فاروق القاسم ..يا لها من قصة رائعة تكاد لا تُصَدَق
اعداد : بدري نوئيل يوسف
عرفه الشعب النرويجي بأفكاره المستقبلية المثمرة ، فنال الشهرة الواسعة ، وعشقه الناس في القرى النرويجية لتواضعه وبساطته ، فاستحق صولجان الريادة ، ونال حبهم وكسب صداقتهم ، فكانت قصة رحلته من البصرة المتوهجة بحرارتها إلى أوسلو المتجمدة ببرودتها القطبية ، من أروع القصص والحكايات الشعبية في تلك الديار القريبة من القطب الشمال ، ذاع صيته هناك وكان هو البطل الذي أنقذ الاقتصاد النرويجي من الانهيار ، كان فاروق أول من اكتشف إن السعادة في النرويج هي كنز وحيد فمن وجده فلا يفرط فيه ، فكلما تقاسمها مع الآخرين تضاعفت وازدهرت . كان اقتصاد النرويج يعتمد بصورة رئيسية على صيد الأسماك وتصديرها ويعتمد السكان في غذائهم على الزراعة في بيوت زجاجية أو حقول مغطاة وكذلك زراعة بعض الخضروات والفاكهة كان هذا قبل اكتشاف النفط في ستينيات القرن الماضي لم تكن النرويج بلدا أوربيا غنيا.
فاروق القاسم الشاب العراقي استقال من شركة نفط العراق في شهر مايس من عام 1968 ، قرر السفر مع أسرته بسبب ابنه الذي كان يعاني من العوق لغرض علاجه ، كانت زوجته نرويجية وانضم إلى عائلتها في أوسلو عاصمة النرويج .
فاروق القاسم هو عراقي نرويجي عالم في جيولوجيا النفط ، ولد عام 1934 في البصرة جنوب العراق ، اشتهر في دوره في استكشاف النفط في النرويج درس فاروق القاسم جيولوجيا النفط في الكلية الإمبراطورية في جامعة لندن في المملكة المتحدة بعد حصوله على منحة من شركة نفط العراق وهناك التقى زوجته ، وعاد إلى العراق في عام 1957. وعمل في شركة نفط العراق .
بداية القصة :
بعد وصوله إلى النرويج وفي احد الأيام من عام 1968 وأثناء وجوده في اوسلو العاصمة ، ذهب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية (وزارة العمل حاليا) للاستفسار عن فرص العمل في الشركات النفطية النرويجية ، ولم يكن يعلم فاروق أن هناك عمليات تنقيب جارية في بحر الشمال ، لكي يسألهم عن الشركات النفطية في النرويج وربما يحتاجون إلى مهندس نفطي جيولوجي ، استقبلوه وحددوا له اليوم التالي لمقابلة بعض الأشخاص ، وبالفعل تم ذلك وتبين أنهم بحاجة إلى اختصاصه ، فكان أشبه بهبة من السماء ، رجل غني بالتدريب الأكاديمي وخبرة علمية في مجال صناعة النفط فحصل على وظيفة مستشار في وزارة التجارة والصناعة النرويجية في ذلك الوقت .
كانت صناعة النفط النرويجية في بداياتها لم تتطور بعد ، والبلد يفتقر إلى الخبرة في هذا المجال ، وما زالت الاستكشافات تجري في بحر الشمال ، وأول اكتشاف كان في كانون الأول عام 1969 ، حيث اكتشف حقل إيكوفسك النفطي ، وهو أحد أهم حقول النفط في العالم ، كان حلما بالنسبة للنرويج أن يتم اكتشاف النفط في بحر الشمال وبتلك الكميات ، إلا أن فاروق القاسم كان يراه واقعا ، وبالفعل وبعد أن قدم تقريرا يوضح فيه إمكانية العثور على النفط في بحر الشمال ، ففي عام 1969 كانت إحدى الشركات النفطية (فيلبس بتروليم) قد طلبت إعفاءها من عملية التنقيب ، ألا أن تقرير فاروق القاسم شجع النرويج على رفض الاستجابة لطلب هذه الشركة بالإعفاء قام القاسم بإسداء النصيحة الى الحكومة النرويجية وكتابة المخطط الرئيسي للآلية التي ينبغي من خلالها للدولة ان تنظم صناعتها النفطية الناشئة ، وضع فاروق القاسم الخطة المستقبلية لنهوض صناعة النفط النرويجية ، إذ إنه قدم مع زملائه مقترحات حول ملك الدولة للنفط ، وحصلت المقترحات على الموافقة ونفذت بواسطة قانون أقر بالإجماع ، فأنشئت مديرية النفط النرويجية وتأسيس شركة (( Statoil )) (شركة النفط الوطنية النرويجية التي تسمى اليوم ستات اويل هيدرو) عام 1972 ، وعمل فاروق القاسم في مديرية النفط النرويجية التي أنشئت حديثا ، وشغل منصب مدير إدارة الموارد .
اسهمت معدلات التنقيب التي فرضها القاسم في تعزيز عائدات النفط والغاز ، وبالتالي فأنها اسهمت وبشكل غير مباشر في رفع حجم صندوق الادخار النرويجي ، وكان يُصّر على ان تجرب الشركات تكنولوجيات وتقنيات جديدة مثل حقن الماء في الابار الطباشيرية ، والحفر الافقي وليس فقط العمودي وكان يهدد بسحب تراخيص الحفر من الشركات المتلكئة.
أثبتت الأيام اللاحقة أن فاروق كان محقا في تقريره حيث تم اكتشاف النفط في (ايكوفسك) ، وهو أحد أكبر حقول
النفط في بحر الشمال ، وبين ليلة وضحاها تحولت النرويج إلى دولة نفطية ، يقول عنه اولسن مدير شركة النفط الوطنية النرويجية (فاروق هو أفضل مبدع حظيت به النرويج).
تمكن فاروق القاسم من تحقيق توازن في توزيع أرباح النفط ، وكانت جذابة بما فيه الكفاية لشركات القطاع الخاص ويتيح للحكومة النرويجية الحصول على مبالغ كبيرة دون الفوائد التي تؤثر على النظام الاقتصادي وسياسة البلاد كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى المنتجة للنفط ،كما ساهم من خلال عمله في مديرية البترول النرويجية في زيادة معدل الاستخراج إلى مستوى يصل إلى 45٪ بينما المتوسط العام للبلدان الأخرى هو 25٪ .
ومنذ عام 1996 وبتوجيه من المهندس العراقي بإيداع ايرادات النفط النرويجية في صندوق توفير خاص تبلغ مدخراته الآن 240 مليون باوند استرليني ، وحصة كل مواطن نرويجي فيه 50 الف جنيه استرلينى.
في عام 2006 حصل على جائزة جائزة ONS Ærespris النرويجية الفخرية بسبب جهوده ومساهمته في تطوير التكنولوجيا في النرويج لدوره المهم في صناعة النفط النرويجية ، لكنه لم يكن معروفا خارج نطاق صناعة النفطية حتى عام 2009 عندما كتبت عنه مجلة فاينانشال تايمز .
في عام 2012 ، أصبح فاروق القاسم فارسا من الدرجة الأولى وحاملا لوسام القديس أولاف .
يعيش ألان فاروق القاسم مع عائلته المكونة من 3 أبناء وزوجته في مدينة Stavanger النفطية في أقصى جنوب غرب النرويج ، وقد اصبح ابنه بصحة جيدة تحت تأثير العلاج والرعاية التي تلقاها في البلد الذي احتضن عبقرية والده . في وقتنا الحاضر يقف القاسم كشخصية مرموقة ومعروفة تحظى بحب واحترام من المجتمع النفطي للبلاد وقد اصبحت قصة زيارته الى وزارة الشؤون الاجتماعية في ذلك اليوم للبحث عن عمل من القصص الشعبية المشهورة في النرويج ، وجود هذا الرجل العراقي ساعدت في بداية الامر على ان نضع الامور في مسارها الصحيح ولولاه لترك للشركات الاميركية تملي على النرويج شروطها .
هناك تكملة لهذه القصة ، هل انتهت حكاية المواطن العراقي فاروق القاسم عند بحر الشمال ، فبعد سقوط النظام السابق زار فاروق العراق مع وفد نفطي نرويجي ، كتب فاروق أول مسودة لقانون النفط الجديد في العراق بعد الغزو الأمريكي في عام 2003 ويمكن تطبيقها ، انطلاقا من النموذج النرويجي لكن المساومات السياسية أفضت الى تعديل المسودة التي وضعها ، وتمت المصادقة على صيغه التعديل وهذا ما استنكره الفاروق وترك كل شيء ورحل .
عن جريدة المدى (العدد 3626 – الاحد ، 17 نيسان 2016 ) ويخبرنا أنه فاوض حكومة بغداد بشأن خطة متكاملة لإنقاذ الاقتصاد العراقي وتطوير صناعة النفط ، المسئولون قالوا له : خطتك صعبة التنفيذ ، ننصحك بأن تعود الى النرويج ، لكي لا تُقتل لم يجد أمامه بعد النصيحة " الثمينة " سوى أن يجمع أوراقه ويحمل حقائبه ويسحب مشروع الحلم بعراق مزدهر ومعافى (يا لها من قصة رائعة تكاد لا تُصَدَق) .
المصدر:
ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
عرب دانمرك
ملف خاص نشرته جريدة المستقبل / بغداد / 22/2/2012
جريدة المدى
1459 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع