حوار في حدائق الگاردينيا مع الشاعره (إلهام زكي)
برزت السيدة إلهام زكي من بين الآخرين، كل الآخرين إنسانة بمشاعر ترى الواحد منا أقرب الى الكمال المقدس، وأحاسيس تدفعها للنظر الى الناس كل الناس أنهم أصل الخير.
الناس في تكوينها العقلي بلا أحقاد، ولا تناحر مخل في طريق السير.والانسانية من وجهة نظرها، غاية النبلاء وأمل البشرية في العيش بتواد... هي من بين النبلاء والصفوة تدعو مثلهم أن يكون الانسان ملاك بلا معاناة، ولا أحقاد. وقفت ومازالت كذلك تقف بالضد من الأحقاد.
الأحقاد في قواميسها آفة باتت تزحف الى النفوس.. تنتشر كالوباء عن طريق العدوى في هذا الزمن الصعب، نذرت نفسها لمكافحتها كلما استطاعت الى ذلك سبيلا.
برزت السيدة إلهام شاعرة، كونت لنفسها مكاناً على مسرح الشعر، وقفت عليه شامخة ، أمتلكت ناصيته، فأبدعت في نضمه، وتميزت عن غيرها فقدمت أجمل الكلمات التي ستبقى في ذاكرة العراقيين الى الأبد.
عشقت بغداد، تغنت بها شعراً من أحلى الشعر، كتبت عنها أدباً، فكانت خير من كتب عن بغداد وأهل العراق.
أرادت أن تكون زراعية، وعندما تخرجت من الكلية المختصة بالزراعة، لم تزرع سوى أبيات شعر عن الانسان والأرض والعدل والحاضر والمستقبل، حصدتها العقول زاداً يشبع حاجتها الى الحرية والجمال والحنين الى الوطن الجريح.
هجرت العراق، بل هجرها العراق منذ العام 1978، ومع هذا أبقته قبلة لصلاتها الأدبية ليل نهار، كأنها تعيش وسط حاراته القديمة بين أهله والأصدقاء.
قصدت السويد عام 1994، تفتش عن وطن لا يهجرها فوجدت حنينها باق الى العراق الذي غادرها من زمان، فباتت تعاوده شعراً وكأنها باقية فيه، تحس آلامه تكتوي بناره، تئن ويلاته، حاولت أن تهرب من مشاعرها وأحاسيسها هذه بالشعر والكتابة فكان هروباً أكثر ايلاما من مواجهة المحن التي يعيشها أهل البلاد.
الشاعرة والكاتبة الهام لم يقتصر نشاطها على الشعر، ولم يتوقف تميزها على الكتابة، فكانت هكذا في الحياة الإجتماعية زوجة مخلصة وأم مثالية وكذلك في العمل الذي دخلت مجالاته في السويد نشطة، لتكون قدوة لمن جاء من الشرق قاصداً هذه البلاد البعيدة، فسجلت أنها سيدة لا تكتفي بالجلوس في البيت وأنتظار العون. وسجلت أيضاً مناصرتها بنات جنسها، فدافعت عنهن، ولتعزيز مناصرتها ودفاعها أصبحت عضوة في جمعيات المرأة العربية والعالمية وعضوة في الجمعية المندائية.وعضوة اتحاد الأدباء السويدي.
السيدة الشاعرة الانسانة(الهام زكي) نلتقيها اليوم في الگاردينيا،نريد وجمهور القراء معرفتها عن قرب، ونيابة عن الجمهور الذي يقرأ لها، لنتعرف على من هي السيده الشاعره (إلهام زكي).
*مقيمة في السويد / مالمو منذ عام 1994
*خريجة كلية الزراعه عام 1974 بغداد
*متزوجة ولها 4 ابناء
*عملت في قسم الحدائق والمشاتل كأول امرأة تعمل في هذا المجال بمنتزه الزوراء عام ١٩٧٤
*هاجرت من العراق عام 1978 الى دولة الامارات العربية ، وعملت مهندسة زراعية بعد ان مكثت 14 عاما في ابو ظبي
(في السويد) :
*مارست عدة أعمال بعيدة عن اختصاصها
*دخلت المجال الادبي مؤخرا ً وكانت بدايتها مع مركز النور
* عضو اتحاد الأدباء السويدي
*عضو في كثير من الجمعيات النسائية والثقافية في مالمو
صدر للشاعرة :
* ديوان بعنوان حبيبتي دوماً عام 2009
* ديوان بعنوان ضاع الكلام عام 2011
* ديوان بعنوان إليك أيها القادم 2012
وأخيرا بعد أن جمعت الدواوين الثلاث السابقة مع الرابع تم إصدار الكتاب تحت عنوان:
(الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة عام 2015)
ونبدأ حوارنا على عكس المعتاد من نهايته سيرة وذكريات الشاعره الهام وهو :
س :عشت وعشقت العراق وخاصة بغداد ،وتنقلت الى الإمارات وعملت فيها لمدة طويلة ثم آخر المطاف في الغربه ( السويد) ولكل مكان خواصه ( محاسن او مساوئ ) أيا منها أفضل للعيش وفقا للظروف الحاليه ؟
ج: ليس هناك مجال للمقارنة ما بين الوطن والبلد البديل فالغربة غربة في أي بلد كان ولكن تحت الظروف الراهنة للعراق تكون السويد هي الأفضل بكل المقايس حيث الأمان والاستقرار وضمان مستقبل الأولاد.
س: زرت بغداد وأول مكان هو منتزه الزوراء ،لماذا الزوراء قبل أي مكان وهل لك ذكريات خاصة فيها أم ماذا ولماذا ؟
ج: الزوراء هي عشقي الثاني بعد بغداد فهل أنسى بأني أول امرأة عملت في قسم الحدائق والمشاتل وأنا من فتح الباب أمام اللواتي جاءوا من بعدي من مهندسات زراعيات إلى عاملات في الأجر اليومي
فكيف لا أهرع بصحبة أشواقي وحنيني إليها .
س: تخرجت من كلية الزراعه ،وعملت في هذا المجال فترة طويلة ،وبعد استقرارك في السويد ،كان أكثر التوجه نحو الشعر بعيدا عن الاختصاص الرئيسي ،هل أثرت بك الغربه وكيف؟
ج: لم يأتي الشعر أو غيره بتخطيط مسبق ولكن أثناء حرب الخليج ومن خلال متابعتي للأخبار من خلال شاشة التلفاز أنفجر بركان الشعر داخلي وبدأت أكتب وأكتب ما يقارب الست او السبع صفحات أدون بها حرقة قلبي وجزعي على بلدي الحبيب فجاء أول الغيث بــ ( ضمور الحلمات )
أيُّ أمـلٍ يـُرتجـى مـن الغـــزاة .. !؟
بــؤسٌ وشقــاءٌ وممــاتْ
والجـوعُ والمــوتُ مـــرآة
فـي العيــون الباكيــاتْ
أيُّ ســلامٍ يـُرتجـى منكـمُ يـا طغـــاةْ .. !؟
عبثتـمُ فـي الأرضِ فســـاداً
ودنستــمُ ... المقـدســـاتْ
أيُّ فــرحٍ يـُرتجـى منكـمُ يـا قســـاةْ .. !؟
بنـتُ العــراقِ ثكلـى تعيـشُ علـى الفتــات
والطفــلُ علـى صــدرِ أمــه مـذعـــورٌ
مـن ضمــورِ الحلمــاتْ
يــا إلهــي ... إلــه السمـــاواتْ
عـراقنــا ... عـــراقُ الحضـــاراتْ
أســودٌ أهـلــهُ .. أســودٌ أُبــــاةْ
لكـن مـن حكمــوهْ ... قســـاة
مـن هــولاكــو إلـى بــوش والإمعــاتْ
أيُّ فــرحٍ يـُرتجـى منكـمُ يــا غــــزاة ... !؟
هيهـــاتَ ثــم هيهـــات
أن تمــوتَ دجـلــةُ أو يضمــرَ الفـرات
وسيبقــى اسمهمـــا أغنيــةً للحيـاة
س: قول لأحد الشعراء
أني رحلت الى بلاد تستريح على....... رباها خيمتي ودفاتري ومدادي
ووجدت أن أحبتي رحلوا معي .......... وما وجدت في تلك البلاد بلادي
والبيت الشعري هذا يحدثنا عن الرحيل من بلاده التي أحبها ،الى بلاد لم يجدها كما هي وطنه الام ،ماهو رأيكِ في البيت الشعري وخاصة انك مررت بالظرف ذاته؟
ج: إذا تكلمنا بصراحة ومن تجربتي الخاصة فللعمر والمكان دور كبير في تجسيد الغربة ، فعندما كنت شابة وغربتي كانت في بلد عربي هو أبو ظبي لم أشعر كثيراً بها ولكن الغربة قد عصرتني تماما في الدول الأوربية ومع تقدم العمر يزداد الشعور بمرارتها
س: كتبت عشرات القصائد المختلفة ، من ناحية الزمان والمكان وبالتأكيد أحببت جميعها ،لكن أيا منها كان له أثر كبير عليك أكثر من غيرها ؟
ج: هناك اثنان هما ضاع الكلام و أنا والسراب وهذا يوتب ب ضاع الكلام
https://www.youtube.com/watch?v=54fuQv3so7Y
س: هل كان للعائلة تأثير على سيرة حياتك في مجال الشعر ؟
ج: لا أبداً فقد كان أتجاه العائلة أتجاه علمي لكني كنت أكتب بعض الخواطر وقت الشباب وأكثر ميولي كانت نحو الرسم والخياطة وتصميم الأزياء.
س: نحن الآن حاليا في حدائق الگاردينيا وينتظرنا الأخوة القراء للإطلاع على هذا الحوار الممتع هل لك ان تقدمي لنا قصيدة في مناسبة وجودنا في حدائق الكاردينيا ليستمتع بها قرائنا الافاضل ، وهي هديتك لهم وأفضل القصيده المحببة اليك ،او لك ما تختارين ؟
ج: https://www.youtube.com/watch?v=Lhn4VFiC7bc
س: ما هو تأثير الغربه على شعر السيدة الهام زكي ؟
ج: هناك تأثير كبير وواضح على كل ما كتبت من نثر إلى أشعار فنبض الحنين للوطن جليٌ حين قلت :
في قاعة الحفلة أجترُ نارَ غربتي
الكلُ يرقص ويغني وأنا أجالسُ وحدتي
س: كيف تنظرين الى المرأة العراقيه في هذا الظرف القاسي وهي ( مهجرة من دارها،أو مهاجرة خلف الحدود ) ؟
ج: المرأة العراقية مظلومة بكل المقايس وخصوصا في هذه الفترة المظلمة التي يمر بها العراق ، كلما حاولت أن تتحرر من العادات والتقاليد البالية تأتيها ريح عاصفة من الجهل والتخلف تعيدها إلى الوراء وإلى العصور الوسطى وإلى السبي والبيع في سوق النخاسة ، بصراحة الكلام مؤلم عن المرأة العراقية في هذا الوقت السيئ ومع شديد الأسف .
س: لنبتعد قليلا عن الشعر والغربه ،وندخل مطبخ السيده إلهام ،أي الأكلات تتقنيها وتحبيها وهي دوما على مائدة الطعام في المناسبات المميزه؟
ج: بصراحة أنا طباخة ماهرة الدولمة هي التي تكون في المقدمة في المناسبات إلى جانب كبة الحلب وكبة البرغل والتبوله،أما الدجاج المحشي فنحن المندائيون نطبخه بطريقة لذيذة جدا بسبب استخدامنا بهارات خاصة بالدجاج المحشي وبمناسبة البهارات فأنا أفضل أن أطحنها بنفسي كي تكون طازجة وذات نكهة شهية هذا غير المقبلات ، أما الحلويات فقد كنت أجيدها جميعها ولكني قد طلقتها بالثلاث ! من فترة بعيدة بسبب مرضي بالسكري
لنعود الى أصل حوارنا وسؤالي هو :
س: كتبت عن المرأة في مقال بعنوان ( مكانة المرأة في الديانة المندائيه ) ،وتطرقت الى ظلم المجتمع الذكوري عليها ،وهنا أودّ القول ان المجتمعات المتخلفة ،هي السبب ،بينما نجد المرأة في المجتمعات المتحضرة ،أصبحت رئيسة دوله ،وهزمت جيوش ،وقادت طائرات وسفن حربيه وتجاريه ،هل الأسباب التخلف ،ام العادات والتقاليد ،ام السياسة وما هي طرق العلاج للنهوض بالمرأة في المجتمع العربي ؟
ج: حينما كتبت مقالتي عن مكانة المرأة في الديانة المندائية كان غرضي هو أن أبين كم أنصف الدين المندائي المرأة وهي مساوية تماما للرجل بل وأعلى مكانة منه دينياً ورغم ذلك فقد اضطهدت بسبب المجتمع الذكوري أسوة بباقي النساء ، أما وتسألني عن طرق العلاج لا يوجد غير طريق واحد وهو سيادة القانون الذي يحمي جميع حقوقها كما في الدول المتقدمة وبما أن العراق حاليا في حالة فوضى و بدون قانون فيبقى الحال كما هو عليه وربما يزداد سوءً .
س: أمنية تتمناها شاعرتنا المميزه ،وهي خاتمة الحوار في حدائق الكاردينيا ؟
ج: بداية ...(ما كل ما يتمنى المرء يدركه *** تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ)
لكنني مع كل ذلك أدعو وأبتهل لعراقي ولبغدادي وللشعب العراقي بجميع أطيافه
زوال الغمة السوداء من سمائه والتحام نسيجه وعودة الفسيفساء الجميلة الزاهية إليه والتي لا تتم إلا بنبذ الطائفية الدخيلة عليه من الأعداء وخصوصاً دول الجوار وأن أرى البسمة من جديد تغردُ على شفاه الأطفال والنساء والرجال
مع عودة النوارس المهاجرة التي أضناها الاغتراب وعراق زاهي جميل كما كان في ذلك الزمن الجميل وكما كان يتغنى به الصغار قبل الكبار .
وختاما أتقدم بالشكر والتقدير لك أخي المحاور (فؤاد حسين علي )، والى الاخ (جلال چرمگا ) رئيس التحرير والى أخوتي كتاب وقراء مجلة الگاردينيا المحترمين ،كما أود القول صراحة ،أن استضافتكم لي في حدائق مجلتكم الرائعة قد أفرحتني وتركت الأثر الكبير في قلبي ، وفقني الله وإياكم لما فيه خيرا وشكرا وألف شكر ...
سادتي قراء مجلة الگاردينيا المحترمين .....
ختام لقائي مع ضيفتنا المتميزة والمتألقة دوما ،أتقدم بالشكر والتقدير للسيدة إلهام زكي ،على حضورها في حدائق الكاردينيا وأدعو لها الصحة والسلامة والموفقيه لما قدمته من خدمة متميزة للأجيال الحاليه ولأجيال المستقبل ،أملي أن وفقت ولو بجزء قليل من هذا الحوار ، ومن الله التوفيق....
أعد الحوار وقدمه
فؤاد حسين علي
382 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع