تراث : مقهى البيروتي.. والملا عبود الكرخي

   

     تراث : مقهى البيروتي.. والملا عبود الكرخي

   
عبد الكريم الوائلي

              
مقهى البيروتي على شاطيء دجلة من جهة الكرخ لم يعد لها وجود الأن!!

تقعُ مقهى البيروتي..على الضفة اليمنى من نهر دجلة في جانب الكرخ، جنوبي جسر الشهداء، وقد نسبت هذه المقهى الى صاحبها الحاج محمد البيروتي
الذي نزح من بيروت ابان العهد العثماني واتخذ الحاج جانب الكرخ مستقرا ومقاما له منذ سنة 1897م وظل يدير هذه المقهى والتي صارت منتدى لوجوه بغداد وعلمائها وشعرائها من كل حدب وصوب وقد توفي الحاج محمد البيروتي سنة 1916 مخلفا ابنه ابراهيم وعبدالفتاح وقد احترفا حرفة ابيهم.

                                  

وكان يزور هذه المقهى الشاعر الفقيه محمد سعيد الحبوبي، كانت مقهى البيروتي من اكبر مقاهي بغداد حيث يرتاد هذه المقهى كبار التجار ورؤساء العشائر والاعيان ورجال الدين.

                  

وكان الشاعر المعروف الملا عبود الكرخي من الرواد الدائميين لهذه المقهى... وخلال الاجتماعات التي شهدتها المقهى حيث كانت تبحث القضايا العامة، وكم من وقفة سياسية قد اتخذت ضد سلطات ذلك العهد صدرت من روادها التي لم يكن زوارها من الكرخيين وحدهم ، بل ان الكثير من اعلام الرصافة كانوا يترددون عليها يوميا. فضلا عن زوار بغداد من المحافظات التي كانت تنطلق وسائل النقل اليها من جانب الكرخ. حيث وصف المرحوم جعفر الخليلي وصفا طريفا في كتابه “هكذا عرفتهم” قائلاً “:

اكبر مقاهي بغداد على الاطلاق، وكانت تقوم على الجسر من جانب الكرخ وتمتد على موازاة نهر دجلة، وخلفها يمتد سوق هو الطريق الوحيد الذي يسلك منه السالك الى القصور القائمة على نهر دجلة حتى السفارة البريطانية، ولم يبق اليوم اثر لمقهى البيروتي ولا للسوق وانما تقوم عليها بنايات وساحة لوقوف السيارات.

    

وكانت مقهى البيروتي تعتبر بمثابة نادِ عام وملتقى الجميع التجار ومضرب موعد لجميع الذين يقدمون من خارج بغداد ومن جنوب العراق خاصة وكانوا يحملون معهم الكثير من الرسائل ويسلمونها الى ابراهيم البيروتي وهو بدوره يوزعها بين اصحابها من رواد المقهى... اما ما يتبقى من الرسائل فيصفها فوق “رف خاص بالرسائل” اوفوق صندوق الرسائل ليتسلمها صاحبها حين يمر بمدخل المقهى.

       

                          المتحف البغدادي

كان التختان المتقابلان في مدخل المقهى مخصصان للشعراء والادباء امثال الملا عبود الكرخي والحاج مجيد مكية، ومحمد سعيد التكريتي وكاظم القهراوي وشكر الملا حسين وتوفيق الخانجي عم الاستاذ يوسف العاني ومحمود الحاج جواد الشكرجي وفائق التكريتي وداود الوتار.

          

ولم تكن في عهد محمد البيروتي العاب الورق والدومنيو والترد والزاد الصينية داخل المقهى وقد دخلت بعد وفاته.. وتولى ابراهيم ادارتها فانقلب جو المقهى من الهدوء والراحة الى صخب وضجيج مما اضطر عدد من روادها الى تركها والجلوس في مقهى اخر، وكان اول التاركين الى هذه المقهى هو المرحوم فائق التكريتي حيث جاء في قصيدة الشاعر الملا عبود الكرخي المنظومة عام 1924م:

ترك “گهوة البيروتي”

الشهم “فايق التكريتي”

تركها، حق معاه قمار

بيها لعب ليل نهار

گال “الصاي” گال “الزار”

گال انطيني “صينيتي”

معاك الحق اخي “فايق”

على اقرانكم “فايق”

انا مثلك اخي ذايق

مرار، وانهزم نيتي

تسمع فقط حس صايات

تترادم على الميزات

وهرجه وضجه وللفوات

الاحسن اگعد بيتي

    

ولابد لنا ونحن نؤرخ لهذه المقهى الشهيرة ان نقول انها كانت في الفترة التي سبقت انتشار الصحف سوقا ادبية ينتابها كل من لديه الرغبة في القاء كلمة او قصيدة في المناسبات الدينية والوطنية وغيرها. وفي تلك الايام ذر قرن المهاجاة العنيفة بين الشاعر الكرخي واعوانه وشاعر من جانب الكرخ وشلته.
وكان لكل منهما رواية يتولى قراءة ما يستجد من شعره ضد الشاعر الخصم فكان فاضل الحاج عباس وهو شاعر شاب من “فحامة الكرخ” رواية الكرخي وهو البادئ بالتحرش بقصيدة من وزن “البند” اولها “الا يالعنة الله على الكرخي عبود” فاجابه الشاعر الكرخي بعشر قصائد اخزته الى يوم الدين حيث يقول فيها:

راوية عنده ها لمخنث “اسد”

اصفهاني عجمي طرطرلي هدد

كل نهاره يگوم يگعد بالبلد

صاحبه ينطيه شتمي بتسكره

ومما يجدر ذكره انه ممن هجاه الكرخي مع اسد العجمي في قصيدة تعد من روائع منظوماته الهجائية حيث يقول:

لاكتب اعلانات وانشر بالبلد

عن عمل “سلمان” واللوتي “اسد”

(اسد) لوتي من حثالة اصفهان

وصاحبه “سلمان ابن البهلوان”

كلا وجيه وحرامية من زمان

مثلهم بالبشر ما يوجد ابد!؟

الحديث يطول ويطول على هذه المقهى ولكننا بما اسلفناه من لمحات وذكريات تراثية بغدادية والى مقهى تراثي اخر.


  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1165 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع