربع خاصة بالزيارة الراعوية واثنتان مشتركتان. وقد وضعت السلطات اللبنانية كل اجهزتها الامنية في حالة استنفار تمهيدا لزيارة البابا التي تأتي في ظل مخاوف من تداعيات الازمة السورية على هذا البلد.
وأكد الرئيس اللبناني ميشال سليمان الخميس خلال تفقده التحضيرات لزيارة البابا الى القصر الجمهوري "مواكبة جميع اللبنانيين لزيارة قداسة البابا وأن كل لبناني هو بمثابة خفير لعدم حصول أي خلل أمني". ولم يشأ البابا إلغاء هذه الزيارة التي قد تكون الأصعب خلال فترة ترؤسه الكنيسة الكاثوليكية، بسبب المأساة التي يعيشها العديد من المسيحيين في الشرق، مهد المسيحية، بسبب خصوصا تصاعد موجة الاسلام المتطرف.
وتنظم للبابا استقبالات حاشدة في مختلف محطات زيارته التي تلاقي ترحيبا كبيرا. وعنونت صحيفة "النهار" اللبنانية الجمعة "14 ايلول، البابا عندنا" فيما كتبت صحيفة "السفير" في افتتاحيتها "اهلا وسهلا بالبابا المستنير الذي توجه الى المنطقة بتحية "سلامي اعطيكم" وعنونت "لبنان يرحب بالبابا بالقلق على سوريا ومنها".
من جهتها عنونت صحيفة "الانوار"، "ترحيب مسيحي-اسلامي بزيارة البابا" فيما عنونت البلد "بركة السلام في لبنان". وفي عنوان صحيفة المستقبل "كل لبنان يستقبل البابا اليوم" وفي "الجمهورية" "لبنان ينتظر زيارة السلام".
في جونيه، المنطقة المسيحية الواقعة على بعد عشرين كيلومترا شمال بيروت، ويقول ايلي مخيبر (23 عاما) الذي تطوع للمساعدة في التحضيرات ان زيارة "البابا تشعرني بأننا لا نزال مهمين في هذا الشرق. انا سعيد لانني أشارك في حدث تاريخي" مضيفا "هذه الزيارة تحيي فينا الامل".
من جانبها تقول ليليان خليفة (50 عاما) "اكثر ما يسعدني في الزيارة أنها أسكتت السياسيين على شاشات التلفزة المشغولة بالحديث عن الزيارة، وانصرف السياسيون والمواطنون اجمعون للتحضير للزيارة والترحيب بالحبر الاقدس، انها نعمة وزيارة عظيمة".
وعلى طريق المطار رفعت يافطات صفراء كتب عليها "اهلا بكم في وطن المقاومة" مع توقيع حزب الله. ويقول محمد (40 عاما) الذي يعمل في محل على طريق المطار ان البابا "رجل دين ويأتي برسالة سلام ومفروض انه يأتي لحمل المحبة ورسالة تعايش" مضيفا "ما لا يعرفه الغرب عن الاسلام، انه يوجد تقارب بين المسيحية والاسلام في الشرق".
وتأتي الزيارة في وقت تشهد سوريا المجاورة نزاعا داميا قتل فيه اكثر من 27 الف شخص بحسب ارقام المرصد السوري لحقوق الانسان منذ انطلاق حركة احتجاجية فيها منتصف اذار/مارس 2011 تعرضت للقمع على ايدي السلطات. واعلن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الخميس ان البابا سيدعو خلال زيارته الى لبنان الى وقف دوامة العنف في سوريا والى وقف الدعم "بالمال والسلاح" لاي طرف.
وينظم للبابا لدى وصوله بعد ظهر اليوم حفل استقبال في مطار رفيق الحريري الدولي يتوجه بعده الحبر الاعظم الى حريصا (29 كلم شمال شرق بيروت) حيث مقر السفارة البابوية. وسيوقع في بازيليك القديس بولس الملاصقة للسفارة الارشاد الرسولي للسينودوس الخاص لمجمع الاساقفة من اجل الشرق الاوسط، وهو بعنوان "الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الاوسط: شركة وشهادة".
و"الارشاد الرسولي" يأتي بعد 15 عاما على اطلاق البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الارشاد الخاص بلبنان خلال زيارته لهذا البلد في العام 1997. ويلتقي البابا السبت الرئيس اللبناني ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ثم رؤساء الطوائف الاسلامية، واعضاء الحكومة ومؤسسات الدولة والهيئات الدبلوماسية ومنظمات شبابية.
وسيكون على لقاء مع شبيبة لبنان بعد ظهر السبت في باحة مقر البطريركية المارونية في بكركي القريبة من حريصا. ويتخلل هذا اللقاء اناشيد وتراتيل وهو تحت عنوان "سلامي اعطيكم"، وهو الشعار الذي اختاره البابا لزيارته.
ويتوج البابا زيارته بقداس يترأسه عند الواجهة البحرية لبيروت حيث جهز المكان ليتسع لاكثر من مئة الف شخص. وكان البابا وجه الاربعاء من الفاتيكان نداء من اجل "السلام المرغوب جدا" في الشرق الاوسط في نطاق "احترام الاختلافات المشروعة".
واكد البابا الاحد ان زيارته "الرسولية الى لبنان وعبره الى الشرق الاوسط باكمله توضع تحت علامة السلام". وسيلقي البابا سبعة خطابات على الاقل خلال هذه الرحلة ال24 الى الخارج منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية عام 2005.
963 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع