كيف استخدمت الأنظمة الغربية "الأكراد" كورقة ضغط؟

               

أحمد علي حسن - الخليج أونلاين:عندما يجلس اللاعبون الكبار على طاولة اللعبة السياسية، فإن البحث يكون عن أوراق الربح التي تحقق مصالحهم، بصرف النظر عن حسابات أخرى تتعلق بالعرق والانتماء وغيرهما.

الدول الغربية الكبرى، وعلى مدار عقود من الزمن، حاولت ونجحت في استخدام "الأكراد" كورقة ضغط سياسية لتحقيق أهدافها المتمثلة في "ضرب طوق من علاقات الصداقة مع الدول والمجموعات المحيطة مباشرة بالخصوم العرب".

وساعدت بريطانيا أكراد تركيا ضد حكومتهم في العشرينيات، وقدَّمت أمريكا وإسرائيل الدعم للأكراد ضد نظام البعث العراقي في السبعينيات، كما ساعدهم الإيرانيون للهدف نفسه.

- الاستخدام البريطاني

بعد الاحتلال البريطاني لتركيا في بدايات القرن العشرين، ظهرت المشكلة الكردية والنزعة القومية والرغبة في الانفصال، نتيجة اللعبة الإنجليزية بإشعال فتيل التعصب العرقي، كما كانت تفعل مع شعوب كل الأراضي التي استعمرتها على مدار تاريخها.

والحقيقة أنه قبل ذلك التاريخ، لم يكن هناك مشكلة كردية حتى نهاية الحكم العثماني، ولم يشهد التاريخ أي نزاع بين الكرد والخلافة؛ بل كان الأكراد جزءاً أصيلاً من دولة العثمانيين، وكانوا جنودها الذين يدافعون عنها، كما ظهر منهم زعماء قادوا حركة الأمة وصراعاتها على مدار تاريخها في مواجهة المستعمرين.

لكن الوضع أخذ منحىً آخر، بعد أن نجح الاستعمار في صناعة نخبة جديدة علمانية متشبعة بالتعصب القومي، وبعد أن لعب دوره في إزاحة علماء الدين عن القيادة، حتى أصبحت الأحزاب العلمانية واليسارية والشيوعية هي من يقود حركة المطالبة بالانفصال في المناطق الكردية.

واستمر دعم القوى الدولية لقيادة اليساريين والعلمانيين لعزل الدين كمكوِّن رئيس في الشخصية الكردية وكمحرك لقضيتهم التي تحولت إلى التقسيم بدلاً من السعي لإعادة توحيد الأمة، مثلها مثل بقية النخب التي تحكمت في حركة الدول الأخرى التي قسمت الأمة، وصارت تدافع عن مصالح بقائها لا مصالح الشعوب.

اقرأ أيضاً:

أكراد العراق يستعينون بجماعات الضغط للتأثير على واشنطن

- الاستخدام الإسرائيلي

علاقة الأكراد بالإسرائيليين بدأت منذ عام 1943؛ أي قبل قيام دولة الاحتلال على أرض فلسطين، وهذه العلاقة ترجمها دعم إسرائيل ومساعدتهم الأكراد فى معاركهم مع الأنظمة العراقية منذ أيام الملكية وما بعدها، وقد أمدتهم أكثر من مرة بالسلاح والأغذية والمعونات الصحية، والأموال.

ومنذ الستينيات، وإسرائيل تقدم مساعدات أمنية متقطعة وتدريبات عسكرية للأكراد، خاصة في القتال ضد نظام الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، كما يتحالف الأكراد مع تل أبيب العدو الأكثر شراسة لسوريا، والتي تقترب من مشروعها المخطط له منذ زمن مع خطة إعداد دولة كردستان.

وفي كتاب لليهودي شلومو نكديمون قال إن الملا مصطفى بارزاني، الزعيم الكردي السابق، رأى ضرورة الاتصال بإسرائيل، بشكل مباشر، منذ عام 1963؛ لتساعده في تحقيق حلم الأكراد وبناء حكم ذاتي بعد أن فشل مع الحكومات العراقية، ولتحقيق ذلك استعان بالإسرائيليين.

وخطة تل أبيب الكبرى المعروفة بـ"عوديد ينون"، تنص على الاستخدام الحتمي للأكراد في تقسيم الدول المجاورة؛ لمساعدة إسرائيل على الهيمنة الإقليمية. ومن المثير للاهتمام، أن الأكراد يصنِّفون التحالف على أنه خطوة لتحقيق هدفهم النهائي المتمثل في إنشاء كردستان المستقلة.

الحرص الإسرائيلي على الوجود في كردستان، ينطلق من استراتيجية إسرائيلية قديمة وضعتها رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير، وتتمثل في ضرورة "ضرب طوق من علاقات الصداقة مع الدول والمجموعات المحيطة مباشرةً بالأعداء العرب".

وكل مجموعة سياسية كردية كبرى لها علاقات طويلة الأمد مع إسرائيل؛ إذ إن ذلك مرتبط بالعنف العِرقي ضد العرب والتركمان والآشوريين؛ ومن ثم لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن تزوِّد أربيل تنظيم الدولة بالأسلحة؛ لإضعاف الحكومة العراقية في بغداد، وحين يصبح واضحاً أن أربيل مجرد جبهة لتل أبيب في العراق، يصبح المخطط واضحاً.

وتشير كل الدلائل إلى استمرار التعاون بين الطرفين إلى اليوم؛ إذ إن إسرائيل تشتري النفط الكردستاني بأسعار منخفضة، وهذا لا يشير فقط إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، لكنها (إسرائيل) تعد مصدراً لشريان الحياة في أربيل التي تعاني نقصاً في الميزانية، ما يشير إلى رهان استراتيجي على الأكراد في المنطقة المضطربة.

- الاستخدام الإيراني

كانت إيران تقدم الدعم المالي والعسكري للحركة الكردية عندما كان العراق، بعد ثورة 1958، يطالب بعروبة الخليج ويرفض كل المعاهدات مع الكتلة الغربية. ولما طالبت إيران بإعادة النظر في معاهدة 1937 حول شط العرب، كانت تمارس من كردستان الضغط العسكري على العراق؛ لحمله على قبول مطالبها. فردّ العراق بالاستجابة لمطالب الأكراد بالحكم الذاتي.

وبحلول عام 1983، بدأت إيران باستخدام الورقة الكردية ضد قوات النظام العراقي؛ فعملت على توفير الدعم لكلٍ من الحزب الديمقراطي الكردي "KDP" في العراق بقيادة مسعود بارزاني، وكذلك دعم حزب جلال طالباني المعروف باسم "الاتحاد الوطني الكردستاني" (PUK) في مواجهة صدام حسين.

هذا الأمر دفع صدام حسين إلى البدء في مفاوضات سرية مع الأكراد بوعود الحصول على مزيدٍ من الاستقلال في الشؤون الداخلية للإقليم الكردي العراقي، وكانت بغداد قلقة من إمكانية حدوث هجمات كردية ضد خط أنابيب نفط كركوك–إسكندرونة (في تركيا).

فبعد مهاجمة العراق مواقع نفطية إيرانية، توقَّعت بغداد مهاجمة إيران مواقع نفطية عراقية، لكن إيران لم تفعل هذا، ومع ذلك ظل النظام العراقي قلقاً بشأن احتمالية قيام تحالف كردي-إيراني لضرب مصالح اقتصادية في العراق.

وكما كانت إيران الشاه تساعد الأكراد ضد صدام حسين، فإن إيران خامنئي ساعدت الأكراد ضد رجب طيب أردوغان. وفي الحالتين كان للمساعدة الإيرانية حدود، وهي عدم تمكينها من الاستقواء لدرجة الارتداد إلى الداخل الإيراني، حيث توجد ملايين عدة من الكرد تطالب بالحكم الذاتي.

ويبدو واضحاً أن الدعم الإيراني للأكراد اليوم لا يعبر عن تعاطف مع قضيتهم القومية، ولكنه يشكل ورقة للمساومة مع أنقرة. وتجري المساومة على قاعدة وقف دعم تركيا للمعارضة السورية، مقابل وقف دعم إيران للمعارضة الكردية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1023 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع