حرب على الحجاب في روسيا، «ظاهرة» بدأت محدودة وأخذت في الانتشار بقوة أثارت قلقاً بالغاً عند المسلمين الروس، خصوصاً أنها تزامنت مع اتساع دائرة «المحظورات» من الكتب الدينية، وإدراج عشرات منها على «لائحة الإرهاب» راوحت في حجمها ومكانتها بين «صحيح البخاري» وكتيبات الأدعية التي تضمّ آيات قرآنية وأحاديث نبوية.
ولم تعد الظاهرة تقتصر على المضايقات «الصغيرة» التي تتعرض لها المحجبات الروسيات في المدن الكبرى، لجهة صعوبة حصولهن على وظائف أو تعرضهن لمواقف محرجة أحياناً في الأماكن العامة ووسائل النقل، بل امتدت الى المؤسسات التعليمية، خصوصاً الجامعات التي أصدر قسم منها قرارات بحظر ارتداء الحجاب.
ويقدر عدد المسلمين في روسيا بما يتراوح بين 20 و25 مليون شخص، في غياب أرقام رسمية، علماً أن الاحصاءات الرسمية لا تشمل أي ذكرٍ للدين أو العِرق.
مدير أحد معاهد الطب في موسكو لوّح أخيراً بقرارات ستصدر لفصل المحجبات، ما أثار حملة احتجاجات واعتصامات امام الجامعة، انتهت بعد تدخل سفارات بلدان إسلامية لدى وزارة الخارجية الروسية بتخفيف الاحتقان والتوصل الى اتفاق لوقف قرارات الفصل. لكن أحكام الحظر ظلت قائمة، ما يضع سيف تهديد على رقاب المسلمات يمكن استخدامه في أي وقت.
وانتقلت النقاشات حول المسألة الى مستوى جديد استُخدمت فيه هراوة التهديد، لكن الأهم انها عكست اتجاهاً واسعاً في روسيا نحو «إنضاج» فكرة حظر الحجاب في الأماكن العامة، وصدور قوانين ملزمة بذلك.
وللمشكلة أبعاد أخطر، إذ تسارع أخيراً تضخُّم لائحة الكتب والمنشورات الدينية التي أُدرجت على «لائحة الارهاب»، لتبلغ نحو 68 عنواناً بينها بعض «أمهات الكتب».
وبعد حظر ترجمة «صحيح البخاري» انتقلت الجهود لملاحقة كتب الأدعية التي بينها أكثر الكتيبات انتشاراً حول العالم مثل «حصن المسلم» وكتيب حظِّر أخيراً يحمل عنوان «دعاء الى الله»، قال عنه مفتي القسم الأوروبي نفيع الله عشيروف انه وضع لتعليم المسلم الروسي أن الدعاء يوجه الى الله مباشرة وليس عبر وسطاء.
وتخشى الأوساط الإسلامية أن تكون قرارات الحظر المتتابعة تمهيداً لفرض حظر على ترجمات القرآن الكريم، بمبررات واهية. فاللافت ان الموجبات التي ساقتها الأجهزة المختصة للحظر، تمثلت في ورود تفسيرات لآيات فحواها ان الدين لله وحده، وأن الله وعد المسلمين بنصر من عنده، ما فُسِّر على انه «تغليب لدين على الأديان الأخرى، وهذا يخالف القوانين الروسية ويعد تحريضاً على بث الفتن والفوضى» كما زعم المدّعي العام في تتارستان ريشات شكيروف.
وقال لـ «الحياة» الصحافي المتخصص في الشؤون الإسلامية علي شارينسكي ان هذا المدخل شديد الخطورة، فمن جهة بدأت تظهر دعوات علنية لحظر ترجمات القرآن الكريم ما يشكل استهزاءً بمشاعر المسلمين في روسيا، وواضح ان ما يجري يمهد لقرارات أكثر جدية في هذا الاتجاه، علماً أن ترجمات القرآن حُظرت في وقت سابق في داغستان.
ونبّه الخبير الى خطر جدي يمكن أن تتسبب فيه قرارات الحظر، فالمسلم الروسي لن يكون قادراً في مستقبل قريب على قراءة تعاليم الدين في قضايا مهمة بينها الجهاد بلغته الأصلية، ما يجعله معرّضاً للتفسيرات الخاطئة وأحياناً المغرضة التي قد يسوقها متشددون.
ولفت شارينسكي الى أن من أسباب تصاعد رفض الأدبيات الدينية والحجاب، أن مسلمي روسيا خصوصاً في مناطق المركز، باتوا يقبلون أكثر في السنوات الأخيرة على العودة الى تعاليم الدين، كما سجلت زيادة ملحوظة في إقبال غير المسلمين على اعتناق الإسلام.
ويستخدم كثيرون الوضع في الشرق الأوسط للتحذير من «خطر المسلمين»، وهو أمر تعكسه الحملات الإعلامية القوية التي تتجاهل التمييز بين الإسلام والإرهاب.
ولا يخفي الخبير مخاوف من ان تخفي مستجدات هذا الملف سياسة مدروسة هدفها التضييق على المدارس الإسلامية التقليدية، لإفساح المجال أمام ظهور «عقيدة معدّلة» تعتمد أدبيات محدودة وموجّهة، توفرها الإدارات الدينية المعتمدة لدى الدولة بما يخدم أهدافها. وحذّر من أن هذا الأسلوب يأتي برد فعل عكسي لأنه يتيح المجال لنشاط المتشددين.
1149 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع