بعد أن كانت القوارب وسائل ترفيه للأغنياء تصبح ملاذا للفقراء
قرارحكومة ديفيد كاميرون بتقليص الإعانات الحكومية للأسر الفقيرة في بريطانيا كجزء من إجراءات التقشف بالإضافة الى ارتفاع إيجار الشقق والبيوت، دفعا العديد من البريطانيين إلى اللجوء إلى السكن في القوارب العائمة في نهر التايمز.
العرب/لندن - عمد بعض الأشخاص، بسبب إرتفاع إيجار السكن في العاصمة البريطانية لندن، إلى السكن في القوارب في نهر التايمز واتخاذها منازل دائمة لهم لتجنب تكاليف السكن الباهظة.
إلا أن عددا من السلطات المحلية والسكان المجاورين للنهر أبدوا اعتراضا حول هذه المساكن العائمة، وهو ما قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات مشددة ضد ساكنيها.
وتصطف القوارب جنبا إلى جنب، بعضها يشع بألوان جذابة، فيما البعض الآخر ذهب لونه بمرور الزمن، وعلى سطحها يمكن العثور على كل أنواع الأدوات سواء البلاستيكية أو أدوات الحدادة والنجارة، ومن مظهرها يبدو أن القليل منها فقط بمقدوره الإبحار من هذا المكان على ضفاف نهر التايمز بالعاصمة البريطانية لندن.
وبات السكن في هذه القوارب الملونة يلقى رواجا في العاصمة البريطانية، لاسيما أن أسعارها تعد معقولة بالمقارنة مع المساكن في لندن.
وقد أدى تكاثر المساكن العائمة إلى اكتظاظ المسالك النهرية وتسبب في مشاكل مع سكان المنطقة الذين وجدوا أنفسهم محاطين بجيران جدد.
وتواجه هيئة “كانال أند ريفر تراست” (سي آر تي) صعوبات في تعميم قواعد سير السفن، إذ أن أغلبية القوارب السكنية لا تتمتع بأنظمة راسية دائمة، وهي أنظمة تكلف كثيرا من المال مثلما تكلف الشقق السكنية العادية. وليس سكن القوارب سهلا بالنسبة للعائلات التي لديها أطفال في المدارس أو في حاجة لمتطلبات طبية خاصة،. كما أنه من الصعب التخلي عن بعض الخدمات الأساسية مثل المراحيض ومياه الشرب والكهرباء.
وقررت الهيئة في مارس التشديد من صرامة عقوباتها، فهددت بالتوقف عن منح الرخص والمطالبة بإزالة القوارب التي لا يمتثل أصحابها للقواعد. فوقع أكثر من 19 ألف شخص على عريضة لمنع عمليات الإخلاء القسري، متهمين السلطات بمحاولة تشريد الأسر.
وبحسب مقال منشور في جريدة “الغارديان” السنة الماضية، يقطن هذه المنطقة الكنّاسون وعمال مطاعم الدرجة الثانية وأصحاب الوظائف غير الثابتة، موضحة أن السلطات لا تقدم بيانات وافية ومحددة عنهم.
وكان ارتفاع أسعار المنازل سببا رئيسا في ارتفاع الإيجارات، وذلك لصعوبة شراء المنازل في الوقت الحالي نظرا لصعوبة الحصول على رهن عقاري، بالاضافة إلى أسباب أخرى كالبطالة وارتفاع تكاليف الحياة.
وتبلغ قيمة الإيجار الشهري لشقة متوسطة تضم غرفة نوم واحدة بحي ريتشموند جنوب شرق لندن، 1200 يورو (نحو 1600 دولار) تقريبا، ولكن متوسط الراتب الصافي الذي يتقاضاه العامل في لندن لا يزيد عن 2400 دولار، ومن ثم يواجه العاملون بالقطاعات سيئة الدخل مشكلة حقيقية في سداد إيجارات شققهم، فيما يمكنهم بالكاد تحمل تكلفة غرفة مقابل إيجار شهري يتراوح بين 300 و400 يورو شهرياً في وأحد من هذه المنازل العائمة التي تبعد بضعة كيلومترات عن ريتشموند.
السلطات تستعد لتشريد سكان القوارب
وكانت حكومة ديفيد كاميرون قد بدأت في تقليص الإعانات الحكومية للأسر الفقيرة في بريطانيا كجزء من إجراءات التقشف، ووفقاً للقواعد فإن الحكومة لن تقدم دعم إيجار المساكن للأسر التي يزيد دخلها عن 26 ألف جنيه إسترليني سنويا.
“القارب بالكامل يكلفني 12 يورو في الليلة”، هكذا علق أحد سكان هذه المنازل العائمة، وهو شاب في الثلاثين من عمره، فضل عدم ذكر اسمه، موضحا أنه يعيش مع صديقته منذ أكثر من عامين في وأحد من هذه القوارب، إضافة إلى أنهما لا يعملان بشكل ثابت.
على عكس الكثير من قاطني المنازل العائمة، يقيم شاب أشقر ذو شعر مسترسل بناء على رغبته الحرة وليس بدافع الحاجة، حيث يعتبر أن الإقامة في منزل عائم تمثل بالنسبة له تعبيرا عن الحرية، لأن الإقامة هنا لا تضطره لأن يحمل هم أي أوراق أو مستندات من أي نوع، كما أنه لن يتعرض لانتقادات من جانب أي من الجيران بسبب الحفلات الساهرة التي يقيمها مع أصدقائه حتى ساعات الصباح الأولى.
ووفقا لبحث أعدته جمعية لندن “لندن اسومبلي”، يتراوح عدد المنازل العائمة على ضفاف التايمز بين 4 آلاف و5 آلاف منزل، يعيش فيها نحو عشرة آلاف من سكان لندن بشكل دائم طوال العام، إلا أنه لا يعرف بعد كم من بينهم يقيم فيها بناء على رغبته الشخصية وكم منهم دفعتهم الظروف للإقامة فيها تحت وطأة الوضعية الاقتصادية.
وسرعان ما يدرك الوافدون الجدد سر تسمية هذه القوارب بالعائمة التي لا يتخطى عرضها المترين في أحيان كثيرة بـ”السلال المثقوبة” لكونها تصاب بأعطال كثيرة وتتطلب الكثير من أعمال الصيانة، كما أدركوا أنها قد تكون عرضة لعمليات السرقة.
وفي الشتاء تزداد أزمة سكان القوارب لأنه لا توجد بها تدفئة مركزية ومياه الشرب كما أنه ليست لديهم حمامات، وللاستحمام يتعين عليهم الذهاب إلى أقرب صالة ألعاب رياضية.
وكما لا تمتلك السلطات الرسمية بيانات عن هذه التجمعات، لا تملك الجمعيات غير الحكومية التي تساعد متضرري المنازل وأصحاب الأوضاع المعيشية الصعبة معلومات محددة عن هؤلاء الذين يعيشون فوق سطح الماء على أطراف المدينة، علاوة على أن غالبية سكان لندن الآخرين الذين يتنزهون أو يمارسون رياضة الجري في هذه المنطقة يبدو أنهم قد اعتادوا على هذا المشهد في مدينتهم.
991 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع