كثيرة هي المحطات الحافلة في مسيرة التراث البغدادي، وفي كثير من الأحيان تخلق لنا المصادفات أحساسا وسعادة بالتذكر والأرتباط بواقع عشنا وتعايشنا مع أحداثه أو نقل ألينا عندما نستذكره مع أصدقائنا...
فالحياة مليئة بالقصص والأحداث ، وهي تحتاج لمن يصورها ويكتب عنها بأمانة موضوعية وأخلاقية، وطالما والحمد لله أن ذاكرتنا لازالت مملوءة بما خزنت فلماذا لا نستخرجها ونكتب عنها وننشرها، جاءت أحدى المصادفات لمكانين أحدهما في مول حيث شاهدت الأطفال وهم يتلذذون بما يشريون من المشروبات الغازية، والآخر في مطعم لفندق شاهدت كيف يتلذذ شاربي الخمر بما يحتسون، شدني هذا المشهدين في مكانين مختلفين وبزمن ليس بعيد بينهما، شدني ذلك المنظرين الى ضفاف ذلك الزمن الجميل ليستدرج ذاكرتي بالكتابة، وهي ليست مذكرات تسجل باليوم والشهر ولا تفصل ولا تحلل ولا تستنتج بقدر ماهي نفثات ومشاهدات لواقع عايشناه وعاصرناه وتمتعنا به أبكانا وأفرحنا وكأني أرى الحياة مواطيء البهجة والشقاء، شدني مارأيت الى زمن ليست بالغة القول،أنه من أزهى الفترات التي أعطت بدايات العطاء الفكري والعلمي والنهضوي في كافة المجالات، سوف تكون ذكريات سعيدة وحالمة للأجيال الحالية والقادمة وذلك لان كل عصر له جماله ومعانيه.
*- المشروبات السائلة والغازية: تعتبر المشروبات السائلة شيء رئيسي في حياتنا سواء كانت طبيعية أوغازية لاحقاً، فلقد أعتاد العراقيون منذ بدء حضارته من شرب السوائل مع وجبات الطعام والمناسيات، حيث يحدثنا التأريخ والمؤرخين بأن سكان بلاد مابين النهرين كانوا يشربون خاثر اللبن(الشنينة) والحليب وماء الشعير المخمر غير المخمر وعصير التمر وعصير العنب، وعندما بدأوا بزرع الأشجار كالرمان والحمضيات تناولوا عصيرها، كما أنهم أستوردوا تمر الهند وأصبحوا يتناولون عصيره، أستمرت المشروبات السائلة منذ عصر العراق القديم منذ أيام السومريين والبابليين وصولا للدولة الآرامية والعباسية وحتى العثمانية والى يومنا هذا..
في أواخر الدولة العثمانية اضيفت شرابات القمر الدين والأسكنجبيل وعرق السوس وعدة البائع المميزة وطاساته النحاسية وهو ينادي (دوة المعدة ياولد) والبلنكو، في ما ذكرناه، كانت الشرابت واللبن ييتم تبريدها في سراديب البيوت والخانات، وكانت صناعة الشرابت أما بيتية أو فردية من صنع بائعيها.
في نهاية القرن التاسع عشرأنشأ الأتراك معملا للثلج، وبدا البغداديون ينعمون بشرب الماء والشنينة والشرابت في الصيف الحناني الحار واللاهف، وأنتشرت صناعة الثلاجات الخشبية (صندوق الثلج)،يتكون من صندوق خشبي مبطن من الداخل بالجينكو، ويوضع بين الجينكو الغلاف الخشبي نشارة الخشب كمادة عازلة، وفي جهة من الصندوق يعمل حوض مغطى وله حنفية الى الخارج لأستخراج الماء البارد، ويلف الثلج بكونية حتى لا يذوب بسرعة وتوضع قناني الرارنج والليمون الحامض الذي عصرته الأمهات في الشتاء كما تحفظ باقي الشرابت بجانب الثلج ..
أصبح في كل عكد أو محلة يقف بائع الثلج وأمامه ميز خشبي موضوع عليها قوالب الثلج ولديه منشار لقص القالب الى النصف أو الربع حسب الطلب، كما أن بعض بياعي الثلج يدورون بعرباتهم لتوزيع الثلج.
من المعلوم بان ثراء البلد وجماله نابع من حيوة مأكله ومشربه وتراثه وثروته وتماشيه مع الحداثة، وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى أنتشر بشكل واسع شرب الشاي وأصبح تناوله في الفطور الصباحي وبعد وجبة غذاء الظهر والعصرونية مع الخبز والجبن والنعناع وأحيانا مع خبز العروك وأصبح شربه في القبولات متميزا بين العوائل العراقية المترفة.
عرف النامليت والسيفون في نهاية القرن التاسع عشر، ودخل العراق في بداية القرن العشرين وكان دخوله عن طريق الأنكليز، والنامليت هو عصير الليمون وقد تغير الى النامليت بسبب عفوية اللغة وهو مشروب بنكهات وألوان مختلفة منها الأحمر والأخضر والبرتقالي يصنع من الماء والسكر وروح الليمون والبرتقال وبعض من الألوان الصحية باستخدام ثاني أوكسيد الكربون مع بخار الماء، وكانت القناني للنامليت والصودا محكمة بكرة زجاجية(دعبلة) ومشدودودة بتيل وطريقة فتحها بواسطة الأبهام والكف، كذلك الحال مع الصودا والذي يصنع من الماء النقي وغاز ثاني أوكسيد الكربون.
بعد نشوء الدولة العراقية بدأ تحسن في المستوى الأقتصادي والأجتماعي وعمليات أكتشاف النفط وأنتاجه والأنفتاح على أوربا، وعند بدأ التيار الكهربائي أقدمت شركة عبد علي الهندي في منتصف الثلاثينات المستورد وصاحب معامل الثلج والنامليت والسيفون والصودا في بغداد الكرخ في منطقة الفلاحات الشواكة بأنتاج النامليت، فبدأ عصر المشروبات الغازية، وسميت هذه المشروبات بالمرطبات وكانت الدعايات لها منتشرة وهي تقول(أنها تنعش ولا ترعش وترطب الجسم وتذهب عنه الظمأ).
في البصرة كان من رواد أنتاج النامليت معمل فيليب رفي وكان يصدر النامليت الى الكويت لعدم وجود معملاً هناك.
في الموصل كان معمل فاضل وعلي هم رواد أنتاج النامليت وكان يغطي المنطقة الشمالية.
وفي بعقوية كان من رواد أنتاج السيفون هادي السعيد، وفي الناصرية حسين الهداوي.
في بداية أنتاج النامليت السيفون ولكثرة الغاز في القنينة فأن شاربه يشعر بنشوة الغاز يخرج من أنفه، وهناك من يتغزل بالنامليت وينشد:
(نامليت بارد-يخلي العجوز تطارد).
في عام 1934 أفتتح شارع أبو نؤاس المطل على نهر دجلة في جانب الرصافة بطول(3) كيلو متر من الباب الشرقي وحتى نهاية الكرادة تتخلله مساحات خضراء مع بعض الأكشاك لبيع المرطيات، وأزدحم بالعوائل والشباب والسماورات لعمل الشاي والأكشاك لشراء النامليت والسيفون والصودا والمرطبات...
فأزدهر البارد والشاي وكل حسب متذوقيهن وأنتشرت المحلات (الدكاكين) في المناطق وبدأ أهالي بغداد يشترون قناني النامليت ولا يعطي البائع القنينة الا بضمان مادي بغية استرجاع القناني الفارغة، أصبح النامليت والسيفون يغطي العراق وشاع استعماله في الصيف اللاهف في المقاهي والمنتزهات والساحات والسينمات وفي المقاهي مثلا عندما يبشر أحدهم بخبر مفرح كالولادة أو الخطبة فأن الويريكون البارد وليس الشاي.
وفي الاربعينات في منتصفها دخلت الكوكا كولا الى العراق،والتي صنعها الأمريكي الصيدلاني كاليب برادهام بأستخدام نبتة الكولا والتي أجيز أستعمالها في أمريكا عام 1903، وفي بداية الخمسينات أقدم الصناعي عبد القادر أسماعيل وشركائه بأنشاء مصنع للكوكا في نهاية شيخ عمر..
وبدأت الكوكا بالظهور في يغداد كصناعة بأيدي عراقية وبترخيص من الشركة الأم ببيعها في بغداد،
وبعد فترة أنشأ معملا للبيبسي في الزعفرانية من قبل صناعين عراقيين ومن ضمنهم الصناعي أنور الجوهر، وكان الأقبال عليهما مذهلاً وبدأ أنحسار النامليت والسيفون، وحين أرمي بصري وطاف بي الخيال وتذكرت كيف كان مصروفنا يتبخر في شرب الببسي أو الكوكا ونقعد نرج في البطل لحد ماتفور الزجاجات(الغاز) الصغيرة وشربها لآخر قطرة، كما وكنا نلعب فيما بيننا لعبة (البوصة) وأين تصل عند فتح البطل وهذه اللعبة تكون على سرسوحة في المحلة وبعد الخروج من المدرسة، ونتذكر كيف كان العمال والكسبة يشربون (الدبسي) بلهجتهم وهم يطلبوها مع الصميط أو الصمون.
وفي الستينات ونتيجة لقيام شركة الكوكا ببناء مصنع لها في آسرائيل قاطعت الدول العربية وبضمنها العراق الكوكا وتربع الببسي المشروبات في الأسواق بعد أن أنتهى النامليت والسيفون من الظهور، وظهر المشن وهو شراب البرتقال بالغاز وبدأ نجمه يرتفع وزاد الأقبال عليه لطعمه الرائد والذيذ.
وفي الستينات أيظا دخلت الفانتا والسفن آب وأخذت مكانها في تلذذ شاربيها ،
كما ظهر التراوبي وهو شراب العنب ولكنه لم يكن بجودة شربت زبالة،
وظهر أيظاً السبرايت والكندا دراي والميراندا والسينالكو
وتنافست الفانتا والمشن ولكن تذوق البغدادين للفانتا كان أشد من المشن،وفي نهاية الستينات ظهر مشروب الشابي ولكنه ظل في وسط سلم المشروبات.
كل هذه المشروبات كانت بفضل القوانين التشحيعية للدولة العراقية وبراعة رجال الصناع والأعمال العراقيين بأنشاءها.
مع ذلك ظل شربت زبيب زبالة وشربت رمان جبار ولبن أربيل الذي أخذ شهرة واسعة بمحله المشهور في الباب المعظم يتربع متذوقي كافة العراقيين.
*- المشروبات الكحولية: كانت الخمور ذات أهمية في المجتمع العراقي منذ آلاف السنين، وقد جرى ذكرها في الأكتشافات الأثرية لسومر وبابل وأكد وآشور، والخمر كان يقدم مع الطعام، وكان يحتسى مع اللهوا في الحانات، وكان عند العبادة لآلهتهم في حينها، وكان السومريين والبابليين يتفننون بصناعة البيرة ولهم أنواع كثيرة وصل عددها الى 36 نوعاً،وكان تخمير الشعير مظاف أليه مواد مثل الجود المنثور، ومن أنواعه المشهورة البيرة السوداء التي لعبت دورا كبيراً بين المشروبات الكحولية، ونرى الآن أن أفضل بيرة في بريطانيا هي (الكنيس) وهي تشيه البيرة البابلية أن لم تكن مستقاة منها.
يعود تأريخ النبيذ الى الألف الثلث قبل الميلاد وتدل الأدلة الاثرية على أنه تم تدجين شجرة العنب في العصر البرونزي قرب مواقع في سومر وبلاد النهرين،وكانو يصنعون النبيذ من العنب ألا أن نوعيته لم تكون جيدة بل متوسطة ولهذا كانوا يستوردون النبيذ الجيد من سوريا وأرمينيا.
ومن المشروبات الكحولية المفضلة شراب النخيل الذي يحصلون غليه من العصير الذي كان يسيل من ثقوب يعملونها في جذع النخيل حيث يتم تخميره خلال ثلاثة أيام وهو يحمل نسبة عالية من الكحول تفوق كثيرا عن البيرة والنبيذ وهو ما يمكن ان نطلق عليه العرق ولكن بدون مطيبات المستيكة واليانسون الذان لم يعرفها قدماء السومرين والبابلين في ذلك الزمان.
لا يقدم رجال ذلك الزمان على أحتساء تلك المشروبات الثلاث في البيوت أذا أرادوا اللهوا والأنتعاش بل يذهبون الى الحانات وحسب مكاناتهم الأجتماعية، فالحانات مقامات، وهذه الحانات مستعدة لبيع المشروبات،ويهمن اللهوا والطرب والأنتعاش في تلك الحانات،وأغلبها تدار وتخدم بواسطة النساء، وهناك من يسكر كلياً(حتى الثمالة) فيتم توصيلهم الى بيوتاتهم عن طريق أصدقائهم أو معارفهم، وهكذا فأن الطعام والشراب كان السمة البارزة في الحضارات العراقية القديمة ثم الارامية ثم العباسية والتركية والى يومنا هذا.
أستطاع جابر بن حيان العالم الكيميائي والذي مارس الكيمياء عمليا في عهد الخليفة هارون الرشيد والذي نجح في وضع اول طريقة للتقطير في العالم والذي بدوره قاد الغرب والشرق بطريقة مثلى لتصنيع الخمور.
أذاً بغداد بثقلها وتأريخها وتراثها لها خصوصية أمتزجت بها ما نقل أليها من عادات وممارسات للحياة المنفتحة التواقة للتبغدد كما يقال عنها من قبل المصريين للكشخة والدلع والفرفشة في المأكل والمشرب والسلوك.
وبتأسيس الدولة العراقية الحديثة، أعتمدت دولة المؤوسسات على سياسة تشجيع ودعم المشاريع الصناعية من خلال أمتيازات أمتيازات وحوافز واعفاءات كمريكية، أقدم رجال الأعمال على تاسيس الصناعات الحديثة كمعمل الزيوت والصابون والنسيج والسكائر والجلود والمشروبات الغازية والكحولية والبيرة وغيرها.
أقدمت عائلة المسيح وشركائها بأنتاج العرق من تخمير التمر الزهدي وتقطيره من المستكة وسمي بعرق المسيح، وأقدمت عائلة حداد وشركائها بأنتاج عرق سمي بالعصرية، وكلا صانعي المشروبين كانوا ينتجون عرقاً خاصاً بأضافة الفواكه والدجاج، ويمكن ملاحظة ذلك من نكهته وطعمه المميز، أبدل المستكة باليانسون وسمي العرق بالزحلاوي نسبة الى منطقة زحلة في لبنان. وكان اليهود العراقيون يقطرون العرق بأضافة الحيوة والدجاج الدهين وكانت لهم جلسات للطرب وقراءة المقامات.
كما يوجد أنواع من العرق لا يعرف مستوى درجة الكحول فيها وأنها لا تخضع للمواصفات الصحيحة ومنها ما ينتج في هبهب ويسمى (عرق أبو الكلبجة) وهو العرق الذي يسكر من اول جرعة ويؤدي بشاربه الى العربدة وأحياناً الى الحبس، فأما عرق بعشيقة تتراوح جودته بين الجيد والمتوسط، هذه الأنواع تباع بأسعار رخيصة.
أقدمت وزارة الصناعة عند أنشائها معمل الكحول بأنتاج عرق أبو نؤاس وهو من الأصناف الجيدة وحضي ذلك العرق على سمعة جيدة عربيا ودولياً.
أن العرق العراقي يختلف عن باقي العرق المنتج في لبنان وسوريا وتركيا واليونان كونه يعتمد على تخمير التمر وليس العنب كما يعمله الآخرون وهذا يدلل عن خاصية العرق الموروث من قدماء العراقيين.
كان بعض الناس يسمون العرق ب ( حليب سباع ) وكلنا يتذكر الحديث بين الأستاذ والتلاميذ في تمثيلية(تحت موس الحلاق) في فصل محو الأمية حول الكحول، فيسألهم المعلم(تشربون ويسكي) فيجيبه الفنان المبدع عبد الجبار عباس(أستاذ أحنا هذا الويسكي ما نستعبرة أحنا نشرب حليب سباع)أي العرق، والبعض يعتقد بأنه من مظاهر الرجولة وشراب للزلمة ، ةلهذا فأن كثير من العراقيون يفضلون العرق عن المشروبات الأخرى.
أقدم الصناعي مجيد خدوري وشركائه بأنتاج البيرة،كما أقدم القطاع المختلط على أنتاج البيرة أيضا،ولهذا فكانت الأنواع هي فريدة ولاكر وشهرزاد والأمستل وديانا وكانت أصناف جيدة ولذتها المجرشة..
اما شراب النبيذ فأنه ظل دون المستوى فشراب الحدباء كأنه خل ويوجع الرأس وأن نبيذ الأديرة كان هو المفضل
عندما يضيء ليل بغداد تستقبل البارات وأماكن المشروب السهارى من مختلف الشرائح،البعض يذهب الى النوادي:
(نادي الضباط ونادي المهندسين ونادي الأطباء ونادي الأعلام ونادي المعلمين ونادي صلاح الدين ونادي المحامين ونادي الجيولوجين ونادي المالية ونادي الزراعين ونادي العلوية ونادي الهندية ونادي سولاف ونادي المنصور ونادي الصيد لاحقا ونادي الآثوري والنادي الأرمني والمشرق و...هكذا) والبعض يفضل البارات في شارع أبو نؤاس والذي يعتبر أهم رموز الترف والحياة والذي تغنى به الكثير من الشعراء والمغنين لكثرة مقاهيه ونواديه وكازينواته، والبعض يفضل شرب البيرة في بارات شارع السعدون،حيث يتبارى كثير من رواده بمنظر تجميع أكبر عدد من قناني البيرة على موائدهم وخاصة في بار ليالي السمر،وهناك من يفضل بار الفارابي الأنيق والمطل على شارع أبو نؤاس وبار فيتامين وال21.
يذهب بعض من الميسورين في ليالي بغداد التي تتسع للسهرانين الباحثبن عن المتعة والخمرة والطرب الى ملاهي بغداد والتي هي نوادي ليلية(كابريه) رفيعة المستوى والذوق وفيها راقصات ومغنيات أجنبيات وهناك لا يقدم العرق بل الويسكي والبيرة والواين والشمبين وهذه الملاهي هي الأمباسي وسليكت والطاحونةالحمراء وعبد الله وأبو نؤاس وليالي الصفا.
بعض من ذوي الدخل المحدود والكسبة يرتادون البارات الشعبية الصيفية والشتوية في الباب الشرقي وهناك الصحون من الفافون مثبتة بالبسامير على المناضد الخشبية يمر عليها الكارسون(البوي) وعلى روادها ليضع في الصحون لبلبي أو باقلا أو جاجيك موضوعة في سطول بحملها وحسب رغبة الشاربين وهناك يقدم العرق الفل، وتوجد كارتونات مكتوب عليها ممنوع الغناء، فينتعشون بشربهم وهم يستمعون لأغاني أم كلثوم، والبعض منهم يردد مقولة قديمة(مادام بالنخلة تمر ما جوز من شرب الخمر).
في الصيف تطرز بعض مناطق بغداد بالجراديغ على ضفاف دجلة،
وتبدأ السهرات الجميلة بعد السباحة حيث المشروب والمسكوف وسماع الأغاني لأم كلثوم وعبد الوهاب والكبنجي ويوسف عمر وناظم الغزالي، والبعض لديه بلم للنزهة والشرب والشوي في أحدى جزر نهر دجلة.
كانت أيام أمس منعمة بالآمان والصحة والبساطة والحياة بين السعادة والأسى وما ينقل عن شاربي الخمر وصفهم لما يشعرون وسبب تعاطي المشروب، يمكن أن ندرجها وكما يلي:
*- السُكر يعطي الحديث مع الصديق أبعاداً أكبر وطاقة هائلة للبوح بالمكنونات الكامنة.
*- السُكر بعطي الأستماع للموسيفى طعماً مميزا.
*- السُكر يكسبك الشجاعة والحنان العاطفي.
*- السُكر يزيد من أمكانية كتابة أحلى الأشعار من له بصمة شاعر.
*- أحدهم يقول أني اشعر وكأني عمر الخيام وأبو نؤاس عندما اسكر.
*- الشعور بالمتعة بعد عناء العمل وأنشغالات البيت... وهكذا..
وعندما نفتح أجندة الذاكرة نجد بصماتً التدخين الملازمة بنسبة 90/100 لشاربي الخمور فكان البعض يدخن سكائر اللوكس،
والبعض يدخن سكائر تركي، والبغض سكائر غازي، والبعض سكائرالجمهورية ..
والبعض سكائر روثمان، والبعض سكائر الكرفن، والبعض سكائرالمارلبورو، وهكذا وكما يقولون لا يحلى الشرب الا مع سيكارة لا تنطفأ.
ماذا نرى الآن بما يتعلق بالمشروبات الغازية، حيث أغلقت الكثير منها وراجت المشروبات المستوردة والمشروبات المصنعة في مساكن سوق مريدي وهي تحمل علامة الببسي والكوكا وغير ذلك.
ماذا نرى الآن بعد القرار الأخير بمنع البيع وتقديم المشروبات في النوادي والفنادق والمطاعم والمرافق السياحية والتي مست بشكل كبير الحريات الفردية بعد أقتحام رجال الشرطة لمحال الخمور والنوادي الأجتماعية وتم تحطيمها وأعتدوا على روادها، تاركين تجارة الحشيشة وحبوب الهلوسة بغير رقيب أو رادع، وكأنهم من يشجعون تعاطيها، أكتب هذا ليس دفاعا عن الخمرة وشاربيها بل لأيماني بحرية تصرف أي فرد وأي معتقد وسلوك وحياة لمجتمع متنوع الأديان والطوائف والذي يحمل روح وتراث العراق.
ماذ نرى الآن بعد أن قامت أمانة بغداد بقلع أكثر من 290 شجرة بغية تدمير الهوية الحقيقية لشارع أبو نؤاس،الشارع الجميل والذي حمل بطياته أجمل ذكريات لرموز بغداد وفنانيه وشعرائه وعلمائه وضباطه ومثقفيه وسياسيه، أن ماقاموا به هو أقتلاع لثقافة وتأريخ وتراث لكي يبقى العراق بلا تأريخ وبلا معالم تدل على حضارته، لكنهم سيفشلون كما فشل من أحتل العراق،ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
734 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع