بون ـ من يوانا كاكيسيس وعلاء جمعة ـ أكثر من 20 ألف مهاجر من سوريا وأفغانستان وغيرهما وصلوا إلى الجزر اليونانية خلال الأشهر الأربعة الأخيرة. أتوا إلى جزر بحر ايجه من ناحية تركيا على قوارب مطاطية، يقنعهم المهربون بتمزيقها لإجبار السلطات على إنقاذهم.
صباح كل يوم تقريبا يقف بانوس روزاكيس أمام مركز صغير للشرطة على شاطئ جزيرة ليروس اليونانية، ويقوم بتوزيع ملابس وبسكويت ومياه معدنية وحليب للأطفال.
يتوجه روزاكيس لامرأة أفغانية تدعى فوزية، تحمل ابنتها الصغيرة على يدها ويسألها إن كانت تريد جوارب للطفلة. وفوزية قدمت هذا الصباح فقط على الجزيرة برفقة زوجها وأطفالها الثلاثة على قارب مطاطي قادم من ناحية الأراضي التركية.
هذه المرأة الأفغانية القادمة من كابول كان يبدو عليها الإنهاك وملابسها مبللة. ويقول روزاكيس إن هذه المرأة الشابة وغيرها من اللاجئين لا يعرفون إلى أين ستكون وجهتهم، ويضيف: “إنهم يسألونني أين هم الآن؟ وما هي الخطوة التالية؟ وكيف يحصلون على ملابس جافة؟”.
أعداد متزايدة من اللاجئين
عدد المهاجرين القادمين على متن الزوارق صوب اليونان ارتفع بشكل كبير. وبحسب منظمات دولية فإن عدد المهاجرين الذين قدموا إلى اليونان في الشهور الأربعة الأولى من العام الحالي بلغ 22 ألف مهاجر. بينما بلغت أعداد اللاجئين في العام 2014 بأكمله 34 ألف مهاجر. ومقارنة مع إيطاليا فإن عدد من وصلوا إلى الأراضي الإيطالية منذ بداية هذه السنة يقترب من 26 ألف مهاجر.
جزيرة ليروس اليونانية واحدة من أكبر جزر المنطقة تماما كجزيرتي كوس وليسبوس. جزر أصبحت محطات أولية لرحلة المهاجرين إلى أوروبا، وتبحث المؤسسات العاملة في هذه الجزر -بلا جدوى- عن حلول تمكنها من استيعاب أعداد المهاجرين المتزايدة.
صعوبات مالية
في خضم الأزمة المالية التي تعيشها اليونان لم تستطع السلطات هناك مساعدة المهاجرين بفعالية، وتقول القاضية المتقاعدة ماتينا كاستيفيلي، التي تدير شبكة تضامن لصالح المهاجرين في جزيرة ليروس: “منذ العام 2010 تم تخفيض العديد من الخدمات للمواطنين اليونانيين، ولذلك خفضت أيضا المساعدات الحكومية المقدمة للاجئين.” وأوضحت كاستيفيلي أنه رغم وضوح الرؤية بأن هناك موجة متزايدة من المهاجرين ستأتي قادمة من سوريا “لم يتم زيادة تلك المساعدات.
لطيفة اللاجئة من مدينة درعا السورية، امرأة في الأربعين من عمرها، قدمت مع أطفالها الثلاثة. كانت مغبرة وجالسة على الأرض بالقرب من مركز الشرطة، تنتظر الانتهاء من التسجيل الرسمي وسط أعداد كبيرة من الناس. وبالرغم من التعب حاولت إطعام ابنها الصغير قليلا من حساء الطماطم. ووفقا للمنظمات العاملة فإن السلطات تدفع ما قيمته 6 يورو لكل وجبة يعدها العاملون الحكوميون وتقدم للمهاجرين.
لاجئ أخر يدعى أبو راس يتحدث عما وجده بعد وصوله للأراضي اليونانية ويقول: ” الجميع هنا يساعد بلطف، لقد أخبرتهم قصتي، وكيف أنني هارب من جحيم الحرب، إلا أنه هنالك العديد من القصص التي تعبر عن المعاناة، تماما كقصتي. اليونانيون يريدون مساعدتنا، إلا أنهم لا يملكون الأموال الكافية.
إيجاد مأوى لهذه الإعداد المتزايدة من المهاجرين واحدة من الصعوبات التي برزت أيضا، خصوصا وأنهم يبقون لعدة أيام قبل أن تنتهي عملية تسجيل بياناتهم رسميا. ولفترات طويلة قضى العديد من اللاجئين ليلهم في مراكز الشرطة، في المخازن، والممرات والمكاتب، وأيضا في المستشفيات وملاجئ العجزة. وتقول كاتسيفيلي بأنها شبكتها نجحت في إيجاد الحصول على مساعدة مالية حكومية بقيمة 40 ألف يورو من أجل تجديد وتجهيز مبنى مهجور، كان مخصصا للمرضى النفسيين، لكي يكون مأوى لاستقبال اللاجئين. ويؤكد القائمون عليه أنهم بحاجة للمزيد من الأماكن الأخرى، نظرا للأعداد المتزايدة.
إغراق قوارب اللاجئين
في الماضي غالبا ما كنا نجد المهربين في القوارب المحملة باللاجئين، إلا أنه الآن يتم إرسال اللاجئين وحدهم، يقول حارس الميناء. ويشير الحارس إلى أن المهربين يحصلون على الأموال من المهاجرين ويتركونهم وحدهم على متن قوارب مطاطية، بعد أن يقنعوهم بأنه يجب عليهم تمزيق القارب فور اقترابهم من الشواطئ اليونانية، “حتى لا يكون أمامنا خيار آخر عن إنقاذهم”، حسب ما يقول الحارس. وينبه الحارس اليوناني إلى أن غرق القارب بعد تمزيقه يستغرق من 6 إلى 8 دقائق، وأنه يجب عليه وزملائه أن يتحركوا بسرعة شديدة لإنقاذ هؤلاء المهاجرين.
الهدف ألمانيا أو السويد
وبعد التسجيل الرسمي لدى السلطات اليونانية يسرع اللاجؤون لمغادرة الجزيرة، فيتوجهون صوب أثينا في البداية، ليتزاحموا على شراء تذاكر سفر لمغادرة اليونان متوجهين إلى الدول الأوربية الأخرى. ويتوجه قسم كبير منهم نحو ألمانيا مثلما فعلت لطيفة وأولادها الثلاثة. وتقول لطيفة “أعلم أنه لا يوجد عمل في اليونان، أصدقائي السوريون الذين سبقوني، متواجدون الآن في ألمانيا، والدولة غنية وهناك يمكن أن يجد المرء عملا ليعيش منه”.
ويقول المتطوع روزاكيس إن المشاكل الأولى للمهاجرين بعد التسجيل تتمثل في عدم معرفتهم بكيفية مغادرة اليونان، فيغادر العديد منهم البلد بشكل غير قانوني. كما أنه يتم استغلالهم ماليا. ويتابع روزاكيس “في أثينا يحاول المهاجرون باستخدام أوراق ووثائق مزيفة السفر جوا إلى ألمانيا أو السويد. كما يحاول البعض أن يخفى نفسه داخل شاحنات متوجهة إلى ايطاليا، أو قطع الحدود سيرا على الأقدام عبر البلقان متوجهين إلى النمسا”.
ويرى بانوس روزاكيس أن “أوروبا لا تستطيع أن تخفي مشاكلها تحت السجادة. فاللاجؤون الهاربون من الحروب والمضطهدون قادمون (إلى أوروبا) مهما كلفهم ذلك من ثمن”.(دوتشيه فيليه)
1512 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع