(الريوگ) العراقي يفقـد وطنيته

                          

العباسية/حسين رشيد:مثل كل صباح يقف أبو سلام أمام ما يُسمى بـ"الثلاجة العارضة" يستعرض أنواع وأسماء منتجات الألبان من الجبن والحليب والقشطة والزبد واللبن، عسى ان يجد ما يبحث عنه ليكون ضمن مائدة "الريوك" الفطور الصباحي، لكنه يضطر في الآخر الى شراء ما معروض من بعضها.

ذات صباح وجد قطعة من منتجات معمل ألبان (أبوغريب)، انقضَّ عليها وكأنه غنم كنزاً ! كما بادر وسأل صاحب المحل لِمَ لا تُكثر من هذه النوعية فهي ممتازة وصناعة عراقية فاخرة، وكانت الضيف الصباحي لكل العوائل العراقية، مستعرضا له انواع الحليب والأجبان التي كانت تنتج في المعامل العراقية وكيف كانت منتجات شركة تازة وغيرها تطوف في كل بيوت العراقيين، لكن أبا سلام لم يجد الجواب الشافي لسؤاله، بالرغم من ذلك ظل ينتظر اليوم الذي تعود اليه منتجات الألبان العراقية الى (الريوك) طاردة الإيرانية والتركية.

استثمار غير مبـرر

سبق وأن كشفت لجنة الزراعة في مجلس محافظة ذي قار عن تقدم شركة )كالة( الإيرانية بعرض لإنشاء معمل للألبان بطريقة الاستثمار، مشيرة الى أن المحافظة تعمل على تخصيص أرض لإنشاء المعمل عليها. وقال رئيس اللجنة: إن شركة (كالة) الإيرانية قدمت عرضاً لإنشاء معمل للألبان عن طريق الاستثمار، مضيفا أن الشركة تعــد واحدة من الشركات المهمة في إنتاج وصناعة الألبان، موضحاً: أن المحافظة خصصت ثلاثة مراكز لتجميع الحليب في سوق الشيوخ والجبايش والفهود جنوبي ذي قار، وهي مناطق يكثر فيها تربية الجاموس، بناءً على طلب الشركة لتحديد كميات الحليب المنتجة، مشيرا الى أن اللجنة الزراعية ومديرية الزراعة تدرس حاليا عروض الشركة والجدوى الاقتصادية في ما يتعلق بتطوير إنتاج وصناعة الألبان والاهتمام بتربية الجاموس واستقطاب البطالة.

أقــل من 10 %

حول هذا الشأن وما يشكله قطاع صناعة الألبان ومنتجات الحليب قال الخبير الاقتصادي د. ميثم لعيبي ان معامل الالبان من القطاعات الحيوية التي تحقق جملة من الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والمالية المهمة للبلد، مضيفا: فهي تسهم في زيادة الإنتاج المحلي وتقلل من الاستيرادات، مما يؤدي الى تخفيض الضغط على النقـد الاجنبي، كما انها تسهم في تأمين الأمن الغذائي، فضلا عن امكانية تحقيقها هدف تخفيض معدلات البطالة.

واضاف لعيبي: إلا ان هذا القطاع في العراق يعتمد على الاستيراد من الخارج بشكل كبير، حيث تغطي الاستيرادات اكثر من 90% من حاجة الطلب المحلي، في حين لا يغطي الانتاج المحلي اقل من 10% المتبقية، موضحا: ان مناشئ الانتاج تترواح من بلدان مختلفة، كالسعودية وإيران وتركيا والكويت والأردن ومصر وغيرها.

الفساد والأيدي العاملة

وعن معوقات الانتاج أوضح لعيبي: أن أهم معوقات نشوء قطاع خاص محلي هو تعارض القوانين، خاصة قانون الاستثمار وبقية القوانين كقوانين البلديات، حيث هناك مشاكل في الحصول على الاراضي، ومشاكل في ايصال الماء والكهرباء، وانظمة الصرف، لافتا: فضلا عن الفساد الحكومي الذي يعوق انشاء اي مشروع من هذا النوع، اضافة الى نقص الخبرات وصعوبات اجراء الشراكات، ومنح الفيزا الى الأجانب ومخاطر دخولهم.

واضاف الخبير الاقتصادي : فضلا عن ارتفاع تكاليف الانتاج الحالية خاصة الايدي العاملة والوقود إضافة إلى الإجراءات التجارية غير المساندة في ما يتعلق بعدم توفير حماية للمنتج المحلي، مستطردا: كذلك سياسات سعر صرف الدينار المغالى بها والتي أدت الى عدم تشجيع الانتاج المحلي والصادرات، وادت الى انخفاض اسعار السلع المستوردة بشكل كبير.

البنك الدولي وحليب دانون

الى ذلك أعلنت مؤسسة التمويل الدولية، عضو مجموعة البنك الدولي، عن استثمارها ما يقرب من 18 مليون دولار للمساعدة على تعزيز صناعة منتجات الألبان عالية الجودة، الأمر الذي سيؤدي إلى دعم الأمن الغذائي في العراق وتشجيع نمو القطاعات غير النفطية. وقالت المؤسسة في تصريح صحفي إن هذا التمويل سيساعد الشركة على تلبية الطلب المتزايد على الغذاء وتحسين معايير توزيعه، إضافةً إلى توفير أكثر من 250 فرصة عمل خلال العامين المقبلين، مبينة أن مصنع الشركة الجديد سينتج قرابة 59 ألف طن سنويا من منتجات الألبان المختلفة لـتلبية احـتياجات الـسوق الـعراقية. وأكد جورج أبو نجم، المدير العام لشركة الصافي دانون - فرع العراق- دانون في دول مجلس التعاون الخليجي والعراق والمشرق العربي الجهة المستفيدة من المشروع أن هذا الاستثمار في المصنع الجديد للشركة في كردستان العراق هو دليل على التزام المجموعة إزاء العراق بوصفه أحد أهم الأسواق في المنطقة.

قرية الذهب الأبيض

مدير التسويق في معمل الالبان ابو غريب مغيرة ياسين أشار الى معاناة الشركة في قضية توزيع المنتجات. فالشركة كما قال بحاجة الى سيارات توزيع، والموجود لديهم خمس سيارات فقط، وبسعة طن واحد، لذا لا نستطيع ان نوزع سوى جانب الكرخ من بغداد، مبينا: نغطي حاجة السوق المحلية بنسبة 10% بينما كنا في السابق نغطيها بنسبة 60% لوجود عدد من سيارات التوزيع، ونحاول الوصول الى الرصافة، لكن نعاني من غلق الجسور ولا يسمح لنا الا العبور على جسر المثنى فقط، لكن برغم كل ذلك فنحن نبيع كل يوم 10 أطنان من منتجاتنا، بينما كنا في السابق نبيع 70 طنا حليبا فقط، وأسعارنا لا تزال تنافسية.

كاظم شريد مربي جاموس وأبقار من أهالي منطقة الفضيلة تحدث عن قريته التي كانت تُعرف بقرية الذهب الأبيض قرب معمل ألبان (أبو غريب) وما كانت تقدمه من كميات كبيرة من الحليب الخام. مبينا: ان هناك كميات كبيرة من الحليب تنتج يوميا لكن للأسف الكثير لا يستفيد منها بشكل صحيح. مطالبا: بضرورة توفير الاعلاف واللقاحات من اجل المحافظة على الثروة الحيوانية المهددة بالانقراض، كما طالب بضرورة توفير منافذ اخرى لشراء الحليب من المربين.

وقال مدير عام الشركة العامة لمنتوجات الالبان التابعة للوزارة جواد كاظم زوري في بيان صحفي اطلعت: ان الالبان المستوردة تحمل مواد كيمياوية تحفظ شكلها العام لغرض قبول تداولها في الاسواق بعيداً عن التداعيات السلبية المحفوفة بالمخاطر التي تؤثر على صحة وسلامة المستهلك اثناء تناولها، مبينا ان منتجات الالبان تتأثر بعمليات الخزن والنقل معاً، وهذا يحتاج الى كلف مادية لا تتواءم وأسعارها الزهيدة التي تصل المستهلك لاسيما مادة الجبن الطري والقشطة التي لا تتحمل كثيرا من الوقت المقرر خشية نفاد صلاحياتها للاستهلاك البشري.

التغذية المدرسية والحليب المعقم

وأضاف زوري ان جميع منتجات الشركة من مادة الالبان خاضعة للضوابط المعتمدة لدى الجهاز المركزي العراقي الذي اعطى لكل منتوج خصوصية من حيث نفاد صلاحيته ومنها الجبن الطري والقشطة خلال سبعة ايام التي تنتج بتأثير الحرارة الفائقة بـ(140) درجة مئوية، مشدداً على ضرورة تفعيل قانون حماية المنتج الوطني بفرض الضرائب على المنتجات والسلع الوافدة المختلفة لاسيما الالبان منها التي تفتقر لأبسط معايير السيطرة النوعية.

مَن يحمي المستهلك؟

مركز الإعلام الاقتصادي دعا هيئة المبادرة الزراعية الى دعم مشاريع التربية المكثفة للماشية مع استيراد قطعان عالية الانتاجية لإحياء صناعة الألبان من جديد في العراق. واوضح رئيس المركز ضرغام محمد علي في تصريح صحفي ان العراق يستورد مشتقات الالبان من دول الجوار بملايين الدولارات التي اذا ما توجهت للسوق العراقية ستحيي صناعة الالبان المحلية، داعيا الى دعم انشاء محطات التربية المكثفة للابقار العالية الانتاجية للحليب واللحوم وبالاعتماد على اعلاف مزروعة محليا مما يشجع انشاء مصانع للالبان عالية الجودة توفر منتجات طازجة تحل بديلا عن الاستيراد او منافسا قويا له وتوفر ملايين الدولارات للبلد.

فارزة

تدخل العراق كميات كبيرة من المواد الغذائية المعلبة والمشروبات الغازية واللحوم والزيوت النباتية والأجبان، إضافة الى المواد المنزلية والأجهزة الكهربائية، من دول عربية وأجنبية كسوريا ومصر وإيران والصين، عبر منافذ العراق الحدودية، ولا تخضع هذه المواد في معظم الأحيان الى فحص يؤكد صلاحيتها للاستخدام البشري، ناهيك عن الخطر الذي تشكلها على الصناعة الوطنية بسبب عدم تطبيق التعرفة الكمركية الجديدة لحماية الصناعة والزراعة الوطنية اذ اصبح البلد يستورد كل شيء حتى الماء مما تسبب في قتل الصناعة والزراعة الوطنية وزيادة عدد العاطلين عن العمل بالتعرفة الكمركية يمكنه ان يوفر بعض الحماية للمنتوج الوطني والمستهلك من البضائع التي تستنزف قدراته المالية.

المنافذ الحدودية تشكو من تدخلات سياسية وحزبية تسمح بمرور شتى انواع البضائع التي يعود البعض منها لشخصيات نافذة في الحكومة او البرلمان الامر الذي يستدعى تشديد الرقابة على هذه المنافذ مع اهمية وجود مختبرات التقييس والسيطرة النوعية المتطورة، الامر الذي جعل تنافس الصناعة الوطنية مع ما يدخل من بضائع عبر هذه المنافذ مستحيلاً وبالتالي أدى الى توقف المئات من المصانع والمعامل الأهلية والحكومية حيث تسبب ذلك بهدر مليارات الدولارت على بضائع لا يمكن وصف الكثير منها الا بالغير صالحة.

وتشكل البيئة العراقية حافزا منتجا للزراعة والصناعة المرتبطة بها، وبشكل خاص صناعة الالبان، فالريف العراقي او المناطق الزراعية غنية جدا بالثروة الحيوانية، اذ بالامكان انشاء معامل الالبان بالقرب من المناطق الزراعية، خاصة في جنوب العراق في ظل وجود الاهوار والانهار المتفرعة من دجلة والفرات. كذلك اعادة الروح الى المعامل الاخرى او اضافة خطوط انتاجية جديدة الى ما يعمل حالياً. في هذه النقطة سيظهر لك مسؤول ويقول نعرض الأمر على الاستثمار الذي بات الحل الأمثل كما يراه البعض من مسؤولي الدولة العراقية من دون ان يفكر بحلول اخرى، كأن تكون تحويل المعمل الى شركة مساهمة او قطاع مختلط، او انشاء خطوط انتاجية او معامل جديدة عن طريق الدفع بالآجل، واعتقد انه لو تم الامر لن يستغرق دفع المبلغ اكثر من عام، اذا ما علمنا ان عدد نفوس العراقيين الآن حسب تقديرات وزارة التخطيط يبلغ (35) مليون نسمة، ولو فرضنا ان معدل العائلة العراقية خمسة افراد، بالتالي لدينا قرابة (7) ملايين عائلة، لو فرضنا ان كل عائلة تستهلك يوميا ما قيمته (3) دولارات على منتجات الالبان يوميا قرابة (21) مليون دولار في الشهر الواحد (630) مليون دولار في السنة (7) مليارات و(560) مليون دولار تكفي لإنشاء عشرات المعامل الخاصة بإنتاج الألبان وعشرات الحقول والمزارع الخاصة بتربية الابقار والجاموس ولكن لساسة الصدفة ومن معهم رأياً آخر بالأمر !!

الحكومة سبق وان اعلنت عن طرح المبادرة الزراعية والصناعية والاسكانية من خلال طرح خمسة ترليونات دينار عراقي لتنشيط هذه القطاعات من اجل رفد الاقتصاد الوطني، لكن اين يمكن ان نضع الثروة الحيوانية ومصانع الالبان ومنتجات الحليب، لماذا لا يتم تخصيص مبلغ من هذه المبادرة خاصة بهذا الشأن يمكن من خلالها إنشاء معامل او تحديث خطوط انتاجية في المعامل العاملة الآن؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

707 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع