الكرخ ... والحنين الى الذاكرة / الحلقه الثانيه

    

   الكرخ ... والحنين الى الذاكرة / الحلقه الثانيه

       

              

            


الاعياد ... كيف يحتفل بها الكرخيين؟؟؟

كما أهل بغداد الحبيبة يحتفل الكرخيون بالأعياد الدينيه الفطر والاضحى المباركين من كل عام وهناك أعياد أخرى خاصة بمنطقة الكرخ وما جاورها وهي يوم ( المحيه ) ويوم زكريا وزيارات ايام الخميس لمرقد سيدنا ( الخضر عليه السلام )  وهناك عيد غريب تحتفل به نساء الكرخ فقط ويطلق عليه ( صوم البنات )...

 


عيدي الفطر والاضحى
اتذكر جيدا كيف كان اهلي عندما كنت طفلا بين اعوام 1952 _1955 في ايام شهر رمضان الفضيل وقبل ان يحين موعد الافطار يصعد والدي واخوتي الى سطح دارنا ليتناولو طعام الافطار لحرارة الطقس آنذاك ولعدم وجود اجهزة التبريد وهكذا تدور السنين الهجريه ليعود رمضان علينا بعد اكثر من خمسون عاما في الصيف اللاهب الأن والله العزيز بعون اهلنا في بغداد ...

    

توضع ( التنك ) مجموع تنكه وتسمى بالمصري ( القله ) على طوفةالسطح لكي يبرد الماء داخلها قبل ان يشتري لنا الوالد ثلاجة الماء الخشبيه المغلفه من الداخل ويكون خزان الماء على احد جانبي الثلاجه وهكذا نستطيع ان نشرب ماءا باردا الرزبرقائق الصفيح ويوضع داخلها نصف او ربع قالب باردا..

         

كما يقوم الاهل بوضع عدد من الرقي والبطيخ  قبل موعد الافطار تبدأ الوالدة والاخوات بنصب مائدة الافطار ونتحلق نحن الصغار حولها قبل الصائمين

 

وهكذا تدور الصحون لتملأ السفرة بأنواع المأكولات الرمضانية المعروفه بدا بحبات التمروالشوربه  وانتهاءا بالحلاوه الشعريه او الطحينيه او الشكريه

 

مرورا بأنواع الشرابت لم يعد بأستطاعتي اكمال انواع الصحون لأني شعرت بجوع مفاجئ وحنين الى صحن حنيني مثلا..

            

وكانت اصوات الدمام وندائهم للصائمين بالنهوض وتناول السحور قبل الامساك ثم صلاة الفجر تملأ ازقة ودرابين الكرخ ، كانت اياما جميلة لاتنسى...

وعندما  رحلنا الى مصر عام 2005 وسكنت القاهره لأربعة اعوام كنت اسرح بخيالي بعيدا الى بغدادي لأكتشف ان محلات وازقة وحواري القاهره نسخه منسوخة من الكرخ وحواريها وحرافيشها...

  

ويخيل لي بأن نجيب محفوظ الاديب النوبلي العربي ربما كان يسكن معنا في الكرخ وجسد بشكل رائع حكاياتنا ووتقاليدنا الموروثه وفتواتنا وشقاواتنا وشخوصنا وشخصياتنا المزدوجه بين الظاهر وما خفي منها بحرفنة أديب متمرس متمكن من أدواته .

                                    

نعود الى اعيادنا التي كانت بالنسبة لنا ونحن اطفالا وصبية هي الدنيا بأكملها والحلم المنتظر كل عام فنعد له كل العدد الممكنه المشروعة وربما غير المشروعة احيانا ونذهب بأخيلتنا المتواضعه عن كيفية احتفالنا بالبرنامج الخاص بالعيد بدايته ونهايته وماسنرتدي من ملابس واحذيه حسب المتيسر وما تجود به جيوب آبائنا الكرام مما يجود عليهم الباري عزوجل من النعم ، ايام العيد كانت لحلاوتها وعذوبتها وجمالها تمضي مسرعة وتنتهي بأسرع مما نتوقع ..

  

تبدأ مراسم العيد في الصباح الباكر وبعد تناول الفطور الصباحي الذي عادة مايكون (القيمر ) اللذيذ هو سيد المائده وبعده نتسابق بالخروج الى منطقة ( الچول ) وهو ارض فسيحه تنصب فيها العاب العيد المعروفه سابقا من ( المراجيح ودولاب الهوا المصنوعة من الاخشاب )والعربات الخشبيه التي يقودها بعض الشبان الاقوياء وعربات الخيول ( الربل ) للفسحه داخل وخارج الجول والكبار يرقصون على انغام الناي والطبل برقصه الدبكه ( الجوبي ) ولعبة الساس والتسابق بين الفرسان...

     

بينما تنتشر على حافات الساحه انواع المأكولات والمرطبات والشرابت التي لاعلاقة لها بكل مفاهيم ومتطلبات الصحة العامه ومايعرف الان بتلوث البيئه وتحت وابل من الاتربه الناعمه التي  تتصاعد من الالعاب والعربات والخيول والحمير ومخلفاتها ولكننا كنا نشعر بلذتها اذ لاتضاهيها لا مطعم ( مكسيم ) بباريس ولا مكدونالد بلوس انجلس، تتألف معظم اكلات العيد من البيض والعمبه بالطبع وقليلا من الكبة والباذنجان والطماطه المقليان...

    

ومن المرطبات ( الدوندرمه اليدويه ) اومايعرف الان بالايس كريم وعندما تنظر الى كفوف صاحب العربانه لابد ان تشعر بالغثيان الأن طبعا اما نحن وقتها لاشئ كان يضاهيها بل هي احلى من العسل ،اما منطقة الجول والتنزه بين العابها لايضاهيها لاحديقة ( الهيد بارك ) بلندن ولاساحة ( الكونكورد ) بباريس ولا ( ديزني لاند )او ستوديوهات يونيفرسال بهوليود التي تقع بمدينة لوس انجلس ولاحتى كازينوهات وملاهي ( لاس فيجاس ) ، المهم كانت احلى ايام عمرنا ..

  

بعد الغذاء تبدأ رحلة الافلام السينمائيه المشوقه  وفي الكرخ كانت هناك سينما واحده فقط هي سينما قدري الازرملي وسميت بعد ذلك بسينما بغداد وبما اننا كنا صغارا فيتعذر علينا عبور الكرخ الى الرصافه حيث السينمات التي تنتشر بشارع الرشيد ثم الباب الشرقي لاحقا وكنا نحسد اخوتنا الكبار على ذهابهم الى سينمات ( ذاك الصوب ) والمقصود به جانب الرصافه من بغداد العباسيه كما يسميها صديقنا الرائع علي السوداني ...

           

سينما بغداد كانت تعد برنامجا خاصا بالعيد السعيد علينا وعليكم وفيه مجموعه من الافلام دفعة واحده وغالبا ماتكون افلام طرزان...

 

وفلاش كوردن في مقدمتها وافلاما كوميديه مثل ( بوت آبود ) وبالكرخي ( بدبود )....

  

واحيانا افلام الثنائي ( لوريل وهاردي) وكنا نتشاجر بيننا من منا يحب طرزان ومن يحب فلاش كوردن ، نعود بعد مشاهدة كل الافلام الى بيوتنا متعبين فنخلد الى النوم لكي ننهض باكرين ونستمتع بايام العيد الاخرى ، هكذا كنا ببساطة نحتفل بالعيدين المباركين وعندما كبرنا وشخنا واصبحنا ( ختياريه ) وغزا الشيب مفارقنا نراقب اطفالنا وكيف يحتفلون بالاعياد نرى اننا كنا نستمتع بلذتها اكثر منهم بكثير ربما نرى الدهشة على وجوه اولادنا عندما نسترسل بالحديث عن اعيادنا فلقد كان زمنا جميلا بالفعل  هكذا ارى  الان ..

   


عيد المولد النبوي الشريف

يحتفل العالم الاسلامي يوم 12 من ربيع الاول من كل عام هجري بمولد سيد الكائنات الرسول الأمين ( محمد ) صلى الله عليه وسلم الذي ( بمولده انطفأت نار المجوس وانشق ايوان كسرى ) وفي بغداد يجري الاحتفال المركزي بمدينة الاعظميه منذ عدة عقود وفي جامع الامام ابي حنيفة النعمان ويشارك فيه الالوف من كل مدن بغداد والمحافظات الاخرى ، وفي الكرخ يحتفل الكرخيون عادة بالتهاني والتبريكات بهذه المناسبه العزيزه على قلوبهم وتطلق المساجد الادعيه والتبريكات لاهالي المناطق ..

  

وتسرع الامهات الى طبخ ( الزرده والحليب ) وهي من انواع الحلوى الخفيفه المصنوعه من الرز والسكر واللوز وبعد تجهيزها توضع في الصحون الكبيره والصغيره وتزين بأعشاب الدارسين المطحون ذو الرائحه الزكيه حيث تكتب اسماء الرسول واولاد البيت بالدارسين وتبدأ عملية توزيع الزرده بين البيوت والجوامع والى الاهل والاقارب والجيران والاصدقاء فترى الحركة المكوكيه بين الصبيه وهم يتسابقون لتوزيعها والدعاء ليعيد الباري عزوجل العيد النبوي الشريف كل عام بالصحه والسعادة والامان الذي يفتقده العراقيين الان مع الاسف  ..

          


يوم زكريا 
تعود اهل بغداد كرخا ورصافة على احياء يوم او عيد زكريا سنويا ويصادف أول يوم أحد من شهر شعبان الهجريويوم زكريا الذي نادى فيه سيدنا ( زكريا عليه السلام ) الله الكريم في سورة الانبياء بقوله ( وزكريا اذ نادى ربه رب لاتذرني فردا وانت خير الوارثين فأستجبنا له ووهبنا له يحيى واصلحنا له زوجه ) صدق الله العظيم وعندما سمعت زوجته قالت  ( أألد وانا عجوز و هذا بعلي شيخ كبير) ( قال كذلك الله يفعل مايشاء )..

       

تبدأ مراسم الاحتفال بزكريا بنصب صينيه كبيره يوضع فيها ( الشموع والحناء والاس والسمسم المخلوط مع السكرو حلاوة الرز والساهون والاباريق ذو البلبوله للاولاد وبدون بلبوله للبنات وهي تنكه صغيره من الفخار ...

  

واحيانا اكلة  ( الدولمه ) الشهيره وتدار الصينيه مع اصوات الادعيه الدينيه اللصغار والكبار وهم  ينشدون( يازكريا عودي علينا كل سنه وكل عام ننصب صينيه)...

       

يوم المحيه
يحتفل الكرخيون كل عام بيوم المحيه وتجري الاستعدادات له قبل فتره ليست بالقصيره ولم نكن نعرف ماهو هذا اليوم ولماذا نحتفل به سنويا وعند سؤالي احد العلماء الاعلام عرفت ولوبعد عقود ان هذا اليوم المبارك كان يوم ان لاحظ الله الكريم رسوله الامين حيرانا فنزلت الاية الكريمه التي تقول ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنوليك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ) وهكذا تحولت قبلة المسلمين من بيت المقدس الى المسجد الحرام ( الكعبة المشرفة )...

 

في تلك الليلة المباركه ولهذا تعود المسلمين ان يحيو ها حتى الصباح مستبشرين بقبلتهم الجديده ، اما نحن فقد تعودنا ان نحييها بطريقتنا الخاصة وتحولت هذه الليلة المباركه الى معارك بالالعاب النارية التي راح ضحيتها عدد من الشبان اتذكر منهم الشاب ساجد من سكنة محلة الست نفيسه عندما كان يعمل ( البوتاز )ولم يكن يعلم بانه يحفر قبره بيديه والبوتاز هذا عباره عن قطعة صغيره من القماش الابيض يوضع فيها قليلا من الحصى الناعم جدا مع قليل من مادة الزرنيخ الشديدة الانفجار ثم تلف الخلطه بالخيوط السميكه وبعد ان تكتمل العبوه يجري قذفها على الاخرين وعند اصطدامها بالارض تنفجر محدثة دويا يرعب الاخرين ، وعندما اكمل ساجدا كميه كبيره من البوتاز تدحرج قسم منه فوق الاخر فحدث احتكاك فانجر البوتاز باكمله مما ادى الى وفاته وتحطيم داره ،..

  

وكذلك قام بعض التجار باستيراد الالعاب الناريه التي تستخدم خصيصا في هذه الليله وهو مايعرف ب ( الزنبور ) نسبة الى فحل النحل فبمجرد ما تشعل فتيله ينطلق عبثيا بالاتجاه الذي يفزع من يشاء حظه الوقوع داخل ملابسه من فتحة الرقبه  ..

ولي قصة مع المحيه ذات يوم من اوائل ستينات القرن الماضي عندما كنا نسكن العطيفيه وفي يوم المحيه اشتريت بعض البوتاز من الكرخ وعندما مرت سيارة شرطة النجده قذفت بوتازه على سيارتهم مما افزعهم وارتجلوا ولحقوا بي فاطلقت سيقاني للريح وباقصى سرعة كنت مراهقا فدخلت شارع دارنا وكان هناك عطارا يدعى ابو علي  فهجمت  على محله مرعوبا وقلت له ابوعلي الشرطه تطاردني فقال تعال اختبأ خلف صناديق الببسي وعندما وصل الشرطيان للمحل سألوا ابوعلي هل شاهدت فتى يركض قال نعم وذهب الى اليسار وعندما هدأت الامور سألني ابو علي ماذا فعلت فأجبته ضحك وقال: تركت الدنيا كلها وضربت الشرطه ...

  


زيارة مرقد سيدنا الخضر عليه السلام
يزور الكرخيون مرقد سيدنا الخضر عليه السلام ايام الخميس من كل اسبوع لمن يرغب بذلك ويقع المرقد على نهر دجله مباشرة من داخل محلة خضر الياس التي سميت تيمنا به ويقضي الزوار اوقاتا جميله بزيارته والتبرك بمرقده وسيدنا الخضر هو ولي من اولياء الله الصالحين و الذي ورد ذكره في سورة الكهف مع سيدنا موسى عليه السلام بقوله تعالى ( فوجدا عبدا من عبادنا  آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما  قال له موسى هل اتبعك على ان  تعلمن مما علمت رشدا ) صدق الله العظيم ولم تتوفر معلومات موثقه عن سيدنا الخضر او عن حياته الشخصيه ويعتقد انه ملكا صالحا ، عادة ماتبدأ مراسيم الزياره الخميسيه بوضع الشموع على كرب سعف النخيل لتطفو على مياه دجله التي تسحبها باتجاه جريان النهر الخالد بعد ان يدعو الزوار بادعيتهم ونذورهم لتحقيقها بواسطة العبد الصالح وتقوم النساء عادة بوضع الحناء في رازونه داحل المسنايه قرب المرقد ويعود الزوار الى دورهم فرحين بهذه الزياره ومن عادات اصحاب السفن والدوب عند مرورها امام المرقد اطلاق اجهزة التنبيه ( الهورن ) تحية للمرقد المبروك ذهابا وايابا ولقد تبنى الشقي المعروف ( علي مامه ) رعاية المرقد لكونه احد ساكني محلة خضر الياس القدماء فجزاه الله خير جزاء لانها لمسة حب ووفاء للرموز الدينية الشريفة ..

 
صوم البنات
لا أتذكر تحديدا اليوم الذي تحتفل به بنات ونساء الكرخ كل عام ولكن الذي أعرفه ان صوم البنات هذا احتفال غريب وخاص جدا بمنطقة الكرخ العتيقة تحديدا ومن تقاليد هذا اليوم ان تصوم فيه البنات والنساء وبعد الظهر يبدأن بالتوافد على ضريح وجامع ( حبيب العجمي )الواقع قرب ثانوية الكرخ العريقة ويشعلن الشموع حول الضريح  وينشدن ( جينه نزورك ياحبيب العجمي        شمعه بطولك ياحبيب العجمي ) وعادة ماتذهب البنات بصحبة امهاتهن لكي يسمح لهن بالخروج ويبدأن بالدعاء ليلبى نذورهن التي لاتتعدى بالنسبة للبنات ان يرزقن بأبن الحلال ليستر عليهن ويتزوجن كباقي بنات البشر وقسم من النساء المتزوجات اللاتي لم يرزقهن بالولد او اللاتي لم ينجبن ان يرزقهن الله الكريم بالخلفه الصالحه وغيرها من النذور ، ثم يتناولن طعام الافطار ويعودون الى بيوتهن وهن بأتم السعادة والفرح يوم واحد من كل عام ليس كثيرا عليهن .... ومن غير المسموح بتاتا على شبان المنطقه التقرب الى مكان الاحتفال لكونه ( برايفت ) جدا ..

للراغبين الطلاع على الحلقة الأولى/ النقر على الرابط أدناه:

http://www.algardenia.com/tarfiya/menouats/4747-2013-06-04-15-07-02.html 

              

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

674 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع