تركيا تحرك قواتها بشمال العراق تفاديا لإدانة من مجلس الأمن

                   

الضجيج المثار حول قضية القوة القتالية التركية بشمال العراق، بقدر ما عكست ما يميز السياسة التركية في عهد أردوغان من «اندفاعية وتنطّع»، أكّدت بالقدر ذاته غرق العراق تحت حكم الأحزاب الشيعية في سياسة المحاور وتمترس قيادته إلى جانب طرف بعينه في صراعه من أجل الهيمنة على البلد.

صحيفة العرب/بغداد - أعلنت تركيا أمس “إعادة تموضع قواتها” في العراق، فيما قالت مصادر محلية من محيط مدينة الموصل العراقية إنّ الأمر يتعلّق بسحب القوات القتالية التي أثارت ضجّة في العراق رأى كثيرون أنّ مأتاها الحقيقي الصراعات الإقليمية والدولية على النفوذ في البلد، أكثر مما هي تعبير عن موقف سيادي صارم من الطبقة القائمة على شؤون الحكم في العراق.

وقال مراقبون إن القضية، هي بالأساس قضية كل من إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة، وإن كان العراق مسرحا لها. ما يعني انخراط قادة العراق بشكل واضح في سياسة المحاور الخطرة.

ويرجّح أن تركيا اختارت تجنّب إدانة صريحة من مجلس الأمن الدولي لإرسالها قوة قتالية إلى محافظة نينوى العراقية –وإن كانت محدودة العدد- بعد إيعاز رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لوزراة الخارجية بتقديم شكوى للمجلس ضدّ أنقرة.

ولم يكن حظّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الانتقاد بشأن قضيّة إرسال قوات مقاتلة إلى معسكر بعشيقة في العراق، أقلّ من حظّ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

ورأى منتقدو أردوغان أن قضية معسكر بعشيقة انعكاس لسياسته الاندفاعية المتنطعة، التي جعلت من بلده مصدر توتّر في المنطقة الملتهبة أصلا بالصراعات.

وقال بعض هؤلاء إنّ قرارات أردوغان تمثل تطورا خطرا في السياسة التركية باتجاه التدخّل المباشر في بلدان الجوار العربي لتركيا، حيث لم يخف أردوغان ذاته رغبته في التدخل بالأراضي السورية، لولا أن بعض التوازنات الدولية لم تسمح بذلك.

وفي المقابل يجزم مراقبون بأنّ ما أظهره رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من “حزم” تجاه القوة التركية محدودة العدد، ليس مظهرا لحرصه على سيادة بلده المخترقة بشكل واضح من قبل قوى أخرى، بقدر ما هو تعبير عن اصطفافه في الصراع الإيراني التركي حول بلده.

ويعتمد أصحاب هذا الرأي على المقارنة بين موقف العبادي من الوجود العسكري الفعلي الإيراني المعلن داخل الأراضي العراقية من خلال المئات من الخبراء العسكريين الذين شاركوا بشكل فعلي في قيادة المعارك ضد تنظيم داعش، وهو موقف مرحّب، وموقفه من وجود القوة التركية في محيط مدينة الموصل.

ويجزم معارضون لحكم الأحزاب الشيعية في العراق، وفي مقدّمتها حزب الدعوة الإسلامي الذي يقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وينتمي إليه العبادي، بأنّ الأخير وجد في قضية معسكر بعشيقة فرصة سانحة لإعادة الاصطفاف إلى جانب إيران، بعد أن كاد يتحوّل إلى أحد معارضي نفوذها في العراق، ما جرّ عليه متاعب سياسية وضغوطا من قادة الميليشيات والأحزاب الشيعية وصلت حدّ التهديد بفقده منصبه على رأس الحكومة.


كذلك تكون بغداد من خلال حملتها ضدّ أنقرة قد اصطفت بشكل غير مباشر إلى جانب موسكو التي تشن حملة مشابهة على الحكومة التركية منذ إسقاط طائرة روسية بنيران تركية على الحدود مع سوريا.

ولا تغيب الولايات المتحدة بدورها عن خلفية مشهد الأزمة التركية العراقية الراهنة، حيث أن تركيا تضع تدخّلها بشمال العراق تحت عنوان تدريب قوات لمواجهة تنظيم داعش، وهو مشروع تحمّست له الولايات المتحدة بشكل استثنائي رغبة في موازنة قوات الحشد الشعبي التي كثيرا ما توصف بأنّها ليست سوى قوّة إيرانية على الأراضي العراقية، على اعتبار إيران صاحبة الدور الأكبر في تأسيس الميليشيات المشكّلة لتلك القوة وفي تسليحها وتأطيرها.

وأبدت الولايات المتحدة تحفظا في الموقف من وجود القوّة التركية على الأراضي العراقية. ولا يستبعد أن ما دفع تركيا لسحب جنودها هو عدم يقينها من أن الولايات المتحدة ستوفر لها الغطاء في مجلس الأمن الدولي. وتعمّد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أمس الإبقاء على الغموض بشأن طبيعة عملية تحريك القوة بشمال العراق وإن كان الأمر يتعلق بانسحاب أم بإعادة تموضع داخل أراض تابعة لإقليم كردستان العراق، حيث تتمتع أنقرة بمساندة رئيس الإقليم المنتهية ولايته مسعود البارزاني الذي يخوض صراعا على السلطة ضد خصوم داخليين، ويحرص على كسب مساندة تركيا له.

وسيكون نقل الجنود الأتراك إلى كردستان العراق، رسالة لبغداد لا تقل سلبية، ذلك أن أراضي الإقليم تظل إلى حدّ الآن أرضا عراقية، رغم هامش “الاستقلالية” الكبير في القرار الذي فرضته حكومة البارزاني كأمر واقع، في ظل ضعف الحكومة المركزية وارتخاء قبضة الدولة العراقية على مختلف أراضيها.

وقال أوغلو في مقابلة تلفزيونية “حصلت إعادة تموضع للقوات”، مضيفا “قمنا

بما كان ينبغي القيام به على الصعيد العسكري”. وتابع “نحن مستعدون لكل أشكال التعاون مع الحكومة العراقية”، لافتا إلى أن “جنودنا سيظلون موجودين هناك”.

ومن جهتها ذكرت وكالة أنباء الأناضول نقلا عن مصادر عسكرية أن “قافلة من عشر إلى 12 آلية بينها دبابات” خرجت من بعشيقة في اتجاه الشمال، من غير أن توضح ما إذا كانت هذه القوات ستبقى في العراق أو تعود إلى تركيا.

ونشرت تركيا قبل أسبوعين مئات الجنود والدبابات في بعشيقة قرب الموصل التي يسيطر عليها تنظيم داعش منذ يونيو 2014.

وتقوم كتيبة تركية منذ بضعة أشهر هناك بتدريب قوات الحكومة الإقليمية لكردستان العراق، البيشمركة، ومتطوعين عراقيين ضمن هيكل يطلق عليه اسم الحشد الوطني. وتؤكد أنقرة أنها أرسلت تعزيزات لتأمين حماية مدربيها.

ونقلت وكالة فرانس برس عن سالم الشبكي عضو مجلس النواب العراقي القول إنه “تم فجر الإثنين انسحاب الجيش

التركي من معسكر زلكان باتجاه الحدود التركية” مضيفا أنه “بحسب معلوماتنا لم يبق سوى المدربين لتدريب قوات الحشد الوطني”.

وأكد شهود عيان انسحاب القوات التركية من شمال العراق فجر الاثنين نحو معبر حدودي.

وقال أحد هؤلاء الشهود من بلدة زاخو الحدودية “رأيت آليات تحمل دبابات ومدرعات وعليها أعلام تركية تتجه نحو معبر ابراهيم الخليل الحدودي”. وهو ما أكده شاهد آخر أيضا موضحا “رأيت هذه العربات وأنا متأكد أنها تركية”. وأثار هذا الانتشار التركي توترا حادا مع الحكومة العراقية التي طالبت بانسحاب القوات التركية ورفعت الجمعة رسالة احتجاج إلى مجلس الأمن الدولي.

وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة أن سحب القوات المنتشرة في بعشيقة “غير وارد”، لكنه طرح احتمال إعادة نشر القوات العسكرية التركية في المنطقة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

721 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع