عبد الرحمن عارف خلف أخاه في حكم العراق (مواقع التواصل)
لم يكن عبد الرحمن محمد عارف يحلم بحكم العراق حين انتسب للكلية العسكرية عام 1936 وتخرج منها ملازما ثانيا، وكانت تخلو صفحاته من النشاط السياسي، هو ابنُ البزاز محمد الجميلي الذي كان يعمل في سوق حمادة في كرخ بغداد، درس في مدرسة دار السلام الابتدائية، وأتم ما بعدها في إعدادية الكرخ التي أفضت به للكلية العسكرية، وهناك استقرت ملامح الشخصية الموغلة في الهدوء والسكينة.
ولد عام الثورة العربية الكبرى 1916 إبان الحكم العثماني من عائلة عريقة تمتهن تجارة القماش وخياطته، وكان جده شيخ عشيرة الجميلات وخاله الشيخ ضاري المحمود أحد قيادات ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني، وهو الأخ الأكبر لعبد السلام الذي سبقه برئاسة الجمهورية الفترة بين عامي 1963 و1966.
من الهامش إلى الحكم
عام 1957 انضم عبد الرحمن لحركة الضباط الأحرار بعد عودتهم من فلسطين، لم يكن متصدرا مشهد السياسة آنذاك، ففي حركة 14 يوليو/تموز 1958 التي أطاحت بالعهد الملكي كان آمرا لكتيبة مدرعات بمعسكر الوشاش في بغداد (حديقة الزوراء الآن).
وحسب حديث سابق له يسرد أنه أثناء وجوده بالمعسكر اتصل به أخوه وطلب إرسال دروع إلى قصر الرحاب بسبب المقاومة، لكن المعلومات أوضحت لاحقا عدمَ وجود مقاومة. كان دوره محدودا آنذاك عكس أخيه.
تولى الرئاسة في 17 أبريل/نيسان 1966 بعد مقتل عبد السلام في حادث تحطم مروحية غامض، كان حينها رئيس أركان الجيش بالوكالة، وكان في زيارة رسمية لموسكو من أجل إتمام صفقة شراء سلاح، الزيارة التي لم تكتمل بسبب عودته فور سماعه بنبأ وفاة أخيه.
تركت وفاة الأخ الأصغر فراغا بالمشهد السياسي حينها، امتلأ بالفوضى والصراعات فترة وجيزة، حيث ترشح رئيس الوزراء آنذاك عبد الرحمن البزاز للمنصب، لكنه لم يحظ بقبول الضباط المتنفذين الذين أقنعوا عبد الرحمن بالترشح وضمنوا له دعمهم، لكن هذا الدعم لم يسعف في التصويت الذي رجّح كفة البزاز، وحدها ضغوطات العسكر التي رفعت عبد الرحمن للمنصب بعد انسحاب البزاز واستمراره برئاسة الوزراء.
فتولى عبد الرحمن المنصب ليصبح ثالث رؤساء الجمهورية بعد عبد الكريم قاسم وعبد السلام، وعمل مع منافس الأمس البزاز دون خلاف يذكر، وامتازت فترة حكمه القصيرة بالاستقرار الداخلي في مختلف المجالات كالأمن والاقتصاد.
التسامح
لم تعرف لعبد الرحمن عارف أية انتماءات أو توجهات متطرفة، كان شعاره التسامح ثم التسامح حتى مع معارضيه، الشيء الذي اعتُبر ضعفا وفسح المجال أمام البعثيين للانقضاض على السلطة في 17 يوليو/تموز 1968.
خلال سنتين من حكمه لم يوقع عبد الرحمن على أي حكم إعدام، وعمل على حل الخلافات مع المتمردين الأكراد (آنذاك) بقيادة ملا مصطفى البارزاني حتى زاره في معقله شمالي البلاد في خطوة غير مسبوقة لرئيس عراقي. وعمل على إعطاء حقوق الأقليات بمختلف انتماءاتهم.
يصف المؤرخ د. محمد الأدهمي فسحة الحرية والتسامح التي صنعها عبد الرحمن عارف بغير المنضبطة، حسب تعبيره. ويستشهد بالسعي الحثيث لجميع الأطراف للإطاحة به، خصوصا بعد إطلاقه جميع السجناء السياسيين وسماحه للأحزاب جميعها بالعمل والتحرك حتى تلك التي تعارضه.
دبلوماسيته
انسحب هدوء عبد الرحمن ورويته في الداخل إلى علاقات العراق خارجيا، فانتعشت العلاقات مع دول الجوار، خصوصا التي كانت تعيش قطيعة مع العراق كالمملكة الأردنية، وتحسنت العلاقة مع إيران وجميع الدول العربية.
كانت له علاقة وثيقة بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي لم يخف إعجابه ولم يتردد بدعمه منذ اللحظة الأولى، لكونه يميل على غرار شقيقه عبد السلام إلى التيار الوحدوي الذي سعى لتوحيد البلدان العربية الثلاث العراق وسوريا ومصر.
وشارك العراق خلال حكمه الدولَ العربية في حرب يونيو/حزيران 1967 بقوات عسكرية لدعم الجبهة، وكان يحتفظ بأسلوب وديع بعلاقاته مع جميع الدول حتى أنه نمّى علاقة العراق بفرنسا ليكون ترابطا وثيقا معها.
يعتبر المؤرخ الأدهمي فترة عبد الرحمن الأفضل من ناحية العلاقات الخارجية. والعجيب أن كل هذا الهدوء يخرج من شخص قضى حياته معظمها في السلك العسكري.
النهاية
وضع مجموعة من الضباط والسياسيين بقيادة حزب البعث نهاية لحكم عبد الرحمن في حركة يوليو/تموز 1968، بعد أن داهموا قصره وأجبروه على التنحي مقابل ضمان سلامته وعائلته، وتم نفيه الى إسطنبول حتى عاد أوائل الثمانينيات بعد أن أذن له الرئيس الراحل صدام حسين.
ومع الغزو الأميركي للعراق عاد عبد الرحمن لاغتراب آخر وهذه المرة بالأردن التي عاش فيها حتى وفاته في 24 أغسطس/آب 2007 ليدفن في مقبرة شهداء الجيش العراقي بمدينة المفرق الأردنية.
375 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع