المدى برس/ بغداد:أغلق مستشفى الإمام علي، (الجوادر سابقًا)، في مدينة الصدر، شرقي بغداد، أبوابه بوجه المرضى على مدى اليومين الماضيين، بعد تكرار الاعتداء على ملاكاتها الطبية من قبل ذوي المتوفين، وسط دعوات بضرورة تفعيل قانون حماية الأطباء وحث رجال الدين وقوى المجتمع المدني والعشائر على الإسهام بإدانة مثل تلك التصرفات "الشاذة التي لا تليق بأخلاقيات" المجتمع العراقي، وتؤدي إلى هجرة المزيد من أصحاب المعاطف البيض.
ولم تكن هذه الحادثة الأولى التي تشهدها مستشفيات العاصمة بغداد أو محافظات الفرات الأوسط والجنوب، فالاعتداءات اصبحت السمة البارزة خلال المدة القليلة الماضية على الملاكات الطبية من قبل بعض المواطنين، فضلاً عن ملاحقة الاطباء عشائرياً.
الطبيب لم يفعل شيئاً سوى كتابة شهادة الوفاة
ويقول معاون مدير إعلام وزارة الصحة، رفاق الأعرجي، في حديث إلى (المدى برس)، إن "ثمانية أشخاص اعتدوا على طبيب خفر الإنعاش في مستشفى الإمام علي، اثناء تحريره شهادة وفاة لامرأة نتيجة إصابتها بحروق بنسبة 100 بالمئة"، مشيراً إلى أن "ذوي المتوفاة ضربوا الطبيب الخفر الذي اضطر للهرب إلى قسم الطوارئ بالمستشفى، وقامت الإدارة بحمايته".
ويضيف الأعرجي، أن "إدارة المستشفى رفعت دعوى قضائية على المعتدين وتم ايقاف أحدهم من قبل القوات الأمنية"، مبيناً أن "أطباء المستشفى اضربوا عن العمل، لكن تدخل الوزارة ومكتب المفتش العام اقنعاهم بإنهائه بعد التعهد لهم بضمان حقهم القانوني".
ويقرّ معاون مدير إعلام وزارة الصحة، بأن هناك " اعتداءات عدة على الأطباء"، لافتاً إلى أن "ما أثير في الإعلام بشأن تناول أربع حالات حدثت في مستشفيات الكاظمية والشيخ زايد وبعقوبة ومدينة الطب".
ويؤكد الأعرجي، أن "وزارة الصحة ماضية بتفعيل قانون حماية الأطباء وبخاصة الفقرتين الخامسة والسادسة منه، اللتين تنصان على السجن خمس سنوات وغرامة 10 ملايين دينار لمن يعتدي على الطبيب أو يطالبه بالفصول العشائرية، وأن أي اعتداء على الطبيب يوجب تطبيق قانون الاعتداء على الموظفين أثناء تأدية الواجب"، متابعاً أن "وزيرة الصحة عديلة حمود، رفعت قبل اسبوعين قانون حماية الأطباء إلى مجلس الوزراء الذي رفعه بدوره إلى مجلس القضاء لتفعيله".
ويتوقع معاون مدير إعلام وزارة الصحة، أن "تتوقف حالات الاعتداء على الأطباء التي زادت مؤخراً، بعد تنفيذ ذلك القانون".
ذوو المتوفاة أصروا على علاجها رغم موتها
ويقول أحد العاملين في مستشفى الإمام علي، كان شاهداً على الاعتداء على الطبيب الخفر، في حديث إلى (المدى برس)، إن "الطبيب كان يؤدي عمله في ردهة الانعاش، وإنه بادر بتسهيل مهمة ذوي الضحية من خلال تحرير شهادة الوفاة".
ويضيف العامل، الذي رفض ذكر اسمه، أن "ذوي المتوفاة رفضوا أن يكتب الطبيب شهادة الوفاة وطالبوه بعلاجها على الرغم من كونها قد فارقت الحياة، واتهموه بعدم الاهتمام بحالتها وضربوه وشتموه".
ويبيّن العامل أن "المرأة انتحرت بإحراق نفسها وكانت نسبة الحروق 100 بالمئة، ولا يمكن علاجها، لكن أبناءها وأقاربها لم يقتنعوا بذلك وقاموا بضرب الطبيب وتخريب بعض معدات المستشفى، ما أدى إلى إضراب الأطباء عن العمل وتوقف المستشفى عن استقبال المرضى".
البرلمان يحمل الصحة مسؤولية تكرار الاعتداءات
على صعيد متصل، حمّلت لجنة الصحة النيابية، وزارة الصحة مسؤولية تكرار حوادث الاعتداء على الأطباء.
ويقول نائب رئيس اللجنة، صالح الحسناوي، وهو وزير صحة سابق، في حديث إلى (المدى برس)، إن "وزارة الصحة ينبغي أن تفعّل قانون حماية الأطباء ضماناً لحمايتهم"، مبيناً أن "القانون منح الطبيب حق رفع شكوى على من يعتدي عليه وإذا لم يقم بذلك فإن من حق وزارة الصحة القيام بذلك".
ويدعو الحسناوي، وزارة الصحة ودائرتها القانونية، إلى "القيام بواجبها والدفاع عن الأطباء ورفع شكاوى لدى القضاء على من يعتدي عليهم".
أغلب الاعتداءات في الرصافة
بدورها أكدت لجنة الصحة في مجلس محافظة بغداد، حدوث زيادة كبيرة بحالات الاعتداء على الأطباء بعد سنة 2003.
وتقول رئيسة اللجنة، ناهدة التميمي، في حديث إلى (المدى برس)، إن "اللجنة تفتقر لإحصائية دقيقة عن حالات الاعتداء على الأطباء"، مستدركة "لكن بالإمكان تسجيل حدوث حالة أو أكثر شهرياً".
وتعد التميمي، أن "الأكثر خطورة بهذا الشأن هو الاعتداء على الطبيبات"، مبينة أن "أكثر تلك الحالات تحدث في جانب الرصافة من العاصمة، ما أدى إلى رفض الكثير من الأطباء العمل هناك".
وتؤكد رئيسة لجنة الصحة في مجلس محافظة بغداد، "رفض المجلس وإدانته الاعتداء على الأطباء الذي يشكل حالة شاذة لا تليق بأخلاقيات المجتمع العراقي"، وحثت وزارة الصحة، على "تأمين الحماية المناسبة لملاكاتها الطبية والصحية، والإسراع بتطبيق قانون حمايتهم".
وتحذر التميمي، من "هجرة الأطباء إلى خارج العراق وإفراغ المستشفيات منهم في حال لم يتم وضع حد لتلك الاعتداءات"، مناشدة منظمات المجتمع المدني وخطباء المنابر ورجال الدين، "توعية الناس وحثهم على حماية الأطباء وعدم الاعتداء عليهم".
اقتراح بتشكيل لجنة عشائرية تهتم بهذه الحالات
إلى ذلك يقول الشيخ حسن عيدان، شيخ عشيرة البيضان، في حديث إلى (المدى برس)، إن "عشائر مدينة الصدر ترفض الاعتداء على الأطباء أو أي موظف حكومي مهما كان السبب"، مبيناً أن "العشائر وشيوخها سبق وأن أعلنوا موقفهم هذا مراراً في أكثر من مناسبة".
ويعد عيدان، أن "الاعتداء على الأطباء والموظفين تشكل حالات فردية ولا تعبر عن موقف العشيرة أو الشيوخ الحقيقيين"، داعياً إلى ضرورة "تنفيذ القانون بحزم بحق من يعتدي على الأطباء".
ويقترح شيخ عشيرة البيضان، "تشكيل لجان عشائرية تهتم بمثل تلك الحالات ضماناً لمنع تكرارها وردع أية جهة أو شخص يقوم بها أو يسانده"، لافتاً إلى أن هنالك "اتفاقاً بين العشائر على تحميل من يعتدي على رجال الأمن أو الموظفين والأطباء تبعات فعلته النكراء بعيداً عن عشيرته".
وتظهر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديوية عدة تظهر اعتداء المراجعين وذوي المرضى على الملاكات الطبية في ظاهرة منتشرة في عموم مستشفيات العراق.
تركت العراق بعد دفعي فصلاً عشائرياً
ويقول الطبيب المساعد عباس الساعدي، الذي غادر العراق مؤخراً لطلب اللجوء في إحدى الدول الأوربية، في حديث إلى (المدى برس)، لقد "تركت مزاولة مهنة الطب في العراق منذ عامين بعد اضطراري دفع فصلية قدرها 10 ملايين دينار نتيجة اتهام باطل من ذوي أحد المرضى".
ويوضح عباس، "كنت أساعد إحدى المريضات في التنفس الاصطناعي بعد أن فقدت الوعي وكادت تفقد حياتها في قسم الطوارئ بمستشفى الإمام علي، لكن زوجها اتهمني بالاعتداء على شرفه"، وتابع أن "القضية تطورت إلى اعتداء بالضرب وتدخلت العشائر بعد ذلك ليتم تغريمي 10 ملايين دينار كفصلية عن تهمة باطلة".
ويذكر الطبيب المساعد، أن "أهل المريضة تناسوا أني انقذت حياة ابنتهم من الموت"، مستطرداً أن "الحادث كان السبب في تركي المهنة والهرب خارج العراق".
100 مليون دينار ثمن فصل عشائري ضد طبيب تخدير
في مدينة الصدر أيضاً يقول المواطن، محمد ليث، في حديث إلى (المدى برس)، إن "جراحاً وطبيب تخدير اضطرا دفع فصلية مئة مليون دينار بعد أن حملتهم إحدى العشائر مسؤولية موت أبنها خلال إجراء عملية له"، مؤكداً أن "الأطباء في مستشفيات مدينة الصدر يتعرضون للاعتداء والتهديد يومياً من قبل ذوي المرضى".
ويوضح ليث، أن "بعض الجهات المسلحة التي تنتمي لأحزاب دينية أو سياسية تتقاسم مسؤولية حماية المستشفيات في مدينة الصدر، وتساند ذوي المرض عند اعتدائهم على الأطباء"، مؤكداً أن "الكثير من الأطباء يرفضون العمل بمستشفيات مدينة الصدر أو يطلبون النقل منها خوفاً على حياتهم".
واعترفت وزارة الصحة العراقية في (الثاني من آذار 2013)، بخضوع الأطباء "للابتزازات العشائرية والبلطجة"، وكشفت أن أطباء مستشفى الأمام علي بمدينة الصدر، تنازلوا عن الدعوى التي رفعوها ضد المجموعة التي اعتدت عليهم بضغط من مدير الشرطة بعدما تعرض للتهديد، في حين تؤكد حركة اهل الحق التي نسب المعتدون على الأطباء أنفسهم إليها، أنها ستقوم بملاحقة من يعتدي على الاطباء وينتحل صفة الانتماء لها.
وكانت (المدى برس) كشفت في (الـ29 من كانون الثاني 2013)، عن قيام مجموعة مسلحة بمهاجمة مستشفى الإمام علي والاشتباك مع أمن المستشفى والاعتداء بالضرب على الأطباء والعاملين فيها، كما نشرت (المدى برس) سلسلة تقارير عن تهديدات قامت بها المجموعة ضد العاملين في المستشفى من المجموعة نفسها التي توعدتهم بالقتل في حال مضيهم برفع دعوى قضائية ضد افرادها.
وتسجل حالات الاعتداء بالضرب والتهجم على الأطباء لأسباب الشرف بفعل المجتمع العشائري من وقت لآخر في مستشفيات بغداد وباقي المحافظات، إلا أنه لم يتم تسجيل أيّ هجوم مسلح على مستشفى منذ انتهاء الحرب الطائفية في العام 2007 عندما كانت ميليشيات الأحزاب المختلفة تقمع الأطباء وتجبرهم تحت تهديد السلاح والضرب على معالجةجرحاهم وإنقاذهم.
984 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع