بضائع مُحرم "فرصة ذهبية" للتجار... والصينية تطرد المحلية لرخص ثمنها
المدى برس/ بغداد:تكتسي غالبية المدن العراقية بالسواد، خلال شهر محرم وذكرى عاشوراء، وبرغم مشاعر الحزن والأسى التي تطغى على مشاعر العراقيين، إلا أن ذلك يشكل "فرصة ذهبية" للتجار والمستوردين لترويج البضاعة الخاصة بالذكرى، التي تطغى عليها المنتجات الصينية، وسط تراجع الإنتاج المحلي وعدم قدرته على منافستها.
فقد اعتاد حاتم رسن (أبو كريم) (58 عاما)، الذي يسكن منطقة الكاظمية ذات الغالبية الشيعية،، شمالي العاصمة بغداد، أن يستعد لمحرم الحرام قبل نحو ثلاثة أشهر، في موروث أخذه من أبيه وأجداده، يتضمن تهيئة المواد اللازمة من حديد وفخار وخشب وسلاسل، لتهيئة المستلزمات الخاصة به، كأواني الطبخ مختلفة الأحجام، والأطباق والسلاسل أو ما تعرف شعبياً بـ"الزناجيل" فضلاً عن السيوف، ليتم من خلالها ممارسة شعيرة عاشوراء "المقدسة".
ويقول أبو كريم، في حديث إلى (المدى برس)، إن "منطقة الكاظمية تعرف قديماً وحديثاً بتوفيرها مستلزمات عاشوراء بالنسبة للعاصمة بغداد، لوجود مختصين بصنع تلك المتطلبات توارثوا مهنتهم أباً عن جد، ويعملون طيلة أيام السنة لتوفيرها"، مبيناً أن "زخم الطلب جعل هنالك مناطق أخرى تصنع تلك المستلزمات وتتاجر بها، كمدينة الصدر والحرية والفضل والشورجة".
ويضيف رسن، أن ذلك "لم يؤثر كثيراً في طبيعة العرض والطلب لغاية سنة 2003"، مستدركاً بالقول "لكن بعد سقوط النظام السابق، وترك الحدود العراقية من دون رقيب، مع غياب الرقابة، ظهرت منافذ جديدة تتاجر بمستلزمات عاشوراء، وأكثرها صينية، من رايات وملابس السواد المطبوعة، والأواني والملصقات والصور، وغيرها".
ويتابع رسن أن "الصينيين نجحوا في إغراق السوق المحلي بمنتجات عاشوراء، برغم عدم درايتهم بمضمونها، نتيجة رخص ثمنها مقارنة بمثيلتها ما أثر سلباً في البضاعة العراقية المماثلة نتيجة المنافسة غير المتوازنة، ما اضطر منتجوها إلى تسريح العديد من العمال وتقليل إنتاجهم، لضعف الإقبال عليها".
تجار: مستلزمات عاشوراء مربحة وانتشار الصينية نتيجة مغالاة المنتجين العراقيين بالأسعار
ويؤكد تجار ومستوردون أن مستلزمات عاشوراء "موسمية" لكنها مربحة لزيادة الطلب عليها نتيجة كثرة المناسبات الدينية في العراق، ويعزون توجههم نحو الصين إلى مغالاة المنتجين العراقيين بالأسعار.
ويقول مرتضى وحيد، صاحب بسطة لبيع الملابس والسلاسل الخاصة بعاشوراء، في حديث إلى (المدى برس)، إن "مهنة بيع مستلزمات عاشوراء موسمية ولا تستمر سوى شهرين، منذ الأول من محرم وحتى العشرين من صفر"، مشدداً أنها "مضمونة الربح، حيث أبيع خلالها بضائع بثلاثة ملايين دينار، من دون خشية الخسارة، حتى إن لم يتم تصريف كامل البضاعة لأن باستطاعتي تصريفها لكثرة المناسبات الدينية في العراق وشدة الإقبال عليها".
بدوره يقول المستورد عقيل محسن الدراجي، في حديث إلى (المدى برس)، إن "موسم محرم ينطوي على أهمية خاصة للتجار والمستوردين، لأنه يعني لهم الربح المضمون"، عازياً استيراد منتجات صينية، إلى "قلة تكلفتها مقارنة بالمحلية".
ويتابع الدراجي، أن "المنتجين العراقيين لبضاعة عاشوراء، يغالون بالأسعار، في وقت يعاني الناس من ضائقة مالية، ما دفعنا لتأمين أخرى مناسبة ومنافسة"، لافتا إلى أن "أفضل مكان لتوفير بضائع عاشوراء هو الصين، بسبب التكلفة المناسبة وسرعة التجهيز، ودقة الإنتاج".
مواطنون: يتهمون التجار باستغلال المناسبة لزيادة الأسعار
ويؤكد مواطنون أنهم اعتادوا سنوياً تهيئة ملابس عاشوراء قبل وقت مناسب وفقاً لما توارثوه ونقلوه لأبنائهم وبناتهم، لكنهم يتهمون التجار باستغلال المناسبة وزيادة اسعارها لمعرفهم بحاجة الناس إليها.
وتقول المواطنة أم إيمان،(47 عاما)، في حديث إلى (المدى برس)، إن "الأهالي اعتادوا استقبال محرم الحرام بارتداء الملابس السود وفقاً لما توارثوه ونقلوه لأولادهم وبناتهم"، مبينة انه "اشتريت الملابس السود اللازمة لي ولبناتي وأولادي الستة قبل حلول محرم، لتكون جاهزة مع حلوله".
وتوضح أم إيمان، أن "السوق يزخر بأنواع عديدة من الملابس لكنها مرتفعة الثمن بسبب جشع التجار واستغلالهم حاجة الناس إليها"، وتبين أن "ملابس محرم الحالي كلفتها أكثر من مئة ألف دينار".
خبير: ممارسات عاشوراء تقليد اجتماعي متوارث
ويقول الخبير الاجتماعي، شامل مهنا البرزنجي، في حديث إلى (المدى برس)، إن "رغبة العوائل العراقية باقتناء بضاعة محرم ليست وليدة اليوم، لكنها تطورت بسبب حداثة تصنيعها وسهولة تداولها"، عادا أن "النسبة الأكبر من مقتني تلك البضائع هم من النسوة ثم الأطفال والمراهقين، الذين يرغبون لبس السواد والاحتفاظ بالزناجيل والسيوف والرايات ليقلدوا بذلك الكبار في تصرفاتهم".
ويضيف البرزنجي، أن "العوائل العراقية تجد من الضروري التعبير عن حزنها وتقربها من آل البيت الأطهار، من خلال الالتزام بشعائر عاشوراء"، ويؤكد لذلك "يقبل الناس على شراء بالضائع الخاصة بالمناسبة كالملابس السود وأواني الطبخ الكبيرة والرايات وغيرها".
وتقام مجالس العزاء في عاشوراء في سرادق وهيئات خاصة تُنصب في شوارع المدن، كما تقام في منازل الكثير من المواطنين ممن اعتادوا على إقامتها وتقدم فيها مختلف الأطعمة المشروبات، أملاً بالأجر والثواب.
يشار إلى أن ذكرى العاشر من محرم الحرام، تؤرخ لاستشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، في كربلاء، حيث تسود أجواء الحزن والأسى وترفع الرايات السود، وسط المجالس التي تروي السيرة التراجيدية للحدث.
748 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع